2009/07/01

كتاب دير مار جرجس عشاش 1847- 2004



الأب جورج صغبيني
رئيس دير ومدرسة مار جرجس عشاش





ديرمارجرجس عشاش
1847-2004






إهداء
إلى الرهبان المؤسسين الذين بنوا هذا الدير من ثبات إرادتهم وصلابة سواعدهم وسقوا أرضه من عرق جبينهم ودماء أثلام أيديهم منذ مئة وسبعة وخمسون عاما.
إلى الرهبان الذين عملوا على بناء هذا الدير.
إلى الرهبان الذين جعلوا من الدير مدرسة لمحاربة الجهل والأميّة.
إلى الشركاء والمزارعين الذين حملوا رسالة التربية والقيم والأخلاق إلى جانب رهبان هذا الدير.
إلى العمّال الذين كانوا يغدون مع الفجر للعمل في الأرض مع الرهبان فحوّلوا البور جنائن غنّاء لا نزال إلى اليوم نأكل من فيض خيراتهم.
وإلى الرهبان وكل أصحاب الأيادي البيضاء والمهندسين والعمّال الذين ساهموا من قريب أو بعيد في الوطن والمهاجر لإعادة بناء كنيسة شفيع الدير والبلدة بعد أن تهدّمت منذ أربع وعشرون سنة ولم تكتب أسماؤهم في كتاب .
إلى الرهبان الشهداء الذين جبلوا دماءهم بترابات هذه البلدة وهذا الوطن. وبذلوا أرواحهم من أجل إيمانهم ببقاء لبنان وطن العيش المشترك... لهم جميعا أقدّم كتابي.
الأب جورج صغبيني




مقدمة
حين نتكلم عن تاريخ دير وننزع الغبار عن أوراقه المكدّس عليها غبار الأيام الخوالي ونجمع ما تبقّى من أوراقه التي أتلفها الزمن وموجات الحروب المتتابعة التي لا تزال آثارها في ذاكرة حجارته ...
وتبقى الذاكرة الأقوى من الزمن والمتجذرة في الوجدان تدمع العيون وتنكأ الجراح في القلب مع الدعاء والرجاء بأن لا تعود.
وليست الذكرى للوقوف على الأطلال ولا لذرف الدموع والنحيب بل لإعادة العزم على بناء ما تهدّم والإنطلاقة نحو المستقبل برجاء جديد وأمل بالإنبعاث يكون أقوى من الموت.
تبقى المؤسسة وإن رحل الذين وضعوا أساساتها.
يبقى الصليب مرتفعا بقيمة من صلب عليه وإن أنزل عنه مصلوبه.
تبقى قدسية الحياة أقوى من التراب وإن حجبها رداء الموت.
والذين رحلوا من هذه الدنيا لا يزالون أحياء يرزقون بدون فعل استنساخ بل بالإيمان ولدوا ولا تزال ذكراهم عابقة في ذاكرة تاريخ الرهبانية والوطن.
الأب جورج صغبيني




بدء بناء كنيسة مار جرجس عشاش بتاريخ 6 آب 2002 مكان الكنيسة التي هدمت عام 1975
وتمّ انتهاء البناء وتدشينها في 23 نيسان 2004 .
كلمة الأب جورج صغبيني
رئيس دير مار جرجس عشاش
يوم تدشين الكنيسة مساء عيد مار جرجس الخميس 22 نيسان 2004

