2012/03/30

البطريرك الأول مار يوحنا مارون الأب جورج صغبيني راهب لبناني ماروني

البطريرك الأول مار يوحنا مارون (685- 707)

هو البطريرك الأول على الكنيسة المارونيّة ( + أوائل القرن الثامن)
[3]، وأسقف البتــرون عام 676 وأول بطريرك للموارنة عام 685. والثالث والستون بعد القديس بطرس. المراجع حوله قليلة ويختلف عليه المؤرخون كثيراً لذلك من الصعب معرفة سيرته بالضبط, اتهمه البعض بالهرطقة لكن التهمة لم تثبت فقد مات بسلام وشركة مع الكنيسة كلّها ويكفي من مآثره أنه رعى شعبه الماروني المشتت في زمن فلتت فيه كل الأمور من عقالها.
يقال أن القديس يوحنا مارون ولد في سرّوم, وهي قرية قرب أنطاكية، في الربع الأول من القرن السابع أثناء الحرب بين الرومان والفرس والتي عرفها التاريخ باسم حرب استرداد الصليب. ويتصل نسب عائلته بملوك فرنسا حيث جاء أحد أفرادها إلى سوريا لخدمة الأمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية) وتزوج في أنطاكية وأنجب عدة أولاد منهم يوحنا مارون, الذي نهل العلم منذ صغره في أنطاكية ثم في القسطنطينية وعاد إلى سوريا حيث صار راهباً من رهبان مار مارون ثم أسقفاً.
في نهاية القرن السابع كانت كنيسة أنطاكية في فوضى عارمة لم تشهد لها مثيلاً من قبل. وبعد الحروب بين بيزنطيا والمسلمين خلا الكرسي البطريركي في أنطاكية وأصبح شاغراً, وتشرد يوحنا مارون إلى دير مار مارون العاصي، ومنه إلى قرب مدينة البتــرون اللبنانية حيث أقام في أحد الأديرة وساس رعيته الخائفة المشتتة فكان لها أسقفاً راعيا، وقائداً روحيا وعسكرياً، ومدنياً وإدارياً عظيماً. وتوفي بالإيمان والقداسة، في أوائل القرن الثامن، بعد أن نظـّم الرعية في أعالي جبال لبنان حيث ظلت إلى يومنا هذا.
هاجر مار يوحنّا مارون ورعيته إلى لبنان بسبب الاضطهاد الذي ألحقته بهم الجيوش البيزنطية والإسلامية. فانتقل على إثر ذلك الكرسي البطريركي إلى كفرحي- البترون حيث شُيِّد دير "ريش موران" (أي رأس مارون أو رأس سيدنا أو رأس معلمنا) لتوضع فيه جمجمة مار مارون التي وحسب التقليد يقال أن الموارنة حملوها معهم من سوريا إلى لبنان.
توفي مار يوحنا مارون ودُفن في دير كفرحي، 9 شباط سنة 707.
[4] فخلفه على كرسيّ البطريركية إبن أخته قورش

وعام 1787 نقل عيده وتذكاره إلى 2 آذار وتخصّص اليوم التاسع من شباط للقديس مارون أب الطائفة المارونية


[1] - مخطوط العينطوريني المحفوظ لدينا.
[2] - البطاركة في التاريخ الماروني، الأب بولس صفير، مجلة الفصول، صيف 1980.
[3] - السنكسار الماروني 2 آذار.
[4] - .59-68Mgr Pierre DIB, l’Eglise Maronite, I, PP.

البطريرك أرميا العمشيتي الأب جورج صغبيني راهب لبناني ماروني

البطريرك أرميا العمشيتي (1199-1230)

ورد إسمه في المجمع اللبناني تحت رقم 25- أرميا (1209)
هو من مواليد بلدة عمشيت في منطقة جبيل و يقال إنه من عائلة عبيد.
انتُخب بطريركا في دير ميفوق سنة 1199، ثم انتقل إلى دير سيدة يانوح سنة 1200. وقبل التثبيت من البابا زخيا (إينوشنسيوس) الثالث.
أرسل البابا إينوشنسيوس الثالث في 13 نيسان 1213، رسالة يدعو فيها البطريرك إرميا إلى روما لحضور المجمع اللاتراني وعنوان الرسالة "كرم الرب الصباؤوت" وفيها ذكر أن الغاية من عقد هذا المجمع هي إعداد حملة صليبية لاسترجاع الأراضي المقدسة وإجراء إصلاحات عامة في الكنيسة.
هو أول من سافر من بطاركة الموارنة إلى روما، سنة 1215، واشترك في المجمع اللاتراني في 11 تشرين الثاني سنة 1215، ومن مقررات المجمع اللاتراني: تحوّل جوهر الخبز والخمر إلى جسد المسيح بقوّة كلام التقديس مع بقاء الأعراض على حالها.
صنع الله على يديّ البطريرك الماروني معجزة في روما حين كان يحتفل بالذبيحة الإلهية بحضور البابا، فرفع القربان المقدس ثم أنزل يده فظلت "الشيلة" (القربان) في الجو فطبقت شهرة هذه الأعجوبة الآفاق في بلاد الغرب. وأمر البابا برسم صورة لهذه الحادثة". [1]
ورد في المخطوط: "... القديس إرميا الأول من قرية عمشيت من عمل جبيل سنة 1209، وقبل التثبيت من البابا زخيا الثالث وحضر المجمع اللاتراني وشاعت في روما أخبار قداسته...ثم توفي قديسا ودفن في ميفوق. ثم انتقل الكرسي إلى دير مار قبريان في كفيفان".[2]
أمّا سبب ذهابه إلى روما فيذكره المخطوط: "أنه على أثر الأحداث التي صارت في كسروان من جنود ظاهر برقوق وحرق كسروان. راسل أمير جبيل البطريرك وحضر لديه... وكان يسمّى إرميا وكلـّمه وأقنعه بأن يذهب إلى روما بنفسه... ولأن السفن بدأت تقلع، ما أمكن البطريرك أن يذهب إلى عمشيت قريته... بل سافر حالا بمنزلة راهب فقير يصحبه شماسه فقط ووضع وكيلا عوضه المطران تدروس من كفرفو... فوصل إلى روما سنة 1209, ...فابقاه (البابا) عنده في روما خمس سنوات ونصف وحضر المجمع العام الملتئم بروما، ثم رجع إلى الشرق ومعه الكردينال "غوليلمو"... وكان خروجهم من روما سنة 1215 في 3 كانون الثاني (والأصح كانون الأول) فبلغوا ميناء طرابلس... وتنيح البطريرك في دير ميفوق ودفن فيه سنة 1230...". [3]

