2009/04/15

كلمة ألقيت في يوم حقوق الإنسان- 2001

حقوق الإنسان

وان طال الكلام فالكلام اليوم مباح
مع ختام الصيام
مع ختام شهرالرحمة رمضان
مع بدء زمن حلول ميلاد السلام
ويكمل واحدنا ما بدأه الآخر
من فلاح وصلاح
من صلاة وصيام وزكاة
ومن سعي لخير العمل
كما سعى الذين ارادوا ان يجعلوا هذا اليوم
يوم حقوق الانسان
ولو استطاعوا لجعلوا كل يوم
يوما لحقوق الانسان.

وحقوق الانسان من يعطيها
من يملكها حتى يوزعها بمجانية
ومن يستعطيها الا العاجزين عن الحفاظ عليها
وهل حق الظالم على المظلوم ان لا يقاوم
وهل حق انياب الذئب على الحملان ان لا تثغو

والمفاوضات دائما تكون خسارة الضعيف امام القوي
ووقوع البرئ في شباك المتسلط صانع القوانين لصالحه وصاحب الحجة الأقوى
فهل نصدق أن أميركا تدافع عن حقوق المسلمين حين تجتاح العراق لتحرير الكويت وتحمي العرب من العرب
وهل نصدق بأن الإنتفاضة وصلت إلى زمن شبيه بقصة الغول الذي يأكل أولاده فيعتقل المسؤولون أولادهم استرضاء لأعدائهم وكأنهم أصبحوا شرطة أمن لدول الأعداء
ونستنفر خطبنا وعظاتنا أيام الجمع والآحاد لإثارة النفوس وشحنها من أجل مصالح المتسلطين علينا
ونحن على يقين أن ليس كل من يعارض أمريكا هو إرهابيّ
ولا كلّ من يعارض بن لادن هو كافر.

وإلا أصبحت شعائر السلام والحقوق الانسانية فارغة من معانيها
فيعمه الظلم في غيه
وتبقى الرحمة في الطبيعة على بعضها اكثر من الانسان على ذات نوعه وجنسه
هل حقوقنا الانسانية ننالها عندما نتعولم
وعندما نتعامل بالدولار
وعندما نتكلم الانكليزية
وعندما نصبح خاضعين لما انزل في الشرائع والقوانين الاميركية
وعندما يصبح سفراء أمريكا هم رؤساء جمهوريات العالم

ماذا اعطتنا جمعية حقوق الانسان
إلاّ ازدياد عدد أراملنا وأيتامنا
وقتل خيرة شبابنا مستقبلنا
وتهجيرا ونزوحا ومجازر وإبادة
ويعودون لتعزيتنا في حزننا الذي كانوا هم سبب بلوانا فبه.
جامعة عربية وأمما متحدة
وتقديم الخيم لنا بدل ارضنا وقصورنا
وتقديم الادوية لمداواة وبلسمة جراحنا
وأما جراح كرامتنا فمن يداويها.

نحن اليوم نتكلم كلاما جميلا ونسمع كل يوم اجمل الكلام
من اجمل المطلين على شاشات التلفزة
وهم كثر
وقد سلّمناهم زمام ناصيتنا
ولكن ليس من بينهم مقاوم واحد عنا
وليس من بينهم شهيد يستحق ان نقرأ في كتابه ونستلهم احلامه

وبات علينا مع مثل هؤلاء الزعماء ان نعتذ ر كالحمل من انياب الذئاب

فالذين زرعوا اسرائيل في هذا الشرق
رحلوا
وأورثونا حقّ أولادهم على أولادنا
بعد ان باعوا الشعب والارض

فمن يستعيد حقوق هذا الوطن
ومن يستعيد حقوق ابناء هذه الأمة
ومن يستعيد حقوق هذا الشرق

اين حقوق مقدساتنا وكرامتنا
اين حدود جغرافيتنا
وقد نزعت منا
كما البساط من تحت أقدامنا
هل لان الله حاشاه قد كتبها في صك ملكية لشعب كافرمغتصب
وكأن اصحاب القبعات الزرقاء نزلوا من السماء
ليقيموا الحدود والفواصل بين الناس
فيصبحون حماة حرس حدود الظالم
ويرضون المظلوم ببعض فتات فضلات بقايا الامم من المساعدات.

