2012/10/24

تعيين البطريرك الراعي كاردينالاً الأب جورج صغبيني




تعيين البطريرك الراعي كاردينالاً



أعلن قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر، يوم الأربعاء 24 تشرين الأول 2012، "تعيين البطريرك مار بشارة بطرس الراعي كاردينالاً في الكنيسة الجامعة".

جاء في رسالة التعيين التي وجهها البابا إلى البطريرك الراعي:
"الى أخينا الجليل بشاره بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، نعلمكم في هذه الرسالة انه سينعقد مجمع لترقية كرادلة جدد في 24 تشرين الثاني المقبل. ستكون غبطتكم من بين الكرادلة المنتخبين أعضاء جددا في مجمع الكرادلة المقدس.
وبهذا نعرب لكم أيها الأخ الجليل عن تقديرنا لجهودكم ونشاطاتكم في الكنيسة ونمنحكم هذه الرتبة لكي تعاونونا في هذه الخدمة من اجل خير الكنيسة".
وستجرى مراسم الرتبة في الرابع والعشرين من تشرين الثاني المقبل".

هي فرحة تعمُّ اليوم لبنان والمشرق المسيحي، بإعلان خبر تعيين غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، كردينالاً في الكنيسة الجامعة من قبل قداسة البابا بندكتوس السادس عشر.
ها هو البطريرك مار بشارة بطرس الراعي يحمل، مسيحيي الشرق ولبنان، وكنيسة  وشعب لبنان، مع القربان بين ذراعيه في حاضرة الفتيكان.
"الشركة والمجبة" و"الشركة والشهادة" يحملها حيثما تنقّل في بلدات وقرى لبنان، كما حملها في زياراته للدول التي زار اللبنانيين فيها في كافة أنحاء العالم.
أيها الراعي الصالح، لك مجد لبنان والشرق والفاتيكان.
فالمجد لله في السماء وكذلك على أرض لبنان والعالم السلام والمسرّة، ورجاء جديد لكلّ اللبنانيين وكل البشر.
مبروك لنا
مبروك لنا، يا صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، مبروك للكنيسة المارونية وكنائس المشرق، مبروك للبنان الشراكة والمحبة، مبروك لحملايا بيت لحم الجديدة ومبروك للرهبنة المريمية ولجميع الرهبانيات اللبنانية.
صلاتنا ترافقك أينما أقمت وحللت، لكي يلبسك الله ثوب العافية والصحّة، وتحفظك ملائكته لئلا تعثر بحجر رجلك. وأملنا بعد انتخابكم ومنحكم رتبة الكردينالية، أن يكون للكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية، بابا من الشرق، بابا من لبنان، مع الدعاء بطول العمر لقداسة البابا بنديكتوس السادس عشر ولأيام كثيرة يا سيّد.

الأب جورج صغبيني
24 تشرين الأول 2012

إكليل شربل طوني صغبيني وساريتا سليم سلامه الأب جورج صغبيني




إكليل شربل وساريتا



إكليل
شربل طوني صغبيني                    و       ساريتا سليم سلامه
الإشبينين
جورج طوني صغبيني                  ستيفاني سليم سلامه
الأحد 23  أيار 2010
كنيسة مار جرجس- الكفور

الأباء جورج السغبيني، بولس سلامه، جان بو رحال وإيلي خليل كاهن الرعية

إذا أحببتَ فلا تقل الله في قلبي لكن قلّ أنا في قلب الله

حضرة  الأباء الأجلاء والإخوة الأحباء

أولا: نشكر كاهن الرعية الخوري إيلي خليل الذي أتاح لنا في هذه المناسبة السعيدة مباركة العروسين شربل وساريتا.

وثانيا: نرحب بالأب بولس سلامه عمّ العروس ورئيس دير ومدرسة مار يوسف المتين كما ونرحب بالأب جان بو رحّال لمشاركتنا هذه الفرحة.

وثالثا: نشكر العروسين اللذين جمعا في كنيسة مار جرجس الكفور مع الروح القدس في يوم العنصرة هذا. فامتلأت قلوب المدعوين فرحا راجين على مثالهم أن يحل الروح عليكم فيملأ قلوبكم من الحب  في هذه العنصرة الجديدة التي تجتمعون معنا فيها لنصلي من أجل العروسين شربل وساريتا والإشبينين جورج وستيفاني. على أن يحلّ الروح في قلب العروسين وفي عائلتهما وبيتهما الذي هو كنيسة جديدة ليستمرا بالفرح جميع أيام حياتهما مع ما يَهِبُهُما الله من البنين والبنات فيفرحا بدورهما بهم كما فرح أهلهُما والأقارب والأصدقاء اليوم بهما.

حلول الروح اليوم هو لتثبيت حُبّكما إلى الأبد. على أن لا فراق لكما في هذا الحبّ الذي جمعكما به الله.

أنتما اليوم بعد هذا الإكليل المبارك جسد واحد كما يقول بولس الرسول. فلستما إثنين من بعد. وإن كان الله خلق الرحل أولا ومن ضلعه الأقرب إلى قلبه، خلق المرأة فلكي يحبّها من كل قلبه. وإذ خلق الله المرأة من ضلع الرجل فلكي تحوط بدورها قلبه وتحميه وتحتضنه في قفصها الذهبي.

وإن قال بولس الرسول: الرجل رأس المرأة. فلا يحطّ هذا القول من شأن المرأة لأن الرسول شبّهها بالكنيسة التي تحتضن أولادها. كما وشبّه الرجل بالمسيح الذي هو رأس هذه الكنيسة. فالمسؤولية عليكُما معا كبيرة لأنكما شبيهان للمسيح وللكنيسة.

فيا أيتها العروس إنسَي شعبك وبيت أبيك فيشتهي الملك جمالك.
ويا أيها العريس أترك أباك وأمّك وكنّ مع امرأتك.

كونا معاّ من أجل مشاركة الله في عمل الخلق.
فهو الذي يهبُكُما الأولاد، مع ألم الأمومة، الذين ستنسون ذاتيكما من أجلهم.
وهو الذي يهبُكُما كفاف يومِكُما، مع عرق الجبين.
وهو الذي سيكون معكما في مسيرة حياتِكُما التي نتمناها أن تكون طويلة ومليئة بالسعادة أكثر من شوك صعاب الحياة.

والروح القدس سيدير معكما دفّة سفينة حياتِكُما في بيتكما الجديد في بحر هذا العالم، الذي تعيشون فيه ولستم منه، مع المسؤولية التي يضعها الله على عاتقكما لتسيرا سيرة مرضيّة مليئة بالأعمال الصالحة. لأن المرأة الصالحة فخرٌ لزوجها بين الناس. فإذا حضرت يقتدي بها وإذا غابت يٍُسأل عنها وصيت الرجل الصالح تاج على هامة امرأته.

إذا أنت أحببت فلا تقل الله في قلبي لكن قلّ أنا في قلب الله
نعم.
هذه الآية من النبي جبران هي شعاركما في يوم زفافكما وكلّ أيام حياتكما.
ومعناها في محتواها.
فيا أيتها العروس لا تقولي شربل في قلببي لكن قولي أنا في قلب شربل
ويا أيها العريس لا تقل ساريتا في قلبي لكن قلّ أنا في قلب ساريتا
هذا هو الحبّ الجبراني الذي يتماهى فيه الإنسان ليزرع السعادة لا في قلبه، بل في قلب من يحبّ.

والحبّ هو لغة يفهمها كلّ العالم ففي يوم العنصرة تكلم بطرس الرسول وفهم ما قاله كل الحاضرين حينها وكانوا من أديان مختلفة ومن أوطان مختلفة ومن الأجناس والأمم وفهموا ما أراد بطرسُ صياد السمك والبشر، أن يقوله لهم. 

وهذا الحبّ نُذَكِّر به اليوم جميعَ المشاركين في عرس شربل وساريتا أن يعود كل زوجين فيعتنيان بهذه السعادة التي زرعها كلّ منكما في قلب الآخر لتبقى هذه السعادة حتى في أيام خريف العمر مزهرة بألوان ربيع حياتهم والتي عَبَقَ منها طيبُ ثمار الحبّ الذين هم أولادكم.

والثمرة الصالحة من الشجرة الصالحة وأنتما يا شربل ويا ساريتا ثمرتان صالحتان من شجرتين صالحتين فنتمنّا لكما أن تثمرا أيضا بدورِكُما ثمارا صالحة للكنيسة والوطن.
ومبروك 


الفراغ الحاكم الأب جورج صغبيني




الفراغ الحاكم



في مملكة من ممالك الأرض
في وطن إسمه لبنان
يتقاتل شعبها على من يحكمها.

في كل صباح انقلاب
وفي كل مساء مخطط
وفي كل ليل يتبدل رجال برجال
وفي الصباح يستفيق الناس
على صورة حاكم جديد
معلـّقة في  الساحات وفي الأذهان.

ليس من يأمن غده
والمستقبل مبهم
الناس تصفق لكل خلف
وتنادي بالإنتقام من كل سلف.
وضحايا الوجه الآتي تزداد
الجميع يريد أن يصل إلى كرسي الحكم
ليأمن غدر غده
وكل واحد ينادي  بمبادئ جديدة
لا يكفي الوقت لتحقيقها.
كثيرون هم الذين توالوا على إدارة هذه المملكة
يصارع واحدهم الآخر
فيقتل الأب ابنه
والأب أباه
ويغتال الصغار الكبار
وتتعاود الصورة مع كل موسم انقلاب.
لم يستتب الأمر
إلا حين جاء صاحب العرين إلى عرينه
فأخرج الثعالب من كرم مملكته
وقضى على الذئاب الضارية في قطيع شعبه
وتسلّم زمام الأمور
فهدأت الحال واطمأن البال
ولو لحق البعض  من ظلامة.
فدامت الولاية 
طيلة الحياة.
وحين كانت محاولات إنقلابية
أخمد سعيرها
وكانت فتن
أطفأ شرارها
ودائما كان الأمن مخيّما
ولو مع بعض من الخوف.
شخصٌ
استنسخ على مثال فكره شعبا
من كل مذهب ولون ولغة
في وحدة جغرافية
وفي ظل قانون
يظلم الخارجون عنه بما ظلموا أنفسهم.
حافظ على مبادئه
فخاف منه معارضوه
واطمئن إليه الذين استظلوا رايته.
حاكمٌ
صلب في رأيه
عنيد في قراره
عرف
كيف ومتى يقف في وجه أعدائه.
بعد توحيد مملكته
سعى ليوحّد الأمة بين النيل والفرات
تحت راية العروبة بدل راية صهيون
في وحدة جغرافية.
مات
ولكن المدرسة
التي زرع فيها أولويات مبادئه
باقية على نهجه
تحمل كلماته لا على يافطات
بل في مسارات المصير
أمانة
من أجل استمرار حلم الشعوب.
مات الرجل
فمن يكمل برامج الإصلاح الدائم
غير حزبه ا لذي هو مدرسة
ممنوع الرسوب فيها.
                                
الأب جورج صغبيني
6-11-2000




2012/10/18

الأب يوسف مونس من دون ألقاب، الأب جورج صغبيني





الأب يوسف مونس  [1]



هو طانيوس الياس مونّس.
والدته نمنم أبو رجيلي.
من مواليد بلدة الشبانية، 15 آذار 1938.
تلقى دروسه الابتدائية في مدرسة الشبانية بين عامي 1942 و1953.
أكمل دروسه الثانوية في معهد الروح القدس- الكسليك بين عامي 1954 و1957 وحاز عام 1960 على البكالوريا الجزء الأول، شهادة الفلسفة.
درس الفلسفة واللاهوت في جامعة الروح القدس الكسليك، وحاز على إجازة تعليمية في الفلسفة عام 1965 وفي اللاهوت عام 1967.
انتقل إلى جامعة ستراسبورغ في فرنسا ليكمل تخصصه، ويحصل على شهادة الدراسات العليا الألسنية في الانتولوجيا عام 1970.
ودكتوراه في علم الاجتماع والانسان عام 1971.
يتقن اللغات العربية، الإنكليزية، الفرنسية والألمانية...
درّس في الجامعة اللبنانية وجامعة الروح القدس الكسليك.
حائز على وسام الشرف من رتبة فارس من الدولة الفرنسية سنة 1993.
ووسام السعفة الأكاديمية للثقافة من الدولة الفرنسية 2002.
وجائزة كمال المر.

أستاذ علم الاجتماع والانتربولوجيا في الجامعة اللبنانية 1972 – 2001. وفي جامعة الروح القدس الكسليك 1972 – 2003.
أستاذ علم وسائل الإعلام والاتصال في الكسليك.
أستاذ في قسم علم النفس في كليّة الآداب في الجامعة اللبنانية.
رئيس مختبر الانتربولوجيا في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية.
تولى رئاسة معهد بيت شباب عام 1972.
تولى رئاسة دير مار يوسف البرج- الضبية بين عامي 1986 و1988.
عيّن مديرا عاما لمدارس الرهبانية اللبنانية المارونية بين عامي 1995 و1999.
عيّن رئيسا لجامعة الروح القدس- الكسليك بين عامي 1999 و2002.
أسس كليّة الفنون الجميلة في جامعة الروح القدس وتسلّم عمادتها على مرحلتين: بين عامي 1975 و 1986 وبين 1993 و 1995.
وأسس كلّية الطب وكلية الهندسة والمعلوماتية ومعهد البيئة.
عيّن عميدا لكليّة الآداب في جامعة الروح القدس، الكسليك في عامي 1987 و 1988.
وعُيّن عميدًا لكلية الزراعة في الجامعة المذكورة مرّة أولى بين عامي 1980 و1995، ومرة ثانية بين عامي 1995 و2000.
عمل على إنشاء فروع لجامعة الكسليك في البقاع (زحلة) والشمال (شكا) والجنوب (رميش)، ليبقى الطلاب في محيطهم وبيئتهم ول.
كذلك، أقام الأب مونّس أهم المعاهدات الأكاديمية مع الجامعات الغربية والعربية، والتعاون الأكاديمي وتبادل الأساتذة والطلبة والأبحاث.
ترأس الأب مونّس قسم هندسة الكنائس في اللجنة الطقسية المارونية.
وعيّن أمينا عاما للجنة الأسقفية لوسائل الإعلام ورئيس قسم الصحافة وعضو شرف في الاتحاد العالمي للصحافة الكاثوليكية. يوفّر عليهم كلفة المعيشة والدراسة.
تولى رئاسة فرع الصحافة والسينما والتلفزيون في المركز الكاثوليكي للإعلام عام 2002. كما عُيّن في السنة عينها أمينًا عامًا للجنة الأسقفية لوسائل الإعلام.
أسس وأعّد برامج دينية عدّة بثتّها محطّات التلفزة والراديو، لا سيّما تلفزيون لبنان والمؤسسة اللبنانية للإرسال والتليه لوميار.
وفي أرشيف الأب مونّس مجموعة تزيد عن 52 عملاً تلفزيونيًا مسرحيًا ووثائقيًا، بالإضافة إلى تمثيل الأب مونّس دور "مار شربل".
وهو عضو في الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة: في جنيف U. C. I. P.  والاتحاد العالمي للاوندا في بروكسل U. N. D.A.  والاتحاد العالمي الكاثوليكي للسينما O. C. I. C.
شارك في ندوات ومحاضرات في مختلف المواضيع الدينية والسياسية والحوارية... وله أبحاث ومؤلفات، منها:
رسالة بحث عن النَوْرَ في ستراسبورغ 1968.
رسالة بحث عن اللحاميين في هوردت في فرنسا 1968.
رسالة بحث عن طقوس الخبز في لبنان جامعة ستراسبورغ 1969.
بحث عن عزوبية وزواج الكهنة استنادًا الى كتاب الهدى ستراسبورغ.
مفهوم الشعور بالذنب 1965.
بين البطولة والقداسة 1979.
الرؤيا 1975.
المجتمع اللبناني الجديد بحسب مفهوم الفعاليات المسيحية 1986 – منشورات الكسليك.

وللأب مونّس أيضا:
طقوس الجنازات عند الموارنة 1990، منشورات الكسليك، معهد الليتورجيا، الكسليك.
الليتورجيا والانتربولوجيا 1992، منشورات معهد الليتورجيا، الكسليك.
التنشئة والاسرار 1996، منشورات معهد الليتورجيا، الكسليك.
عبادة الله بالمفهوم الانتربولوجي، منشورات معهد الليتورجيا، الكسليك 2000.
هندسة الكنائس المارونية 2001.
الزواج والجناز طقس واحد.