[1] - الدويهي، سلسلة البطاركة، ص: 24.
[2] - مخطوط العينطوريني، ص: ११९-120
[3] - مخطوط العينطوريني، ص: 98-99

البطريرك الشهيد جبرائيل حجولا الأب جورج صغبيني راهب لبناني ماروني

البطريرك الشهيد جبرائيل حجولا (1357-1367)

هو من قرية حجولا في بلاد جبيل، انتخب بطريركا سنة 1357. وهو البطريرك التاسع والثلاثون وقد حكم 10 سنوات.
استشهد حرقاً سنة 1367 على يد المماليك قرب جامع طيلان في طرابلس بسبب تزعّمه المقاومة ضدهم، فكان شهيد الإيمان ولبنان. ويتبارك من قبره المسيحيون والمسلمون على حد سواء.
قال الدويهي: "سنة 1367 أُحضر البطريرك جبرايل من حجولا، حيث كان مستتراً زمن الاضطهاد، واقتيد إلى طرابلس وأحرق حيّاً، وقبره لا يزال في باب الرمل في مدخل المدينة". [1]
وورد في المخطوط[2]: " والي طرابلس قبض على البطريرك جبرايل حجولا من أعمال جبيل في أول نيسان وأمر بحرقه عند جامع طيلان في طرابلس، لأنه إتهم بتهمة باطلة وهو بريء منها... كان رجلا قديسا... وإلى اليوم قبره تخرج منه الأشفية إلى كلّ من طلب شفاعته وقد اتخذه المسلمون لهم مزارا وأقاموا له هيكلا ويسمّونه الشيخ مسعود".
[1] - تاريخ الأزمنة، ص: 338.
[2] - مخطوط العينطوريني، ص: 93.

البطريرك الشهيد دانيال الحدشيتي الأب جورج صغبيني راهب لبناني ماروني

البطريرك الشهيد دانيال الحدشيتي

هو الثاني باسم دانيال. وهو البطريك الخامس والثلاثون. ( .... – 1283)
يقول أرميا الدملصي: إن البطريرك دانيال سامه أسقفا على دير كفتون سنة 1278، وبعد أربع سنوات انتُخب بطريركا خلفا للبطريرك دانيال.
ثبّت البابا نقولا الثالث، سنة 1280، البطريرك الحدشيتي وأمره أن يتّخذ الميرون من زيت الزيتون ومن دهن البلسم لا غير، وكان الميرون من قبل يُتـّخذ من إثنتي عشرة مادة من أنواع الزيوت والطيوب.
كتب الدويهي:"سنة 1283 قاد البطريرك الحدشيتي رجاله وقاوم جيوش المماليك عندما زحفت على جبّة بشري، واستطاع أن يوقف الجيوش أمام اهدن أربعين يوماً، ولم يتمكّنوا منها إلا بعدما أمسكوا البطريرك بالحيلة". [1]
يقول إبن الحريري في تاريخ 1300: لم يتمكّن المماليك من أن ينزعوا طرابلس من أيدي الصليبيين إلا بعد أن أجهزوا على مقاومة حلفائهم الموارنة... في سنة 1283 صدّ رجال البطريرك دانيال الحدشيتي جيوش المماليك عندما زحفت على جبّة بشري، واستطاعوا أن يوقفوا الجيوش أمام إهدن أربعين يوماً، ولم تتمكّن الجيوش من احتلال المنطقة إلا بعدما أمسكوا البطريرك بالحيلة".[2] وكان القبض على البطريرك أعظم من إفتتاح حصن أو قلعة.
"وقد بنت سالومي بنت الخوري باسيل البشرّاوي، كنيسة مار دانيال في (حدشيت) حدث الجبّة على إسم البطريرك دانيال". [3]
وورد في المخطوط: "... دانيال من قرية حدشيت وصورته مرقومة في كنيسة قريته. وفي سنة 1283، ثارت نيران الحروب في بلدة فونيقي ما بين النصارى والمسلمين، وهجم سيف الدين قلاوون على جبّة بشرّي فملكها. ثم أعقبه لوقا من بنهران". [4] ورد التباس في المخطوط، ما بين دانيال من شامات ودانيال من حدشيت [5].
دفن في دير ميفوق سنة 1282.

[1] - الدويهي، تاريخ الأزمنة، ص: 338.
[2] - تاريخ الأزمنة، ص: 338.
[3] - تاريخ الأزمنة، ص: 104.
[4] - مخطوط العينطوريني، ص: 120
[5] - مخطوط العينطوريني، ص: 64

2012/03/20

تعزية بالبابا شنوده الأب جورج صغبيني راهب لبناني ماروني



من طول الأيام أشبعه ، وأريه خلاصي। مزمور 61/16



بحزن البشر العميق كما بفرح الملائكة
وبقلب مؤمن
تلقيت خبر نبأ وفاة البابا شنوده الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الذي التقيته في قبرص في يوم لقاء رؤساء الكنائس المشرقية من أجل وحدة الكنيسة
وبقي منذ ذلك الحين صوته الهامس في أعماق نفسي في دعوته إلى التجمّع حول المسيح الواحد الذي قسّمته الجدلية المسيحية بدلا من عيش تعاليمه...
لقاء واحد وبركة من لمس يده المباركة
لا زال يرافقني منذ التسعينيات، ولن يتوقّف هذا الشعور بانتقاله إلى حضن أبوّة الله الآب، بعد أن خدم المسيح في كنيسته شعب الله بهديٍ من الروح الذي ملأ قلبه فتجسّد ذلك في حياته اليومية بين شعبه الذي التفّ من حوله في حياته وأفتقد حضوره بعد انتقاله إلى وطنه الحقيقي.
لقد رحل البابا الإنساني داعية السلام في بلاد الحروب والإنقلابات
رحل بابا الرأي القومي والوطني في بلاد الإستسلام والعمالة
رحل البابا المنفي بسبب مواقفه الصادقة متحررا من سجن جسده الترابي
رحل البابا القديس
ولم ينطفئ مشعل ضميره الداعي إلى الصلاة في زمن الإضطهاد
والداعي لتتميم مشيئة الله في زمن المحنة والتجرية
والداعي للوطنية في زمن الإستسلام للأعداء والمستعمرين
والداعي للصلاة في كنيسة القيامة وكنيسة المهد والجامع الأقصى بعد تحرير فلسطين والقدس
بموت البابا شنوده المسيحي القبطي المصري لم يخسره المسيحيون والأقباط والمصريون فقط، بل وخسره المسلمون والعرب أيضا...
إنه ليضيق بي الوقت إن أخبرت عن سيرة حياته ومواقفه
ولكني في هذا اليوم يوم دفنته المباركة
أصليّ له بأن إبقى معنا في رسالتنا في هذا الشرق وفي مسيرتنا في هذا العالم
وعسى أن يخلفه من يحمل عصا الرعاية ليكمل المسيرة فيكون هذا عزاءًا لنا ولإخوتنا في الكنيسة القبطية ولإخوتنا أبناء"مصر البابا شنوده"
راجين من الله أبو كل تعزية أن يثلج قلوب محبّيه بالصبر والسلوان وأن يقدّم للكنيسة أمثاله من القديسين.
الأب جورج صغبيني
راهب لبناني ماروني