صاحب الرعاية سيادة المطران يوحنا فؤاد الحاج رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية السامي الإحترام
صـاحب البيت والدعـوة الابـاتي اتناثيوس الجلخ رئيس عام الرهبانية اللبنانية المارونية السـامي الإحـترام ومجلس المدبرين المحترمين
أصحاب المعالي الوزراء والسادة النواب وممثلي أصحاب المعالي
سعادة محافظ الشمال السيد ناصيف قالوش المحترم
حضرة رئيس منطقة الشمال التربوية السيد فوزي نعمه المحترم
حضرة رؤساء الاديار والمدارس وكهنة الرعايا
حضرة رؤساء البلديات والمخاتير المحترمين
حضرة لجنة الأهل والهيئة التعليمية
إخوتي وأخواتي
وجاء اليهود يرونه بناء الهيكل فقال : اهدموه وانا أبنيه في ثلاثة أيام . وكل بناء ينهدم. وإن لم يبنِ رب البيت فعبثاً يتعب البناؤون.
وليست الفرحة في قيام مداميك الحجر بل في تلاقي قلوب البشر على التآخي والتحاب والمودّة والرحمة .
تــســع وعشرون سنة مضت
تســـعة وعشرون فصولاً توالت
تســعة وعشرون صياماً ورجاءً
تســع وعشرون جمعة حزينة تحت خيمة العهد تنتظر البعث والنشور والقيامة.
تسعة وعشرون عاماً والجرس مكسور الخاطر
وحان لحصان مار جرجس ان ينهض من كبوته
وان ينتصب الفارس على صهوة جواده
ويمتشق الرمح
ويغمد سيفه في خوف الناس فيصيب منهم مقتلاً ويعيد الى القلوب الطمأنينة بعد ان ضرب تنين الحرب هذا الوطن. بدءاً من هذه المنطقة ومن هذا الدير الذي كان رمزاً مميّزاً للوحدة الوطنية وارضاً صالحة لتجسيد الرجاء الجديد من اجل لبنان قبل ان تكون ولادة السينودس من أجل لبنان حيث تحتضن بلدة عشاش في ظل قبة كنيسة مار جرجس موتى أبناء بلدة مرياطة ويحتضن ظل الجامع في مرياطه مدافن أبناء بلدة عشاش. صورة مميّزة للتلاقي والتآخي عساها تبقى مع الأحفاد.
فالقديس جاروجيوس الشهيد الخضر الفارس بطل الايمان على مثاله سفك ثلاثة من رهبان هذا الدير دماءهم من أجل إيمانهم ومن أجل بقائهم على عهد العيش المشترك . هؤلاء الرهبان الذين فتحوا قلوبهم لكل قارع محتاج ومدرستهم لكل طالب عِلم ومعرفة من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال ومن البقاع الى عمق بلاد سوريا .
هذه البلدة الوادعة منذ عام 1847 التي عـُمـِّـرت بالرهبان ومن حولهم أبناء هذه البلدة قد مرّت في فترات بضيق شبيه بنهاية الأزمنة. عادت اليوم بفضل عناية الله لتحمل رسالتها الروحية والتربوية والاجتماعية بفضل قرار رئيس عام الرهبانية الاباتي اتناثيوس الجلخ السامي الاحترام مع مجلس مدبريه المحترمين بموافقتهم على طلبنا ببدء بناء الكنيسة، خاصاً المدبر أنطوان مقبل ابن بلدة عشاش الكريمة بما قدمه من خدمات لأبناء بلدته وللدير، والآباء الرؤساء الذين سبقونا والذين عملوا على إعادة فتح الدير والمدرسة على أن يـُكمل من يأتي بعدنا رسالة الرهبانية في هذه المنطقة.
وان وجب الشكر فللوكيل العام المحترم الاب الياس كرم الذي كان المهندس والمشرف والعامل في ذات الوقت والذي له الفضل في سهره اليومي وتكـبـّـده عناء السفر الى عشاش وإشرافه على هندسة وتنفيذ اعمال هذه الكنيسة الفريدة من نوعها في المنطقة الذي هو حلم في غفلة عن يقظة المبصرين بعيداً عن أضواء الإعلام وحديث المشاريع المستقبلية تحقق يوماً فيوماً خلال أقلّ من سنتين. مع شكر خاص للمهندس لويس الهاشم الذي قدم معداته وآلات البناء مجانا كما وقته وسهره والمهندس رفيق ابي شاكر الذي حضّر خرائط البناء والمهندس فكتور العلم الذي وضع خرائط الأساسات.