حقوقنا في هذا الوطن
هي ان لا يحمل المسيحي صليبه سيفا
ولا يجعل المسلم هلاله خنجرا
فنعيش حينئذ في مناعة وطنية
من جرثومة مزروعة في قلب الوطن العربي
تتغلغل الينا من خلال خلافاتنا
وتُقهر في تقاربنا من بعضنا

حين نزرع الحب محل البغض
وحين نزرع المسامحة والصفح محل المكابرة والإنتقام
وحين نزرع السلام بدل الحرب
وحين نعطي الآخر حقه نكون بذلك نلنا حقنا.
وقناعتنا هي
باننا شعب واحد
في وطن واحد
والا بقى الكلام كلاما

وما نفع الاعياد ان تقاربت وتباعد الناس فيها كل الى قطيعه

ولنعرف ان تاريخنا في هذا الشرق منذ خمسة عشر مئة سنة من تقارب في الدين ومن تقارب في الاخلاق والعيش المشترك مع ما اصابنا من هزات خارجة عن ارادتنا وكنّا فيها الوقود لها فقد ثبتنا في المحنة وبقينا معا لأنه كتب لنا وعلينا أن نعيش معا وأن نكون الأنموذج المثالي للعالم في العيش المشترك
فما جمعه المسيح والنبي لا يفرقه بن لادن وابن بوش
وما امتزج بتراب لبنان من دماء شهدائنا مسلمين ومسيحيين لا يمكننا الا ان نكرمه ونقدسه ويكون صورة لوحدتنا
ولو جُعلنا في مرحلة من الزمن
اعداءً في البيت الواحد فخوّن واحدنا الآخر وكفّر بعضنا البعض الآخر.

فحقوقنا
لا ولن ينالها فريق منا على حساب فريق اخر
ولا في استقواء رفيق برفيق آخر.
وإن توكلنا على الله
فعلينا ايضا مع التوكل أن نعقل
ان يعقل كل انسان ذاته بالاخلاق والقيم
ونعود الى السماء التى انزلت كلمة الله
بشرا وكتابا
وكلاهما على يد جبرائيل عليه السلام.

وقد تعلم الناس كل الناس ان مدرسة حقوق الانسان
هي في الانجيل والقران
وان مدرسة الفداء والاستشهاد
هي في المسيح وعلي والحسن والحسين .

فلا يستضعفنا العالم في فضيلتنا
والا فنقرع الصدور ونثخن الجراح
ونلبس الكفن
ونسير نحو باب الجنة
كما في عشوراء
كما في كربلاء
مثل زينة سيد الشهداء
حفيد النبي
وابن علي
مثل ابن فاطمة الزهراء
الذي مُنع عنه الماء
فافاض عطاء بالدماء
وأصبح نبع دم
يضاف
على ينابيع العسل واللبن
في جنة السماء.

فيا بني أمّة النبي
تعالوا الى كلمة سواء
في سينودوس اسلامي
يجمع شمل المسلمين
ويوحّد ما فرقته صفين

ويا بني وطني
تعالوا الى كلمة سواء
في سينودوس لبناني
يجمع شملنا مسيحين ومسلمين

ولا تعيدوا الينا
كربلاء
ولا غدر عمر بن سعد
وعمرو بن سعيد
وابن زياد ويزيد

فيتحول الماء
في الفرات دماء
كما النيل
كما قانا الجنوب
في قبلة لبنان
كما جلجلة فلسطين
في انتفاضة الاقصى
وفي القدس
ونصير كلنا "توابين" ليوم الدين
ونعلم الاميركان
كيف يحافظ على حدود الاوطان
وكيف تعاش حقوق الانسان.
الأب جورج صغبيني
13 كانون الأول ‏2001‏

تقديم كتاب "ما وراء الضباب" للأديب أنطوان فريد البرمكي


تقديم كتاب "ما وراء الضباب"