20 آذار 2012

-مَشْحَةِ-المَرْضَى-الأب-جورج-صغبيني-راهب-لبناني-ماروني

الأب جورج صغبيني





سِرُّ مَشْحَةِ المَرْضَى





محاضرة
في بيت مار شربل ـ بقاعكفرا
الأحد 2 تموز २०००




تمهيد
هذا السر الذي هو سر الشفاء، لا سر الموت، وهو أصعب الأسرار التي يختبرها الإنسان. إذ يقف أمام ضميره فيستعيد أحداث حياته كلّها ليحاسب ذاته، قبل يوم الحساب، تائبا نادما على جميع خطاياه.
هو السر السابع والأخير من أسرار الكنيسة وقليلون هم الذين عاشوا هذا السر واختبروه فوصلوا إلى عتبة الموت وعادوا، ويعتبر البعض عن خطأ في التفكير والإيمان ممّن لا رجاء لهم، "إنو الخوري إجا فراحت على الزلمي".








رموز المشح
مصدر مادة هذا ا لسرّ هي شجرة الزيتون علامة بركة الله للإنسان وغصنها الذي حملته حمامة نوح يرمز إلى عهد السلام بين الله والإنسان بعد الطوفان (تك 8/11).
فالله يشبع شعبه من غلال هذه الشجرة (تثنية 11/14).
والزيت غذاء أفاضه النبي إيليا في خوابي أرملة صارفة صيدا (1ملوك17/14 و2ملوك 4/1-7).
وهو عطر يطيّب به الجسم (عاموس 6/6 وأستير 2/12) ويقوّي الأعضاء (حزقيال 16/9) ويخفّف القروح (أشعيا 1/6 ولوقا 10/34).
وهو يُستعمل للإضاءة (خروج 27/20 ومتى 25/3-8).
والزيت بالعموم عند الشعب اليهودي له مفهومان:
1- مفهوم الفرح إذ يعطي الزيت للجسد صحّة وجمالا (مز 109/18) وخاصّة الزيت المطيَّب والمعطَّر (أمثال 27/9) وكان يستخدم خاصة في الأعياد (عاموس 6/6). فقد أوصى المسيح الصائمين بغسل وجوههم والدهن بزيت الطيوب لئلا يظهروا للناس صيامهم(متى6/17).
2- أمّا مفهوم الحزن الذي طغى على سرّ مشحة المرضى فكان يُعتبر عدم المسح بالزيت نكبة (تثنية الإشتراع 28/40 وميخا 6/15) كما وكانت الدلالة على الصوم عدم المسح بالزيت والطيوب(دانيال10/3 و2صموئيل12/20)
وكان سكب الزيت على الضيوف علامة تكريم وقد ورد في إنجيل لوقا 7/38-46 أن المرأة الخاطئة في بيت سمعان دهنت قدمي يسوع بالطيب فقال يسوع لسمعان: أنا دخلت بيتك فما سكبت على قدمي ماء وأما هذه فغسلتهما بدموعها أنت ما دهنت رأسي بزيت أمّا هي فبالطيب دهنت قدميّ(لوقا 7/38-46).
كما وان مريم أخت لعازر دهنت قدمي يسوع بالطيب مما كان سبباً في تعليق يهوذا على إعطاء ثمن هذا الطيب للفقراء فكان جواب المسيح: الفقراء عندكم في كل حين... وإذا كانت سكبت الطيب على جسدي فلتهيّئه للدفن (متى 26/6-13 ) واتركوها، هذا الطيب حفظته ليوم دفني (يو 12/1-8).
وجاء نيقوديموس وكان معه خليط من المرّ والعود فحمل جسد يسوع وسكب عليه الطيب ولفّه في كفن على عادة اليهود في دفن موتاهم.(يو 19/39-40)
ويقول مرقس (16/1): لما مضى السبت اشترت مريم المجدلية بعض الطيب ليذهبن ويسكبنه على جسد يسوع.


