2008/12/16

شهداء دير مار جرجس – عشاش

شهداء دير مار جرجس – عشاش
دير مار جرجس – عشاش
في سنة 1805، أوقفت السيدة ماريا سوسان، أرملة السيد جرمين الفرنسي، الحلبية الأصل والفرنسية التبعية، نصف أملاكها في قرية عشاش للرهبانية، باسم فقراء دير مار انطونيوس قزحيا، وذلك بموجب صك شرعي، وبموافقة مطران الأبرشية جرمانوس تابت. فشرع الرهبان بتحسين الأراضي وغرسها. وبعد وفاتها حصلت مشاكل ودعاوى كثيرة على هذه الوقفية، استمرت حوالي ربع قرن، إلى أن ثبت في النهاية ان هذه الملكية هي لدير مار انطونيوس التابع للرهبانية المارونية.
وفي المجمع العام المنعقد في دير سيدة طاميش في 10 تشرين الثاني سنة 1847، تقرر إنشاء دير على اسم القديس جرجس في منطقة عشاش، كما تقرر تخصيص الأملاك الموقوفة لدير قزحيا والمار ذكرها لإنشاء هذا الدير الجديد على إسم القديس جاورجيوس.
فشرعت الرهبانية حالا بتنفيذ هذا القرار، وبدأت بأساسات الدير، إلى أن تم بناؤه بشكله الحالي سنة 1924، وقد بلغت نفقات البناء وشراء الأملاك والتجهيزات اللازمة نحو مئتي ألف غرش فضة وذهب عملة تركية.
وتمّ تشييد الكنيسة خارج الدير سنة 1940. وبعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) حوّلت الرهبانية هذا الدير الى مدرسة، وأدخلت عليه الإصلاحات اللازمة ليقوم برسالته التربوية والثقافية في محيطه.
من الحوادث التاريخية المؤلمة التي جرت فيه، قتل الأخ عبدالله الفراديسي عن عمر ثلاثين سنة في 28 حزيران 1906.
وهجوم البعض على الدير سنة 1918 لخلاف مع شركاء الدير، ونهبه وتشريد رهبانه، وقتل الأخ الياس الصغابي بتاريخ 29 حزيران 1918.
وفي سنة 1926، وأثناء ثورة منطقة الضنيّة على الدولة الفرنسية، جعلت هذه الدولة من الدير مستودعا للذخيرة والمؤن، وأقامت فيه حامية لضباطها وجيوشها حتى استتب الأمن في المنطقة بفضل مساعي البطريرك الماروني.
وعام 1975 كانت الأحداث الأليمة على الدير الذي سقط فيه ثلاث شهداء من الرهبان في 9 أيلول.


الشهيد الأب بطرس ساسين
هو الرئيس الحادي والثلاثون. ولّي رئاسة هذا الدير سنة 1910- 1913 وثانية في 15 شباط سنة 1938ولم تكن مدة رئاسته هذه سوى سنة واحدة.
ولد سنة 1881 في قريته سرعل في شمال لبنان. فكان منذ نعومة أظافره يتنشق من الوادي المقدس رائحة التقوى والفضيلة. يشده حنين إلى دير مار انطونيوس قزحيا عند سماعه الأجراس التي كان يردد صداها الوادي المقدس.
لما بلغ سنّ الخامسة عشرة دخل الرهبانية. فأرسله رؤساؤه إلى دير سيدة ميفوق ليمتحن هناك مدة سنتي الابتداء، وما عتم أن نذر نذوره الأولى في الدير المذكور بتاريخ السابع عشر من شهر كانون الثاني عام 1898 وكان له من العمر سبعة عشر سنة. ثم أرسله رؤساؤه لمتابعة دروسه الثانوية لما رأوا فيه من الكفاية والجدارة لكثرة ذكائه وأذنوا له بمتابعة دروسه اللاهوتية.
حاز على إعجاب أساتذته ومعلميه فسيم كاهنا بتاريخ الحادي والعشرين من شهر أيار 1904.
عين رئيسا على دير مار جرجس عشاش سنة 1910-1913. وبرئاسته هذه جرّ المياه إلى الدير.
أعيد تعيينه رئيسا على الدير المذكور من 1938 إلى 1939 وفي هذه الأثناء باشر ببناء كنيسة الدير.
ثم عين رئيسا على دير مار انطونيوس الجديدة من 1965 إلى 1968 ولكثرة تقواه وفضيلته عين بعد ذلك مرشدا لراهبات دير مار سمعان القرن.
عاوده الحنين إلى دير مار جرجس عشاش فعاد إليه كراهب ديري سنة 1974 لقضاء ما تبقى له من العمر فيه.
توفي شهيداً بتاريخ 9 أيلول 1975 عن عمر 95 سنة