ولا ننسى الملتزمين والعمال والمساهمين والمتبرعين والذين شجعوا لقيام هذا المقام وخاصة الذين شككوا كما بالقيامة بقيام هذا المعبد فثبتوا فينا نشاطاً مضاعفاً لتحقيق هذا العمل وقد تخطينا صعاباً جمّة بفضل ومشورة صاحب السيادة توجيهات قدس الاب العام واصحاب الفضيلة من اخوتي الرهبان .
كما والشكر لسائر رؤساء الأديار والرهبان والخوارنة الذين ساهموا وساعدوا في هذا البناء.
وفي هذا الجوّ العابق بالفرح فانني سأخرج عن تقاليد الناس لأذكر أخاً راهباً قدم كل طاقاته من اجل المساعدة في بناء هذا المعبد مواداً عينية لا تحصى ودعماً معنوياً وعمالاً ستبقى آثار عطاءاته في هذا المعبد إلى جيل بعد جيل هو المرحوم الاب شربل عقيقي الذي رحل منذ أسبوع ففجعت برحيله عائلته والرهبانية .
هذا ليس رثاءً له ولكنه شكر لخدماته أمام الله والناس وعرفانُ الجميل واجب لكل من عمل في تحقيق هذا البناء تشجيعاً وعملاً .
ولن اختم مع صاحب السيادة المطران يوحنا فؤاد الحاج السامي الاحترام الذي كان منذ أيام العمل معه في كاريتاس ولا يزال الأب والموجّه همّه قيام هذا المعبد كما قلايته في مطرانية طرابلس الحاضر الدائم معنا منذ ثلاث سنوات يتوّجها اليوم في تكريس هذا المعبد المبارك.
وصاحب الفضل الذي لا ينسى سعادة محافظ الشمال السيد ناصيف قالوش الذي جعل البدء بهذا البناء من الممكنات بعد استحالته بفضل مساعدته المعنوية والادارية وحتى المالية وحضوره الدائم وتفقده هذا البناء مدماكاً مدماكاً فله من شفيع هذه الكنيسة المكافأة التي نعجز نحن عنها .
وان حضوركم يا أصحاب المعالي والسادة النواب ورؤساء البلديات والمخاتير وجميع المدعوين انما هو خير دليل على دور هذا الدير في وحدة هذه المنطقة التي معظم ابنائها قد تخرجوا من مقاعد مدرسته. وبالمناسبة أشكر رئيس المنطقة التربوية الأستاذ فوزي نعمة الذي كان خير صديق في توجيهاته لما فيه خير هذه المدرسة الناشئة لإعادتها إلى سابق مجدها الغابر في النجاح.
شكري لقوى الأمن والجيش والامن الداخلي لحضورهم وسهرهم الدائم اليومي وفي المناسبات فبحضورهم تطمئنّ القلوب. وشكر لأخوية عشاش وطلائعها وفرسان العذراء ولجنة وقف مار بنديليمون ونادي الشبيبة عشاش ولجنة عشاش الخيرية وجوقة عشاش وقاديشا بادارة الاب يوسف طنوس رئيس دير مار أنطونيوس قزحيا وكشافة الأرز فوج مار جرجس – عشاش وأساتذة ومعلمين وعمالاً في الدير وأقارب وأصدقاء .
وأنتم المشاركون معنا في هذا الاحتفال اليوم شكرنا لكم على حضوركم وتكبدكم عناء السفر فازدادت بحضوركم فرحة العيد فرحاً.
مذكرين أخيراً ان دير مار جرجس عشاش هو بيت لجميع أبناء بلدة عشاش ولجميع أبناء المنطقة كما اراده الاجداد وسيبقى حاملاً هذه الشعلة رئيسٌ بعد رئيسٍ والى ماشاء الله . ليبقى هذا الدير منارة قداسة ومزار شهداء قديسين ومنارة علم ونجاح وصلة قربى ومودة بين أبناء هذه المنطقة يتلاقى فيه الجميع ويكون هذا الدير صورة للوطن الواحد.
وشكراً