المشح بمعنى التكريس
كان الملوك يُمشحون بالزيت عند اختيارهم لتسلّم قيادة الشعب وتكرّسهم لهذه المهمّة أي التزامهم مدى الحياة بما ائتُمنوا عليه كما مسح النبي صموئيل شاوول أول ملك على إسرائيل(1صموئيل 10/1) ومن بعده داوود (1صمو 16/13) وقد دعي كورش الملك البابلي الوثني بمسيح الرب(إشعيا 45/1)لأنه سمح بعودة الشعب اليهودي من سبي بابل إلى أرض إسرائيل.
وعلى المستوى الكهنوتي فموسى مسح أخاه هارون (خروج 29/7 ولاويين8/12) وكذلك أبناء هارون (خروج28/41 و40/15 )
وقد أمر الله إيليا النبي بأن يمسح من بعده أليشاع النبي (1ملوك19/16) والمسح يعني الإختيار كما ورد في أشعيا 61/1: إن روح الرب عليّ لأنه مسحني وأرسلني لأبشر المساكين. وهذا التعبير يردّده المسيح في بداية بشارته كما جاء في لوقا (4/18-21).
فكذلك المسيحي الذي يمسح بزيت العماد وزيت الميرون الذي يكرّس هذا المسيحي لله وكذلك زيت المشحة يحميه وينجيه من سلطة الشرّ وسلطة الموت عليه. فهي إشتراك بمسحة المسيح.
وإن رشاش الدمّ على عتبات بيوت اليهود في مصر، قبل الخروج إلى أرض المعاد، جنّبتهم ضرب ملاك الموت لأبكارهم الذي عبر عن البيوت التي على عتباتها رش الدماء هذه، وضرب أبكار المصريين.
ويعقوب بعد رؤياه أقام نصبا وصبّ عليه زيتا (تكوين 28/18).
فالمشيحا هو الممسوح، وكلّ ممسوح هو مكرّس لله، وبهذا المعنى اعتبر اليهود ذواتهم أنهم شعب الله المختار.
والأسرار في الكنيسة التي يستعمل فيها الزيت هي المعمودية والتثبيت الكهنوت ومشحة المرضى (إلا التوبة والقربان والزواج).
والذي ينال مشحة المرضى يصبح مكرّسا لمكوت الله كما المعمَّد: أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم أو كما الكاهن: أنت كاهن إلى الأبد.
والمسيح الذي مسح عيني الأعمى بطين وقال له: إمضِ واغتسل في بركة سلوام. فمضى واغتسل فشفيَ وأبصر فإنه ترك لنا المرضى والمنازعين حتى نحن بدورنا نهتمّ ونعتني بهم ونخفّف من آلامهم.

رتبة مشحة المرضى
أول ذكر في المسيحيّة لهذا السر نجده عند مار يعقوب في رسالته 5/13-15.
فالزيت بالعموم قد استعمله الناس لتخفيف آلام المرضى والمصابين بجروح كما ورد في مثل السامري الذي سكب زيتا وخمرا على الذي وقع بين أيدي اللصوص (لو 10/34).
وقد جاء في كتاب الرتب الطقسية تحت عنوان رتبة القنديل التي تتضمّن سبع قومات أو صلوات. وفي كل رتبة يشعل فتيل زيت اختصرتها الكنيسة إلى رتبة واحدة لا بل اختصرتها إلى صلوات على المريض. وجميع هذه الصلوات هي صلوات شفاء وصلوات توبة وليس فيها ذكر للموت إلا في القسم الأخير الذي يتضمّن صلوات على الميت بعد خروج النفس من الجسد. فسرّ مشحة المرضى هو سرّ توبة لشفاء النفس من الآثام والخطايا كما ولشفاء الجسد من الأمراض والعاهات. حتى يستعيد الإنسان برارته وجماله الأول الذي فقده بسبب الخطيئة، ليتهيأ للعودة إلى بيت أبيه السماوي بحلّة العرس التي تؤهله للجلوس مع المدعوين في ملكوت الله.
فجميع الذين شفاهم المسيح غفر لهم خطاياهم قبل فعل الشفاء هذا. فقبل أن يشفي مخلّع كفرناحوم غفر له خطاياه (متى9/1-7).
وحين أرسل المسيح تلاميذه الإثني عشر أعطاهم السلطان قائلا: ...اشفوا المرضى اقيموا الموتى طهروا البرص أَخرجوا الشياطين. (متى 10/1-8) ويقول مرقس: فمضوا وكرزوا بالتوبة وأخرجوا شياطين كثيرة ومسحوا بالزيت مرضى كثيرين وشفوهم.(مر 6/13).
ويخبرنا كتاب أعمال الرسل أن الناس كانوا يخرجون المرضى إلى الشوارع ويضعونهم على أسرّة ليقع ولو ظلّ بطرس عند اجتيازه على بعضهم... كانوا جميعهم يشفون.(أع5/15-16)

