2008/11/28

المجمع اللبناني

المجمع اللبناني الحديث
إن المجمع الماروني الذي كان الحدث الأهم طيلة شهر من الزمن في كل وسائل الإعلام اللبنانية والإغترابية هو بحدّ ذاته حدث فريد على صعيد إنهاض الطائفة المارونية وذرّ الغبار عن وجهها على كافة الصعد الروحية منها والإجتماعية والقانونية والرهبانية والعلمانية والإقتصادية والإعلامية والسياسية...
وهذا المجمع وإن تسمّى بالمجمع الماروني وليس بالمجمع اللبناني على غرار سنة 1736 فإنه يحمل في طيّات مواضيعه هموم وشجون لا الطائفة المارونية في لبنان وبلاد الإغتراب وحسب بل وكلّ هموم الوطن اللبناني من جنوبه إلى شماله ومن بقاعه إلى ساحله مع إمتداد لبنان في محيطه العربي وفي العالم.
قيل أن المجمع الماروني جاء بعد الرجاء الجديد للبنان كما كان المجمع اللبناني بعد المجمع التريدنتيني وذلك من أجل نهضة الكنيسة المارونية.
ومن منظور آخر للمجمع الماروني يحقّ لنا أن نقول أنه جاء في زمن ليحدّد الهوية المارونية ويجمع شمل العائلة في لبنان وفي بلدان الإغتراب تحت راية بكركي وبالطبع دون أن يكون هناك من تحدّ لأحد لأن أمور البيت يجب أن تنظّم بعد نحو ثلاثمئة سنة وصيانة البيت وتجديده واجبة وإلا انهارت دعائمه.
فالمطلوب من كلّ فريق في لبنان أن يحذو حذو الطائفة المارونية للعمل من أجل التجديد في قلب الجماعة وفي قلب الوطن وفي بلاد الإغتراب وليس ضيرا أن يكون هناك سجالات في الرأي ضمن وحدة الكنيسة المارونية على الصعيد المقيم والمغترب وعلى صعيد التحاكي باللغة الأم وكل لغات العالم.
فالكنيسة المارونية إنطاكية الجذور سريانية اللغة وهي اليوم إضافة إلى ذلك لبنانية عربية عالمية.
وقبل أن تقع الطائفة المارونية في فوضى الإنتماءات واللغات البابلية وتيار العولمة كان لا بد من مجمع ماروني يعيدنا إلى جذورنا فنتساوى فيه مهما كانت فروقاتنا.
كان لا بدّ من مجمع ماروني قبل أن تصبح الفوضى فينا مقوننة ومشرعنة ونصير في الأمر الواقع.
فعندما يكون الموارنة بخير يكون لبنان بخير بحسب قول شارل مالك ولهذا واجب على الموارنة أن يقيموا هذا المجمع الماروني وإلاّ فهم غير أمينين وغير ملتزمين بانتمائهم لمارونيتهم وبالتالي للبنانهم.
والمجمع الماروني ليس غريبا عن اللبنانيين في طروحاته وبما فيه من مواضيع تعني الإنسان في لبنان وخارجه والأساقفة والرعايا والرهبانيات والإكليريكيين والعلمانيين والرجال والنساء والشباب والأطفال والمدارس والإستشفاء والإغتراب والهجرة والهويّة والإنتماء...
والمجمع الماروني لا يعني الموارنة وحسب بل والكنائس الأورثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية والأنغليكانية والطوائف السنية والشيعية والدرزية والمحيط العربي والإقليمي والشرق أوسطي والمتوسطي والعالمي...
إن كلّ لبناني هو مسؤول اليوم عن الموارنة كما الموارنة في حمل رسالة القيم في تاريخهم السحيق الغائر في الماضي كما في آفاق المستقبل الآتي.
وإن إغلاق باب التلاقي الماروني مع الإغتراب هو خنق للتواصل مع الكنيسة الأم وكذلك فالتأقلم في الغربة يفقد الماروني جذوره اللبنانية والمارونية معا.