له محاضرات ومقالات ومسرحيات، أكثر من 30 مسرحية.
1-    "إشعيا" (دعوة وصراع)
2-    "سراج الزيت" (لوحة من حياة شربل)
3-    "فغت"
4-    "صيدا على لهيب النار"
5-    "ليل الشهداء"
6-    "يوسف انسان يُباع"
7-    "ليل السلام"
8-    "الليل المسحور"
9-    "بولس" (انتقام الدم)
10-  "رأس يوحنا على طبق"
11-  "الشهيد" (ليل المشنقة)
12-  "مارينا"
13-  "اللقاء البكر" (قايين وهابيل)
14-  "إبرهيم" (ضحية وايمان)
15-  "صور" (كرامة وعناد)
16-  "حكاية طريق"
17-  "يوم تكسّرت المشانق"
18-  "موعد مع السماء"
19-  "راحوا"
20-  "بير الحمام"
21-  "المغفرة"
22-  "الجوهرة المقدسة"
23-  "حبة القمح"
24-  "الابن الشاطر اليوم"
25-  "كان عليه ان يموت"
26-  "حجار صفرا"
27-  "عا طريق المغارة"
28-  "هيكل الشمس بعلبك"
29-  "اصحاب الزنانير الجلدية"

الأب يوسف مونس راهب يعيش في وجدان مار شربل
محبسته غرفته،
ويطلّ على العالم من خلال شاشات التلفزة والإذاعات،
يتأمّل معك في روحانية القديسين،
ويجول بك مع أبطال التاريخ،
ويحاورك من دون جدال.
يسبقك إلى أفكارك ويحدّثك عن أحلامك في القيم والعدالة والوطنية...
عرفته منذ أيام الطالبية في الكسليك عام 1963، حين كان يعاون الأب أمبروسيوس الحاج في السهر على طلاب الرهبانية.
ورافقتُ أعماله التي عجزتُ عن إحصائها، في المسرح والتلفزيون... والمحاضرات والمؤلفات...
تبهجك طلته البهيّة،
يسحرك كلامه ويستحوذ على مجامعك،
فتصمت وتصغي حتى لا تقع كلماته على قارعة الزمن.
يجذبك محيّاه،
منتصب القامة يمشي،
شامخ الجبين كالأرز،
صامد الموقف كالحق،
صَلْبَ الرأي كالعصمة،
وبقدر ما يستهويك تواضعه وخشوعه،
تراه جدّيا ورصينا.
وليس سرّا أن يكون قائد ثورة ميدانية، كما الفكريّة والدينية والوطنية...
من أبناء بلدة الشبانية،
منبت رؤساء الرهبانية ورؤساء الجمهورية القديسين...
تسلـّم مراكز لم يسعَ إليها،
وتراه راهبا ملتزما ومعلـّما يحمل مسبحته والكتاب.
رئيسا للجامعة يستقبلك من دون موعد،
ومسؤولا في أعلى المراتب يسبقك إلى التحيّة،
تُختصر حياته بصوت صارخ، نبويّ،
مرجعيته وجدانه وضميره.


بعض من مواقف الأب مونّس

كتب إبراهيم عوض تحت عنوان: تساؤلات في لبنان عن صحة إقالة الأب مونّس رئيس جامعة الكسليك لتقربه من دمشق.
اهتمت الاوساط الرسمية والسياسية في لبنان بمعرفة حقيقة ما يجري في الرهبانية اللبنانية المارونية بعد الاعلان عن تشكيلات وتعيينات جديدة شملت نحو 85 ديراً ومؤسسة ومركزاً في لبنان والعالم، وما تردد من ان تعيين مدير معهد التاريخ في "جامعة الكسليك ـ الروح القدس"، الاب الدكتور كرم رزق كرئيس للجامعة خلفاً للأب الدكتور يوسف مونس لم يكن تعييناً بالمعنى الاداري للكلمة بل "إقالة" للأب مونس نتيجة "انفتاحه" على دمشق واشادته بالرئيس السوري الدكتور بشار الاسد الذي كان قد التقاه منذ أشهر.
ومعلوم ان جامعة الكسليك تعتبر إحدى أبرز الجامعات في لبنان، وتعكس سياسة الرهبنة اللبنانية وتوجهاتها على الصعيد الوطني وداخل المجتمع اللبناني.
وفيما امتنع الاب مونس عن التعليق على وصف خبر تعيين خلف له بـ"الاقالة"، قال لـ"الشرق الأوسط" انه ينظر الى الامر "في اطاره الطبيعي خصوصاً ان التعيينات تتم كل ثلاث سنوات. وقد جرى تقديم موعد التشكيلات خمسة اشهر بعد الحصول على اذن المراجع الكنسية بعدما جرى تأخير في موعد انتخابات عام 1998". ورداً على سؤال عن عدم وجود مبرر لاستبداله برئيس آخر للجامعة كونها شهدت خطوات تطويرية بارزة في عهده، كما نوه بذلك العديد من الاكاديميين، وبأن لا تفسير لهذا الاجراء الا للعلاقة الجيدة التي تربطه بالقيادة السورية، اجاب: "تقويم عملي او نجاحي اتركه للآخرين. وانا شاكر كل من يراني ناجحاً، كما يسعدني ان تكون علاقتي مع القيادة السورية ومع جميع الناس طيبة ومبنية على اساس الاحترام".
وعما سيفعله بعد القرار الجديد قال: "ربما سأعود الى التدريس في الجامعة".
من جهتها اكدت امانة السر العامة في الرهبانية اللبنانية المارونية لـ "الشرق الأوسط" ان "لا صحة للتفسيرات التي اعطيت لتعيين رئيس جديد لجامعة الروح القدس ـ الكسليك"، لافتة الى ان مروجي مثل هذه الاخبار يفقدون مصداقيتهم. واوضحت امانة السر ان التشكيلات والتعيينات الجديدة روتينية ولا علاقة لها بأي خلفيات سياسية.
وفي ردها على سؤال حول "انفتاح" الاب مونس على سورية والذي ترجم اخيراً بتوقيع اتفاقية بين جامعة الكسليك وجامعة دمشق قال مصدر مسؤول في امانة سر الرهبانية المارونية: "ان هذا الامر لم يكن ليتم لولا توجيهات الرهبانية. وما فعله الاب الدكتور مونس انما كان ترجمة لهذا التوجه".
وعن العلاقة بين الرهبانية ودمشق، افادت امانة سر الرهبانية "ان هذه العلاقة طيبة في اطارها الاكاديمي ونحن لا نتدخل في الامور السياسية. ونعمل بهدي من غبطة البطريرك نصر الله صفير".
ولدى سؤالنا امانة السر عن أن العلاقة بين دمشق وصفير ليست على ما يرام وهذا ما حدا بالبعض الى تفسير تعيين رئيس جديد لجامعة الكسليك بأنه "عقاب" للأب مونس على موقفه من دمشق، رفضت امانة سر الرهبانية اللبنانية المارونية هذا الطرح متسائلة: "ومن قال ان العلاقة بين البطريرك ودمشق ليست على ما يرام؟". [2]


وسام الاستحقاق الفرنسي للأب مونس [3] بعد إقالته من رئاسة جامعة الكسليك.


منحت الدولة الفرنسية الأب يوسف مونس وسام الاستحقاق الفرنسي من رتبة ضابط للسعفة الأكاديمية تقديرا "لإسهاماته الكبيرة في إشعاع الثقافة الفرنسية ولمواقفه العديدة في سبيل حوار الثقافات" وفق ما أعلنه بيان المركز الكاثوليكي للإعلام.
وكان الأب مونس حصل سابقا على وسام استحقاق فرنسي من رتبة فارس منحه إياه الرئيس فرنسوا ميتران لدفاعه عن القيم التي تؤمن بها فرنسا من عدالة وأخوة ومساواة.


كتب الأب مونّس تحت عنوان: كربلاء أو التاسيس على التجديد. [4]
للمرَّة الثالثة أتشرف بالوقوف بينكم ومشاركتكم إحياء ذكرى عاشوراء الكريمة على قلوبنا...
مرة ثالثة أعود إلى ذلك المساء الكئيب، حيث دار صراعٌ بين الحقِّ والباطل، حيث وقف البريء وحيدًا يدافع عن الحق.
أقف وأعيد قراءة الأحداث من مفهوم أنثروبولوجي دلاليٍّ يقرأ الحدث في خصوبته ومعانيه ومراميه.
سأبدأ من النهاية وأتساءل: علامَ تؤسِّس عاشوراء؟
التأسيس الأول
إنَّها تؤسِّس، أولاً، على المحبة بين الإسلام والمسيحية، أي على منطق حوار الأديان والحضارات وقبول حق الاختلاف والتلاقي مع الآخر في مصير واحد تزيِّنه المحبةُ والأمانة والاحترام. إنه حوار المحبة في مقابل صراع النظريات والمعتقدات. وعلى الرغم من المحاصرة الخانقة، فإنها تبقى نافذةً مفتوحة على النور والضياء؛ وهي تقول إن اليأس ممنوع مادامت صَلاتُنا صاعدةً مع بخور المجامر.
ونحن في جدلية تلاقي المسيحية والإسلام – على رحمة الله وحبِّه، وعلى الافتتان بوجه عيسى ابن مريم، السيِّد المسيح عليه السلام، وعلى الانبهار باصطفاء مريم، أنقى نساء العالمين – ننخرط معًا في حبِّ الله. نعمة المحبة الإلهية أفاضها الله على البشر أجمعين. هنا يكون لنا الإغناءُ الروحي والإثراء الفكري، فنقيم معًا في المدينة المقدسة التي يضيئها مجدُ الله، ونكون في كنف الرعاية الإلهية والرحمة السماوية، دون تفرقة في الجنس أو العرق أو اللون أو الوضع الاجتماعي أو اللغة أو الدين. تدبير الله هو أخوَّتنا نحن العيال: أي على عيش مشترك يروِّض نزواتِنا وعنفَنا، فنكون في المعايشة والاستحضار في قعر الوجدان والمجتمع، فنزخم التاريخَ بشبكة العلاقات الطيبة مصلوبةً عن الحب، ونعيش معًا بسلوك اللطف والحنان البشري المجبول بالرقة والإنسانية...
في ذلك المساء الكئيب، مزجَ وهب المسيحي دمَه ودَمَ عروسه وأمِّه وجون الخادم بدم الحسين في كأس الحق والثورة والحرية في كربلاء. فكان عرس الدم، عرس الشركة في الحياة والموت والخلود. إنه العرس المقدس بأمانة الخدمة. فكانت كربلاء الجمرة المقدسة التي حملها أولادُ كربلاء، حيثما حلوا، ليؤسِّسوا على المحبة والدَّعَة والفداء.
التأسيس الثاني
التأسيس الثاني قائم على أن المحرومين والبؤساء هم في قلب الله. أي لا حبَّ لله إلا انطلاقًا من حبِّ المظلومين والفقراء وخدمتهم وغسل أقدامهم وتقبيل جراحاتهم وتضميدها. هذا هو الحق الطالع من وجع المستضعَفين المقهورين. والباطل هو هذا الفحش الاجتماعي والأخلاقي والسياسي. الاهتمام بالفقراء اهتمامٌ بالله. هؤلاء الناس جائعون إلى الكرامة، محتاجون إلى الدواء والكساء وإلى حبِّ الله. إنهم القربان الحقيقي الذي نقرِّبه لله، كما قال قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في أول رسالة له:
الاهتمام بالأيتام والمرضى والأرامل هو جزء من مهمة الكنيسة، كما الاحتفال بالقربان المقدس ونشر تعليم الإنجيل. مدينة الله ومدينة أفلاطون ومدينة قيصر والجمهورية الجديدة تقوم على العدالة والحرية والكرامة والمساواة.
البناء يؤسَّس على الحق لا على الباطل.
التأسيس الثالث
عاشوراء تؤسِّس على التغيير الكياني
الفرق كبير بين فعل "الكينونة" وفعل "الامتلاك":
فعل الكينونة داخلي كياني، جوهري – إنه في الذات؛
فعل الامتلاك avoir  خارجي، عارِض – إنه من المتاع والأشياء والأغراض.
عاشوراء ليست مشيئة خارجية فقط، تصل أحيانًا إلى أن يرفض مظاهرَها بعضُ علماء الدين عندما تؤسَّس فقط على الخارج، من ضرب سيوف ودماء ولطم ونواح وبكاء وشجن؛ بل هي تؤسَّس على "تطهير" catharsis  داخلي كياني، يجدِّد الإنسانَ ويجدِّد وجهَ الأرض والمجتمع.
هذا الشجن والنواح والندب والتلوُّع والتفجُّع والتوجُّع يبقى ناقصًا إذا لم يجرفه فرحُ التحول والتغيير والقيامة والانبعاث.
يجب ألا نبقى على جوانب القبر؛ بل فلنندفع إلى قيامة إنسان جديد ومجتمع جديد يعطي للألم معناه القياميَّ وللموت ربيعَه البهي.
يجب عدم البقاء في رمل ذلك المساء. فالثورة، ثورة الحق على الباطل، والوقفة، وقفة الأولياء أمام الأشقياء – هذه هي المهمة المقدسة للبطل والشهيد؛ هذه هي الرسالة المباركة الينبوعية الطاهرة. وهي متوَّجة بنهاية ممجَّدة مشعَّة.
الغرق في الرمال يُنقِصُ الذبيحةَ ساعة المجد والقيامة والانتصار. فعلينا ألا نبقى في مشهدية الانكسار – والمصبوغُ بالدم مليءٌ بالرجاء والبهاء، وقد خرج ليولِّد صدمةً في الضمير، وهو عارف أن قلوب القوم معه وسيوفهم عليه؛ وعلى الرغم من العطش والخيانة، يسير في الصحراء وهو لا يرى الموتَ إلا سعادة، والحياةَ مع الظالمين إلا برًا؛ وهو عارف أن فاجعته ستتحول ربيعَ عدل وأرضَ حقٍّ مفتوحَين على الحنان والرحمة، فيصبح الزمنُ تواصلاً مفتوحًا ينبسط على التاريخ كلِّه، وإيقاعاتُ الشجن صلاةَ فجر في دير عتيق.
هو الإمام بالحق والشرع – وغيرُه الخليفة بالخديعة والغلبة – يخرج للإصلاح في أمَّة جدِّه رسول الله.
في قاع الكيان، يحدث حوارٌ داخل الذات وداخل التاريخ وداخل الحدث. عاشوراء زمن بداية مشهدية ملحمية دون نص. إنه الانفعال في الاحتفال الأول بخصوبة العواطف والإحساس في طقوسيَّة دموية لمواجهةٍ صاعقةٍ بين الحق والباطل، بين خسارة الدنيا والفوز بالآخرة، بين الخيار المطلق للسماء أو الغرق في وحول مصالح الأرض والتراب، في انتهازية لا أخلاق فيها ولا شرف.
التأسيس الرابع
الكائن البشري هنا مشدود إلى النقاء، إلى العري الكامل عن الزائل، وإلى الغرق الدائم المستمر في الأبدية. إنها عملية قربانية كاملة، احتفاليَّة، يقدَّم فيها الحسين قربانًا طاهرًا مرفوعًا إلى الله. ألم تقل السيدة زينب بعد استشهاد أخيها الحسين: "اللهم تقبَّلْ هذا القربان"؟ جسد الحسين أصبح قربانًا لأجل افتداء قومه. إنه الفعل القرباني المؤسِّس لمجتمع جديد، وفكر جديد، وإنسان جديد. من هنا الانطلاق بعيدًا عن الشجن والبكاء إلى فعل قياميٍّ مليء بالرجاء والفرح – وإلا انتفتْ خصوبةُ الحدث. لكن الفاجعة المولِّدة للحضارة اكتفت بحالة جنائزية حزينة، ولم تصل إلى عرس الأمل والفرح والتحول والولادة الجديدة في المجتمع والثقافة والفن والمسرح والموسيقى وباقي الإبداعات.
التأسيس الخامس
المجتمعات تُبنى على أبطال مؤسِّسين، استشهدوا بعد آلام كثيرة: ?روميثيوس، أودي?وس، سقراط، الحلاج... انتصار البطل قائم في انكساره وفي هزيمته، ليكبر هولُ الفاجعة. لكن عليه – كما يقول النشيد: "المسيح قام من بين الأموات وقهر الموت بالموت" – أن "يقوم من بين الأموات" و"يقيم الذين في القبور"، فتولد من الفاجعة الحضارةُ والثقافةُ والمجتمعاتُ الجديدة الحرة الثائرة.
البطل مشرقٌ نقاءً، مشعٌّ حقًّا، كما في الإبداع الفني، وحوله أناس لهم أوجُه الحيوانات، وزينتُهم الرذيلة والأذناب الطويلة (جيرنيموس بوش). ألم يكن المشهد كذلك حول الشهيد الحسين؟
التأسيس السادس
يطلُّ البطلُ طاهرًا مطهَّرًا. هذا التطهير catharsis هو الذهاب أو الخروج إلى أعلى القيم والمثل، ليصبح البطلُ المثلَ والمثال، الجاذبَ والساحر، الباعثَ فينا كلَّ التأوُّه على موته واستشهاده، لكنَّه المُنبِتُ فينا الرجاءَ بأن يكون كلُّ واحد منَّا مكملاً لمساره، مجسِّدًا لحياته ولثورته – وإلا انتفت كلُّ جاذبية المأساة والفاجعة وسحرهما. عاشوراء دعوة لنا جميعًا لتغيير ما فينا، فنصبح إنسانًا جديدًا، يسكنه عشقُ الله وبهاءُ وجهه الأزلي في تسليم مطلق لمشيئته. ليل البستان هذا هو ليل التسليم لمشيئة الله وشرب الكأس مترعة آلامًا وأوجاعًا. دعوة الذات إلى التنقية والارتقاء، إلى إعادة خلق الذات والانبعاث بخصوبة أخلاقية وروحية ومجتمعية لملكوت جديد، الموت فيه هو الحياة والفناءُ ولادة جديدة.
فأهل عاشوراء مولودون من رحم الفاجعة في حالة نقاء، يدفعون الذات والمجتمع إلى عملية تطهير واستعادة زمن البدايات، لأنه زمن الثورة والحرية والتغيير، ليصلوا إلى دائرة المُثُل وخوارق البطولات. مجدُهم هذا التألق في طهارة الذات، وفرادتُهم هذا النجيع الدائم الذي يجعل من الشجن ولادةً جديدة من قبر الرمال.
خاتمة
لذلك، على الرغم من رفض معظم رجال الدين الشيعة طقوسيَّة عاشوراء العنيفة وما يرافقها من ضرب سيوف للرؤوس حتى الدم ومن لطم صدور في عنف، نرى أن بعضهم لا يستطيع التماهي والتماثُل العاشورائي إلا بالانخراط الدموي في طقوسية واحتفاليَّة ومشهدية عاشوراء، بدلاً من التسامي والانخراط الروحي والنفسي في حالة طُهْر، بغسل القلب بالتوبة والنفس بالندم. هذا الاندراج الصوفي الروحي هو أرقى الترقِّي في جمالية مشهديَّة عاشوراء عندما يصبح الحزن الهادئ هو الطقس الأكبر للأسى والصلاة.
الصمت المسكون بعشق الله يرتقي بالعنف المقدس الواقع على الضحية إلى فعل خلاص وتقديس؛ فتتغير شعائر الاستحضار في طقوس استبدال تلجم العنف في مسلكه العدواني، ويصبح تمجيد الحرية في جوهر الإنسان هو الأساس الذي قامت عليه حركةُ الإمام الحسين. العنف هنا يتحول إلى حزن مقدس، حزن هادئ، يدفعنا لأن نربِّي أجيالنا وأولادنا على المغفرة والمسامحة والتراحم والمصالحة والمحبة، فنصلِّي ونقول: اللهم اجعل نصيبنا مع الضحايا، وليس مع الجلادين.
تفاعُلنا العاطفي يربطنا عاطفيًّا وكيانيًّا بالحدث والشخص والمعنى، فيصبح بُعدًا سلاميًّا irénisme، وليس ثأريًّا، ونتحول صورة طيبة عن الذي نستنكره ونجعله يعيش فينا: نتناوله قربان حقٍّ بأعمال وسلوك، وليس مجرد تماثُل خارجيٍّ يُنسى مع نهاية الاحتفال. فنقوم نطلب الغفران والمسامحة والمصالحة بعضنا من بعض، ونعود بعضنا إلى بعض في ثقافة المحبة وحضارة المحبة التي يجسِّدها اليوم لبنان.
إذا كنَّا صوت سلام، فنحن صوت حق. نحن صوت كائن سلاميٍّ بالحق، بالعدالة؛ ونتحول إلى صوت حسينيٍّ وكيان حسيني. نؤسِّس لإنسان سلاميٍّ ومجتمع سلاميٍّ في حضارة الأيام الآتية، وقد خرَّبها جرحُ الأصولية ووباءُ الرجعية والسلفية والتعصب، إذ رحنا ندمِّر الآخر ولم ندرك أننا بذلك ندمِّر نفوسنا وندمِّر صورةَ الله فينا وفي الآخرين.
في النهاية، أفتش في هذا الليل عن وجه حسينيٍّ جديد، عن عمامة إمام موسى الصدر جديد، تضيء ليل هذا الوطن القائم في اعتقادي... على هذه الوديعة الحوارية... لن نبني لبنان إلا على الحوار، وعلى العيش المشترك، وعلى الاعتراف بعضنا ببعض متنوعين، تجمعنا محبةُ الله وخوفُه، وبهاءُ وجه عيسى واصطفاءُ مريم، وهذا الجرحُ الكربلائي المفلوش على جنبات الكون كلِّه، حيثما وقع ظلمٌ أو سُفِكَ دمٌ بريء.
فأنا وأنتم وجهٌ كربلائي مدمَّى. كلٌّ منَّا بريء. فوق رمال الصحراء أو على صخور الجبال. هذه الآفاق الإنسانية الجديدة تعني الناسَ جميعًا. إنها مادةُ تواصُل فيما بينهم لانتصار المحبة على الحقد. الاختبار المسيحي لا يمتلكه المسيحيون وحدهم، والاختبار الحسيني لا يمتلكه الحسينيون وحدهم؛ بل إنه مدار يتسع للجميع في الانتصار على المحاصرة الإرهابية ضد الحق في تطويق الحرِّ على أرض معزولة. فنتعلم في عِبْرة إنسانية أن الحق سينتصر، وكلما اشتدت الأمور يتألق وجهُنا كوجه الحسين.
حبات الرمل هناك صارت مراسيل وتحولت نداءات للحق والحرية. إنه انتصار على الخوف والألم والموت والمحاصرة، انتصار على الذات وتسليم مطلق لله.
فهل يمكن لنا أن نُظهِر هذه الصورة فينا، ونمد اليد، على الرغم من الاختلاف والأسى، لنليق بالذي نقيم ذكراه اليوم؟
والسلام عليكم.