بدعوة من الذي لا يُرَدُّ له طلب
كيف أقول: لا.
وهو الأحبّ ليستجاب
فمهما كانت المسافاتُ شاسعةَ البَونِ
بعيدةً ولو على حافة المدى [1]
فالوصالُ الروحيُّ يقرِّبها ويدنيها.
وقد أتيتُ من "ما وراء الضباب" [2] من شمال الشمال
من حيث يشرق نجمُ القُطبِ
إلى مُقَدَّمِيَّةِ الجبل
بمناسبةِ المولودِ الجديدِ
وهو الثالثُ لأنطوانْ البرمكي
كملوكِ فارسَ أتيت
ولكني لا أحملُ لا مرّاً وذهباً، ولا لباناً
آتِ من جبالِ الأرز
لأتفقَّدَ غصناً فارعاً جديداً في جوار صنّين
آتٍ من ضفاف وادي قاديشا
ولنا في بلدة حمّانا حَجرُ زاويةٍ من مَنْبِتٍ أصيل [3]
ويجمعنا الراعي الصالح في صرحه
حيث يعرف بعضُنا لغةَ بعضٍ
لُغَةَ السِدق والحقّ
لُغَةَ المعروف والمروءة.
يجمعُنَا
مولودٌ ثالثٌ يرى النورَ
وصاحبُ المواليد مخصابٌ
في عمر الفيضِ فكراً
برمكيُّ الجودِ
ولا يُقبِضُ كفَّه
ولا قلبَه
ولا على ما في خزنةِ عقله.

كاتبُ ما وراءِ الضباب
ثالوثيُّ المعتقد ولا يشرك
شعاره: لبنانُه وأرزُه وجيشُه
يوقظ مَنْ حَوْلَه على حُلْمِه
لا بل على رؤياهُ
الآتية من وحيٍ
لتتجسّد في وطنٍ
لتصير كتاباً
لا على صخر البقاء محفور
بل في صدور شبابٍ
صاروا هُمُ الكلمات.
كتابٌ أرَّخَه مؤَلِّفُهُ يومَ الأولِ من آب
وهو العيدُ الأحبُّ إلى قلبِهِ من كلّ الأعياد [4]
كتابٌ أقلُّ ما يقالُ فيه:
مائدةٌ منزلة
يقاسمُ فيها الجميعَ
من دنِّ خابيةِ عرسِ الوطن الدائم
ويتشاركُ مع الكلِّ غذاءَ الروح
من رغيفِ قرطاسٍ هو شهوةُ الرؤى والسماع

أنطوان البرمكي
معجنٌ مخمَّرٌ بالقيمِ والأخلاق
منبِتُهُ أصيلٌ
وتُربَتُهُ صالحة
وثماره يعرفُ جودتَها من تذوَّقها

إبنٌ فريدٌ للبرمكي
فيه هدأةُ السكون
وفيه صخبُ الخلق
متدَيِّنٌ
وأمُّهُ تصلّي له
علمانيٌّ يَحْطِمُ الهياكل والشرائع التي احتوت غير رسالتها
هو معسكرٌ في شخصٍ
إستنفر كلّ طاقاته
كلَّ خلاياه
وكلَّ مَنْ هُمْ مِنْ حوله
في مسيرته
لإعلاء راية الأرز فوق كلّ الرايات
ولإعلاء إسم لبنان فوق كلّ الأسماء

إنطوان البرمكي
شاب زاخمٌ
مثالٌ لكلِّ ناهضٍ في بلدة الشلال بلدة المقدَّمين
في وطنِ المجاهدين المقاومين
يسير
لا يلوي على صعوبة
ولا على صادٍّ ماديٍّ
ولا على ساترٍ بشريّ.
هَمُّهُ
كَكُلِّ الناس
ولكنّه الأجرأ
يقول الحقَّ ولا يجبن
لا يتعب
ولا يستريح مخافة أن تهدأ الحركة
وتصابُ القضيّةُ بالروتينيّة
فيعودُ الكلُّ إلى خواءِ ما قبل الخلق
عسكر ذاته
كلّ ذاته ومَنْ حوله
وألبسهم الشرف ستراً
وهيأهم ليوم الأضاحي
وأنبت في شموخهم الوفاء [5]
ساكباً في جذورهم المناعة
حتى لا يتسرّب إليهم الذبول.