وهذا ما يقال عن ارتباط الموارنة بتاريح لبنان وبمحيطهم العربي والإقليمي، وعلاقتهم بروما وفرنسا وسائر الدول الغربية.
إن الوجه العربي الذي ألبس للبنان يوم الإستقلال كان وجها مشوها عن الوطن الكبير الذي شاءه البطريرك الحويك. واليوم يأتي المجمع الماروني ليعيد للبنان صورته الحقيقية ودوره الطليعي في العالم العربي ورسالته في محيطه.
نعم كان لا بد من مجمع ماروني ليحافظ على وديعة الإنجيل من أجل البقاء في هذا الشرق
وكان لا بد من مجع ماروني من أجل أن لا تتحول المارونية إلى مارونيات وأن لا تصبح كلّ أسقفية بطريركية وكل زعامة مارونية جمهورية. فالكنيسة المارونية هي واحدة في مرجعيتها جامعة في انتشارها شمل الموارنة مارونيا وسياسيا تحت مظلّة واحدة مهما افترى عليها المفترون...
ولو كانت الكنيسة المارونية كنيسة قومية متقوقعة إنعزالية لكانت كنيسة بدون أرض وبدون جغرافية ولما كان لها مقامها المقدس في المكان ولا كان لها تاريخها عبر الزمن مثل القدس وروما ومكّة والنجف...
وأمّا عن الهوية المارونية التي باتت غير منفصلة عن الهوية اللبنانية فنجدها في مسارها التاريخي أنها هوية منفتحة على العالم العربي والدولي ولا تقبل بأن تختزل في معادلات إقليمية على حسابها وعلى حساب الوطن ولا أن تهمّش في حضورها على كافة الصعد الدينية والسياسية. وإن اتهمت أحيانا بغير سلوكيتها من بعض المتجنّين عليها.
ونضيف على ما جاء في البيان الختامي للدورة الأولى بأن هذا المجمع لم يكن فقط نتيجة المجمع الفاتيكاني الثاني والسينودوس من أجل لبنان بل وأيضا نتيجة إتفاق الطائف حتى نكون منصفين في مقولتنا وتطلعاتنا.
فالمجمع الماروني هو حالة استثنائية في الطائفة المارونية وفي لبنان لأنه سيقرّر في بيانه الختامي النهائي بإلهامات الروح مستقبل الموارنة ودستور علاقتهم ببعضهم البعض وبغيرهم من اللبنانيين وبسواهم من الدول حيث يتواجد فيها أبناء الطائفة المارونية بما لهم من مكانة في العالم إن على الصعيد الفكري والعلمي والمالي والإقتصادي وحتى السياسي...
كان للمجمع الماروني هذا أن ينعقد قبل اليوم ولكن ما دام قد تمّ ولو بعد طول انتظار فإنه سيكون بكلّ تأكيد خيرا للطائفة المارونية وللبنانيين في الوطن والمهجر... على فروقاتهم... ولكل من له صلة أو علاقة بالموارنة. ويبقى المستفيد الوحيد هو الوطن.
فالمطلوب اليوم الإفادة من المجمع الماروني ليكون لكل اللبنانيين مجامعهم على غرار هذا المجمع فنتلاقى في الوطن الواحد كما يتلاقى الموارنة من كلّ العالم حول مركزيتهم الروحية والسياسية في بكركي.
فبدون بكركي تصبح المارونية مارونيات.
وبدون بكركي يصبح لبنان لبنانات.
ويبتلع عصر العولمة الجميع.
إن للمجمع الماروني من الإيجابيات ما يخفى على الذين ينظرون إليه بمنظار السلبية وخاصة في عهدة بطريرك نسلّمه أمر ناصيتنا لأن لنا ملء الثقة بقيادته الحكيمة لسفينة الطائفة المارونية ولكلّ لبنان.
فتعالوا أيها الموارنة إلى كلمة سواء في المارونية.
وتعالوا أيها اللبنانيون إلى كلمة سواء في الوطن.