Bottom of Form
كتب الأب يوسف مونّس عن الفن في ميزان الحريّة والرقابة [5]
إلى أيّ مجال حرّ هو الإبداع؟ وإلى أي مجال حرّ هو الفن والخلق والفكر؟ أين تقف سيوف النار للمنع السياسي والديني والجنسي؟ إلى أيّ حدّ قدرت الرقابة الدينية أو السياسية أو الجنسية أو الأخلاقية أن توقف الحرية الإبداعية في مسار العقل والفن والجمال؟ أين هي حدود الرقابة الدينيّة والسياسيّة والأخلاقيّة وأين هي لا حدود الحرية الفكرية والفنية والإبداعية؟
هناك هوس تاريخي في الشرق الأوسط "هستيريا" أو "سكيوزوفرانيا" (انفصام في الشخصيّة) بالقيام بدور الله والسلطان والأب على الأرض لحراسة حدود الجنس والسياسة والمعتقدات. هوس ديني سياسي وجنسي يستند أحياناً إلى الخرافات والثرثرات والظلم والكبت والهلوسة والهذيان. فهل قدر هذا الهوس على ضبط الإبداع والجمال والفكر؟ وهل قدر على ضبط إيقاع البروميتيين الساعي إلى ذرّ نار الألوهية في قلب بني البشر والأزلية والثورة والتغيير والتحدّي، وإلى أكل التفاحة المحرّمة وكسر الأمر الإلهي مهما كان العقاب؟
لكنّ الفرق كبير بين الفعل الآدمي بكسر الأمر الإلهي والأكل من ثمرة المعرفة، والهرب من المسؤولية وإلقائها على الآخرين كما هي في العقل العبري، والعقل الإغريقي البروميتي يوم جلب Promethe نار الألوهية والأزلية والتحدّي والتمرُّد والمساواة وتحمّل الإنسان البروميتي المسؤولية في العقل الإغريقي. فآدم هرب من مسؤوليّته وانهزم أمام سؤال الله له وحمّل المسؤولية لحوّاء. ولم يقل أنا، بل هي. والثاني أي بروميتوس، تحمّل مسؤوليته أمام زيوس Zeus وقال أنا مسؤول ولقي العقاب.
هذا ظاهر في العقلية الإغريقية. أمّا في العقلية العربية، فيظهر الفرق في الصرف والنحو، حيث الفاعل يقدّر جوازاً أنّه هو والمفعول به "معتّر" إلى أبد الآبدين والكارثة عندما نتكلّم على نائب الفاعل المجهول.
لهبة الجمال الممنوعة
لهبة الجمال المقدّسة صعدت دوماً من نار المحرّقات وأكمل الإبداع طريقه من رماد الضحايا. الشعراء والكتّاب والفنانون والثوّار والفلاسفة والعلماء أناروا دروب الحرية في "خطيئة" تعبيراتهم الثقافية واستفاق العالم بنورهم على عهد النهضة والثورة الجديدة القائمة على الحرية والكرامة والفردية، وعلى الحقّ والحقيقة.
الفكر حرّ، الفن حرّ، العقل حرّ إلى ما لا نهاية. ما دام هو في الحقّ والخير والجمال لا في الابتذال. لأنّ الحق وحده يحرّر والجمال وحده يخلّص العالم مع الخير ولو رجم الفرّيسيون أهله وأقام حراس النظام "الحدّ"، ووظّفوا الدين والسياسة، فإنّ الجمال وحده سينتصر أي الإستتيكا Esthetica لا البورنوغرافيا Pornographia ولا الإيروتيكا Eurotica. والفرق كبير بين المفاهيم الثلاثة، ولا يفهمه إلاّ المبدعون والملهَمون والأنبياء والراؤون، لا قارئو الكتب الصفراء مثل الشيخ يوسف بدري ونبيه الوحش، وحافظو الصفحات العفنة المليئة بالثرثرة وليس بالإبداع والذهول والانبهار والتصوّف وبخصوبة النص المقدس.
النصّ مقدّس، أمّا قراءته فهي خشبية مائتة لا يولد منها كشف إلهي جديد وولادة للأيام الحاضرة. غرق بالعبارات الفارغة المنقولة المردَّدة وليس انبهاراً بطرق النور الجديدة للناس الجدد والعوالم الجديدة والسماوات والأرض الجديدة، "رأيت سماءً جديدة وأرضاً جديدة".
"النص الديني في الإسلام مقدَّس لأنه كلام الله. لكن فهم الإنسان للنص ليس مقدَّساً لأنه فهم إنساني. لذلك فإنّ النص القرآني هو نصّ مقدَّس وثابت ومطلَق المعرفة. أمّا الفهم الإنساني فهو فهم غير مقدَّس ومتغيّر ونسبي المعرفة". [6]
مَن هو الذي يجرؤ ويقول إنّ تماثيل أثينا العارية المالئة الساحات إيروتيكا أو بورنوغرافيا؟ أو هي مفسدة للذوق والأخلاق أو إنها تدعو إلى الفحشاء أو مخدشة للحياء وليست مغمورة بالإستتيكا Esthetica بالجمال؟ تفيض بالجمال والحياء. الصدر المكشوف، صدر الأم تُرضع طفلها، هي ليست جسداً معروضاً دون حياء، بل أمومة تنبع من الداخل. الحياء والحشمة يغلّفان هذا الصدر. إنّها ذروة الأمومة في الحياء، مثل قبلة رودان Rodin في الزمن المعاصر.
وماذا عن القول عن تمثال دافيد لميكال انجلو أو تمثال موسى؟ ومَن ذا الذي يستطيع إزالة صور العذراء الكاشفة الصدر والوجه والمرضعة ابنها أمام أعيننا والمعلَّقة في صدر كنائسنا وعلى مذابحنا؟ فهل هي بورنوغرافيا أم إيروتيكيا أم صور جمالية Esthetica تغلّفها الأمومة والبتولية والأمومة والعذرية والحنان؟ أم أنّ الخطيئة في قلبنا والشر في أعيننا والرغبات والعورات فينا لا في الجسد المقدَّس؟ فمن هنا نهتزّ كلما لاحت لنا عينا امرأة أو كاحلها أو شعرها أو صدرها ولا ندهش للجمال الذي أبدعه الله ونمجّده على خلقه ونشتاق إلى جماله هو؟
لنترك الله يدافع عن نفسه دون قهر وذبح الآخرين وتكفيرهم وإهدار دمهم وسفكه بحجة أننا نملك الحقيقة ومعنا مفاتيحها. الأزمة الكبرى تبقى أزمة النور الروحاني فينا وفي الآخرين.
الأزمة هي أزمة الحرية الفكرية والإبداعية في صراعها مع القوى الظلامية الضيقة بعتمة عقلها عند قراءاتها للإنسان وللتاريخ. هذا كان دور سقراط عندما شرب السمّ. قتلته السياسة وقوى الدين لأنّه كان يثير الحماسة في الناس ويدعوهم إلى الحرية والديموقراطية. وهكذا كان موت يسوع عندما اتفقت عليه قوّتان: قوة السياسة مع بيلاطس وقوّة الدين مع رؤساء الكهنة وقطعانية الجماعة وخيانة الأحبّاء. فنحن نصنع لنا إلهاً حسب مقاصدنا وتفكيرنا وعقَدنا ونرجسيّتنا وكبتنا.
محرمات الاغتصاب
أليس هذا ما حدث في فيلم "قضيّة رأي عام"، وهو قصّة اغتصاب تقوم ببطولته يُسرى، من كتابة المؤلِّف محسن الجلاد؟ وقضيّة التحوّل الجنسي في فيلم "صرخة أنثى" الذي يتناول مسألة التحوّل الجنسي وهي قضية إنسانية؟
أليست هذه قضية هالة سرحال وهي قضية بالغة الخطورة في حلقتها الأخيرة؟
أليست هذه قضية الفيلم السياسي "نقطة دم" للسيناريست محمد صفاء عامر وهو يروي قتل الأسرى المصريّين في حرب تموز 1967؟
أو الفيلم "حقّ مشروع" أو قضيّة العنف في الصعيد أو كتابات حامد أبو زيد أو الدكتور حنفي أو الشاعر حلمي وليلى عثمان ونوال السعداوي؟ أو ما حدث في قصيدة أنا يوسف يا أبي لمرسيل خليفة أو لكتاب عبده وازن :حديقة الحواس" أو لمقال عقل العويط أو روجيه عساف أو مسرحية "نشيد الأناشيد" لزاد ملتقى أو مسرحية ربيع مروة؟ أو كتاب جبران: "النبي" أو "الأجنحة المتكسّرة" أو ميخائيل نعيمة: "مرداد"، أو "أفاعي الفردوس" لأبو شبكة والعديد سواها من الكتب التي لا مجال لذكرها هنا.
واليوم يقوم عندنا "ملهمان" كبيران يتكلّمان باسم الله في مصر هما نبيه الوحش والشيخ يوسف بدري، أميرا الانتقام يطالبان بحدّ "الحرابة" على الإعلامية هالة سرحان وسواها من الأدباء والفنانين (وهذا الحدّ يقضي بقطع اليد والقدم والصلب). طالبان جديدة، فرّيسيون جدد، يريدون رجم المرأة كأنهم بلا خطايا ([7]).
هنا يُطرَح السؤال الكبير عن المقدّس والمدنس عن المحرم والمسموح، وهل هذان المقدَّس والمدنَّس خلقناهما نحن من عقولنا وعقَدنا وأوهامنا وكبتنا، وكياننا بعدما خرجنا من يدي الله وكلنا جمال يفيض من يد الذي جبلنا وحبّه؟
قدسيّة النصّ وخصوبته
قدسية النص وخصوبته قائمة فيه لا في ثرثرة مَن يشرحه. حتى أنّ الرسالة تبقى في شخص الرسول لا في قدسية النص. فلو فَرَضاً مزّقنا الإنجيل، يبقى شخص يسوع هو الأساس وليس التذكّر الحرفي للحكاية والقصة والأسطورة أو التحليل. المعنى مرتبط بالزمان والمكان والثقافة الاجتماعية، أمّا الشخص فهو أبعد من الزمان والمكان، هذا ما فعله الإصلاح البروتستانتي، وأحمد زكي، وفرج فودة وأدونيس في الأدب الجديد الذي قدموه لنا. أبقوا للنص قدسيته وأعطوه رمزية جديدة وخصوبة جعلته حديثاً معاصراً. ولم يعد خشبي المعنى فاقد الماوية والحياة.
لذلك كان موقفنا في اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام أن نوعّي الناس لا أن نحرّم الكتب أو أن نوقف الأعمال الفكرية أو الفنية. نحن ترجمنا الأناجيل المحرَّفة ووضعناها حتى في محلات "الفلافل" ليتعرف إليها الناس. رفضنا، أنا شخصياً، توقيف دافنشي كود. بل قلنا إنه قصة خرافية ساذجة وليس كتاباً علمياً دقيقاً بل قصة خيالية غير واقعية مثيرة ومسيئة. فيلم "التجربة الأخيرة" هو فيلم شتّام ومسيء للمسيح ولضمائر الناس وكرامة شخص يسوع، وهو امتهان لرموز المسيحية المقدسة. وكذلك الرسوم الساخرة عن النبي محمد فهي مسيئة لشخص النبي وللإسلاميين ولا يحق لأحد ابتذال والهزء من معتقدات الآخر، فهذا مساس لكرامتهم ولا يدّعي أحد حرية الفكر والتعبير والفن ولا نقبل بهتك براءة الأطفال وكرامة المرأة أو الرجل أو بزعزعة السلم المدني الأهلي وبتدمير رموز ومقدسات الناس، كما حدث لتمثال بوذا أو لهجوم الأشرفية وتدمير الكنائس. لذلك نسأل مَن أعطى الشيخ يوسف بدري حقّ أن يكون أمير الانتقام ليضرب أهل التنوير والحرية، حرية الإنسان وحرية الفنان والشاعر والكاتب (هنا أذكر نصر حامد أبو زيد، حلمي سالم، حسن طلب، محمد سلمان).
طهرية المجتمع وادّعاء العفّة
هنا علينا القول إنّ المجتمع يريد دوماً أن يُظهر طهريّة ونقاءً وتزمّتاً في ازدواجية قاتلة تلبس أقنعة النقاء وادّعاء العفّة، لذلك هي تغضب وتثور لقضايا الجنس والاغتصاب والدعارة وسفاح القربى ومثلية الجنس وحالة مضاجعة الذكران واللواط كما يقول مار بولس. لكن هناك حالة انتهاك وصدمة تتنافى مع كل الرموز والصور والقيم مثل فيلم "تجربة المسيح الأخيرة" للمخرج سكورسيزي وهو للكاتب نيكوس كازانتزاكي، أو فيلم فهرنهايت 451 لراي برادبوري أو كتب مايكل مور.
نحن لسنا مكلّفين من الله لنحرس ملكوته ولا يحق لنا أن ننصّب أنفسنا حرّاساً لله على الأرض وخاصة على أجساد النساء حيث نوزع على هذا الجسد المحرّمات والمقدسات والتابوهات والعورات. نحن اليوم في الكنيسة نحاول أن نوعّي الناس معتبرين أن عندهم من رجاحة العقل والوعي ليعرفوا الحق من الباطل لأن الحق وحده يحرّر وعلينا أن ننوّر عقولهم بالمعرفة والحب والثقافة والتوعية والتنبّه إلى ما هو خطأ وما هو صح وليس بنصب المحارق ورفع سيوف التكفير وإقامة محارق النار ومقاصل الدم وقطع الرؤوس.
هنا نسأل كيف يتطوّر العقل الرقابي والمفاهيم المحرمة فتصبح عادية يوم كانت مذبحية: كتاب غوته "الأم فيرتر" منعت ترجمته إلى لغة أخرى لأنه ينشر موجة من الانتحار بين الشباب الذين أصيبوا بصدمة عاطفية، و"أناشيد مالدورو" للوتر يامون بقيت نائمة في مكتب الناشر لأنه خاف من طباعتها خوفاً من الملاحقة القانونية لما في هذه الأناشيد من تجديف وتمجيد للرب. [8]
بعض المواضيع لا يمكن أن تدخل في أنواع الرقابة الدينية والسياسية والجنسية، وهي المواضيع الحسّاسة وفي الرموز المقدسة التي بناها الناس، وهي حالة إنسانية نفسية تسبب وحدها عاصفة في قلوب الناس. فيوم رسم الفنان شربل خليل صورة للسيد حسن نصر الله في برنامجه المهم "بسمات وطن" جنّ جنون بعض الناس وهاجموا وكسروا الكنائس والبيوت وخاصة كنيسة مار مارون. لم تقم بذلك الرقابة الكنسية أو السياسية بل فورات غرائز الناس وشعور أعمى. لم يصغوا إلى ما قاله العلّامة السيد محمد حسين فضل الله [9] :"إلى عدم تقديس رجال الدين لأن المركز الديني لا يجعل من رجل الدين معصوماً أو قديساً بل لا بد أن نبدي الاحترام له ومن موقع احترامنا له ننتقده وعليه أن يتقبّل النقد".
فوضى الفتاوى
أمّا فوضى فتاوى الفضائيات فحدّث عنها ولا حرج. حتى أنّ مؤسّسة الأزهر اضطرّت أن ترسل خطاباً شديد اللهجة لوزارة الإعلام طالبت فيه بعدم ظهور علماء للفتوى عبر القنوات إلاّ من كبار علماء "مجمع البحوث الإسلامية" منعاً للفوضى الفقهية على الفضائيات وخاصة التشدد في الدين في ظل ثورة المعلومات. هناك أجهزة دولة تراقب وهناك مؤسّسة دينية تراقب. هناك قاموس للمحرمات وخاصة في السعودية، ولائحة الممنوعات طويلة لكنها تجتمع في ثالوث محرّم: السياسة ـــــ الجنس ـــــ الدين (عباس بيضون، تابوات ورقابة).
وضربنا أخيراً بوباء فتاوى على الطلب، تحلّل الحرام وتحرّم الحلال. وبقرارات على الطلب. مجمع البحوث في الأزهر المصري أفتى بمصادرة كتاب "رحلتي مع الشيعة" والتشييع في مصر للكاتب أحمد راسم النفيس لمخالفته مذهب أهل السنة. والنفيس انتقل من السنة إلى الشيعة. [10]
"الأخبار" مُنعت من أن توزع في سوريا لأنها أوردت أخباراً تخالف القوانين السورية. [11]
فتوى جلد الصحافيين، إدانة الشاعر حلمي سالم. [12] فتوى إرضاع الشريك. فتوى التبرك بالبول...
من هي الجهة المؤهلة لتفتي أو لكي تمنع الكتاب وتنصّب نفسها على الفكر؟ سؤال تصعب الإجابة عنه. [13]