كتاب أنطش سيدة المعونات- بعلبك


الأب جورج صغـبيني


أُنْطُشْ سَيِّدَة المَعُونَاتْ ـ بَعَلْبَكْ
1858 – 2006



لبـنان 2006



كلمة سيادة المطران سمعان عطاالله راعي أبرشية بعلبك- دير الأحمر السامي الإحترام.

بروتوكول 89/2006
دير الأحمر في 30/10/2006

ما من أحد يستطيع أن يفهم أيَّ شيء ولا أن يكون فاعلاً فيه إن لم يعد الى أحداث التاريخ والى الوجوه التاريخيّة وظروف الزمان والمكان والى الفكر الذي وراءه أو في رأس الفاعلين فيه وفي تاريخ الشعوب.
في تموز الماضي 2006، هبّت حرب على لبنان ظلماً وبشكلٍ حاقد وبإرادة، مصمّمة على توجيه الأذى اللعين الى وطن، عُرف بأنه حامل رسالة تاريخيّة عريقة؛ أن مسبّبي هذه الحرب صبّوا حمم صواريخٍ مدمّرة على مدينة بعلبك، طبعاً بشكلٍ مدروس جداً، ولكن ورغم ذلك فإنها، بأزيزها وضجّتها والرعيد دمّرت مناعة الآثارات القائمة، وحفرت حفراً عميقة تمحو تلك الآثارات الدفينة التي تحفظها الطبيعة باحترام. في هذه الحرب المشؤومة، وأنا أنظر الى بعلبك، مقهوراً وثائراً، كنت أقول أين هي الدول حامية الآثارات والتراثات والتاريخ؟ أين هي المؤسسات الدوليّة التي تأخذ على ذاتها حماية التراثات والحضارات وتردع بقوانينها وعملها القوى الشيطانيّة المعادية الهمجيّة وتثنيها عن مسّها بأي أذية؟!
في مثل هذه الأجواء أطلّ عليًّ راهب ملتحٍ، طويل القامة، ووضع بين يديّ صفحات، ملأها بنتاج فكره حول تاريخ حضور رهباني على عتبة هياكل بعلبك، ذروة فنّ الأمبراطوريّة الرومانيّة وحضارتها المعماريّة، التي ما زالت حتى اليوم، تطلع من حناياها رائحة بخور، أحرقته كهنة باعال أمام آلهتهم الخرساء. ان عظمتها تحدّثك عن بطولات القادة الرومان في حروبهم مع مناوئيهم من سائر قادة الشعوب غير الخاضعة لسلطانهم الروماني المستكبر.
في وجه مجموعة الهياكل الرومانيّة في هليوبوليس، مدينة الشمس, رفع رهبان، أتوا من الجبل اللبناني الأخضر، مداميك دير صغير، ألقوا عليه لقب الأنطش، ليعبدوا ، في كنيسته، المكرّسةِ على اسم سيّدة المعونات، الله الحي، الناطق بالأنبياء والمبشّر، بواسطة رسل ابنه الأوحد المتجسّد، بإنجيل الخلاص لجميع أبناء البشر.
والأب جورج الصغبيني، ابن بلدة الطيبة، من جارات بعلبك الخالدة، الحارسةِ أبوابَها والمذكّرة بِطبيعتها الجغرافيّة بجبل سيناء وما يحمل من رموز، وابن رهبنة، ارتبط تاريخها بتاريخ الجبل الأشم لبنان، وأعطت من أبنائها قديسين، رفعتهم الكنيسة على مذابحها، إن الأب جورج هذا أحبّ أن يسلّط الضوء على هويّة هذا الأنطش، وأن يحدّثنا بالكلمة والصورة، عن الحضور الرهباني الفاعل الذي ذكرت، وعن خدمة الرهبان في الحقول الروحيّة والرعويّة والإنمائيّة.
أنطش سيّدة المعونات في بعلبك،تاريخ صُنع، على مدى أكثر من قرن ونصف، من التعبّد والزهد والكرازة والأنجلة والرعاية والشهادة. تاريخ، يضع الأب جورح الصغبيني، الراهب اللبناني "الطيّب"، عناوينه أمام أعيننا للتثمين والعبرة؛ تاريخ يكوّن دليلاً واضحاً لدراساتٍ معمّقة، تكشف لنا عن أهداف هذا الحضور الرهباني ودوره في النيابة الأسقفيّة، التي أؤتمن عليها على مدى عقود، بخاصة على طول المنطقة الشرقيّة للأبرشيّة وعلى اتساع السهل، أهراء روما قديماً. فالسنين الطويلة قي حوار بين الأديان والثقافات وخبرة العيش معاً، تذكّرنا بالحوارات التي كانت تتمّ بين فقهاء الدين الإسلامي ولاهوتيّي الحياة المسبحيّة، وتكوّن اليوم قاعدة صالحة لحوار الحياة الواعي والمسؤول والواعد من أجل شهادة أكثر فاعليّة اليوم وأقوى تجلّياً للأخوّة الشاملة والإحترام المتبادل لبناء السلام المنشود
فالشكر للأب العزيز جورح الصغبيني على الجهود التي بذلها من أجل وضع هذه المعطيات التي ذكرت في متناول محبّي المعرفة وحاملي مسؤوليّة الرسالة الكنسيّة في هذه المنطقة الحبيبة، الغنيّة بالتاريخ المجيد وبالمواقع الآثاريّة العديدة وبالتراثات الإنسانيّة الفنيّة والحضاريّة والرسوليّة. كافأه الله على تعبه وجازاه بتعزية رؤية من يأخذ هذه المعطيات بجدّية ويكشف عن أسرارها وأبعادها المطموسة تحت تراب هذه المنطقة ووراء رموزها الناطقة والتي نراها في المعالم غير المحصاة في بعلبك بالذات أو في مناطقنا، كما وفي المخطوطات، المحفوظة منها والمطمورة في أمكنة لا بدّ وأن يُكشف عنها. الى ذلك فهناك التاريخ الإنساني، وهو الأهم، الذي دوّنته حياة الرهبان الذين تعاقبوا على الأنطش المذكور، وسجّلته خبراتهم الحياتيّة اليوميّة، لا سيّما وان الحوار في بلادنا مبني، أساساً، على حوار الحياة، الذي كان وما يزال وسيبقى رصيدنا الأغنى والأفعل للتفاعل والسير معاً نحو الحقيقة الواحدة. أو لسنا شهوداً أولاً وآخراً على ارادة الله الخلاصيّة الشاملة والنابعة من محبّته غير المحدودة زماناً ومكاناً؟
لك محبّتي، أبت جورج، مع الدعاء.
المطران سمعان عطالله راعي أبرشة بعلبك- دير الأحمر المارونية