15-8-2003 الأب جورج صغبيني

2008/11/27

الرغيف الرغيف

الرغيف الرغيف

الرغيف والأمن
الأمن والرغيف
شعارات أطلقها سياسيو الحرب في لبنان
ليلهوا بها شعب وطني
الجائع والخائف كلّ يوم
من غده
ويكفي كلّ يوم شرّه
وليُقنع بها كلّ سياسيّ أتباعه
بأنه دون سواه يعنيه أمرهم
ويعمل في الحلم واليقظة
من أجل كفافهم اليومي
من عرق جبينه
ومن أجل حمايتهم وأمنهم
بمعسكره الحزبي
وبمعسكره الطائفي
من إخوة لهم في الوطن دائما
ومن إخوة لهم في الدين حينا
ومن إخوة لهم في الطائفة حينا آخر
حتى يبقى هو الزعيم من دون منازع له على الزعامة
وحتى يبقى الأمير الوريث لأبيه على قطعان البشر من الناس كما من الماشية والأرض والشجر
ويصدّق الشعب الغبيّ المقولة
ويصدّق الشعب الموروث الشعارات
فيقتل الإنسان أخاه وابن أبيه
من أجل حماية مزرعة الزعيم السياسي
ومن أجل أن يبقى كلب حراسة له
يقتات من فضلات مزبلة زعيمه
الذي يؤمن له الوظيفة والمعاش الشهري
من دون أن يعمل
ويؤمّن له الحماية من القانون
عند خروجه على القانون

وسيبقى شعب وطني جائع وغير آمن
منذ أن ورث الإبن الزعامة عن أبيه
ومنذ أن ورث هو الإستزلام عن أبيه

وسيبقى شعب وطني جائعا لرغيف القناعة
وسيبقى شعب وطني غير آمن على غده
من وهم سياسيّ
بات حقيقة في واقعه
فدخل مزرعة جزّار "يعلفه" ليوم الأضحى السياسي
فيقتل الآخرين على الهويّة
ويرتكب المجازر الجماعية
ويحترف هواية قنص الناس كما الحيوان
ويعود ليختبئ في مزرعته الحزبية
ويحتمي خلف دولته الطائفية

ويبقى شعب وطني جائعا
لا يشبع
ويبقى شعب وطني خائفا
لا يأمن حتى إلى يومه
ولا إلى غده

شعب وطني جائع
جائع إلى وطن يحميه من مزارع السياسيين والطائفيين
جائع إلى دولة تؤمّن له المدرسة بدل السجون
جائع إلى دولة تؤمن له الكهرباء والدواء
وتؤمّن له اعلم وتربية الإنتماء إلى الوطن
لا أن تسلـّمه إلى عصابات الخصخصة من الزعماء
لا أن ينتقل من استزلام لمزارع الأمراء إلى استزلام لزعماء الأحزاب إلى استزلام لتجّار خصخصة الدولة الشركة إلى شركات وتحويل الوطن الدولة إلى دويلات طائفية في دستور الطائف بدلاً من دستور الوفاق

شعب وطني جائع
وهو يدفع الضريبة والضريبة المضافة
ويعفى منها الزعماء
ويدفع مرتين فاتورة الماء المقطوعة في وطن الينابيع
ويدفع مرتين فاتورة الكهرباء المقطوعة إلا عن بيوت الزعماء
ويدفع مرتين فاتورة الهاتف المخصًخص لأبناء الزعماء
ويدفع حياته من دون قيمة ثمنا لهؤلاء الزعماء

شعب وطني جائع
نعم جائع
حتى بات يرى كلّ شيء رغيفا
وكلّ شيء كهرباء
وكلّ شيء ماء ودواء وطرقات ووسائل نقل وضريبة وحدّ أدنى من الأجور... ورشوة لأزلام الزعماء