ألألم والشفاءات
والسؤال المطروح لماذا يتعذّب البشر ويمرضون ويموتون؟
فالإنسان لا يريد المرض ولا يشتهي الألم والله كذلك لا يريد أن يتألم الناس.
فمن أجل خلاصنا تجسّد المسيح ليحمل آلام الناس في جسده ويحمل خطايا العالم كصليبه ويموت فداء عن البشر (مغفورة لك خطاياك قم احمل سريرك وامشِ، يا ابنتي إيمانك أبرأك) شفى المسيح الأمراض على أنواعها وعلّمنا بالرجل الذي ولد أعمى أنه لا هو ولا والداه أخطأوا بل لتظهر أعمال الله فيه (يو 9/1-7).
فالمسيح يشفي المرضى ويطرد الشياطين (مر 13/17) و(لو 14/6) و(متى 4/23).
والآيات تتبع الرسل: باسمي تشفون المرضى وتطردون الشاطين وإن تؤمنوا تصنعون آيات أعظم من هذه. فالنازفة صرفت كلّ مالها على الأطباء ولم تستفد شيئا ولكن التجاءها إلى المسيح بإيمان وبلمسها طرف ثوبه نالت الشفاء (متى 9/20).
فالإلتجاء إلى العرّافين والسحرة سببه عدم الإيمان وقلّة الثقة بالله.
لن يتمكّن الإنسان من إزالة المرض والقضاء على الأوجاع ولكنّه بمحبته لأخيه الإنسان يستطيع أن يخفّف هذه الآلام بزيارته لمريض أو بمؤاساته له في وجعه.
كما وYن الإنسان لن يستطيع إيقاف الموت الذي يحصد الناس في ساعة لا يعلمونها كبارا وصغارا شبانا وأطفالا في المساء أو في الصباح أو عند صياح الديك.
لقد صلّى المسيح ليلة نزاعه: يا أبتي أجز عني هذه الكأس لكن لا كمشيئتي بل كمشيئتك.
فالموت مع المسيح أصبح لا آخر محطّة في الحياة بل مرحلة عبور من هذه الحياة إلى حياة الأبد.
فساعة الموت هي أرهب لحظة يعيشها الإنسان
لا شيء يمكن أن يفتديه
لا أملاك
ولا مال
ولا أبناء
كل إنسان يموت لأن حتمية الولادة هي الموت
من لا يولد لا يموت
وكل مولود مائت
والذين يخافون الموت هم الذين لم يعرفوا كيف يعيشوا
فالذي يعرف كيف يحيا يعرف كيف يموت.
في وقت النزاع يكون الإنسان فريسة الأوجاع والآلام
فإمّا يحتملها ويموت كالقديسين وكلصّ اليمين
وإمّا تكون سبب تجديف وكفر كما لصّ الشمال.
بعض الناس يرفضون قبول هذا السر لأن الشيطان يكون قد استحوذ عليهم.
وكثيرون عند ساعة الموت يطلبون أقرباءهم لوداعهم وأيضا الكاهن ليمشحهم تائبين مزودين بسر القربان الذي هو زاد السفر الأخير مردّدين كلص اليمين: اذكرني يا رب في ملكوتك.
إن مشحة المرضى كما قلنا ليست بالضرورة للموت بل هي مشحة الشفاء للنفس والجسد كما يقول القديس يعقوب:
هل فيكم مريض
فليدعُ كهنة الكنيسة ليصلّوا عليه ويمسحوه بالزيت
فإن صلاة الإيمان تخلّص المريض
والرب ينهضه
وإن كان ارتكب خطايا تُغفر له.(يع 5/14)
فالمشحة تهيء المريض المدنف والمشرف على الموت ليقدّم الآمه للمسيح ويترجى الله ويترجى قيامة الموت والحياة في الدهر الآتي كما نردد في ختام النؤمن.
وكان الختيارية والعجائز يصلون في عافيتم وقبل اقتراب أجلهم: يا رب اعطيني آخرةصالحة تاموت موتي هنيي وقربانة طريي لا حريق ولا غريق ولا تشرحط عالطريق
فحضور الكاهن مع العائلة حول سرير المريض هو كيوم حضورهم حوله في يوم عماده وتثبيته وقربانته الأولى وزواجه لأن مسحة المرضى هي سرّ كسائر أسرار الكنيسة.
يمنح الكاهن سرّ المشحة للمريض بدهن حواسّه بزيت المشحة راسماً شكل صليب كما يوم العماد على وجهه وجميع حواسه ملتمسا للمريض الشفاء من كل مرض في النفس والجسد.
إن كان سرّ المعمودية هو باب الدخول إلى كنيسة المسيح جماعة المؤمنين فإن سر المشحة هو باب الدخول إلى الملكوت السماوي جماعة القديسين.
اما تطييب جسد الميت فهو عادة قديمة من أجل أن لا يستنشق الناس رائحة الموت
وكذلك التحنيط الذي اشتهر به المصريون إيمانا منهم بخلود الإنسان.
فنيقوديموس طيب جسد المسيح قبل دفنه (يو19/39) وكذلك المريمات حملن حنوطا في غلس يوم السبت.
فمسح المريض المدنف بالزيت قبل موته هو أيضا لخلود نفسه بعد الموت حتى لا يرى قدوسك فسادا.
فالمشحة مع القربان المقدس هي الزوادة الأخيرة للمسافر من هذه الحياة إلى حياة الأبد ولا نزال نرتّل حتى اليوم: قد اتخذتك يا ابن الله زادا لي في السفر لأن العادة المسيحية القديمة كانوا يضعون القربا ن المقدّس في فم الميت وقد حرّم مجمع قرطاجة سنة 397 هذه العادة ومنعها.
فالجسد الفاسد يلبس بالمسيح عدم الفساد والمائت يلبس عدم الموت كما يشرح لنا ذلك بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنتس 15/53 . فالذين رقدوا لا نحزن عليهم كمن لا رجاء لهم. فإن كنّا نؤمن أن المسيح مات ثمّ قام فسيحضرهم الله معه (1تسالونيكي 4/13-14).
وإن قصةسراج الزيت في مثل العذارى الحكيمات إنما هو رمز للذين يحافظون على المسيح النور مضاء فيهم ليستقبلهم يوم عرس الدينونة ويدخلهم إلى فرح الملكوت السماوي بدلا من أن يغلق الباب في وجههم.
وقد أنشأت الكنيسة اخوية الميتة الصالحة وشفيعها مار يوسف المائت بين يدي يسوع ومريم لتجعل من المنتمين إلى هذه الأخوية خاصة أن يتهيأوا كل يوم لمثل هذه الساعة.
ألا نصلّي في فعل الندامة: أن أموت قبل أن أغيظك فيما بعد؟
ألا نطلب بذلك الموت، فكبف إذن نرفضه في لحظة اقترابه منّا. مَثلـُنا مثل ذاك الحطّاب المتذمّر من الحياة وشقائها مناديا الموت لكي يأتي ويأخذه فيستريح من هذه الحياة. وعندما حضر الموت وسأله هل ناداه؟ أجابه الحطّاب: نعم ناديتك لتساعدني على حَمْلِ رزمة الحطب هذه على ظهري.