إهداء
إلى الرهبان الذين أتوا، إلى عمق الأريوباغوس البقاعي، ليبنوا لهم فيه معبداً، ويحوّلوه من معبد للآلهة المجهولة، إلى معبد لأم إله الآلهة سيّدة المعونات.
إلى الرهبان الذين نزلوا، من جبال لبنان، إلى سهل أهراء روما، ليحوّلوا مواسم الحصاد البشرية، إلى أهراء في كنيسة سيدة المعونات، تحسّباً للسنوات العجاف الإيمانيّة.
إلى الرهبان الذين رعوا القطيع، وسهروا عليه يوم هرب الأجراء، من وجه الذئاب.
إلى الرهبان الذين هم الأعمدة الثابتة، في وجه غدر الزمن، الذين يقرأ التاريخ في صفحات عباءاتهم السوداء الحالكة، قصّة الرايات البيضاء، في علائق الودّ والتعايش، فكانوا مرجعيّة المجتمع البقاعيّ، يستظلّها طالبو الأمن والطمأنينة والكفاف وسدّ العوز.
إلى الرهبان الذين خدموا هذه المنطقة من لبنان، يوم كانت خارجة عنه، فاستظلّوا شعبها وأعادوها من التيه إلى وحدة الوطن.
إلى الرهبان الذين لاقوا الجَور والاضطهاد، في سبيل الحفاظ على البقاء في مدينة الشمس فكانوا فيها كالكواكب يشعّون ضياءً في سماء المنطقة وقداسة وعلماً ًوبطولة.
وأخيراً إلى المؤسّس، وباني أول مدماك في هذا الصرح الديني والروحي والإجتماعي والثقافي، الأب دانيال العلم الحدثي، الذي عرف بقديس قرطبا رزقنا الله شفاعته. وإلى جميع الرهبان الذين خلفوه في خدمة هذه المنطقة، وقد نسيتهم كتب التاريخ وعرفان الجميل... نعيدهم اليوم في هذا المختصر إلى الذاكرة.
الأب جورج صغبيني