شعب وطني جائع
فمن يشبع جوعه
في دولة بدون رأس
في دولة شعبها كلـّه رؤساء
في دولة شعبها كلـّه زعماء
في دولة يحكم زعماءها السفراء
في دولة يحكم طوائفها الغرباء

شعب وطني جائع
جائع لدولة لا تبيع "البسكويت"
ولا الشعارات
جائع لدولة لا تبيع أرضها للشركات
ولا شعبها على أبواب السفارات
جائع لدولة لا تعيد عهود السلاطين
ولا المشيخات
ولا الباكوات
جائع لدولة لا يكون وزراؤها ونوّابها
أمراء حرب
وعصابة "علي بابا"
وتجّار رقيق ولا سفـّاكوا دماء

شعب وطني جائع
إلى الخبز
وليس بالخبز وحده يحيا...
وهل تتحوّل الحجارة إلى خبز
لتشبع الجائعين
وهل إن صَمَتَ أطفال وطني عن الصراخ
تتحول الحجارة إلى أصوات في المظاهرات
وهل يتحوّل الرغيف إلى حجارة
لرجم زعماء وطني
ولرجم رجال طوائف وطني
لأنهم لا يستحقـّون شعب وطني

1 شباط 2008 الأب جورج صغبيني

2008/11/19

عيد الجيش الأول من آب

قراءة سياسيّة للجيش
وقراءة عسكريّة للسياسة

بمناسبة الأوّل من آب 2000

مأساة جيش لبنان أنه ضحية سياسيّيه.
هذا الواقع في لبنان غير ما هو عليه في جميع دول المنطقة والعالم.
إذ أن الجيوش تأتمر بأمر القيادة العليا لها وما تأمر به الحكومات مجتمعة إلاّ في لبنان فلكلّ سياسيّ جيش ولكلّ طائفة عسكر ولكلّ زعيم جنود حتى بات الولاء للمناطقية يغلب على الولاء للوطن.
هذا الواقع كان إلى زمن غير بعيد متّبعا في سياسة توافقيّة بين زعماء وطوائف الوطن يتقاسمونه بالتراضي.
وقد افرد المرحوم النائب العقيد فؤاد لحّود كتابا بهذا الموضوع سمّاه "مأساة جيش لبنان" شرح فيه بالتفاصيل الموثوقة مشكلة وطنية اعتبرها البعض تجنّ عليهم حين اراد أن يجعل من هذه "العسكريتايا" مؤسّسة وطنية ينصهر في بوتقتها كل الوطن أحزابا وطوائف وأديانا وزعامات وعشائر. وليس السبيل لوحدة الوطن إلاّ من خلال هذه المؤسّسة التي تبقى مساوئها أفضل من فضائل سواها مهما تعاظمت.
لقد أسهب العقيد لحّود في تمجيد بطولة الجيش اللبناني عبر التاريخ ليقارن بأُسلوبه الديبلوماسي مع واقعه في أيامه وكأنّه يدعو السياسيين ليرفعوا يدهم عن هذه المؤسّسة فلا يفسدوا قيمها بمصالحهم…
يتساءل العقيد لحّود قائلا:"هل يبقى لبنان يفتّش عن جيش من الخارج لإنقاذ ما تبقّى من لبنان".
ويضيف :" من عارض سوريا في الماضي يتمسّك بها اليوم لخلاصه…".
و"من كان يعادي فرنسا بالأمس يدعوها اليوم لإرسال قوّاتها إلى لبنان".
فمأساة الجيش ليست في الجيش.
هذا الجيش الذي تسلّمته السلطة اللبنانية من السلطة الفرنسيّة في الأوّل من آب 1945 وكان أوّل قائد له الأمير فؤاد شهاب الذي اصبح رئيسا للجمهوريّة اللبنانية.
هذا الجيش ليس وليد ساعته بل يحمل في تاريخه بطولات الزمن الغابر… منذ هنيبعل الذي دقّ أبواب روما… إلى المردة الذين دبّوا الرعب في نفوس الأعراب والأروام… إلى الأمير المعني وتوسّع جغرافية الإمارة إلى حدودها الطبيعيّة وقد استبسل جيشه في معارك حماه ومجدل عنجر وغزّة…
ولكن في أيام الأمير الشهابي حين أصبح الجيش الوطني بإمرة دولة مصر بقيادة ابراهيم باشا ضربه التفكّك والتلاشي…
حتى بات منذ سنة 1841 في عهد القائمقاميتين جيشين لدولتين…
وتقزّمت مبادرته مع بداية عهد ا لمتصرّفيّة إلى حين اندحار تركيّا في الحرب العالميّة الأولى التي التحقت فيها فلول الجيش اللبناني بـ"فرقة" الشرق وقاتلوا على جبهة فلسطين في صفوف الحلفاء.