الشهيد الأخ يوحنا مقصود
ولد الأخ يوحنا مقصود في بلدة طورزا شمالي لبنان في السابع عشر من كانون الثاني سنة 1914 ودعي أنطونيوس.
تعمّد في كنيسة مار سركيس وباخوس في التاسع من شباط سنة 1914 يوم عيد القديس مارون وكأن العناية الإلهية أرادت لهذا الشهيد بان يولد يوم عيد أب الرهبان ويعتمد يوم عيد شفيع الطائفة المارونية ليعد نفسه لان يكون راهبا مثال مار انطونيوس ومار مارون.
ترعرع بظل والديه شليطا مخايل منصور مقصود وحنه بنت عماش سليمان على اقتباس الفضائل المسيحية واخذ عنهما الصفات الحسنة والمزايا الطيبة والإيمان القوي بالله وبلبنان. وإذا بصوت يسوع العذب يدعوه من بين أصوات العالم الكثيرة ويقول له اتبعني.
ترك الأهل والبيت الوالديّ وذهب إلى دير مار انطونيوس قزحيا حيث ابتدأ بالحياة الرهبانية. وكانت سنة امتحان لدعوته الرهبانية خرج منها منتصرا على العالم والشيطان والتجارب فأرسله رؤساؤه إلى دير كفيفان حيث ابتدأ سنة ثانية حسب القوانين الرهبانية وصار ذاك الراهب الفاضل وغير اسمه بناء على رغبته وإرادة رؤسائه من انطونيوس إلى يوحنا.
وبعدئذ رجع الى دير مار انطونيوس قزحيا حيث عاش مع اخوته الرهبان مدة طويلة متنقلا ما بين قزحيا والجديدة وبصرما وميفوق ومار موسى الدوار.
وأخيرا أقام في دير مار جرجس عشاش وكأن بالعناية الإلهية قد أعدته منذ مولده ليكون شهيدا فيدير مار جرجس عشاش حيث توج حياته الرهبانية بإكليل الشهادة على مثال شفيعه القديس يوحنا المعمدان وقدم رأسه على طبق الواجب لله وللبنان هو واخوته الرهبان القديسون الذين ذبحوا كالنعاج.
توفي شهيداً بتاريخ 9 أيلول 1975 وهو في عمر62 سنة.



الشهيد الأب أنطونيوس تمينه
هو الرئيس الخامس والثلاثون على هذا الدير1947-1950
ولد في قرية حوقا في أول كانون الأول سنة 1897 من والدين فاضلين هما حبيب تمينة يمّين الشبابي الأصل وكلثوم بولس الحصاراتي.
دخل دير مار أنطونيوس الجديدة حيث انخرط في سلك المبتدئين في 25 أيار سنة 1919 ولبس الإسكيم الملائكي في دير كفيفان في 17 كانون الثاني سنة 1922 وتلقّن علومه في دير سيدة المعونات جبيل فتضلّع باللغات العربية والسريانية والفرنسية وأتقن علم الفلسفة واللاهوت.
سيم كاهنا بوضع يد المطران بطرس الفغالي في 24 أيار 1929 وعيّن في دير قزحيا معلما للمبتدئين.
وسنة 1931 انتدبته السلطة لإدارة تلامذة الرهبانية في بيروت وكانت ترسله لعمل الرياضات الروحية في القرى فيعظ بمسلكه ومثله قبل كلامه.
عيّن رئيسا على دير مار أنطونيوس قزحيا سنة 1938 ولغاية 1944.
وفي السابع من شهر أيار سنة 1947 أوكلت إليه السلطة الرهبانية إدارة دير عشاش والعناية بأمر مدرسته. فبنى جناحين في المدرسة: الجناح الأول لمنامة التلاميذ يسع نحو خمسين سريرا. والجناح الثاني يشتمل على محل درس فسيح الأرجاء. ومدّ ساحات الدير الداخلية والخارجية بالإسفلت.
ثم أنشأ معصرة حديثة للزيت .
وفي أواخر شهر تموز 1950 استقال من رئاسة الدير ليهتمّ بناشئة الرهبانية في إكليريكية ومعهد الروح القدس في الكسليك.
ومن مفاخر هذا الرئيس سلوكه الحسن مع جمهوره وعموم جواره الذين أحبوه ومدحوا سيرة حياته وتقواه وطهارة ذيله وتجرده ووداعته ودماثة أخلاقه.
توفي شهيداً بتاريخ 9 أيلول 1975 عن عمر 79 سنة.
رزقنا الله شفاعتهم.