تمهيد
مدينة الآلهة التي بناها الجبابرة الذين لم يُعرف لهم نسب ولم تُعرف لهم أمّ، يتيمة بقيت هذه الآلهة، إلى أن جاء الرهبان اللبنانيون الموارنة وبنوا معبداً لأم الإله فيها تجمع شملَهم.
مدينة الماء والينابيع والأعمدة والأشجار الباسقة والأرض المعطاء، كانت تنقصها قصة الرهبان وتواجودهم فيها، من منبع مياه العاصي إلى داخل أسوار أهراء روما البقاعيّة.
مدينة الآثار والأطلال المندرسة، منذ ما قبل التاريخ، من يكتب قصتها في ذاكرة الناس عبر الأجيال، غير دماء الرهبان القديسين وعرق جباه الفلاحين وصمود أبنائها.
مدينة أم العجائب السبع، التي يأتيها السائحون، ويدخلون إليها في أوقات لَهوهم، فيخرجون، منها، أقزاماً، وعلى محيّاهم سؤال وفي قلوبهم عَجَب، عن هذه القلعة التي لا قلاع ولا حصون تضاهيها.
مدينة؟ لا، بل أمّ المدائن وأمّ الحضارات يوم كان الجميع عُرباً رُحَّلا يؤمّونها ليجدوا فيها أمناً ورغيفاً.
من مدينة الشمس التي، لا ينطفئ، نورها في الليالي الحالكات. كان البعل الحامي صحراء البقاع، ساهراً، في مترسته على حدود طول السهل وعرضه.
مدينة أضحت أطلالاً مندرسة،
يرهبك الدخول إليها،
لا تزال أسرارها غير مكشوفة.
سرّها الكبير، طُمس، مع معالمها.
لا يعرف التاريخ قراءة أبجدية تكوينها،
ولا علم الآثار يكنه مدلولات اندثارها.
كأنها قطعت من كوكب جبابرة، سقطت سهواً، في هذه البقعة من الأرض. لتذكّرنا بأننا من أبناء الجبابرة والآلهة الذين سكنوا في هذه القلعة وأقاموا في هذا السهل، فأشبعوا الملايين من الناس، في غابر الزمن، وهم اليوم أشد عوزا من الجياع والمحرومين...
المؤلف

كتاب الإغتيالات في لبنان


أ.جورج صغبيني






ألإغـْتِـيَالاتُ فِيْ لـُبْــــنَانْ


لبنان 2006



إهداء
إلى الذين سفكوا دماءهم
من أجل الحرية
من أجل الوطن
من أجل الإيمان
من أجل البقاء
وقد أعطيت لهم هذه النعمة دون سواهم
فحفظوا لنا جغرافية الأرض
وتجذّروا في ذاكرة التاريخ
إلى جيل الأجيال.
أ.جورج صغبيني

تقديم كتاب أسرار الحقيقة للسيد سمير يمّين

تقديم كتاب أسرار الحقيقة للسيد سمير يمّين
سمير يمين
الإنسان المتأمل،
الشارد في واقعه،
عن مخيلات الناس،
المتبحّر في كتب اللاهوت والفلسفة،
وصاحب رؤيا فريدة،
في عصر المادة.
يسمع ما لا يسمعه سواه،
ويرى ما لا يراه غيره،
ويشعر بتوازن عقله وقلبه،
فلا يقوده عقله إلى التصلب في الرأي،
ولا يسوقه قلبه إلى مزالق العواطف.
سمير يمين،
إنسان مؤمن ومفكّر،
اختزل الطريق بين المعرفة واليقين،
لأنه سلك الطريق القويم المستقيم،
سراط الذين أنعم الله عليهم...
فما اعوجّت سبله في طريق المصالح،
بل على ما علّمه والده،
والكتب السماوية،
كل الكتب السماوية،
على هديها سار،
في طريق السدق مع الناس،
فأعطاهم من مخزون معرفته،
دون مقابل،
لأنه اعتبرها نعمة من الله مجّانية.
سمير يمين،
شبيه الشكل بكلّ الناس،
وفريد الأسلوب في عيشه قناعته،
منذ عرفته على مقاعد الدراسة،
في جامعة الروح القدس – الكسليك،
وسلك كلٌّ منّا سبيلا،
ولكنهما يلتقيان في غايتهما.
قناعته،
أن يشارك الناس بمعرفته،
فاختصر بعناوين،
مواضيع تامّله،
التي تزيد عن صفحات كتاب،
وبلغات ثلاث،
يقرأ الناس فيها،
أفكارهم وتساؤلاتهم.
كتاب "أسرار الحقيقة"،
الذي بين يديك،
هو مخزون معرفة،
يمكنك أن تغرف منه،
بمقدار كيل الوعي،
الذي يستطيع أن يتسع له كفّ قدراتك على الإستيعاب.
"أسرار الحقيقة"
نافذة تطلّ منها،
على ذاتك،
ومنها على الآخر،
الذي فيه يُختصر الكون،
والذي فيه حضور الله الدائم.