ومع عهد الإنتداب عام 1920 كانت أوّل وحدات لبنانيّة سوريّة عرفت بـ"قوّات الشرق المساعدة" وعرفت عام 1930 بـ"قوات الشرق الخاصّة" خاضت معاً معارك عديدة أدّت في الختام إلى استقلال لبنان واستقلال سوريا.
لقد امتزجت الدماء من أجل وحدة القضيّة ومن أجل وحدة المسار والمصير بحسب تعبير المقدّم فوزي سلّو قائد الفوج السابع السوري المكلّف باحتلال قصر بيت الدين حينها لقائد سريّة النقل 105 فؤاد لحّود:" علينا أن نتعاون كلّنا لأن الضربة الموجّهة اليوم إلى لبنان ستوجّه غدا لسوريا…"
هذا التعاون الإستقلالي أعطى لبنان وسوريا استقلال كلّ منهما
وتمّ وضع فوج القنّاصة الأول الذي كان بقيادة المقدّم جميل لحّود تحت تصرّف السلطة اللبنانيّة تمهيدا لاستلام بقيّة الوحدات اللبنانيّة…
وكان الأوّل من آب سنة 1945 يوم تحقيق الأماني فتسلّمت السلطة اللبنانيّة مقدّرات جيشها الصغير بعديده وعتاده والكبير ببطولاته وأمجاده بقيادة الأمير فؤاد شهاب.
هذا الجيش الذي أروى بدمائه أرض الوطن وأفشل بوحدته مخطّطات تقسيميّة وانقلابيّة… لا يزال مصير ووحدة هذا الوطن مرهونان بوحدته ومناعته ضدّ كلّ ما يسيء إلى وحدة الشعب والأرض.
إنّ تسلّم اللواء فؤاد شهاب رئاسة الجمهوريّة إنما كان على أثر توافق جميع اللبنانيين لإصلاح ذات البين في ما بينهم بعد أن تطاحنوا في حرب عبسيّة كالتي عاد لبنان ومرّ فيها بفضل سياسيّيه الفطاحل الذين أورثوا لبنان ما أورثوه من خراب ودمار وشهداء وأبرياء ماتوا من أجل لا شيء…
وإن كانت حكومة نور الدين الرفاعي العسكريّة والشبه إنقلابية بتاريخ 23 أيار 1975 لم ترَ النور بسبب تصلّب أراء بعض المتآمرين على لبنان وإلاّ لكنّا بغنى عن عشرين سنة تقاتل وتذابح على الهويّة الطائفيّة والحزبيّة تحت شعارات جوفاء…
وإن كانت الحكومة الإنتقاليّة مع العماد ميشال عون جاءت في ظروف لا تسمح بإنقاذ ما تبقّى لإنقاذه.
فإنّ تسلّم العماد إميل لحّود لزمام سفينة الوطن كان حلم جميع اللبنانيين الذين وجدوا فيه المنقذ لوحدة الوطن بعد أن وحّد الجيش في بوتقة الوطن الواحد إلاّ بعض الحردين الخائفين على مصالحم من حضور دولة القانون والمؤسّسات إذ يريدون "أن يبقى الحبل على غاربهم حتى بدون توكّل".
وجميع أصحاب النوايا الخيّرة ترى أن لا خلاص إلاّ بحضور الجيش الحسّي والفاعل على كلّ شبر من الأراضي اللبنانية وإلاّ يبقى الخوف مسيطراً على البعض من هؤلاء لغياب الجيش عن الساحة اللبنانية.
فالجيش اللبناني الذي يأمن له كلّ مواطن سلّم أمره لله ولسلطة القانون والشرعيّة يأمل أن يكون هذا الجيش حماه من قطّاع الطرق وقطّاع أوصال القانون ومقتطعي الوطن وقاصمي ظهر الدولة رغم تغنّي البعض بالسياسة الفاسدة التي أغنتنا بكلّ ما لها من مساوئ وويلات. فمن يحاسب مثل هؤلاء وأيّ سقف يستظلّهم؟
لقد انقطع زمن الإمارة والمشيخة والباكويّة واستقطع زمن التولّي على جغرافية الوطن بحسب الخراج والعائليّة والفخذيّة وحان لدولة الديموقراطيّة أن تحلّ بالفعل لا بالإسم تحت أمرة رئيس واحد وجيش واحد مهما تعاظمت الصعاب وتوالت ظروف الزمن.
فإننا مع هذا الجيش
نأمن على غدنا
أكثر ممّا نأمن على أنفسنا من أنفسنا.
الأب جورج صغبيني