صلاة الوداع
المسيح صلّى ليلة آلامه ونزاعه في بستان الزيتون: يا أبتاه أجز عني هذه الكأس لكن لتكن مشيئتك لا مشيئتي (لو 22/40) وعلى الصليب قال لقد تمّ وأسلم الروح (لو 23/46).
ورد في كتاب قوانين المجمع اللبناني في باب الأسرار الفصل الرابع تحت عنوان "في المسحة الأخيرة"، قانون 209 و210 : قد رسم ربنا يسوع المسيح مسحة المرضى المقدسة سرا حقيقيا كما اشار إليها القديس مرقس حيث يقول:" ومسحوا بالزيت مرضى كثيرين فشفوهم"(6/13) وقد أبرزها القديس يعقوب الرسول أخو الرب للمؤمنين وأوصاهم بها حيث قال:" هل فيكم مريض فليدع كهنة الكنيسةوليصلوا عليه ويمسحوه بالويت باسم الرب..."(5/14) ومن هنا تعلّم الكنيسة مادة هذا السر كما تعلّمت بالتقليد المسلّم إليها يدا بيد... وينبغي التمسّك بما حدّده الـمجمع التريدنتيني المقدس(1545-1563) في القوانين التالية:
من قال أن مسحة الأخيرة ليست سرا حقيقيّا قد رسمه ربنا يسوع المسيح وأبرزه القديس يعقوب الرسول وإنما هي طقس سلمه إلينا الآباء أو هي اختراع بشري فليكن محروما.
ومن قال أن مسحة المرضى المقدسة لا تفيد نعمة ولا تغفر الخطايا ولا تنعش المرضى بل إنها قد بطلت كأنها لم تكن من قبل سوى موهبة الشفاء فليكن محروما.
مادة هذا السر كما جاء في قانون 211:
هي الزيت المأخوذ من عصارة ثمر الزيتون يباركه الأسقف مع سائر الزيوت المقدسة يوم خميس الأسرار من كل سنة.
صورة هذا السر كما جاء في قانون 217:
هي كلمات يتلوها الكاهن: أيها الآب القدوس طبيب الأنفس والأجساد السماوي يا من أرسلت ابنك ربنا يسوع المسيحليشفي كل مرض ويولي النجاة من الموت إشفِعبدك هذا من كل مرض في النفس والجسدبنعمة مسيحك الذي ينبغي لك التمجيد معه ومع الروح القدس الآن وعلى الدوام وإلى الأبد.
ويجب مسح الحواس الخمسة من الجسد. قانون 218.
ولا يكرّر هذا السرّ في مرض واحد إلا إذا تماثل المريض للشفاء ثمّ عاوده خطر الموت. قانون 229 ت.
أمّا إذا حدث موت أحد خلوا من المشحة الأخيرة بذنب الكاهن عوقب كاهن الرعية بمنتهى الشدة من قبل رئيسه. قانون 230 ب.
إن الكنيسة إذ تولي هذا السر أهمية كبيرة تلزم الكاهن بالعناية بالمرضى وعيادتهم مخافة خسران أحد المؤمنين الإمدادات الروحية ومفارقته هذه الحياة خلوا من أسرار الإعتراف والمناولة والمسحة الأخيرة. قانون 231 أ.
ومتى عَلِمَ الكاهن بمرض أحد المؤمنين الموكلين إلى عنايته فلا ينتظر أن يدعى إلى زيارته بل فليمضِ إليه من تلقاء ذاته لا مرة واحدة بل مرارا متعددة بحسب الإقتضاء... قانون 231 ب.
ويشدد المجمع اللبناني على كاهن الرعية بأن لا يولي حق الدفنة الكنسية:
1 - الكفار والمارقون من الدين المسيحي والمشاقون.
2 - المحرومون حرما كبيرا ومشهورا والممنوعون بأسمائهم...
3 - المنتحرون عن يأس أو عن غضب... إلا المعتوه والمختل.
4 - المتجندلون في ساحة المبارزة وإن أظهروا قبل وفاتهم إمارات التوبة.
7 - الأطفال المائتون بدون معمودية إلا بحسب ما يرتئيه الأسقف.

وفي الختام نعود لنشدّد على أن سر مشحة المرضي إنما هو تهيئةالإنسان لقبول حالة الموت قبل حصوله بالتوبة ومناولة القربان والمشحة كما لو كان يتهيأ وهو صغيرا لقربانته الأولى أو يتهيأ كما الحال اليوم لسرّ الزواج.
فالمسيح لا يريد هلاك الإنسان بل خلاصه، فمن أجله تجسد ومات وقام منتصرا على الموت. حتى كما نشاركه آلامه وموته يشاركنا هو مجده في السماء التي لم يستطع بولس الرسول أن يصفها فقال: لم ترها عين ولم تسمع بها أذن ولم تخطر على قلب بشر.
فعسانا أن نتهيأ لهذا اليوم ونحن في عافيتنا ووعينا أفضل مما ونحن على فراش المرض وفي غيبوبة الألم فتكون آخرتنا آخرة صالحة كما حياتنا التي عشناها مع المسيح وله.
والذي كان لنا طعاما غير فانٍ لن يجعلنا طعاما للنار التي لا تطفأ في مجيئه الثاني. وعلى مثال مار شربل الذي اختمر طيلة حياته بعجنة قربانه، فمات والقربان بين يديه فحفظ المسيح جسدَه من الفساد. ونحن معه على موعد، "بكرا منلتقى بالسما...".

2012/03/13

تكريم عبيد الله شهداء دير مار جرجس عشاش، الأب جورج صغبيني

شهداء دير مار جرجس عشاش

رسالة من الأب جورج صغبيني رئيس الدير إلى رئيس الرهبانية ومجلس المدبرين من أجل تقديم دعوى تكريم عبيد الله شهداء دير مار جرجس عشاش.

قدس الأب العام أتناثيوس الجلخ رئيس عام الرهبانية اللبنانية السامي الإحترام

ومجلس المدبرين الموقّر

إن دير مار جرجس عشاش الذي تأسس سنة 1847 لتكون الرهبانية من خلاله حاضرة في هذه المنطقة لخدمة شعبها وشهادة منها للقيم الروحية والإجتماعية والثقافية والوطنية قد أصابه كسِواه من أديار الرهبانية إبان أحداث لبنان المؤلمة والذي كان أوّل دير قد أصيب من جراء الحرب التي اجتاحت وطننا الحبيب فسقط فيه ثلاثة رهبان شهداء فضلاً عن الدّمار الذي حلّ بالدير والمدرسة والأرزاق.

وإننا بفضل بركتكم نعيد بناء ما تهدّم من بناء الدير والمدرسة وزرع وغرس ما بار من الجنائن والكروم. ولكننا لا نستطيع التعويض على الرهبانية بما فقدت من رهبان قضوا في سبيل إيمانهم وقناعتهم بقيم الرسالة التي يحملون خاصة في العيش المشترك في هذا الوطن.

وإن دير مار جرجس عشاش الذي أعدنا بناء كنيسته في عهد قدسكم والتي كانت منذ عام 1975 مهدّمة إنما كان هذا البناء بما لنا من قدرات مالية محدودة تخطّيناها بفضل توجيهات قدسكم وتشجيع إخوتنا الرهبان وخاصة بشفاعة شهداء هذا الدّير المبارك لنعيد للرهبانية دورها ورسالتها في هذه المنطقة خاصة على الصعيد الروحي والثقافي وإرساء توجيهات الإرشاد الرّسولي في مجتمعنا المحلّي وعلى صعيد الحضور المسيحي في مجتمع متعدّد المشارب والمذاهب والتيارات الفكرية. كما عاش هذا الإيمان آباؤنا الشهداء الثلاثة الذين سفكوا دمهم إيماناً منهم بهذه القيم.