ضباب أنطوان البرمكي
يُحرّر من جاذبية المكان
يُطلق إلى حيث الروحُ يهُبُّ
فيرسم به صوراً سورياليّة الألوان
كيفما تنظر إليها تراها واضحة المعالم
ترى فيها صورةَ لبنانَ
الذي جغرافيّتَهُ أرزاً بشراً.
ما وراء الضباب
سيرةٌ ذاتيّة
لشاب في مقتبل العمرِ
بات الزمان خلفه
بعد أن سبقه وانتظره على حافة المدى [6]
ولأنَّ أفكارَه لا تستريح [7]
حطَّم شرانقَ التقاليد
وخرج منها إلى ذات الآخرين
يجولُ في أسماعهم
في أعينهم
في قلوبهم
لا يومَ سابع عنده ليستريح
ولو استراحَ
لكان عاديّاً بدون حلمٍ وبدون مواليد.

إن الإنفلات من الجاذبيّة
يحتّم التحرّر والإستقلاليّة
والإنطلاقَ في كوكبة شبيبةٍ
هي غدُ الوطنِ وأملُهُ ومستقبلُهُ
شبيبةٍ تحرّرت من صغائر الإنتماءات
ومن جاذبيّة الحزبيات والطوائفيّة
وتسامت إلى خلود الأرز
وفدية دماء الشهداء
تلبّي النداء
أن لبيك لبيك
حين ينادي النفير

أنطوان البرمكي
وشبيبةُ لبيكَ لبنانُ
اختارا
النصيبَ الأوفر
حين تُيِّما ولهاً بأرز الوطن
يتجذّران في تراباته
يتمازج الواحد بالآخر إلى حدود التماهي
وتنظر لترى عجيبة الأعاجيب
جذعاً من جذوع الأرز
يتنقّل بين البشر بشراً
وقد تجسّد الأرز إنساناً.
أنت لست في حلمٍ
بل في يقظة المعَاد
في يقظة المعرفة
وقد انشقّ رَحِمُ الفكر
ليلدَ من تصارع حب البقاء مع العدم
قصّة حبّ
تراكمت الكلمات من المعاجم
وتسارعت أبجدية قدموس
لتَكْتُبَ بمِدادِ حبيبِ عَشتارَ
على لوح الضباب
على قبة السماء
على انعكاس نور العيون
قصة وطن في هذا الشرق
يَنبعثُ من الرماد حياةً
ومن الآهاتِ زغرداتٍ
ومن ظلمة الظلم إشراقاً
ومن الدموع فرحةَ عُرسِ الشهداء

هذا التأثر
لا على الله
بل على شرائعَ صنعها الناس لزمن بحسب قساوة قلوبهم
بحسب مصالحهم
بحسب شهواتهم ورغائبهم.
هذا الثائر
جاء يحرر الله
من سجن الحجر
ليُسكنَه أجسادَ البشر
وليحرِّرَ لبنانَ من سياج الشوك
وينبت فيه شجراً بشراً خالداً
يمدّ أفنانه على حدود المدى
مكرّساً ذاته
وبدون مسح الزيت
نبيّاً من أنبياء هذا الوطن
يجمع فتافيته الحزبية والطائفية
ليصوغَ منها جغرافيةً على مساحة حلمه
وقد جمعَ من غلالِ أيامه
بيادراً
أهراءَ
يكفي لسدِّ جوعِ عجافِ حُلُمِ الفرعونَ.

حَمَلَ القلمَ سلاحاً
وجعل القرطاسَ ساحَ معركةٍ.
قائدٌ همّامٌ تلوي أمامَ عزمهِ الصعابُ
قد يغار منه
الذين أصابهم العُقُمُ فكراً
والمتخاذلون عن الدعوة
والذين لا مواليد لهم
أمّا هُوَ
فيلدُ بعدد الوحام
مخصابُ المداد
يفرح به الدعاة والأولياء والأنبياء
لأنّه ينادي بصوتهم الصارخ
من وطن الرسالة
من وطن القيم
من جنّة أنهار العسل واللبن
من لبنانَ
أن أحبّوه
أحبوا هذا الوطن
أن اعبدوه
أن نادوا بصوت الفلاح
على ترداد صدى شبيبةٍ:
"لبيك لبيك لبنان".
حمّانا - الجمعة 17 أيلول 1999
الأب جورج صغبيني
رئيس دير مار شربل بقاعكفرا
[1] - إشارة إلى كتاب أنطوان البرمكي، على حافة المدى، مطابع أبو جودة 1997.
[2] - إشارة إلى كتاب المؤلف أنطوان البرمكي ما وراء الضباب 1999.
[3] - إشارة إلى الكنيسة مار رومانوس في بلدة حمّانا التي أساسها بني على حجر جلب من كنيسة مار رومانوس في حدشيت.
[4] - رمز إلى عيد الجيش في الأول من آب
[5] - إشارة إلى شعار الجيش شرف تضحية وفاء
[6] - إشارة إلى كتاب المؤلف على حافة المدى 1997
[7] - إشارة إلى كتاب المؤلف أفكار لا تستريح 1998