6 شباط 2003

الأب جورج صغبيني
رئيس دير ومدرسة مار جرجس- عشاش

10 أيار في الذاكرة

10 أيار في الذاكرة

من دولة بلا حدود
خرج شيخ جليل يلبس لون راية السلام
وأخلاق وداعة الحمام
كما من فلك نوح اتّجه في مثل هذا اليوم
ليحط في نافذة فلك الشرق
في وطن اسمه لبنان
حاملا لا بندقية ولا آلات حربية
بل كلمة "السلام معكم".
بثوبه الأبيض كنقاوة ثلوج وقلوب أبناء هذا الوطن
رفرف من باب فلك سماوي
حطّ في مطار الشرق بيروت
يقبل تراب لبنان
الذي أحرقته عدوانية أبنائه له
وأطماع الأعداء به.
اجتاز السواتر الفكرية والعقائدية والحزبية والدينية بين اللبنانيين
وعبر في القلوب المتنافرة فجمعها
كيف لا وفي يده مفاتيح السماء
فهل يعجز عن فتح القلوب على الحب والتسامح والتلاقي.
استقبله الجميع
بعض على مضض
وبعض بحسب ما تقتضيه مصالحه.
دولة بلا حدود
تحمل السلام رسالة لأهل الشرق
والأمل بغد أفضل لأبناء لبنان.
دولة لا تهادن
تعلن السلام على الحرب
والحب على البغض
والرجاء على اليأس
والاتـفاق على الخلاف
وتعلن الحرب على الشرائع التي تبيح الناس للناس.
دولة بلا حدود
مساحتها 44 هكتارا
ورئيسها شيخ جليل
حرسها دمى
وجنودها يحملون رماحا لا تجرح
وحربها لا تميت إنسانا ولا تسبب دمارا…
ولو اجتمعت عليها كل القوى
فحتى أبواب الجحيم لن تقوى عليها.
دولة بلا حدود
يرئسها البابا يوحنا بولس الثاني
أب الكنيسة المجاهدة
يأتمر بأمره نحو مليار إنسان من أصحاب النوايا الصالحة
شيخ هرم معه الزمن
وتعب الذين هم من حوله
وهو لا يستريح ولا يهدأ
لأنه يعرف أن استراحة المجاهد ليست في هذه العالم
ويعرف أن الهدأة هي في الموت.
حجّ إلى لبنان الأرض المقدسة
قبل أن يحجّ إلى الأرض التي تقدست بمرور المسيح عليها
يتهمونه بخرق الأعراف والتقاليد
وقد هدم أسوار روما قبل حائط برلين وأسوار الصين.
يدعوه بعض الأراعن للاستقالة!
وهل تستقيل الفضيلة عن السعي إلى الحقيقة
وهل يستقيل السلام عن أن ينبت في أرض البشر
وهل تستقيل المحبة عن الحب…
يسير كالسلحفاة
ولكنه يسبق الذين يحسبون ذواتهم أن لهم سرعة الأرانب
متسابقين لخلافته على منصبه.
هذا الشيخ الجليل الخارج من شرنقة الفاتيكان
سالكا الطريق العكسية لبولس الرسول
نحو لبنان
نحو بيت لحم والناصرة والجلجلة والقيامة
نحو دول العالم كل دول العالم
فحيث يمرّ يصبح المكان هناك مزارا
يصبح محطة في تاريخ المستقبل
إلا في لبنان.
في لبنان مرّ كسهم في الفضاء ولم يترك أثرا أكثر من صدى
مرّ كغمامة أمطرت فما استسقت أرض هذا الوطن ولا شعبه منها.
استقبلوه قرب مزبلة بيروت
فأصبحت للقمامة قيمة في ذاك المكان…
كثيرون سواه أتوا لبنان فاتحين
فأساؤوا إلى هذا الوطن
وتآمروا عليه وهدموا حضارته
ذبحوا أبناءه وسبوا نساءه
أحرقوا علمه وداسوا كرامته
هجّروا سكانه وشرّدوا شعبه
وجعلوا دماء أطفاله خمرة في كؤوس تسلّطهم
فأقام لهم اللبنانيون التماثيل والأنصاب
وسمّوا الشوارع بأسمائهم
وجعلوا لهم أعيادا موسمية
وأمّا الآتي ليعطي السلام لأهل هذا الوطن
نسيه شعب هذا الوطن
ولم يقم له ليس نصباً تذكارياً وحسب
بل ولا يافطة تشير إلى حيث جمع كل اللبنانيين
في بوتقة الوطن الواحد
الوطن الأنموذج الفريد في العيش المشترك
ولو حتى قرب قمامتهم السلسلة الجديدة الثالثة لجبال لبنان
هذا الذي حمل شعب لبنان في قلبه وعلى لسانه وفي خطبه
وجعل لبنان قيمة ورسالة
وأمثولة تعايش للشعوب في الشرق وفي كل العالم
بماذا كرّمه شعب هذا الوطن؟
ماذا فعلتم له
يا دولة لبنان
ويا شعب لبنان
في ذكرى العاشر من أيار
ذكرى مجيئه إلى لبنان.

10- 11 ايار 1997

الأب جورج صغـبيني