وإننا بما سمعنا عن حياة هؤلاء الرهبان الشهداء الثلاثة، وخاصة الأب أنطونيوس تمينة، من أبناء بلدة عشاش ومن الرهبان والمؤمنين في الأديار التي مرّ بها وخاصة في منطقة بعلبك البقاعية والتي لا يزال ذكره فيها عابقا بفضائله لإنفتاحه على جميع أبناء هذا الوطن وكونه كان مدعاة سلام ورجل صلاة. فإننا نرجو من قدسكم أن تتقدّموا من السلطات الكنسية المعنيّة في لبنان وفي روما بتقديم طلب لفتح تحقيق عن سيرة هؤلاء الرهبان الشهداء للبدء بإكرام هؤلاء الشهداء الذين سفكوا دماءهم الزكيّة من أجل إيمانهم بالمسيح إلهنا وبكنيسته المقدّسة وتعاليمها.

مكرّرين طلب بركة قدسكم الأبوية وعلى أن يبدأ التحقيق في سيرتهم في عهد قدسكم من أجل مجد اسم الله ومن أجل قداستهم وفخر الرهبانية بأبنائها بما تعطيه من قدّيسين أمثال مار شربل والقدّيسة رفقا والقديس الحرديني.

رزقنا الله شفاعة قدّيسي الرهبانية وشفاعة شهدائها الرهبان الذين سفكوا دماءهم منذ تأسيسها وفي أحداث عام 1860 حتى أيامنا هذه.

عشاش في 6 شباط 2003

الأب جورج صغبيني

رئيس دير مار جرجس عشاش

مرفق طيّه سيرة شهداء دير مار جرجس عشاش

لمحة موجزة عن دير مار جرجس – عشاش‏ [1]

‏في سنة 1805، أوقفت السيدة ماريا سوسان، أرملة السيد ‏جرمين الفرنسي، الحلبية الأصل والفرنسية التبعة، نصف أملاكها في قرية ‏عشاش للرهبانية، باسم فقراء دير مار انطونيوس قزحيا، وذلك بموجب ‏صك شرعي، وبموافقة مطران الأبرشية جرمانوس تابت. فشرع الرهبان ‏بتحسين الأراضي وغرسها. وبعد وفاتها حصلت مشاكل ودعاوى كثيرة ‏على هذه الوقفية، استمرت حوالي ربع قرن، إلى أن ثبت في النهاية ان هذه ‏الملكية هي لدير مار انطونيوس التابع للرهبانية المارونية.‏

‏وفي المجمع العام المنعقد في دير سيدة طاميش في 10 تشرين ‏الثاني سنة 1847، تقرر إنشاء دير على اسم القديس جرجس في منطقة ‏عشاش، كما تقرر تخصيص الأملاك الموقوفة لدير قزحيا والمار ذكرها ‏لإنشاء هذا الدير الجديد على إسم القديس جاورجيوس. ‏

‏فشرعت الرهبانية حالا بتنفيذ هذا القرار، وبدأت بأساسات ‏الدير، إلى أن تم بناؤه بشكله الحالي سنة 1924، وقد بلغت نفقات البناء ‏وشراء الأملاك والتجهيزات اللازمة نحو مئتي ألف غرش فضة وذهب ‏عملة تركية. ‏

‏وتمّ تشييد الكنيسة خارج الدير سنة 1940. وبعد الحرب ‏العالمية الثانية (1939 - 1945) حوّلت الرهبانية هذا الدير الى مدرسة، ‏وأدخلت عليه الإصلاحات اللازمة ليقوم برسالته التربوية والثقافية في ‏محيطه.‏

‏من الحوادث التاريخية المؤلمة التي جرت فيه، قتل الأخ عبدالله ‏الفراديسي عن عمر ثلاثين سنة في 28 حزيران 1906. ‏

وهجوم بعض الأهالي على الدير سنة 1918 لخلاف مع شركاء الدير، ‏ونهبه وتشريد رهبانه، وقتل الأخ الياس الصغابي بتاريخ 29 حزيران ‏‏1918. ‏

وفي سنة 1926، وأثناء ثورة منطقة الضنيّة على الدولة الفرنسية، ‏جعلت هذه الدولة من الدير مستودعا للذخيرة والمؤن، وأقامت فيه حامية ‏لضباطها وجيوشها حتى استتب الأمن في المنطقة.‏

وعام 1975 كانت الأحداث الأليمة على الدير الذي سقط فيه ثلاث ‏شهداء من الرهبان في 9 أيلول.‏ وهدمت الكنيسة وقسم من الدير والمدرسة وسلبت محتوياتهم.

شهداء دير مار جرجس ـ عشاش

بتاريخ 9 أيلول عام 1975 استشهد في دير مار جرجس عشاش الأب بطرس ساسين عن عمر 93 سنة وهو عاجز في فراشه وضرير .والأب أنطونيوس تمينه عن عمر 78 سنة. والأخ يوحنا مقصود عن عمر 60 سنة.

الشهيد الأب بطرس ساسين

ولد سنة 1881 في قريته سرعل في شمال لبنان. فكان منذ نعومة أظافره يتنشق من الوادي المقدس رائحة التقوى والفضيلة. يشده حنين إلى دير مار انطونيوس قزحيا عند سماعه الأجراس التي كان يردد صداها الوادي المقدس.

لما بلغ سنّ الخامسة عشرة دخل الرهبانية. فأرسله رؤساؤه إلى دير سيدة ميفوق ليمتحن هناك مدة سنتي الابتداء، وما عتم أن نذر نذوره الأولى في الدير المذكور بتاريخ السابع عشر من شهر كانون الثاني عام 1898 وكان له من العمر سبعة عشر سنة. ثم أرسله رؤساؤه لمتابعة دروسه الثانوية لما رأوا فيه من الكفاية والجدارة لكثرة ذكائه وأذنوا له بمتابعة دروسه اللاهوتية.

حاز على إعجاب أساتذته ومعلميه فسيم كاهنا بتاريخ الحادي والعشرين من شهر أيار 1904.

عين رئيسا على دير مار جرجس عشاش سنة 1910-1913. وبرئاسته هذه جرّ المياه إلى الدير.

أعيد تعيينه رئيسا على الدير المذكور من 1938 إلى 1939 وفي هذه الأثناء باشر ببناء كنيسة الدير.

ثم عين رئيسا على دير مار انطونيوس الجديدة من 1965 إلى 1968 ولكثرة تقواه وفضيلته عين بعد ذلك مرشدا لراهبات دير مار سمعان القرن.