نشر في مجلة الأمير بمناسبة عيد الجيش سنة 2000

2008/11/14

أعمدة الكهرباء تزهر نوّاباً للوطن

أعمدة الكهرباء تزهر نوّاباً للوطن

أخبرني والدي، ذات يوم، عن شخص مرّ بقرب منزل. فرأى رجلا يغتصب فتاة بعد أن قتلها. فثارت فيه روح الغضب وقتل المغتصب شرّ قتلة على فعلته هذه. وبعد أن هدأت ثائرته وتنبّه إلى ما فعل، مضى إلى كاهن القرية واعترف تائبا نادما. فما كان من الكاهن إلاّ أن أعطاه تكفيرا عن خطيئته لا صلاة وحسب بل قطعة خشب يابسة محروقة كانت تستعمل في تحريك نار موقد المعصرة حتى يزرعها ويسقيها كلّ يوم وحين تفرخ تكون خطيئته قد غفرت. فمضى الرجل وفعل بما أمره خوري القرية. وما هي إلا أسابيع حتى أفرخت قطعة الخشب تلك.
هذه القصّة حضرتني في هذه الأيام حين أشاهد أعمدة الهاتف المغمّسة بالقطرون وأعمدة الكهرباء الحديديّة المطليّة بالبويا الصفراء تزهر!
نعم تزهر
تزهر صورا للنوّاب
لنوّاب الوطن والغد والمستقبل والأمل المنشود.
ورغم خطيئتنا نحن شعب هذا الوطن
فإن الله أحنُّ علينا من بعضنا على البعض الآخر.
أعمدة غابت عنها الكهرباء
فاستبدل الله لنا بها صوراً زينةً نوّاباً.
وبدلاُ من على كلّ عامود مصباح واحد
أكثر علينا من الصور المضيئة البهيّة الطلّة والعريضة الإبتسامة…
ولكن من دون أن تظهر فيها مخالب وأنياب الجالس في فراش جدّة "القلنسوة الحمراء".
من تنتخبون يا شعب الوطن؟
هل تأتمنون من تنتخبون على مستقبل أولادكم؟
هل تأتمنونهم على أموالكم؟
هل تأتمنونهم على أرزاقكم وأعناقكم؟
فكيف إذن تأتمنونهم على الوطن ؟
كل الوطن شعباً وأرضاُ!