مقالة للأب مونّس في وداع البابا يوحنا بولس الثاني: أنت بطرس وأنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي. [14]
حقاً كان البابا يوحنا بولس الثاني هذه الصخرة، هو الآتي من بلد بعيد وهو الذي عمل في الصخر يوم كان يكسب قوته في المقالع. وقد ظهرت هذه الصلابة عليه طوال حياته، هو الوحيد الذي فقد أباه وأمه وأخاه وأخته قبل ان يبلغ هو سن العشرين.
الوحيد في حياته اصبح العالم كله عائلة له، ينادي فيه بالسلام والمصالحة الكونية والحوار بين القلوب والأديان معطياً المثل على ذلك، حاملاً عصا الرعاية، آتياً الى العالم في 104 رحلات طالباً المغفرة والسماح وتنقية الذاكرة والمصالحة.
عمل لتحرير الانسان من كل قيود الاستعباد والاستبداد، مدافعاً عن كرامته وعزته كشخص بشري تليق به الحياة، وله يجب ان نعمل من اجل حضارة المحبة هادمين حواجز التفرقة والحقد والانانية، عائشين بخوف الله وصون القيم الانسانية، محافظين على الاخلاق والحياة واحترام حقوق المرضى والمعاقين والشيوخ والعمال والغرباء والمهجرين والنساء، غافرين لكل الناس اساءاتهم لأننا كلنا بحاجة إلى الرحمة الإلهية.
مات البابا في جناحه الخاص. لكن هذا البابا البولوني الذي امضى 26 سنة في حكم الكنيسة هو الذي اعطاها تغييراً وأصالة كما اعطى العالم هذه القوة الروحية التي كان العالم دوماً يحتاج إليها، وقد بقي طوال حبريته بطلاً مدافعاً عن الحرية الانسانية وعن السلام والحوار بين القلوب بواسطة الصلاة والمحبة. لقد جمع في اسيزي رؤساء الأديان المسيحية والاسلامية والبوذية وسواها ليصلوا لأجل السلام في القلوب وفي العالم. ولقد اسر بسحره قلوب العالم.
انعم الله عليه بالرغم من وحدته الكبرى وكل آلامه وعذابه جمالاً ندر ان نلاقيه في الناس. بهي الطلعة جميل المنظر حتى السحر. وقد اضاف الى هذا الجمال انه عمل في المسرح ليحافظ على الثقافة البولونية وليقاوم الحكم النازي، وزان عقله بالثقافة فأتقن 12 لغة وحمل شهادتي دكتوراه واحدة في اللاهوت واخرى في الفلسفة ومارس الرياضة وبخاصة المشي وتسلق الجبال، والسباحة والتزلج على الثلج.
انه رجل الشباب، نادى الشباب وذهب اليهم واتوا اليه، احبهم واحبوه وقال عنهم انهم أمل العالم فرأوا فيه قائداً روحياً فالتفوا حوله وتواعدوا معه بالملايين كل سنة في عاصمة من عواصم الدنيا. لم يسحر قائد سياسي أو زعيم روحي قلوب شباب العالم كما فعل البابا باسم المحبة والحياة وسلام المسيح وحقوق وكرامة الشخص البشري.
تحس كأنه بركان هادئ وثائر في آن، منسحق هو امام ضعف الانسان وثائر لاجل حقوقه وكرامته وحقه بالحياة والعيش الرغيد. مغمور باللطف والرحمة أمام البؤساء والضعفاء وحامل عصا الحق بوجه الأمم، لذلك ثار على الرأسمالية المتوحشة وتصدى للشيوعية المليئة بالتدمير للانسان ولحقوقه حتى انه اسقط الشيوعية وجدارها في برلين وبولونيا وأوروبا الشرقية.
واسقط البغض في قلوب الأمم والكنائس والأديان والناس واعطى المثل في ذلك فغفر لمن اراد قتله علي اقجة التركي وطلب له عفواً خاصاً من الدولة الايطالية واهدى الرصاصة الى عذراء فاطمته يوم زارها ليشكرها على حمايته.
أما علاقته بالشرق الأوسط فهي علاقة مميزة.
القدس، مدينة المدائن كانت في قلبه وصلاته وقد اعلن انها مدينة مفتوحة لجميع المؤمنين بالله، والى اقداسها تهفو قلوب المشتهين وجه الله الحق وصورته وبهاءه. انها الجمرة المقدسة التي تهفو وتشتاق كل القلوب لتقبيل عتباتها وحجارتها المقدسة، فليست هي ملكا لليهود بل لجميع ابناء ابراهيم.
والفلسطينيون كان لهم النصيب الأكبر من قداسته بالدفاع عنهم والنداء بالحفاظ على حقوقهم بالأرض والوطن والدولة والعيش الكريم واحترام حقهم بالعودة والعمل والتنقل بحرية. هذا الدفاع المرير حملته كنيسة فلسطين وحملت صلب المسيح مرتين. مرة في حياة يسوع ومرة اخرى اليوم بكل اشكال التنكيل والقهر والاذلال وبناء مستوطنات وجدار عازل هو العار نفسه وقد شجبه قداسة الحبر الأعظم عندما قال: اليوم نحن بحاجة الى جسور وليس إلى جدران.
أما العراق فقد وقف البابا يوحنا بولس الثاني معه وشجب الحرب الوقائية واعلن ان لا جهاد ولا حرب عادلة في المسيحية يوم صمت العرب او تكاتفوا ضد العراق. وقد دعا العالم الكاثوليكي للنزول الى الشارع وهذا ما فعلنا عندما صلينا في كاتدرائية سيدة لبنان وبعده في المقاصد في بيروت.
أما لبنان فإنه كان له بمثابة بلده الثاني بولونيا. احبه، دافع عنه، ادرك معناه الحقيقي بالعيش المشترك بالحوار بين الأديان والثقافات فقال عنه انه الوطن الرسالة، الوطن الرجاء لبشرية جديدة وانسانية جديدة، فصارع عنه وصلى لاجله واقام له مجمعاً خاصا به وهذا شيء غير معقول. لبنان حضر في قلبه وضميره وصلاته ومع كل المسؤولين في العالم حتى انه اتى الى لبنان واعطانا وديعة الارشاد الرسولي، رجاء جديد للبنان. وقد طلب منا التجدد بالمسيح وحفظ وديعة العيش المشترك والانخراط بقضايا العالم العربي وقضايا مجتمعنا وحداثة ايامنا من دون الاقتلاع من جذورنا وهوية كنيستنا الشرقية وطرق زهدها ونسكها وصلاتها وليتورجيتها وعباداتها المريمية الابائية.
يكفي زياراته الى القدس، الى الاردن، الى سوريا وإلى مصر، اذكره كيف دخل قبر المسيح وارتجف، اذكره كيف كتب رسالة محبة على حائط المبكى، اذكره كيف وقف كما موسى على جبل نابو، اذكره كيف دخل الجامع الاموي بعد ذاك الترحاب الكبير في سوريا وكيف انه خلع حذاءه ودخل حرمة للجامع وصلى.
مساره هو مسار الكبار الذين حولوا في تفكير اهل عصرهم واعطوهم بعداً روحياً ايمانياً اخلاقياً. قالوا للناس كلمات السماء والرجاء والحب والسلام، قالوا لهم "لا تخافوا" الرجاء هو رافعة العالم، قوموا لننطلق فمعنا رفقة من القديسين والطوباويين، وهو طوب 1338 طوباوياً واعلن قداسة 482 قديساً ومنهم رفقا والحرديني من لبنان.
ستفتقده الكنيسة وهو الذي اصدر 14 وثيقة عقائدية و15 ارشاداً رسولياً و5 كتب في اللاهوت والاخلاق وكتب في المسرح والشعر. لكن الاهم هو انه كتب بحياته شهادة حية لحب المسيح والانسان بصلاة دائمة، فكان زاهداً في قلب العالم كناسك في الصحراء وهو يجلس على كرسي بطرس يقول: انت المسيح انت الحق والخير والجمال. رحل كما يرحل القديسون حاملاً عذاباته وآلامه بصبر وشجاعة واقفاً كالفارس في باحة العالم شاهراً سيف الحقيقة والحرية للدفاع عن حقوق الدول وحقوق الناس الضعفاء وحقوق المحرومين والعمال والبائسين والمساكين وعندما كانت تصعب عليه الأمور كان يغرق في الصلاة والتأمل والالتجاء الى السيدة مريم العذراء التي احبها منذ طفولته في بولونيا وكأي مؤمن كاثوليكي بولوني، ولها اعطى ذاته بكليتها في زمن حبريته البابوية.


ليوم تطويب يوحنا بولس الثاني... السلام عليك [15]
كتب الأب يوسف مونّس أمين سر اللجنة الأسقفية لوسائل الاعلام ورئيس دائرة الاعلام في مجلس كنائس الشرق الأوسط:
وفاء لك وعرفاناً بجميلك في يوم تطويبك نعرف ان ذاك المساء الجميل في سيدة لبنان في حريصا ترك فيك أثر حضور لبنان الجميل جغرافية وحضارة وشعباً. وطبع فينا صورة وجهك المنور بالمغيب ونبرة صوتك ترددها الجبال وبحر جونية: "ما أجمل هذا المساء"!
انت الآتي من البلد البعيد في بلاد الشجر والبحيرات والسهول الخضراء والثلج والبرد كان قلبك يشتعل حباً لله وللعذراء وللانسانية ولبولونيا وللبنان. أحرقتك المحبة فكنت بابا العمال واليد الممدودة الى الديانات الأخرى والثقة بالشباب والحفاظ على القيم العائلية والأخلاقية وحقوق الانسان وكرامته ومكافحة الحروب واحياء الحياة المكرسة والحياة الطقسية والتعاون مع العلوم وانتقاد الراسمالية العشوائية والشيوعية القاتلة.
غريب كيف كنت تكر على حبات مسبحتك اسم لبنان وتصلي لسيدة لبنان ليبقى ذلك الرجاء الجديد للبنان.
لأنك ابن الوحدة صرنا جماعة المحبة والدفء لا أب عندك ولا أم ولا أخ ولا أخت.. فأنت ابن العزلة، ابن التشرد والرحيل فتحولت قلوبنا لك الملجأ والسكون وموقدة الدفء والحنين.
لأنك ابن المسرح والثقافة والشعر جعلنا لك قلوبنا خشبة مسرحك الحقيقية وتعلمنا منك ثقافة الحياة والجمال والخيال والشباب لأنك ابن المقالع والموت حاولنا ان نقلع من قلوبنا صخور البغض وحجارة الحقد لنجعل من لبنان وطن الرسالة والحقيقة والمحبة وطن التلاقي: تلاقي الآلهة والناس والارض والسماء، الحضارات والأديان، فصار لبنان ثقافة الوجود الجديدة في المعية والغيرية والشخصانية حيث لا معنى لوجودي الا بوجود الآخر فأتأله بحب ثالوثي منه تنبع شخصانية الأب والابن والروح القدس في وحدة الألوهة والذات. انه حق الاختلاف في الوحدة.
ولأنك ابن لاهوت القيامة والحياة ضد لاهوت موت الله، ابن لاهوت الفداء والمغفرة والمصالحة والمسامحة وليس ابن "الغيتوات" في فرصوفيا في بولونيا وسجون التعذيب في اوشفيتز وداخو، والشلوخت، والمحرقات والتنقية العرقية والثأر والانتقام، علمتنا ان نقدم ذاتنا مثلك ذبيحة غفران وفداء ونحمل رصاصات قتلنا كما حملت رصاصة الموت في جسدك ووضعتها على تاج سيدة فاطيما في نشيد مسامحة وغفران ومصالحة.
ساعدنا لنخرج من ثنائيتنا وخبثنا وفريسيتنا، فنقول شيئاً ونصنع عكسه نعلم شيئاً ونكذب بتصرف عكسه تماما ونصلب يسوع في هذا الخداع الكبير بين ما نقول وما نعمل بينما ما نظهر وما نحن في الحقيقة.
ولأنك ابن الوطن الذي زال عن الخارطة عندما اقتحمه جبرانه، قلت "انا ابن بلد زال عن الخارطة وأعادته الى الوجود الثقافة.. فعلمتنا ان الثقافة هي حضور الله في معنى التاريخ والانسان والحضارة، والباقي نفاق وتهريج. ولأنك أحببت الله والعذراء والكنيسة ولبنان حتى النهاية، علمنا ان نفهم سر هذا الحب اليوم في ذكرى تطويبك ونقول لك عرفانا للجميل اعطنا بشفاعتك نعمة الشفاء من جراحنا وأمراضنا النفسية والجسدية والوطنية والفكرية والسياسية واللاهوتية لنليق بحبك لنا ونقدر على التشبه بك ولا ندمر صورة الله فينا، ولا صورة لبنان الرسالة، ولا وثيقة الرجاء الجديد للبنان.
يا من كنت دائما تسأل امام الأحداث: ماذا يرد الله منا ومن الأحداث ومن التاريخ؟ ليمكننا التصرف بالحضور الالهي في العالم وليس بكثافة وثقل ماديتنا وشهواتنا، علمنا ان نعرف ان الله يكتب مستقيماً على خطوط لولبية حارقة بنارها كل ما هو حولنا في هذا الشرق المسكون بنار الجحيم المفتوح على الموت والدمار وليس على بهاء القيامة وسلام المسيح وحبه.