2 آب 2006 الأب جورج صغبيني

قَسَمُ فخامة الشعب

قَسَمُ فخامة الشعب
سمعنا طيلة العهود الخوالي، ومنذ الإستقلال، كلاما إباحيا من زعماء وراثيين على طوائف الوطن وعلى أحزابه كانوا بمعظمهم زعماء مزارع بشريّة بشهادتهم.
لكن ما همّنا اليوم من مقولات بعض زعمائنا وسياسيينا الذين يسرّون دائما ما يضمروه في محافلهم الخاصة وقد أباحوا علنا مقولاتهم في ساحات الوغى الخطابية فصفّق لهم قطيعهم الطائفي والمذهبي والحزبي... ففرقوا بين الناس أكثر مما فرّقت أيدي سبأ.
قال النبي(ص): اختلفت اليهود على سبعين فرقة واختلف النصارى على إحدى وسبعين فرقة وتفترق أمّتي على اثنتين وسبعين فرقة. وقد فاق زعماء هذا الوطن، هذه الأديان مجتمعة، بتفرقة الناس إلى أكثر من أحزاب وطوائف حتى بات الوطن مقسَّما إلى 128 فرقة وإلى أكثر من 30 صندوق مغارة علي بابا ...
أوليس هناك من كلمة سواء في الوطن، تجمع ساسة هذا الشعب، الشرود عن الوحدة والتقارب، التابع هوى زعمائه الذين بات كلامهم أكثر سلطة وتوجيها من توراة و إنجيل وقرآن.
سمعنا قبل الإنتخابات استنفارا إباحيا من خلال كلام هؤلاء الزعماء دون أن نردد ما قالوا لئلا- كما يقول الكتاب- نصير نظيرهم سفهاء. والمقولة، أنّه عندما يتشاتم الزعماء فيما بينهم يكونون جميعهم على حقّ.
وقد استبدل سياسيو هذا الوطن كتاب تاريخ الوطن بكتاب تاريخ طوائفهم واستبدلوا كتاب التربية الوطنية بكتاب تربية أحزابهم، التي تعلـّم أناشيدها بدلا من نشيد الوطن، وترفع أعلامها بدلا من علم الوطن، وتربّي على خلقية أبناء السوقة والأزقة وعلى الحقد والكراهية بدل التسامح والمصالحة، وعلى الشتم والسباب بدل لغة التقارب والحوار، وعلى لغة العنف واستباحة أخلاق ودماء الآخرين بدل لغة المحبة والغفران، وعلى لغة السنّ بالسنّ والعين بالعين حتى بات شعب وطني، ينظر ولا يرى، يسمع ولا يفهم، له قلب لا يحب، ولا عقل يفكّر...
يا شعب وطني،
تعالوا،
بعيدا عن زعمائكم،
إلى كلمة سواء في الوطن.
فوطننا ووطنكم واحد هو، لا وطن إلاه.
لا للشرق ولا للغرب وإن اجتمع الغرب والشرق عندنا.
وإن كانت لا تجمعكم مصائبكم ولا جوعكم، ولا الأمن ولا الرغيف... فإن زعماءكم يا شعب وطني سيجتمعون عليكم في يوم التعزية بكم، بعد أن جعلوا منكم سواتر بشرية في خلافاتهم العبثية، يسوسونكم في قطعان طائفية حينا وقطعان حزبية غالبا، حتى يبقون هم أحياء يرزقون، يورثونكم أولادهم على أولادكم وأنتم أذلـّة "صاغرين".
يا أبناء شعب لبنان
أتريدون أن تبقوا نعاجا في مسالخ مزارع زعمائكم الطائفية والحزبية؟
أم تريدون أن تتحرروا من هؤلاء الذين تتشابه أسماؤهم وخطاباتهم، وأحزابهم ومصالحهم، وأعلامهم وألوانهم... وتبقون أنتم الأضحية، فينحرونكم في عيد تلاقيهم، كما كنتم الأضحية في يوم تنافرهم وخلافاتهم وحروبهم.
يا زعماء شعب وطني
سمعنا لكم، لزمن ليس ببعيد، كلاما إباحيا. ولنا اليوم أن نقول، كلاما مباحا، لكم...
يا زعماء شعب وطني