المطران يوحنا فؤاد الحاج

المطران يوحنا فؤاد الحاج- كاريتاس لبنان

المطران يوحنا فؤاد الحاج
كم كانت فرحتنا عارمة حين حملت لنا وسائل الإعلام خبر إعادة انتخاب سيادة المطران يوحنا فؤاد الحاج رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية بالإجماع ثانية رئيسا لكاريتاس العالم.
ليس غريبا علينا ما كنّا نتوقّعه لسيادته وهو الذي تسلّم إدارة شؤون كاريتاس لبنان حيث عمل من أجل المهجّرين والأيتام والأرامل والمعوزين والفقراء والمرضى والمسنين والعجزة فكان لهم أبا محبّا وعطوفا كما وفتح باب القروض أمام أصحاب المهن الحرّة والذين لا مهنة لهم لينطلقوا في الحياة بتأسيس عائلات وتأسيس عمل كريم يعتاشون منه بكرامة دون مدّ يد الإستعطاء على الأبواب وفي الشوارع. فاستحقّ أن يتسنّم رئاسة كاريتاس العالم لا ليهتمّ بلبنان فقط بل وبكل محتاجي العالم بدأَ من أفغانستان ومروراَ بفلسطين والعراق وسائر شعوب الدول الفقيرة والتي مرّت فيها الويلات والحروب فخلّفت وراءها الدمار واليتم والفاقة والتشرّد وشرّعت باباَ لعمل الرحمة والأخوّة الإنسانية من خلال كاريتاس المحبّة.
فالمطران يوحنا فؤاد الحاج ليس غريبا عليه فتح قلبه للناس قبل أن يكون أسقفا وقبل أن يكون رئيسا لكاريتاس لبنان وكاريتاس العالم فهو إبن البقاع الذي عرف من بيته الأبوي سرّ العطاء وسرّ العيش بمحبّة مع كلّ إنسان مهما كانت إنتماءات وميول وعقائد هذا الإنسان.
وقد جسّد هذا الواقع في أبرشيته عاصمة الشمال ففتح باب المطرانية، لكلّ طارق بابه دون استثناء، بأبوّته المعودة لجميع أبناء الطوائف والأديان دون تمييز عن أبناء أهل البيت حتى صارت دار المطرانية في طرابلس بيت جميع أبناء طرابلس مسلمين ومسيحيين أرثوذكسا وكاثوليكا همّه المحتاج والمعوز... هذه هي طائفة المطران يوحنا فؤاد الحاج.
وليس ضيراَ أن يشهد شاهد من أهله على فضائل وأعمال سيادة المطران الحاج الذي جمع تحت إدارته الحكيمة أبناء طائفته أولا وكهنة أبرشيته ثانيا فكان لهم الأب الحنون والأخ المرشد والدليل والمربيّ والساهر على شؤونهم الروحية والزمنية يعضد الضعيف منهم ويثني على القوي لينهض بما له من مكانة لقيام الوطن الذي نحلم به جميعا.
فالمطران الحاج الذي جذّر علائق الأخوة والمحبّة في المجتمع اللبناني إن على صعيد كاريتاس لبنان وعلى صعيد أسقفيته في طرابلس الفيحاء عساه يعزّز هذه الأخوة على الصعيد العالمي من خلال التجديد له ليكون رئيسا لكاريتاس العالم للمرّة الثانية.
فهنيئا لسيادته وهنيئا لطرابلس بكل طوائفها ومشاربها وهنيئا للطائفة المارونية وهنيئا للبنان وللعالم بأمثال سيادة المطران يوحنا فؤاد الحاج.
وألف مبروك لسيادته الذي حمل إسم لبنان المحبّة والأخوّة والتلاقي إلى كلّ العالم.