في إحياء ذكرى استشهاد الأديب كمال الحاج في مركز المؤتمرات في حريصا التي أحيتها جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة وأسرة معهد الرسل في جونيه وعائلة الدكتور كمال يوسف الحاج، الذكرى الثلاثين لاستشهاد الاديب كمال يوسف الحاج، في احتفال أقيم في مركز المؤتمرات في بيت عنيا في حريصا،
استذكر الاب الدكتور يوسف مونس الايام الاخيرة لابن بلدته الشبانية الدكتور الحاج وطيفه الهادىء الوديع الساعي الى السلام والمصالحة.
وقال: "لبنان، تلك العليقة الملتهبة لن يحترق، سيبقى في فلسفة قبول الآخر، سيبقى في المواطنية المقدسة لكرامة الانسان وللحرية في الحقيقة. سيبقى في ضرورة العيش المشترك المبني على افتقاد الهي لوجودنا الارضي بكهرباء سماوية لا نعرف دفئها الا اذا بردنا". [16]


إحياء الذكرى الـ 28 للمرة الأولى لانتخاب بشير الجميل رئيسا
أحيت "مؤسسة بشير الجميل"، للمرة الأولى منذ استشهاده، الذكرى الثامنة والعشرين لإنتخاب بشير الجميل رئيسا للجمهورية، في قاعة بيار ابو خاطر في جامعة القديس يوسف - طريق الشام، بعنوان "حلم جمهورية".
وألقى الأب يوسف مونس كلمة قال فيها:
"المؤسسون الاوائل يولدون في الفاجعة ليقيموا وطنا جديدا آتيا من الانتظار والحنين والأوجاع. هكذا كان قدموس وأحيرام ويوليوس قيصر وفرنكلين. دمهم عمد القيم التي حملوها مع رفاقهم. فكان النهر الكبير للتحولات المستقبلية الآتية من الوعد بالخلاص بعد مرورهم لا يمكن أن نستحم في النهر الجارف ذاته مرتين كما قال هيراقليط. وصول بشير الى رئاسة الجمهورية كان فعلا تأسيسيا لوطن جديد قادم من تراث البيت وقيم المدرسة والحزب وحضارة الكنيسة. في انجيل المحبة والكرامة والحرية والإحترام والتفاعل الثقافي، في المعنى الحقيقي للكاثوليكية أي في الشمول بدون فواصل وحواجز وفي الصراط المستقيم لأرثوذكسي الميثاق اللبناني باللقاء المسيحي الإسلامي".
... "إنتخاب بشير كان ولادة جديدة لمشروع دولة التعايش ووطن الرسالة التي على اساسها قام الميثاق اللبناني "وطن المعية" في رؤية نبوية روحية لوطن لا يعيش مجتمعه بالعين الضيقة والأصوليات ورفض الآخر واحتقار حقوق المرأة بل بالتنوير العقلي والحداثة. إنها دولة العصرنة في الفصل بين الزمني والديني دون إلحاد وكفر بل بحرية المعتقد وكرامة الشخص البشري واحترام فرادته وتراثه وثقافته. إنه انتصار الدولة، دولة النظام على الفوضى ومملكة العصابات والقبضايات، دولة الحق والقانون، وقوة حق على الحق القوة والمساواة كما قالت الرؤيا: حلم "سماء جديدة وأرض جديدة وانسان جديد أو كما قالت المزامير تزهر الجبال سلاما والتلال امانا يحكم بالعدل لبائسي الارض. منور هو بالثقافة والعلم والبهاء والأخلاق. مجمل باحترام الآخرين بالإفتراق بالدين والعرق والجنس واللون كما قالت شرعة حقوق الانسان التي ساهم في كتابتها الدكتور شارل مالك مع كوكبة من الآباء الأجداد المفكرين الأوائل المؤسسين في الجبهة اللبنانية، جبهة الحرية والانسان يساهم معهم اللاهوتيون في الكسليك والعلماء".
... "انتخاب بشير كان الإختيار الذي أشعل النار المقدسة مع النخبة التي لم تسجد ركبها لبعال المادة والمال والمصالح، بل وقفت في نقاوة الوجود وعدم دنس الخطيئة والشهوات القاتلة للوطن والدافعة به الى الجحيم والفوضى. إنتخاب بشير في 23 آب كان فعلا تأسيسيا لحلم البقية الباقية في هذا الوطن المذبوح من الوريد بالمصالح والرفض أمام مذبح المال والمنافع. أعادنا بشير الى بكارة مهدوية ولادتنا التاريخية لعمادنا الأول حيث يقف الرجال في العاصفة يشدون الحياة والحدث كما في الحكايات الفينيقية والاغريقية القديمة يولد الأبطال من رحم الفاجعة بطائر الفينيق أو يعودون كما في ميتة أدونيس، أو تموز الى ربيع العمر فتأتي نسور الدنيا الى فيء أغصان أرزهم تتفيأ فيها كما يقول حزقيال فتجمع العظام ويمتد عليها عصب ولحم فتنتصب وتقوم تمشي الى ارض جديدة وسماء جديدة ووطن جديد أخذته اليقظة من الحلم. هكذا كان لنا انتخاب بشير ويبقى ذخيرة نعلقها في قلبنا وعنقنا وعهدنا بالأمانة لرسالته ليوم نلتقي به مع جميع الأحبة الشهداء في السماء". [17]

كلمة الأب يوسف مونس في الذكرى الثانية لاستشهاد الحريري [18]
تناول الأب مونس موضوع "ان تكون هو أن تكون مع المعيّة" فركز على أن اسس الوجود المشترك والحوار الناجح هي المحبة والاحترام المتبادل والاعتراف بخصوصية الآخر وبالتالي قبوله مفترقاً متميزاً، واحترامه وفق ما يريد هو أن يكون وأن يقدم نفسه موضحاً ان اكتشاف الآخر كشريك أساسي لوجودنا ولعيشنا وللحوار الإسلامي التكامل في إنسانيتنا المميزة وهذا ما يجعل من المسيحية والإسلام رسالة مشتركة في المعية والتكوين، فلنؤسس وحدتنا الوطنية على الحب والاحترام والحوار، هذه الوحدة التي هي الجوهرة المقدسة والوديعة الرائعة التي أعطاها الله لهذا الوطن الصغير. [19]
وتحدث الاب يوسف مونس مقدما التعازي بوفاة البابا، لافتا الى ان "الجنوب يتميز بانه ارض مقدسة باركها السيد المسيح الذي ارسله الله رحمة للعالمين"، وقال:"ان الرئيس الشهيد رفيق الحريري كانت شهادته من اجل حفظ لبنان والعيش المشترك والوحدة الوطنية وحرية وكرامة وسيادة لبنان، فهو حمل كل القيم في القعر فبانت بعد استشهاده، بقي فلاحا ابن الارض احب الاسلام وهو يردد اسم الله، فهو مسلم آمن بالتعايش الاسلامي المسيحي، وحبه للاسلام جعله رجل حوار وحب، وهو ابن العيش المشترك ومع تعدد الآراء وليس إلغاء الآخرين، انه ابن القومية العربية والالتزام بثقافة الحضارة والرقي وحق الشعب الفلسطيني، وكان ذا علاقة مميزة مع سوريا وهذه هي العروبة الحقيقية، ان الرئيس الشهيد الحريري هو ابن الفرح والابتسامة، كان جديا في تعاطيه مع الامور وفي قيامة الوطن، بقي امينا لعائلته اللبنانية وصيدا المقاومة، هو ابن الحلم اللبناني الذي علمنا كيف نحمي الاقتصاد، وابن اللياقة اللبنانية التي تتجسد اليوم على ضريحه بقراءة الفاتحة والصلوات الاسلامية والمسيحية، كان لنا مثالا في الوطن نستطيع ان نقول لابنائنا كونوا كرفيق الحريري، اعطى باستشهاده صورة العيش المشترك والمجتمع القائم على المحبة، هو الوحيد الذي تفتح له ابواب الفاتيكان من دون مواعيد وهو الذي التقى بصداقاته مع البابا الراحل اليوم يلتقي معه في السماء". وختم الاب مونس:"كان رجل حوار ونقاش وهذا ما كنا نراه في زمن الامام موسى الصدر، يجب ان نصلي كي نستعيد روح رفيق الحريري العيش المشترك واطيب العلاقات مع سوريا، واننا نستنكر الاساءة للشعب السوري، رحل رجل عظيم يجب ان نستعيده كل يوم".


رفيق الحريري رجل الرؤيا والإنجاز
كلمة الأب الدكتور يوسف موّنس، أمين سر اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام في الإحتفال التكريمي لدولة الشهيد رفيق الحريري. تحت عنوان: "رفيق الحريري رجل الرؤيا والإنجاز"، الخميس 21 نيسان 2005 الساعة السابعة مساءً، قاعة الرئيس رفيق الحريري – بيت الطبيب – تحويطة فرن الشباك. [20]
للشهداء اكليل المجد من الله لأنهم غسلوا ثيابهم بدم الحمل كما يقول كتاب الرؤيا. ولهم أعد الله ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر. دمهم نقّاهم وعمدهم بالطهر والبهاء فولدوا في السماء وكتبت اسماؤهم في سفر الحياة.
بعضنا يعمده الشوق.
وبعضنا يعمده الماء.
وبعضنا يصبغه الدم.
وبعضنا يصفيه النار.
لكن وحدهم الذين يقدمون حياتهم لأجل حقيقة كلامهم هم الشهود الحق.
ونحن بحاجة لشهود أكثر مما نحن بحاجة الى متكلمين أو مثرثرين كما يقول هيجل، الغارقين باللهو والرقص على حبال الزمن. ان الضحايا وحدها تفتدي جلاديها كما يقول رينه جيرار في كتابه المقدس والعنف Le sacré et la violence ويضيف بطريقة تصدم قائلاً: الضحية لا يجب أن تقتل لأنها بريئة ونقية ومقدسة ولا تحمل ذنباً. لكن اذا لم تقتل الضحية لا تكون ضحية لذلك وجب قتل الأبرياء ليعطوا للعالم الخلاص والفداء لأن دم القتلة والمجرمين ينبع منه الموت والإثم ولا ينبع منه الخلاص والفداء والقيامة. وحده دم الأبرار والقديسين يفتدي ويعطي فعالية الوحدة والمحبة والقيامة.
قتل الضحية واجب ليبقى نهر عماد البشرية وتطهيرها وقيامتها وفدائها وخلاصها جارياً. هذا ما حصل مع استشهاد الرئيس الشهيد الجبار رفيق الحريري. ومع الملاك البريء النقي الطاهر باسل فليحان وسواهم من الرفاق الشهداء، وما هو مستمر مع الشهيد الحي الذي هو معنا اليوم الدمث المجبول باللياقة والمحبة معالي النائب مروان حماده.
لذلك نحن نصلي ونقول اللهم اجعل حظنا مع الضحايا وليس مع الجلادين. لأن الضحايا يعطون الخلاص للعالم ولنفوسهم أمّا الجلادون فيدمرون نفوسهم والعالم ويبقون في ظلمة الخطيئة والموت. ونحن نصلي مع صاحب المزامير: "نجنا من الدماء يا الله لأن لك وحدك الحكم والدينونة". لاهوت الدماء امّا ان يكون لاهوت الثأر: العين بالعين والسن بالسن والدم بالدم والسيف بالسيف والبارود بالبارود، وإمّا أن يكون بالمغفرة والمحبة والقيامة الى المصالحة والحقيقة والحرية وعلى مد آفاق الدنيا صرخة البريء اغفر لهم يا ابتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون.
وينقلب منطق الأشياء فيصير الموت قيامة والغياب حضور فاعل هادر وتراب وحجاره وحفرة القبر يرتفع منها نور فجر جديد وبيارق حرية وحقيقة، وانسانية جديد ووطن جديد. إذ لا يكون الإنسان انساناً الاّ في الحرية والحرية لا تكون الاّ في الحقيقة والإثنتان لا تكبران الاّ بالحب والإحترام والمصالحة وتنقية الذاكرة. أليس هذا ما أزهرته زهور بيروت وما أنارته شموع بيروت وما هتفت به الحناجر والبيارق فكأننا نجروء على خطيئة تحولت نعمة فنقول ونحن نطلب المغفرة والإعتذار مبارك هذا الإستشهاد الذي ولد لنا هكذا نعمة وحرية.
أعاد تأسيس مفاهيم الإستقلال والسيادة والكرامة والقرار الحر والعلم الواحد والنشيد الواحد . لماذا وقفنا قرب قبره في ساحة الشهداء نجدد كما الرهبان دورنا للوطن ونقسم ونتعهد بالأمانة له والعيش المشترك ثلاث مرات نذورنا امام الله والناس وعدنا ننقي ذاكرتنا ونتطهر بالحب والأمانة لوطننا بعد كل الخيانات التي صارت سلوكاً يومياً من الخضوع والركوع وخوف محرمات ليست هي المحرمات الحقيقية بل رفعها الخوف والإستزلام والمنفعة الى مرتبة المقدسات ولم يكسرها الاّ غضب الملائكة الأطهار الأنقياء من الشباب والصبايا وقد جمعهم دم الموت بحلقة نار غضب مقدس تلد الحرية والكرامة.
أعرف انني أقرأ في كتاب الله وليس في كتاب السياسة لأطلب بالانتخابات بموعدها وبلجنة دولية وبأطيب العلاقات مع سوريا بعد انسحاب جيشها وتأثيرها. انني اقرأ في القصد الإلهي من الأحداث التاريخية ثورة بيروت وبزوغ فجر الحرية والإستقلال العجائبية التي تحدث. استشهاد الريس وموت قداسة البابا. كما علّمنا قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الذي ائتمننا على أجمل جوهرة الا وهي الإرشاد الرسولي رجاء جديد للبنان، الرسالة الذي قال ان وطننا هو أكثر من أرض وأناس انه رسالة للشرق والغرب.هذا كان المعنى والقصد الإلهي من العيش المشترك الذي أسس عليه الشهيد رفيق الحريري في زمن الأصوليات والعصبيات والقراءات الدينية الخاطئة للإسلام وللمسيحية. فوجه المسيح المنور الفاتن كما وجه امه العذراء تراث اسلامي ومسيحي مشترك ووحدة الله بعد عقائدي تجعل من جميعنا عيال الله والقيم الأدبية من صدق ومحبة وخوف الله واحترام لحقوق القريب وواجب مساعدته، والصوم والذكاة والصلاة قيم نتقاسمها ونعيشها.
هكذا أسس الحريري ومن معه لولادة استقلال جديد غير مبني على الكذب والنفاق والمراوغة وتبييض الوجه والدسائس، على النخبوية والعلم والحدثة، اذ علّم ما يزيد على 35 الف شاب وشابة فآمن وأسس على الثقافة والعلم لترقي الشعوب وخلودها. أليس هذا ما فعله بريكلس عندما شاء أن يجعل اتينا المدينة العظيمة بفلاسفتها وشعرائها ومهندسيها ومسرحييها ومفكريها. حلم بيروت ألم يكن كذلك فأصبحت مدينة للمستقبل وحلوة المدائن المشرقية والغربية باغوائها واغرائها وقد افتتن بها وصارت المعشوقة التي يليق الإستشهاد والموت لأجل حريتها وكرامتها. مدينة الإعتدال والوسطية الاّ في الإبداع والفن والفكر. مدينة الغرب الناقد الشاك المحلل والشرق المتصوف السكران بالله، الشاطح المتجزر في قيم الماضي، العابر الى اشراق الحداثة المستقبلية. واستقلالاً اعتقدنا انه صار اكبالاً ورقباً منحنية وركباً مرتجفة ورجالاً هزموا نفوسهم لكنهم لم يقدروا ان يهزموا روح وطنهم. المجد لك يا لبنان المولود من الفاجعة والدموع والإستشهاد والعنفوان. صار يمكنني الرحيل مع جيلي لأن نار الحرية اشعلت  في ساحة الحرية وقلوب شباب وصبايا لبنان الغارق في بهاء ايكوستاز الكنائس والبخور والذائب في اصوات تسابيح المآذن حتى صار الله حاضراً صلاة قرع اجراس الفجر ورفع الأيدي كبخور المساء. وعمّ الرجاء ارجاء الوطن الجديد لأن رفيق الحرير وسواه من الطيبين أسس على البركة في بداية حياتهم وعلى الإستشهاد في نهاية حياتهم بنقاوة الملائكة والأطفال الحالمين بنجمة مجوسية تقود وطن الحب والحياة حملوا قلوبهم وأفكارهم وعمرهم مراً وذهباً ولباناً وأتوا الى الوطن بالمجد والعمران والحداثة. كما ابطال الملاحم هم، حملوا الجبال، وقهروا الوحوش الفاتحة سرقتها لتبتلع الوطن الصغير المولود من رحم الفاجعة والمأساة.
أسس للبركة، بركة الأب والأم ورضاهما معطراً برائحة الليمون في بستان صيدا، وتعب الفلاحين والمزارعين والبحارة والصيادين في مدينة الميناء القديم، بالبركة تبنى البيوت والأوطان.
أسس للجهد والكفاح والمغامرة وعلى خوف الله سبحانه وتعالى كما كان يحلو له أن يردد وعلى الاتكال على رب العالمين الذي منه كل نعمة وتوفيق وعطية.
أسس "للحلم اللبناني".
أسس لشهادة الإنجيل والقرآن فلم تعرف يده اليمنى ما فعلت يده اليسرى وشهد على حب الله في حبه لأخيه الإنسان، أي انسان دون تفرقة ومفاضلة وخاصة اليتيم والبائس والمريض والمسكين. ايها السامري الطيب السلام عليك ومبارك لك هذا الإسم.
وطن مسيّج بطغمات من الشهداء الأحياء والشهداء الذين سبقونا الى السماء لن يقدر عليه الموت بل سيبقى قائماً الى الحياة والحرية. من فم التنين الذي أتى الى الميناء ليقتل العذراء فصرعه رمح جاورجيوس وزرع الفرح في قلب بيروت. هكذا صرعنا التفرقة والإنقسام وتماسكنا في وحدتنا وعيشنا المشترك وارتباطنا بقضايا القدس وفلسطين والعراق.
كعبته يحجج اليها في مكة المكرمة.
مسلماً نفسه الى الله. ويحجج الى الفاتيكان حاملاً هم الوطن الرسالة في حوار الإسلام والمسيحية والى عواصم الدنيا مدافعاً عن وطن الحرية والديمقراطية والتعايش بين الناس مهما افترقت معتقداتهم وافكارهم. فالسماء فوقهم واحدة والخالق واحد والإفتتان بالمخلص السيد المنتظر واحد الإنجذاب الى جمال امه البتولة العذراء واحد وخوفه الله والإيمان بعد له ورحمته واحد. المضامين اللاهوتية شيء وتجسد حب الله فينا وفي الناس تعبير عن اله المحبة والعدل والسلام.
أسس على القول "ايماني بالله كبير. وثقتي بالبلد كبيرة، ولبنان بلد لكل اللبنانيين نحن بدنا نعيش فيه مسلمين ومسيحيين بالتساوي".
نأخذ منه اليوم الشعلة كما فعل بروميتوس عندما حمل مشعل الحرية والأزلية فنؤسس معه على البركة والحلم بركة الأب والأم وقيم الإسلام المحب المؤمن الممارس وقيم الحلم اللبناني المغامر والمكافح. ليستفيض ابتسامة رضى وثقة وتواضع ويتعملق معه كل لبناني في حواضر الدنيا من الفاتيكان حيث كان له الإحترام والحب والحفاوة التي كرسها لخدمة مسيحيي لبنان ومسلميه الى حواضر الدنيا الى الصرح البطريركي حاملاً قيم الروح والعيش المشترك وحوار الحضارة وتراث القومية العربية الثقافي والإنساني. النهضة الجديدة ابتدأت.
أضاء شعلة الإغواء بالمستقبل وسحرنا بالمواعيد والأيام التي لم تأتِ فسرنا وراءه نرميه بالشك والاتهام ورمي الحجارة. وهو صابر سائر الى البعيد. ارض ميعادنا كانت بيروت، الجمال ولبنان الشراكة، وشراكتنا الإسلامية المسيحية واغراقنا بالقضايا العربية والإنسانية لنطل على الألف الثالث بربيع رياح التغيير بتنقية الذاكرة وتطهير الذات وتلبية نداء الحرية القادم من اشرعة البيارق الملوحة لنا على وقع أصوات المآذن وقرع الأجراس ورائحة تراب الشهداء الذي صار طيباً كخبز القربان ونشيد ارثوذكسي سرياني عتيق.
الوفاق رغيف الحب الذي نقتسمه سوياً البناء والإعمار والرفاه الفجر الذي نسعى اليه. لبنان المعاصر واحة الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان رجلاً وامرأة.
صورتنا البهية في محافل الدنيا تزيد لبنانيتنا فخراً ومجداً وعنفواناً وحدها لبنانيتنا هي المقياس وامانتنا لمعتقداتنا الباب الملوكي للحوار والإنفتاح والرجولة واللياقة.
كيف هوت هذه السنديانة الكبيرة، كيف تصرعت الجبابرة؟ عرفت ان الظل الذي كان فوقي ارتفع الى السماء، لذلك لن اندب ولن أبكي فالوطن باقٍ والحلم باقٍ وعلينا اكمال مسيرة المجد والجمال.
وكما يقول اغسطينوس لا تبكِ اذا كنتِ تحبيني. الموت لا شيء. انا لم أمت بل انا قد عبرت الى الضفة الأخرى. لنعبر معه الى الضفة الأخرى وليعبر لبنان الى ضفة الحرية والإستقلال.