يا شعب وطني
إحمل صور نواب لبنان المستقبل والغد،
وزيّن بها شوارع وطنك في شهر التسوّق
لتجلب بمناظرها المغتربين إلى الوطن
والسوّاح إلى جمالات لبنان وعجائبه
التي فاقت عجائب العالم السبع،
وزيّن بها صدر بيتك بدل صور الأولياء والقديسين
بعد أن أزهرت بها عواميد الكهرباء والهاتف.

في وطني وحده
وهو وطن العجائب
وعجيب الله في خلقه
تنتشر صور النواب
في موسم شحن النفوس
بالطائفية والعشائرية والعائلية والحزبية
ويتناسون جميعهم الوطن
ويتسابقون على الجلوس ولو على عامود
ولم يبق إلاّ أعناق الناخبين
لكي كلّ واحد من الناخبين
يعلّق
على شبه من لا يشبّه به
في عنقه صورة نائبه.
كيف لا؟
ونوّابنا شفعاؤنا…
عند انقطاع الكهرباء فهم نور دربنا
وعند انقطاع الماء فهم موردنا
وعند تحفّر طرقاتنا فهم زفتنا
وعند مرضنا فهم آهاتنا وآخنا
ووسطاؤنا في المستوصفات الخيريّة
وعند دفع فواتيرنا فهم بنك تسليفنا
وعند جوعنا فهم كفافنا
وعند موتنا فهم إكليل على قبرنا.
ويقطعون فينا كلّ أمل ورجاء إلاّ بهم
حتى نستشفعهم ونستصرخهم ليل نهار
وهم الحاضرون دائما في بالنا.
وندفع بكلّ طيبة خاطر ثمن تصاريحهم
التي يكفينا كلّ يوم شرّها.

ولأنّنا شعب غبيّ
نجدّد لهم الولاء.
ولأننا شعب جاهل
نرفعهم على الاكفّ والراحات.
ولأنّنا شعب لا مستقبل له
لا ننتخب للمستقبل…
وقد صدق من قال:
" كما تكونون يولـّى عليكم".
أ. جورج صغبيني
نشرت في مجلة الأميرة عدد 5 أيلول - ت1 سنة 2000

كتب مطبوعة للأب جورج صغبيني

كتب مطبوعة:
- قربانتي الأولى، أبرشية صور والأراضي المقدسة- 1981 (نفد)
- مار شربل، أبرشية صور والأراضي المقدسة- 1981 (نفد)
- زياح مار ساسين، مطبعة لطيف- 1984 (يطلب من دير مار ساسين بسكنا)
- الشاعر المجهول، مطبعة لطيف - 1986
- الشاعر المجهول في ذكرى رحيله- 1987(نفد)
- روزنامة مار يوسف– بسكنتا ، مطبعة لطيف - 1987(نفد)
- دليل هاتف- بسكنتا، مطبعة لطيف – 1987 (نفد)
- معرض مار يوسف بسكنتا ، 1988 (نفد)
- بناء كنيسة مار يوسف- بسكنتا- 1988 (نفد)
- خدمة المحبة ، المطبعة البولسية - 1997
- تاريخ دير مار موسى الدوار- تاريخ قرية، مطبعة كركي- مار موسى - 1998
- كاريتاس لبنان، 25 سنة في خدمة المحبة، مطبعة كركي- 1998
- دير ومدرسة مار جرجس عشاش 2002- 2003، مطبعة القارح، زغرتا - 2003
- دير مار جرجس عشاش 1847- 2004، مطبعة القارح، زغرتا- 2004
- الحركة الكشفية، ثلاث وثلاثون سنة في خدمة لبنان، مطبعة القارح، زغرتا- 2004
- الإغتيالات في لبنان- 2006
- أنطش سيدة المعونات- بعلبك 2007

السيد رولان أبو جوده


شكرا للسيد رولان أبو جودة على مساعدته في تحقيق هذه المدونة الإلكترونية