12/8/2003 الأب جورج صغبيني
رئيس دير مار جرجس عشاش




المطران يوحنا فؤاد الحاج في الذاكرة
يتاريخ يوم الخميس 5/5/2005 غادرنا صاحب السيادة المطران يوحنا فؤاد الحاج أيتاما، في ريعان عطاءاته بعد أن جعل من أبرشية طرابلس المارونية خلية عمل روحية واجتماعية وعمران...
منذ تسلمه كرسي المطرانية في طرابلس، فجمع إلى قلبه أبناء المدينة ذات الغالبية المسلمة التي استقبلته أكثر حفاوة من أبناء أبرشيته وكأنها تنتظر منه تعزيز واقع العيش الواحد التي كانت أحبّ الكلمات على قلبه الذي اتسع للجميع دون النظر إلى طائفة أو مذهب كيف لا وهو رئيس كاريتاس العالم وأبو الفقراء ليس في أبرشية طرابلس فقط بل وفي كل لبنان...
هذا الأسقف الذي جعل رسالة العيش المشترك قاعد بنى عليها حضارة المحبّة التي آمن بها وعاشها كيف لا وهو إبن البقاع إبن السهل المترامي الأطراف المنفتح على كل الناس.
سرعان ما طبع تلك القيم في قلوب كافة العاملين معه في المطرانية من كهنة وعلمانيين واضعا كل إمكاناته الإجتماعية والمادية لمساعدة من يطرق بابه لا بل مفتشا عنهم في حنايا رغايا أبرشيته.
لقد خسرنا بغيابه أبا للكهنة وراعيا لخراف الطائفة المرونية ومرشدا للمسؤولين السياسيين وخادما للقيم ورجل حوار ورجل عمران ونهضة على صعيد ترميم وبناء الكنائس والمدارس وحاضرا في كل مناسبة فأحبه الناس.
رحل المطران يوحنا فؤاد الحاج، عن عمر 66 عاما، أمضاها في الخدمة والمحبة، فودّعته طرابلس بالحزن والأسى والدموع كما استقبلته بالحفاوة والفرح.
المطران الحاج هو فؤاد إبن توفيق الحاج، والدته إنيتس الحاج، من مواليد 13 نيسان 1939، اتخذ اسم يوحنا بعد سيامته الأسقفية. له خمسة أشقاء: أنطوان، ناجي، نبيل، أنطوانيت، وماري.
حائز عددا من الشهادات الجامعية في اختصاصات مختلفة هي: إجازة في الفلسفة من جامعة القديس يوسف في بيروت عام 1964، إجازة في اللاهوت من الجامعة نفسها عام 1968، ماجستير في التربية من جامعة نيويورك بافلو في أميركا عام 1974، دكتوراه في الادارة من الجامعة نفسها عام 1978، دكتوراه في الحقوق الكنسية من جامعة لاتران الحبرية في روما عام 1980. وهو يتقن اللغات: العربية، الفرنسية، الانكليزية، الايطالية، والاسبانية، ويتكلم اللاتينية، واليونانية، والسريانية.
انتخب عام 1997 رئيسا لأساقفة أبرشية طرابلس المارونية، كما انتخب في العام نفسه رئيسا لكاريتاس الدولية.
"لقد كان مُرضياً لله فأحبه، على ما قال البطريرك مار نصرالله بطرس صفبر... قد بلغ الكمال في أيام قليلة، فكان مستوفياً سنين كثيرة".
"كان المطران يوحنا فؤاد الحاج رجل إدارة وعمران، رجل ثقافة وانفتاح رجل ايمان وصلاة، وايمانه هو الذي حفزه على القيام بما قام به في أبرشيته من أعمال رعى معها كل الناس، دونما استثناء، أو تفرقة بين غني وفقير، بعيد أو قريب، مسيحي أو مسلم. وبعد فكلنا عيال الله، وكان يعرف أن أقربنا اليه أنفعنا لعياله".