"كلمة سواء" تحت عنوان "موقع الحرية في الإصلاح والتجديد" والذي تنظمه مؤسسة الامام الصدر.
الأب الدكتور بوسف مونس
الحرية كمال الإنسانية
إنه لشرف كبير لي أن أكون بينكم في المؤتمر التاسع "كلمة سواء" تحت عنوان "موقع الحرية في الإصلاح والتجديد" والذي تنظمه مؤسسة الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
يظللنا اليوم الإمام العظيم شاقاً لنا دروباً للحرية الروحية والإنسانية والوطنية والفقهية والاقتصادية نستوحي منها لنبني معاً وطن المعيّة وحضارة المحبة والمصالحة.
السؤال هو الحرية، الحرية والإنسان لا ينفصمان. لا أكون إنساناً إلا في الحرية. الحرية هي كمال إنسانيتي. تحدّد أو لا تحدّد وان ألبست الخواء ضاع مفهومها الحقيقي.
عندما تموت الحرية يموت الإنسان، العيش أو البقاء ليسا هما هو ببديل عن الحرية.
إنها في الكينونة تتمظهر في الأبعاد السياسية والإنسانية والفنية والاقتصادية والثقافية والدينية وسواها. الحرية هي الأساس أي أنها الصوت الحقيقي لأجل كينونة الإنسان بكرامة وجوده وليس بلحمية صورته اللحمية. لست أنا كائنًا ناطقًا فقط. لست أنا ذئباً للآخر كما يقول "موسى" ولا أنوجد في انعدام الآخر كما يقول "سارتر"، ولا كينونة لي في تشييء الآخر، بل أنا والآخر كينونة وانوجاد في الحرية والكرامة والاحترام. الفناء هو البقاء دون حرية "وحدهم الأحرار" كما قال شارل مالك "يحاربون في سبيل الحرية ويجدون في العالم أنصاراً لهم"، ومن هؤلاء كان الإمام السيد موسى الصدر، الذي ما برح يردد لبنان الكبير بالحرية، وصغير بدونها في فرح العيش المشترك، أمانة لشهادتنا أننا للّه وأننّا للإنسان.
لي الحق بالافتراق وللآخر الحق بالاختلاف، نحن لا نكون إلاّ إذا كنّا سوى، أيّ معا، في كلمة سوا، هذا هو فعل حريّتنا الأوّل ووجودنا الأوّل. نحن سوا. نحن نحلم بإنسانية مملوءة إنسانية، لأن رصيد الإنسان إنسانه ورصيد لبنان إنسانه ونحن سوا اجتمعنا اليوم من اجل الانسان.
لكي تبقى فينا إنسانيتنا وحقنا بوجهنا البشري المرتكز الوحيد هو حريتنا وكرامتنا الانسانية. قرار وجودنا أو عدمه هو قرار حريتنا. وحدهم الأحرار هم الموجودون. العبيد المكدونون تحت نير أية سيطرة على القلب والعقل هم في العيش وليس في الكينونة لأن الحرية هي الأساس بها نتأنسن وبها نكون بشراً وهي فعل التجديد الدائم وجرح الانوجاد في مغامرة الكيان Risque d’être لتضاء على دروب الناس قناديل الفرح فيدفأون على نار عشق آخر، هو الخروج من كهف الجسد ورغباته ومصالحه، بالتطهير الكياني كما يقول أفلاطون، فيتعالون ويتراقون على ضغوط الخارج وضرورات الداخل كما هو موضوع الندوة ليقفوا في العري الأساسي للكائن البشري الذي لا معنى له إلاّ في الحرية والباقي قشور وأقنعة. لا يجب أن نضيع بين الثابت والدائم والجوهري وبين المتحوّل والمتغيّر والعرضي. الحريّة جوهر التفاعل معها يكون في الزمان والمكان والإنسان. البقاء أفضل منه الفناء بدون حرية لذلك يمكننا نحن العرب ان نقول احياناً ايها العار المجد لك لأننا خلطنا بين البقاء والحرية. لأنه مع الحرية تقرع لنا أجراس الفرح حتى صليب الآلام والاستشهاد. الحياة تولد من رحم آلام الحرية حرية الفكر وحرية القول وحرية العمل، الحرية الاجتماعية، الحرية السياسية والحرية الدينية. الحق الأول والدلالة الأولى على رقي الأمم هو تمتع أفرادها بهذه الحقوق الطبيعية المعدة لهم من الله وليس من كرم الحكام.
في هذا العري الصادق الحر للعقل والقلب وقف السيد الإمام موسى الصدر، على حدود الجرأة الروحية المسكونة بأصوات الأولياء والأنبياء والقديسين ليكون في لبنان طبق العيش المشترك الذي نتقاسم خبزه الحضاري والروحي والإنساني ونقدمه قرباناً مثالاً للإنسانية. نحن اليوم نضيء سراج قلوبنا وعقولنا من روحه لتبقى دروب المستقبل منورة لنا. القضية اللبنانية هي قضية الحرية في هذا الشرق. فلا كيان سياسي للبنان إلا على بناء الحرية في جوهر الوجود اللبناني.
وهنا يتلاقى قداسة البابا والإمام السيد الغائب على أن لبنان هو رسالة، هذه قالها الإمام منذ عشرات السنين ورددها الإرشاد الرسولي مؤخراً، القمم تتلاقى ولكن من خلال وديانها.
في الفكر المسيحي عندما أخذت مركبة النار النبي ايليا ورفعته إلى السماء كان ذلك في جبل الكرمل حيث ارتقى ايليا الى السماء وغاب لكن قبل غيابه صرخ تلميذه اليشاع وقال له الى أين تذهب يا معلمي وتتركني وحيداً. أترك لي شيئاً منك يعزيني ويعطيني من روحك وقوتك. فالقى اليه ايليا وهو في عاصفة النار وشاحه.
وهكذا نحن اليوم في ظلّ عمامة وعباءة الامام السيد نقول له ارمِ لنا بوشاحك ليضىء لنا الوطن حرية وكرامة وقلوبنا رحمة وسلاماً ومجتمعنا حضارة وتعايشاً سلامياً، ليبقى لبنان أكثر من تراب، رسالة محبة، وحوار حضارات لكرامة انسان معمّد بالحرية والكرامة والحبّ.
يبهرني في هذا السيد المديد القامة كالأرز، المعمم كجبال لبنان، الآتي من قمّ حاملاً التراث الكربلائي النجفي والتراث الفارسي القمّي هو انه كان طفلاً كبيراً حالماً، نبياً كثير البراءة، كان الإمام صدّق أنه بإمكانه أن يغير الظلم ويقهر الفقر والبغض. والحق، كان كملاك يسكب جامات غضب الله كما في سفر لوقيا ويقف بعمامته وأنا كنت شاهداً لذلك أمام صليب يسوع في كنيسة الآباء الكبوشيين ليقول إن الله محبة ولا خلاص لنا إلا بالحب والمعية والعيش المشترك.
أنتم يا أحبائي المؤتمنون على تراث السيد الإمام آمل أن تحملوا فاجعتكم بحبور وفرح وأن لا يبقى الغياب حالة حزن وأسى ونحن على أبواب الميلاد. احملوا لنا الفرح الذي كان يفيض من حضوره الدائم. أبعدوا عنا هذه الكآبة التي تحملها هذه الأيام من الفقر والمرض والذل والقهر والثرثرة السياسية كما يقول هيغل. الله محبة في كينونة الخلق والإيمان فرح في القلب وكشف في سر الله. وأنا الذي ولدت في هذا الـ"لبنان" الذي بدأ يغيب أنا المولود على الجرح الشيعي الكبير والعدل السني الكبير والمحبة المسيحية والعقل الدرزي والقلق البروتستاني والمذبحة الأرمنية والمجد الأرثوذكسي والأيقونات الملكية، أنا ابن هذه العمامة وابن هذا الصليب ابن هذه الوديعة. [21]


الأب يوسف مونّس لـ"صوت لبنان":
خبر لقائي بالدكتور جعجع كاذب كليا وهو لم يحدث، وحتى ان الأباتي نعمان مبتعد عن الجو، ونحن وراء البطريرك في مواقفه التي هي المواقف الثابتة للبطريركية المارونية. [22]


الحضور المسيحي ومصير الأقليات  [23]
كتب الأب يوسف مونس:
انخفاض عدد مسيحيي الشرق كتب عنه الكثير، والإحصاءات لا تنتهي لكنني سآخذ مثلا عن المسيحيين في الناصرة وبيت لحم عام 1922، حيث كان عدد المسيحيين أكثر من 35 ألفا. أما اليوم فأصبح 2%. المسيحيون في لبنان كان يشكل عددهم أكثر من 55% من مجمل السكان عام 1932، وصل تعدادهم اليوم إلى 32%. في العراق كان عدد المسيحيين مليوناً وربع مليون والآن وصل عددهم إلى عشرة آلاف بعد تصفية الجميع بأعمال الذبح والخطف والنحر والتهديد والتعذيب والقتل. في سوريا كان العدد 33% والآن أصبح 9%، في مصر النقص كبير ومخيف لأن اضطهاد الأقباط فاجعة على المسيحيين.
"وتقول الأرقام[24] إن الموارنة في لبنان كانوا عام 1990 مليونا و458,577 وأصبحوا عام 2005 مليونا و412,765. أما الروم الملكيون الكاثوليك فكانوا 310 آلاف وأصبحوا 386 ألفا. وتناقص عدد الأرمن الكاثوليك من 15 ألفا عام 1990 إلى عشرة آلاف عام 2005.
أما السريان الكاثوليك فكانوا 23 ألفاً عام 1990 وأصبحوا 14500. والكلدان الكاثوليك كانوا 8600 وأصبحوا 10 آلاف.
وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة. يشكل الروم الملكيون أعلى نسبة من المسيحيين الكاثوليك، وسجل في أبرشية عكا 67890 شخصا عام 2005 فيما كان العدد 40 ألفا في 1990. أما في القدس فلم يتغير الرقم إلا تغيراً طفيفاً فارتفع من ثلاثة آلاف إلى 3300 عام 2005.
وتشير الأرقام إلى أن مسيحيي القدس عموما يبلغون 47 ألفا، فيما يقيم في قطاع غزة نحو ثلاثة آلاف مسيحي فلسطيني. ويشكل المسيحيون ما نسبته 1,4 في المئة من جميع الفلسطينيين في الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية.
مسألة الحضور المسيحي في الشرق هي القلق الكبير فماذا يحدث في العراق والصومال ونيجيريا والسودان ومصر وفلسطين وسوريا ولبنان وإندونيسيا وماليزيا وأفغانستان وباكستان؟


الأب مونس خطيب الليلة السابعة من عاشوراء في دارة الرئيس بري في المصيلح      2009-01-04
تحدث الأمين العام للجنة الأسقفية لوسائل الإعلام الأب يوسف مونس، في الليلة السابعة من ليالي عاشوراء، التي يقيمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، في قاعة أدهم خنجر في دارته في المصيلح،
ولفت الأب مونس في بداية كلمته إلى أنه في "الأسبوع الفائت كنا نعيد عيد ميلاد الطفل يسوع، السيد المسيح عيسى بن مريم (ع)، واليوم نحن نجمع أشلاء أطفال بيت لحم وغزة وقانا، لم يمت هيرودوس بعد، فما زلنا في ثقافة الرحمة والفداء والتصالح والتراحم".
وقال: "الحق اليوم يصلب في فلسطين وفي القدس وفي الموصل"، متسائلا "هل سنبقى طوال عمرنا يتقدم فينا الجلاد على الإنسان، والظالم على الضعيف والتوحش على الإنسانية؟".
وأكد: "أن غزة ليست للغزاويين وحدهم، هي لكم ولي، وأهلي وأهلكم هناك. هل الجلجلة للمسيحيين وحدهم؟ هل عاشوراء للشيعة وحدهم؟ هل وجع القلب والبكاء لهم وحدهم، أم إنها المأساة الواقعة في قلب كل إنسان؟".
وأشاد الأب مونس: "بروح الإعتدال التي يمثلها الرئيس بري وروح العيش المشترك، من أجل أن يعطي الوجود المسيحي هنا في لبنان، طعم لبنان الرسالة، كما قال قداسة البابا والإمام موسى الصدر والرئيس بري، الذي غضب لأجل قانا وجعل منها إرثا إنسانيا مسيحيا وإسلاميا كبيرا"، مشيدا "بخطوة الرئيس بري بدعوة البرلمانيين العرب الى صور، من أجل نصرة غزة كي تكون صوتا صارخا، في برية العالم المتوحش، المقنع بقناع الحضارة".