يا حقل تجارب الطائفية والحزبية، والديموقراطية والشيوعية، والثيوقراطية والعلمانية، والقوى الإقليمية والدولية...
ما بالي أراكم قد أصبتم شعبكم بالهجرة والتهجير، بالتجنيس والتوطين، وبإغراءات بيع ترابات الوطن للغرباء بأبخس من ثمن رغيف... وقد بات أبناء الوطن أيتاما، في سوق نخاسة جمعية الأمم، وأنت أحياء ترزقون. وباتت نساء شعب وطني أرامل وأنتم في سوق الجامعة الخيرية العربية تستعطون على ما بلوتوهنّ به. وجعلتم وطننا مصحّرا، من دون ماء ولا كهرباء، ملوث التربة والفضاء والأخلاق، ومكب نفايات لقمامة العالم... فبتّم في عيّي لا شفاء منه، وتتسابقون لاهثين خلف سراب أضغاث وعود أمم لا تريد خيركم، وتسيرون بحسب توجيهات خرائط الطرق فتقودكم إلى غير طاحون الوطن...
ماذا يفيد شعب وطني، يا زعماء وطني، إن أحببتم سائر الأوطان أكثر من وطني وأكثر من أبناء شعب وطني لبنان. وماذا يفيدكم إن ربحتم رضى زعماء وملوك وقادة العالم وكلّ كنوز العالم وخسرتم لبنان... وقد صمد شعب وطني في كل ما تفنّنتم به من تجارب...
فيا زعماء شعب وطني
ما بالي أراكم قد أصبحتم طائفيين بعد الطائف أكثر ممّا كنتم عليه قبله.
لما لا تصلحوا ذات البين في ما بينكم؟
وحتى قيام دولة علمانية ترتجون!
فتنتخبون بطريرك الموارنة رئيسا للجمهورية،
ومفتي الجمهورية رئيسا للحكومة،
والسيد بدلا من الأستاذ رئيسا لمجلس النواب،
ورؤساء باقي الطوائف وزراء،
وشيوخكم وكهنتكم ورجال دينكم نوابا أصيلين بدلا منكم أنتم البدلاء...
يا زعماء أوطان الغرباء في وطني،
أتركوا الجيش يحمي حدود الوطن بدلا من مصالحكم ومصالح من تمثّلون. واجتمعوا من حول الرئيس التوافقي "سليمان الحكيم"، ولو لمرّة، فتصبح عرفاً، ولنجعل منه بطريرك لبنان، ومفتي جمهورية لبنان، وسيد مقاومة لبنان، وشيخ عقل لبنان، ورئيس حزب لبنان... فتجتمع كل طوائف وأحزاب لبنان في شخصه ململمين شملنا من شتاتنا حول جيش لبنان، تاركين أعلامنا الطائفية وراياتنا الحزبية الموسمية جانبا لنرفع كلنا علم لبنان.
فيا شعب لبنان،
تعالوا نجدّد القسم والوعد مع فخامة الرئيس سليمان:
"أحلف بالله العظيم أني أحترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها وأحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه".
"أيها اللبنانيات واللبنانيون
... إنني اليوم، وفي أدائي اليمين الدستورية، إنما أدعوكم جميعاً قوى سياسية، ومواطنين، لنبدأ مرحلة جديدة عنوانها لبنان واللبنانيون، لنصل إلى ما يخدم الوطن ومصلحته كأولوية على مصالحنا الفئوية والطائفية، ومصالح الآخرين...
إن الشعب أولانا ثقته لتحقيق طموحاته، وليس لإرباكه بخلافاتنا السياسية الضيقة... لذا وجب الإدراك والعمل على تحصين الوطن، والعيش الواحد عبر التلاقي، ضمن ثقافة الحوار، وليس بجعله ساحة للصراعات...
ينتظرنا الكثير الكثير، فقسمي هذا التزام عليّ، كما إرادتكم هي التزام أيضاً". 25 حزيران 2009 الأب جورج صغبيني