"تسلّم مقدرات أبرشية طرابلس المارونية طوال ثماني سنوات. فرمّم خلالها ما تهدم، وبني ما تداعى، ونظم ما حل من فوضى. فاستنهض همم أبناء الرعايا لترميم عدد من الكنائس، وبناء قاعات استقبال في جانب الكثير منها. وطوّر عدداً غير يسير من المدارس التي أنشئت في الأبرشية، وهي توفر العلم والتربية لما لا يقل عن ألفي تلميذ من مختلف المذاهب والاديان وأسس معهد مار يوحنا العالي للتربية والتكنولوجيا في كرمسدة ومكتب الخدمات الاجتماعية لتوفير أسباب العمل للعاطلين عنه. وفعّل دور رابطة كاريتاس لمساعدة من هم بحاجة الى مساعدة، وتابع ترميم دار المطرانية في كرم سدّه، واستصلح قسماً كبيراً من أراضي المطرانية، ومهّد السبيل لحسن استثمارها، وايجاد مجال لتصدير إنتاجها. ورعى بعناية كبرى ميتم مار انطونيوس في كفرفو. وبذل قصارى جهده لإنشاء علاقات صداقة، وتعاون مع أبرشيات فرنسية، فسحت في المجال لتبادل الزيارات بين أبناء رعايا هذه الأبرشيات. وان ما أتاح له ان يقوم بذلك كله تضلّعه بمبادئ الإدارة الصحيحة، وهو الذي تمكّن من حيازة شهادة ملفتة في الإدارة من جامعة نيويورك، وشغل منصب أستاذ مساعد في هذه المادة في تلك الجامعة، الى جانب ما أحرز من شهاهدات أخرى في الفلسفة واللاهوت والتربية والحقوق الكنسية".
وانتخبه مجمع البطاركة والأساقفة في لبنان رئيساً لرابطة كاريتاس لبنان لمرتين مدتهما ست سنوات، فصار كلا للكل، فما أوصد بابه أمام طارق محتاج، ولا أصمّ أذنيه عن سماع نداء استغاثة منكوب. وما لبث أن عيّن عضواً في منظمة "القلب الواحد" الرومانية، ثم رئيساً لمنظمة كاريتاس العالمية على دورتين، وأسقفا على أبرشية طرابلس المارونية فنظّيم أبرشيته، ونفخ في أبنائها روح الايمان، ومحبة الخدمة المجانية. وأنشأ لجاناً راعوية، ومجالس أبرشية شملت كل هيئات المجتمع كالعيلة، والشبيبة، والمرأة، والتعليم الديني، والطقوس، والدعوات الاكليريكية والثقافة، والاعلام، والممتلكات الكنسية، وما شابه. وصرف اهتمامه الى العناية بالمدرسة الاكليركية. وعني بالحوار المسكوني، فعاشه من خلال علاقاته مع جميع الناس، على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، ووثق خاصة بينه، وبين جميع أبناء هذه المدينة من مسيحيين ومسلمين عرى الصداقة والمودة. فقدّروه واحترموه وعمل ما بوسعه لتفعيل الحركة المسكونية في أبرشيته، فشدته علاقات مودة الى جميع أبناء الطوائف في هذه المدينة.
ألمّ به المرض، فصبر عليه واحتمله وحده بإيمانه، مستعيناً بما لدى الطب من علاج، ولكن مرضه لم يكن رحوماً، وأحسّ بأنه سيصرعه، فلم يجزع، بل تقبل بصفاء نية، ورباطة جأش ما كتبه الله له من مصير والبسمة لم تفارق شفتيه.
رحل المطران الحاج الملتزم بالانسان المتألم وعلى قبره لا وسام الاستحقاق الوطني برتبة كومندور تقديراً لعطاءاته في لبنان والعالم بل وسام المحبّة في قلوب الناس كل الناس الذين أحبوه من خلال أبوّته للفقراء والمنكوبين في كاريتاس الدولية لا في لبنان بل وفي فلسطين والعراق وبنغلادش وأفغانستان.
رحل المطران يوحنا فؤاد الحاج، ولا تزال له في برواز ذاكرة الرهبان والراهبات وكهنة الرعايا والمؤمنين والذين قصدوه في حاجة، صورة الإنسان صاحب البسمة والفاتح لك ذراعيه حتى في أقسى مراحل مرضه.
عوّضنا الله بأمثاله وليكن ذكره مؤبّدا.
6/5/2005
الأب جورج صغبيني