موسى الصدر إمام الكلمة السواء
محاضرة الأب يوسف مونّس بعنوان: الحرية والإصلاح بين ضغوط الخارج وضرورات الداخل، في مؤتمر "كلمة سواء" التاسع. [25]
إنه لشرف كبير لي أن أكون بينكم في المؤتمر التاسع "لكلمة سواء" تحت عنوان "موقع الحرية في الإصلاح والتجديد" والذي تنظمه مؤسسة الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
يظللنا اليوم الإمام العظيم شاقاً لنا دروباً للحرية الروحية والإنسانية والوطنية والفقهية والاقتصادية نستوحي منها لنبني معاً وطن المعية وحضارة المحبة والمصالحة.
السؤال هو الحرية، الحرية والإنسان لا ينفصمان. لا أكون إنساناً إلا في الحرية. الحرية هي كمال إنسانيتي. تحدّد أو لا تحدّد وان ألبست الخواء ضاع مفهومها الحقيقي.
عندما تموت الحرية يموت الإنسان، العيش أو البقاء ليس هو ببديل عن الحرية.
أنها في الكينونة تتمظهر في الأبعاد السياسية والإنسانية والفنية والاقتصادية والثقافية والدينية وسواها. الحرية هي الأساس أي أنها الصوت الحقيقي لأجل كينونة الإنسان بكرامة وجوده وليس بلحمية صورته. لست أنا كائنًا ناطقًا فقط. لست أنا ذئباً للآخر ولا انوجد في انعدام الآخر، ولا كينونة لي في تشييء الآخر، بل أنا والآخر كينونة وانوجاد في الحرية والكرامة والاحترام. الفناء هو البقاء دون حرية "وحدهم الأحرار كما قال شارل مالك يحاربون في سبيل الحرية ويجدون في العالم أنصارا لهم، ومن هؤلاء كان الإمام السيد موسى الصدر.
لي الحق بالافتراق وللآخر الحق بالاختلاف،  نحن لا نكون إلاّ إذا كنّا سوى، أيّ معا، في كلمة سوا، هذا هو فعل حريّتنا الأوّل ووجودنا الأوّل. نحن سوا.
لكي تبقى فينا إنسانيتنا وحقنا بوجهنا البشري المرتكز الوحيد هو حريتنا وكرامتنا الانسانية. قرار وجودنا أو عدمه هو قرار حريتنا. وحدهم الأحرار هم الموجودون. العبيد المكدونون تحت نير أية سيطرة على القلب والعقل هم في العيش وليس في الكينونة لأن الحرية هي الأساس بها نتأنسن وبها نكون بشراً وهي فعل التجديد الدائم وجرح الانوجاد في مغامرة الكيان Risque d’être لتضاء على دروب الناس قناديل الفرح فيدفأون على نار عشق آخر، هو الخروج من كهف الجسد ورغباته ومصالحه، بالتطهير الكياني كما يقول أفلاطون، فيتعالون ويتراقون على ضغوط الخارج وضرورات الداخل ليقفوا في العري الأساسي للكائن البشري الذي لا معنى له إلاّ في الحرية والباقي قشور وأقنعة. لا يجب أن نضيع بين الثابت والدائم والجوهري وبين المتحوّل والمتغيّر والعرضي. الحريّة جوهر التفاعل معها يكون في الزمان والمكان والإنسان. البقاء أفضل منه الفناء بدون حرية. لأنه مع الحرية تقرع لنا أجراس الفرح حتى صليب الآلام والاستشهاد. الحياة تولد من رحم آلام الحرية حرية الفكر وحرية القول وحرية العمل، الحرية الاجتماعية، الحرية السياسية والحرية الدينية. الحق الأول والدلالة الأولى على رقي الأمم هو تمتع أفرادها بهذه الحقوق الطبيعية المعدة لهم من الله وليس من كرم الحكام.
في هذا العري الصادق الحر للعقل والقلب وقف السيد الإمام موسى الصدر، على حدود الجرأة الروحية المسكونة بأصوات الأولياء والأنبياء والقديسين ليكون في لبنان طبق العيش المشترك الذي نتقاسم خبزه الحضاري والروحي والإنساني ونقدمه قرباناً مثالاً للإنسانية. نحن اليوم نضيء سراج قلوبنا وعقولنا من روحه لتبقى دروب المستقبل منورة لنا. القضية اللبنانية هي قضية الحرية في هذا الشرق. فلا كيان سياسي للبنان إلا على بناء الحرية في جوهر الوجود اللبناني.
في الفكر المسيحي عندما أخذت مركبة النار النبي ايليا ورفعته إلى السماء كان ذلك في جبل الكرمل حيث ارتقى ايليا الى السماء وغاب لكن قبل غيابه صرخ تلميذه اليشاع وقال له الى أين تذهب يا معلمي وتتركني وحيداً. أترك لي شيئاً منك يعزيني ويعطيني من روحك وقوتك. فالقى اليه ايليا وهو في عاصفة النار وشاحه.
وهكذا نحن اليوم في ظل عمامة وعباءة الامام السيد نقول له ارمِ لنا بوشاحك ليضىء لنا الوطن حرية وكرامة وقلوبنا رحمة وسلاماً ومجتمعنا حضارة وتعايشاً سلامياً، ليبقى لبنان اكثر من تراب، رسالة محبة، وحوار حضارات لكرامة انسان معمد بالحرية والكرامة والحبّ.


بين تريزيا ورابعة العدوية  [26]
كتب الأب يوسف مونّس:
تريزيا الصغيرة، أميرة العشق الإلهيّ، "معلّمة الكنيسة"! كيف يكون هذا لصبيّة لم تبلغ الثالثة والعشرين من عمرها؟ عشقت تريزيا حتى ذابت، وسال دمها على أروقة الدير وهي غارقةٌ في هوى حبيبٍ معلقٍ على الصليب، شهادةَ حبٍّ وفداء
غريبٌ هذا التصوّفُ في قلب راهبةٍ متنّسكةٍ وراء جدران الدير، وكأنّها في صحراء السكارى بالله، الساعين إليه عبر الوديان والسهول والجبال، في الوحدة، والسكون. هو المطلق الوحيد الّذي يعطي لوجودنا المعنى، ولقلبنا الهدوء، ولكياننا الصفاءَ والنقاء. في الدير المحجوب عن العالم، خرجت تريزيا إلى الأفق السماويّ بالحبّ لاكتشاف سرّ الوجود الوحيد، سرّ الحبّ الإلهيّ.
وحده الحبُّ يكشفُ معرفة سرِّ الآخرين وسرّ الله. الراهبة الصغيرة صارت رسولةً لنعمةِ الله مع المرسلين، تصلّي كي يحملوا للناس حبَّ الله ورحمته. الراهبة الصغيرة، التي كتبت عن العشق الإلهيّ كأنها تقرأ "نشيد الأناشيد"، صارت لنا "معلّمة" في سرّ الكشف الإلهيّ، أيّ سرّ المحبّة، لأنّ الله محبّة.
ومن أحب الله سكن فيه. نعم! ألمثلِ هؤلاء الصغار ملكوت الله، لأنّ ملائكتهم يشاهدون وجه الله في كلّ حين. الله الآب كمالٌ، قال يسوع. لقد كشف سرّ حبّه للصغار، وليس للحكماء والفهماء والذين يدّعون المعرفة والعلم، فالعلم ينفخ. سرّ البساطة هو سرّ الحكمة، وسرّ العشق الإلهيّ هو سرّ الحبّ. الحبّ يعلّمنا معرفة الآخرين ومعرفة الله؛ من هنا أقامت الكنيسة تريزيا "معلّمة في الكنيسة"، لأنها علّمتنا: أنه علينا لنعرف الله أن نحبّه ونشهد له وأن نعيشه، وأن يحكي هو فينا وفي حياتنا، أن نغرق فيه ونذوب!
تريزيا الصغيرة "أميرة العشق الإلهي"، "معلّمة الكنيسة" تبقى لنا المثال في أنّ القداسة لا يلزمها العمر الطويل، بل أن تكون كلمعة برق في الاختبار الإلهي، لنتألّق من الوجع والألم والصلب والتسليم لإرادة الله. كنجمة، هناك في السماء، تدعونا تريزيا لنكون نحن أيضاً شهوداً، نُمضي حياتنا نفرش الأرض وروداً وحبّاً، لأنّ كلّ شيء نعمة هو!


يسوع! أصلبوه! لن تقدروا عليه إلاّ بالحبّ [27]
كتب الأب يوسف مونس تحت عنوان: "السخرية من يسوع وأمّه العذراء".
الحملة الأخيرة التي أثارتها القنال العاشرة في إسرائيل مع ليور شلاين، الذي قدّم في برنامجه صورة ساخرة مبتذلة ليسوع والعذراء، ردّاً على الأسقف البريطانيّ ريتشارد وليامسون الذي أنكر فيه وفاة اليهود في غرف الغاز، وأنّ العدد لا يتجاوز 300 ألف شخصاً، وليس الملايين. وكان البابا قد رفع الحرم عن هذا الأسقف التابع للمونسنيور لوفيفر أصلاً. وكان ليورشلاين مقدّم البرنامج الكوميدي الإسرائيلي الساخر قد أعلن قائلاً: "إن المسيحيين ينكرون المحرقة، لذا فأنا أودّ أن أنكرَ المسيحية على أحدهم وأن ألقنهم درساً في الحقيقة"! إنّه الانتقام القديم القادم من شريعة العين بالعين والسنّ بالسنّ، والدم بالدم. لا لاهوت للرحمة، ولا شريعة للحبّ والمغفرة.
إنه تعليم إله موسى، وليس هو تعليم يسوع المسيح: "العهد الجديد": أحبوا أعداءكم اغفروا لمن أساء إليكم يقول يسوع".
ما هذه الوقاحة واللاخلاقيّة؟ ما هذا التجريح المرفوض والمشجوب للرموز والشعائر الدينيّة التي يكرّمها ويحترمها المسلمون والمسيحيّون معاً. لا عجب عندي فهم سخروا من يسوع في حياته ومماته: "يا باني الهيكل في ثلاثة أيّام"، "خلّص آخرين ولم يقدر أن يخلّص نفسه"، "سرقه تلاميذه ليلاً ولم يَقُم"! كذبٌ على مدّ التاريخ والزمن كما قال آباؤهم: "إكذبوا، إكذبوا فلا بدّ أن يبقى شيء" إكذبوا: أنّ فلسطين لكم! كأنّ قبلهم لم يكن لها أهل وسكّان؟ وكانت أرضاً خالية خاوية؟ إكذبوا أنّكم شعب الله المختار كأن ليس الناس جميعهم عيال الله؟ وكأن الله خالق البشريّة جمعاء لم يحبَّ أحداً غيركم، لا من شعوب الشرق الأوسط، ولا من الصين، ولا من الهند، ولا من شمالي أميركا أو جنوبها، ولا من أهل لبنان؟!...
ليور شلاين سخر من شخصية يسوع في مشاهد مسرحيّة قصيرة، يقول فيها الراوي إن يسوع المسيح توفيّ عن عمر 40 سنة، لأنّه كان بديناً. وإنّه لم يمشِ على الماء في طبريّا، لأنّه كان شديد البدانة. وكان يخجل بشدة من مغادرة المنزل. ولم يكتفِ ليور شلاين بإهانة شخص يسوع، بل تطاول وتجرأ وأهان السيّدة العذراء، النقيّة الطاهرة، القدّيسة المصطفاة، المكرّمة عند المسيحيين والمسلمين. فقال إنّها حملت في عمر 15 سنة من زميل لها في الدراسة.
ردات الفعل
وكان للفاتيكان ردّة فعل قوّية في رسالة احتجاج إلى الخارجيّة الإسرائيلية قال فيها: "إن هذا البرنامج سخر من يوسف والعذراء بكلمات وصور تجديفيّة، تدلّ على عمل هجوميّ ومبتذل من التعصّب حيال المشاعر الدينيّة للمؤمنين بالمسيح وليست هي المرة الأولى فقد صور المسيح على الصليب يشرب خمراً وأمه مريم أخذت جسد مريم المجدلية وبانى حبلها.
وأصدر مجلس الأساقفة الكاثوليك في الأراضي المقدسة بياناً أبدى فيه "أسفه وإدانته الشديدة للاتهامات البغيضة ليسوع المسيح وأمّه مريم العذراء "والتي" تدخل في إطار أوسع من الاتهامات المتواصلة للمسيحيين في إسرائيل على مرّ سنوات، إذ أحرقت نسخ من العهد الجديد علناً منذ بضعة أشهر في باحة كنيس في "أور يهودا" قرب تل أبيب، وأنّ الكنيسة تبذل جهوداً كبيرة لوقف بعض المظاهر المعادية للسامية. إلاَ أنّ المسيحيين في إسرائيل قد صاروا هم ضحايا ومحرقة معاداة السامية. "المسيحيّون هم اليوم المحرقة في فلسطين وفي القدس وفي غزة".
هذا ما دفع مقدّم البرنامج الكوميدي الإسرائيلي المعروف ليور شلاين على الاعتذار نهار الأربعاء على الهواء وإنّه لم يقصد الإساءة إلى أحد.
وأيضاً فإن وزارة الخارجيّة الإسرائيلية، صرح باسمها ييغال بالمور: "إنّ هذه المقاطع لن يُعاد بثها" لأنّ احتجاج الفاتيكان كان عنيفاً وغاضباً ولأنّ البابا سيزور إسرائيل في 16 أيّار المقبل.
أحبوا يسوع لتعرفوا السلام
بعيداً عن كل هذا، أقول: إنّ يسوع المسيح، "الناصريّ"، كما يقول الكتاب المقدّس هو "إسرائيلي لا غشّ فيه" وهو من الناصرة وهم ابن النجّار يوسف، وأمّه مريم. وهو ابن "الانتظار الإسرائيلي" الذي لم تعرفه "خاصته"، بل صرخت "اصلبه! اصلبه"! وفضّلت عليه برأبّا. هكذا هو "عماء" هذا الشعب الذي يقتل أنبياءه بين الهيكل والمذبح. و"سيُطلب منه دم جميع الأبرياء من الأنبياء والناس" الذي سفك على ارض إسرائيل وفلسطين. فإلى أين سيهرب هؤلاء الفريسيون الملاعين من غضب الله؟ هؤلاء "الحيّات أولاد الأفاعي" كما قال يسوع المسيح وهم طلبوا كما يقول الإنجيل أن يكون "دمه عليهم وعلى أولادهم"؟
لن يكون سلام في الشرق الأوسط إلاّ بحبّ يسوع! يسوع التوراة والأنبياء، يسوع الإنجيل والرسائل وأعمال الرسل، يسوع القرآن والأحاديث. كيف يصلب في العراق 12 طفلاً بالبغض والتعصب والكراهية؟ كيف يموت أطفال غزة وفلسطين والصومال والسودان وتغتصب النساء والأطفال هناك كما يقول تقرير الأمم المتحدة إن طفلة بعمر السنة الواحدة اغتصبت من قبل الجنود؟
الكراهية لم تبنِ السلام
أنسوا أنّ المسيح ابن شعبهم وهو واحد منهم؟ وأنّه لم يأتِ شراً؟ بل أحبّ وشفى وصنع المعجزات، وبشّر بالرحمة وأطعم الجياع؟ وأقام الأموات؟ وقال أنا هو "المنتظر"، أنا هو الرجاء"! "آمنوا بي لتخلصوا"! لكن، هذا هو تاريخ إسرائيل: ذبح للأنبياء ونشر لهم، ورجم وقتل. هذا كان نصيب إشعيا ونصيب إرميا، وحزقيال وهوشع وسواهم... لم يتكلم أحد عن الرحمة والعدل والمحبّة إلاّ وقتلوه ورجموه وأنكروه. العذراء بنت هذا الشعب. وهم بالحقيقة أولاد الزواني منذ ايام لوط وبناته وساره وهيروديت وإستير ورحاب! فكيف يمكنهم احترام العذراء بنت شعبهم وهي المختارة؟! "الله اختارك" أنتِ "النقيّة القديسة". لقد قطعت العذراء مريم كل علاقة مع هذا التاريخ وهذه السلسلة من الزانيات التي طبعت تاريخ إسرائيل. لذلك فان ليور شلاين لم يفهم سر حبلها النقي!
البتولة الجميلة والحب النقي
وهي البتولة، كما قال عنها إشعيا: "ها إنّ العذراء البتولة تحبل وتلد ابناً يدعى اسمه عمّانوئيل". ابنها من روح الله، وحبلها من السماء، وولادتها للمخلّص يسوع المسيح، ولادة عجيبة ولادة الرحمة والرقّة والحنان والطهارة ولا دنس منها! لا في الميلاد ولا قبله ولا بعده، وما دام الزمان، كما تقول الأناشيد الطقسيّة الميلادية المارونيّة. وهي حبلَ بها بلا دنس
لن ينقذ اليهوديّة ولا إسرائيل، إلاّ فعل حبّ وإيمان بالمسيح يسوع المنتظر وبأمّه العذراء القديسة النقيّة. لن يخرج إسرائيل من عمى قلبه وعقله بالثأر والحقد والصلب إلاّ بالحبّ والإيمان بنبع الحبّ والجمال والمغفرة يسوع المسيح وببهاء وجه امه المصطفاة مريم.
تاريخ الشرق يبدأ بالحبّ
ليبدأ في الشرق الأوسط تاريخ جديد ينيره وجه العذراء مريم القديسة الطاهرة ويجذبه ويسحره ويشع فيه وجه يسوع الرحمة والحبّ والحنان والمغفرة، حيث يقتل وحش الثأر والانتقام ورفض الآخر والكراهية له. هذا هو الافتتان الجديد بالجمال القديم، أيّها الربّ يسوع أعطني أن أحبّ حتى أعدائي، وعلّمني الرحمة والرقّة والحنان. وأنتِ أيتها العذراء مريم، اشفعي فينا. وستبقين سيدة الجمال والبهاء، ولن يقدر التنيّن عليكِ وعلى ابنكِ. يا عذراء يا نقيّة، يا طاهرة، يا مصطفاة!
موجة غضب
يضاف إلى كل هذا إن رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت ندد بالكلام المعادي للديانة المسيحية والمهين للفاتيكان وقال: "أندد التصريحات التي بثت خلال البرنامج التلفزيوني. لو إن تصريحات مشابهة صدرت في بلد آخر ضد اليهودية، لكانت أدت إلى موجة غضب... أنا آسف لهذه التصريحات المعادية للمسيحيين، خاصة إنها تستهدف المجموعة المسيحية في إسرائيل. علاقاتنا مع الفاتيكان والعالم المسيحي ممتازة. ولا سبب لمهاجمتها لكن موجة الغضب والتنديد والشجب عمت العالم المسيحي هذه المرة. فهل يفهم إسرائيل إن في جرحنا وعلى صليبنا نردد ونقول مع يسوع "اغفر لهم يا الله لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون"، "لأنهم لو عرفوا لما صلبوا ربّ المجد"؟


تحديات الحضور المسيحي في الشرق: إلى أين؟ - 2/1  [28]
كتب الأب الدكتور يوسف مونس:
الأعداد والاحصاءات
- في العراق تُفجّر الكنائس ويُختطَف ويُقتَل المسيحيون. وحدها، في سنة 2004 فُجرت 6 كنائس، فترك العراق حوالى 80000 مسيحي. هناك حوالى 20000 عراقي كلداني في فرنسا، و200000 في شمالي أميركا، 35000 في سان دياغو. اما الكنيسة الاشورية فأصبحت بمعظمها بين السويد وأميركا ولبنان. اليوم، يقتل الكهنة والاكليريكيون في العراق، ولا من يرفع الصوت ويحمي ويعاقب. الترويع هو الشريعة الاسلامية المسيطرة.
- في لبنان هناك ما لا يقل عن 20 عملية ارهابية، ضربت معظمها المسيحيين، وقسم منها المسلمين والدروز.
- الاقباط في مصر يتلقون، من فترة الى اخرى، هجمة قاتلة على كنائسهم وعلى الناس. عدد الاقباط عشرة ملايين، منهم أربعة ملايين خارج البلاد. الى الآن، تبقى شريعة الاحوال الشخصية شريعة جائرة ضد حقوق المسيحيين في مصر، بالرغم من انفتاح ومساعدة الرئيس حسني مبارك وشيخ الازهر والحضور القوي للبابا شنوده. هناك تهميش سياسي واداري ظالم.
- أما السريان الكاثوليك، فقد فرغت قراهم ومناطقهم في ماردين والجزيرة، وهاجر منهم أكثر من 150000 نسمة.
- أما الارثوذكس، في تلك المناطق فهاجر منهم 250000. والارمن الكاثوليك، أكثر من 300000.
- عدد الارمن الارثوذكس، في الانتشار يفوق الستة ملايين، والملكيون الكاثوليك أكثر من مليون ونصف، واللاتين أكثر من 20000.
- أما الموارنة، فهناك ما لا يقل عن ستة ملايين. وحدها فرنسا تضم منهم 60000، وكندا 200000، واوستراليا 400000 وأميركا الشمالية والجنوبية أكثر من خمسة ملايين.
سنة 1890 كانت نسبة المسيحيين في فلسطين نحو 13 في المئة.
سنة 1917 هبطت النسبة الى 96 في المئة.
سنة 1931 صارت 88 في المئة.
سنة 1948 صارت 8 في المئة
سنة 2000 صارت 16 في المئة.
عددهم اليوم لا يتجاوز 165 الفاً، بينهم 114 الفاً في اسرائيل، وواحد وخمسون ألفاً في الضفة والقطاع.
عدد المسيحيين كان في الضفة الغربية وحدها 110 آلاف نسمة، لكنهم اليوم لا يتجاوزون الخمسين الفاً فقط.
سنة 1947، كان عدد المسيحيين في القدس 27000، بينما لا يتجاوز عددهم اليوم ثمانية آلاف.
سنة 1922 كان عدد المسيحيين في القدس 14700 والمسلمين 13400. أما إحصاء سنة 1945 فقد أظهر العدد 29350 مسيحياً. وسنة 1947 هبط عدد المسيحيين الى 27000. وهم اليوم قرابة عشرة آلاف.
سنة 636 أي مع مجيء الاسلام كان المسيحيون يشكلون 95 في المئة من سكان العراق وسوريا. 9 ملايين في العراق، 4 ملايين في سوريا، 25 مليونا في مصر.
سنة 1904، أصبحوا يشكلون 25 في المئة من سكان الاردن وفلسطين وسوريا ولبنان.
عشية الحرب العالمية الاولى، كانت نسبة المسيحيين في سوريا والعراق 20 في المئة من السكان، و8 في المئة في مصر.
الكارثة الماضية والآتية
اليوم، هناك مدن اندثرت مثل الرها ونصيبين؛ وأخرى تفرغ من سكانها مثل الحسكة والقامشلي وجماعات مثل السريان والصابئة تندثر ايضاً.
هناك كارثة انسانية وحضارية وسياسية مقبلة بلا ريب... فهل يسمع النداء؟
"أن بلد المسيح وأرض المسيحية الاولى... ستصبح خلال أربعة عقود بلا مسيحيين" (مجلة الوطن، العدد السابع، نيسان 2007، بلاد المسيح بلا مسيحيين، صقر أبو فخر، ص 22-27.
إنها كارثة حقاً ففي قرية "برقة" المسيحية التي كان يسكنها 4 آلاف، لم يبقَ فيها بيت واحد. مدن أزيلت أسماؤها، وأزيل حضورها.
هل سيكون هذا نصيب الناصرة وبيت لحم وبيت ساحور؟ كما هو الحال في قرية سبسطية المسيحية التي يسكنها اليوم 4 مسيحيين فقط (صقر أبو فخر، ص26). هناك هجرة وهناك تغيير لاسماء الامكنة: "ساحة المهد" في بيت لحم أصبحت "ساحة عمر".
هناك أسلمة للحياة والثقافة والسلوكيات والكلام والثياب واللغة.
- أما في تركيا سنة 1920، فكان عدد المسيحيين مليون نسمة. أما اليوم، فهو بضعة آلاف، ومُحيت أسماء العديد من القرى.
- أما في سوريا، فقد تناقص عدد المسيحيين الى 10 في المئة من مجمل الشعب السوري بعد أن كان في بداية القرن يقارب ثلث السكان. في عام 1932، كان المسيحيون يشكلون ما يقارب 55 في المئة من السكان، اصبح الآن عددهم 30 في المئة.


تحديات الحضور المسيحي في الشرق: إلى أين؟ - 2/2  [29]
الأب الدكتور يوسف مونس:
الاقباط تضاءل عددهم واصبح لا يزيد على 6 في المئة بالرغم من تضارب بعض المعلومات القائلة أن عددهم ما بين 12 في المئة الى 15 في المئة من السكان.
- في الناصرة، كان المسيحيون 60 في المئة سنة 1946، تناقص الى 40 في المئة سنة 1983 وهو يتناقص اليوم.
- في العراق في ظل حكم صدام حسين، كان عدد المسيحيين 800,000 ثمانمئة ألف نسمة من مجمل السكان الذين يعدون 36 مليون. اليوم، اصبحوا بضعة آلاف، والكنائس خالية. "الحضور المسيحي بالغ الاهمية للاسلام والمسيحية... ويهدر قروناً من التعايش الديني... والعيش المشترك.
هناك سلفيات وأصوليات وعدم مساواة وكبت للحريات تدفع الى الرحيل، وهناك إغراءات الهجرة والعلم والثروة والمكانة وحلم الحرية والغنى.
الواقع المرير اليوم
الواقع المرير كما أوردته جريدة "الاخبار"، نهار 30 أيار 2007، بقلم سامح فوزي بعنوان "الحضور المسيحي ضروري للاسلام والمسلمين".
"إن عدد المسيحيين في المنطقة العربية هو ما بين 12 مليوناً الى 15 مليون نسمة، غالبيتهم يعيشون في مصر. ويتوقع بعض المراقبين أن يهبط الرقم الى ستة ملايين نسمة فقط...". ويضيف الكاتب قائلاً: "سوف يظهر (الاسلام) بصورة ما أنه لا يستطيع العيش مع الآخر الديني... ويصبح المسلمون أحاديي النظرة ولا يقبلون التعددية الدينية".
وكما ورد في خطاب السيد محمد حسين فضل الله في (جريدة "الديار" 12 حزيران 2007): "إن الحركات الاسلامية باتت أمام تحديات كبيرة وإن ذلك يفرض عليها أن تطوّر أساليب عملها... من خلال الانفتاح على الآخر المذهبي أو الاخر الديني". "البطريرك خائف على الموارنة من مصير مسيحيي العراق" ("الوطن العربي" 20/6/2007). وقداسة البابا خائف على مسيحيي الشرق ("النهار" 22/6/2007) ونداء عمان لمنتدى الكنائس العالمي قلق ايضاً ("النهار" 22/6/2007).
لماذا وكيف يجب أن نبقى هنا؟
لنشهد للمسيح وللانجيل شهادة المحبة والخدمة والشراكة بالعيش معاً. لنشهد لحوار الحضارات والاديان والآلهة والناس. لنشهد للتعدد والتنوع واحترام حق الآخرين بأن يكونوا كما يريدون، ويؤمنون بما يريدون. لنشهد للديموقراطية والعدل والمساواة والاخوّة بين الناس، و"نحن مسؤولون بعضنا عن بعض أمام الله والتاريخ. كما قالت (رسالة البطاركة "عن الحضور المسيحي في الشرق"، في الصفحة 44). ولقراءة جديدة للنص المقدس وليس العودة الى ما لا يقبله العقل والعلم والذوق السليم (محمد علي الأتاسي، يا أمة ضحكت من جهلها الأمم: ارضاع الكبير والتبرك بـ"بول" الرسول، ("ملحق النهار"، الاحد 10 حزيران 2007، ص12).
لتبقى جذورنا غارقة بالتصوف والصلاة والاصغاء الصافي الى كلمة الله، إله ابرهيم واسحق ويعقوب ويسوع المسيح، أي في لقاء معاً على كوننا تراثاً ابرهيمياً مسيحانياً واحداً، وتراثاً آبائياً حاملاً كل رائحة تراب آسيا الصغرى وبلاد الشام ولبنان وشمال افريقيا وشمال البحر المتوسط، من الصحراء الى الجبال الى الرمال والوديان والبحار. (نجاة نعيمه ناصيف، مزمور الى العراق، 30/3/2003).
الافتتان بوجه المسيح
لا دعوة، الى الارتداد بل للانبهار والافتتان بسحر وجه يسوع المسيح الذي هو انتظار العهد القديم وتجلّي العهد الجديد وانجذاب القرآن الكريم الى جمال هذا الصبي الذي سلام عليه يوم وُلد ويوم مات ويوم قام حياً. إنه البعد الجمالي (Philocalie) وليس البعد الجدلي حول المضامين اللاهوتية المتعلقة بشخص المسيح يسوع. إنه انجذاب المتصوفين الى جمال الله المتجسد في يسوع المسيح. (الشيخة غنوة حمود، المسيح في حضن الاسلام، "الشراع" 2/1/2006)، ونسأل أين الجهاد المجنون المهلوس لأجل الله؟
إنه الوقوف مع قضايا الحق والعدل والانسان المظلوم، في العراق وفلسطين ولبنان، ودارفور، والسودان، والصومال وفي أي بقعة من الارض.
إنه، حمل رسالة انجيل المحبة باللغة العربية للعالم العربي، باحترام وتقبّل جمالات هذا العالم، من مفكريه الى متصوفيه، الى فنانيه، الى علمائه ومبدعيه، والمساهمة معهم ببناء حضارة المحبة والسلام والعيش المشترك لبناء مجتمع "المعيّة".
في هذا الشرق المجنون، المهووس بالدم والموت والكراهية، نحن هنا نداء شفاء، أي كلام يشفي بكلمة الحب من أمراض الوجود والعقل والقلب، من البغض والحقد ورذل الآخر. لن نُشفى الا بمحبة الآخر ودعوته الى وليمة فرح الوجود معنا، لنعيش سوية رحمة الله!
هذا ما ندعو اليه بخاصة في إعلامنا، وفي حياتنا، وفي عيشنا المسيح. فهلاّ ساعدتمونا لنبقى شهود القيامة؟! "ونحن شهود على ذلك"!
خاتمة الرجاء والفرح
في النهاية نحن البقية الباقية قلوبنا ممتلئة رجاء وعزاء وثقة وايماناً بالذي قال انه ابقى له بقية عضدها بقوة الروح القدس، وهو قال لها لا تخافوا أنا معكم الى نهاية الايام ثقوا أنا غلبت العالم. نحن البقية الباقية وبالرغم من الأفق الاسود المرسوم أمامنا سنبقى هنا نصلي ونحب ونرجو، متمسكين بأرضنا وتراث آبائنا وبالشهادة لانجيل يسوع حاملين شهادة عمادنا ننتظر فجر القيامة حيث ننشد أناشيد الفجر نقول هلّم ايها الرب يسوع سرجنا ما زالت مضاءة بالحب والفرح والرجاء ننتظر وصولك ايها العروس السماوي الذي أتى الى أرضنا وعاش ومات وقام عليها. نصلي موران اتا: ماران اثا :تعال يا سيد. آمين


القديس شربل طبيبي  [30]
في رصد خاص بموقع النشرة فن لبرنامج "عفوا يا حبايب" الذي تقدمه الاعلامية هلا المر عبر اثير اذاعة "جرس سكوب"، اطل الاب يوسف مونّس الذي اصيب اخيراً بذبحة قلبية كضيف في الحلقة عبر اتصال هاتفي اجرته معه المر، وقال: "اصابتني ذبحة ثانية قاتلة ورأيت الاطباء ينتظرون موتي فقلت لهم طبيبي "القديس مار شربل" واريد العودة إلى لبنان، فقالوا لي اذا ذهبت إلى لبنان ستموت ولكني لم ارض فاتيت وعولجت والحمد لله انا بخير".





[1] - Focusonlebanon.com
[2] - إبراهيم عوض، الشرق الأوسط  الجمعـة 29 ربيـع الثانـى 1422 هـ الموافق 20 يوليو 2001 العدد 8270      
[3] - المركز الكاثوليكي للإعلام 2002/04/27  
[4] - الأب يوسف مونّس، جريدة النهار، الخميس 9 شباط  2006
[5] - الأب يوسف مونّس، جريدة الأخبار السبت 3 آذار 2009

[6] - محمد السماك، النهار 11/11/2007
[7] - الشرق الأوسط 18/2/2007
[8] - حاكم مردان، النهار 8/6/2007
[9] - النهار 7/7/2007
[10] - السفير 20/10/2007
[11] - الأخبار 11/10/2007
[12] - النهار 28/10/2007
[13] - أجزاء من محاضرة أُلقيَت في معهد غوته في 12 تشرين الثاني 2007 بعنوان: الرقابة على التعبيرات الثقافية في الشرق الأوسط ـــ الرقابتان الحكومية والدينية مؤسّستان متضامنتان. الأخبارعدد الاثنين ٢٦ تشرين الثاني ٢٠٠٧
[14] - الأب يوسف مونس، رجل دين مسيحي من لبنان، الشرق الأوسط الاربعـاء 27 صفـر 1426 هـ الموافق 6 ابريل 2005 العدد 9626.
[15] - المستقبل، الخميس 28 نيسان 2011.
[16] - وطنية - 3/4/2006
[17] - المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية،  وطنية - 23/8/2010
[18] - المستقبل - الجمعة 16 شباط 2007 - العدد 2531 - الصفحة الأولى - صفحة 1 وص 19
[19] - المستقبل - الاحد 19 تشرين الأول 2008 - العدد 3110 -
[20] - www.nna-leb.gov.lb  
[21] - www.imamsadr.net/
[22] - صوت لبنان، الخميس 29 سبتمبر/أيلول 2011
[23] - www.coptreal.com/  28 نيسان/ إبريل 2010
[24] "السفير"  7 نيسان 2010
[25] - مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات، الجمعة, 03 ك1, 2004
[26] - نقلاً عن موقع: "أبونا"
[27] - جريدة الديار 25  شباط 2009
[28] - منتدي منظمة أقباط الولايات المتحدة 10-01-2008  عن جريدة النهار.
[29] - النهار 10-01-2008
[30] - "النشرة فنّ"، الخميس 05 كانون الثاني 2012