عاوده الحنين إلى دير مار جرجس عشاش فعاد إليه كراهب ديري سنة 1974 لقضاء ما تبقى له من العمر فيه.



توفي شهيداً بتاريخ 9 أيلول 1975 عن عمر 95 سنة





الشهيد الأخ يوحنا مقصود

ولد الأخ يوحنا مقصود في بلدة طورزا شمالي لبنان في السابع عشر من كانون الثاني سنة 1914 ودعي أنطونيوس.

تعمّد في كنيسة مار سركيس وباخوس في التاسع من شباط سنة 1914 يوم عيد القديس مارون وكأن العناية الإلهية أرادت بان يولد يوم عيد أب الرهبان ويتعمد يوم عيد شفيع أب الطائفة المارونية.

ترعرع في ظل والديه شليطا مخايل منصور مقصود وحنه بنت عماش سليمان على اقتباس الفضائل المسيحية واخذ عنهما الصفات الحسنة والمزايا الطيبة والإيمان القوي بالله وبلبنان.

ترك الأهل والبيت الوالديّ وذهب إلى دير مار انطونيوس قزحيا حيث ابتدأ بالحياة الرهبانية. وكانت سنة امتحان لدعوته الرهبانية خرج منها منتصرا على العالم والشيطان والتجارب فأرسله رؤساؤه إلى دير كفيفان حيث ابتدأ سنة ثانية حسب القوانين الرهبانية وبدّل اسمه بناء على رغبته وإرادة رؤسائه من انطونيوس إلى يوحنا.

وبعدئذ رجع الى دير مار انطونيوس قزحيا حيث عاش مدة طويلة ومتنقلا ما بين قزحيا والجديدة وبصرما وميفوق ومار موسى الدوار... وأخيرا أقام في دير مار جرجس عشاش وكأن بالعناية الإلهية قد أعدته منذ مولده ليكون شهيدا في دير مار جرجس عشاش حيث توج حياته الرهبانية بإكليل الشهادة على مثال شفيعه القديس يوحنا المعمدان وقدم رأسه على طبق الواجب لله وللبنان هو واخوته الرهبان القديسون الذين ذبحوا كالنعاج.



توفي شهيداً بتاريخ 9 أيلول 1975 في عمر62 سنة.





الشهيد الأب أنطونيوس تمينه

ولد في قرية حوقا في أول كانون الأول سنة 1897 من والدين فاضلين هما حبيب تمينة يمّين الشبابي الأصل وكلثوم بولس الحصاراتي.

دخل دير مار أنطونيوس الجديدة حيث انخرط في سلك المبتدئين في 25 أيار سنة 1919 ولبس الإسكيم الملائكي في دير كفيفان في 17 كانون الثاني سنة 1922 وتلقّن علومه في دير سيدة المعونات جبيل فتضلّع باللغات العربية والسريانية والفرنسية وأتقن علم الفلسفة واللاهوت.

سيم كاهنا بوضع يد المطران بطرس الفغالي في 24 أيار 1929 وعيّن في دير قزحيا معلما للمبتدئين.

سنة 1931 انتدبته السلطة لإدارة تلامذة الرهبانية في بيروت وكانت ترسله لعمل الرياضات الروحية في القرى فيعظ بمسلكه قبل كلامه.

عيّن رئيسا على دير قزحيا سنة 1938 ولغاية 1944.

هو الرئيس الخامس والثلاثون على ديرعشاش 1947-1950.

وفي السابع من شهر أيار سنة 1947 أوكلت إليه السلطة الرهبانية إدارة دير عشاش والعناية بأمر مدرسته. فبنى جناحين في المدرسة: الجناح الأول لمنامة التلاميذ يسع نحو خمسين سريرا. والجناح الثاني يشتمل على محل درس فسيح الأرجاء. ومدّ ساحات الدير الداخلية والخارجية بالإسفلت. ثم أنشأ معصرة حديثة للزيت .

وفي أواخر شهر تموز 1950 استقال من رئاسة الدير ليهتمّ بناشئة الرهبانية في إكليريكية ومعهد الروح القدس في الكسليك.

ومن مفاخر هذا الرئيس سلوكه الحسن مع جمهوره وعموم جواره الذين أحبوه ومدحوا سيرة حياته وتقواه وطهارة ذيله وتجرده ووداعته ودماثة أخلاقه।


توفي شهيداً بتاريخ 9 أيلول 1975 عن عمر 79 سنة.

رزقنا الله شفاعتهم।



غرفة الشهيد الأب أنطونيوس تمينه

كنيسة دير مار جرجس

كنيسة دير مار جرجس عشاش سنة 1946

أنقاض الكنيسة سنة 1975

بناء الكنيسة سنة 2004

دشّن هذه الكنيسة المباركة سيادة المطران فؤاد الحاج رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية، في أيام رئاسة الأباتي أتناثيوس الجلخ العامة على الرهبانية، ومدبرية المحترم الأب انطوان مقبل العامة على منطقة الشمال، ورئاسة الأب جورج صغبيني على دير مار جرجس- عشاش، وذلك بهمّة المحترم الأب الياس كرم وكيل الرهبانية العام.







[1] - بناء كنيسة دير مار جرجس-عشاش، الأب جورج صغبيني، مطبعة القارح- زغرتا،2004.

الشاعرة الأديبة إيفيت حلو متري، الأب جورج صغبيني


الشاعرة الأديبة إيفيت حلو


إن الرعيل المثقّف يرحل حاملا معه نظافة الكلام وعذرية الشعر تاركا لنا شعراء الكلام المركّب وقلـّة أدب فحاشة التعبير.

بعد رحيل الشاعرة الأديبة إيفيت، مع بسمتها الدائمة في أحلك أيام الألم.

نفتد لطلتها البهيّة وهدوئها النسكي.

هي امرأة غير النساء في أدبها وتأدّبها، ذات خلقية رصينة بعيدة عن إسفاف الشارع الإعلامي والإعلاني. وقد عاشت في مجتمعها دون أن تتلطّخ بأوساخه.

عرفتها من خلال الصديق روبير صوما في جمعية كشافة الأرز.

للوهلة تراها متأنقة الكلام واللباس راقية الشعر والهندام، كإحدى أديبات رعيل مي زيادة وناديا التويني...

كتبت إيفيت للذين يقرأون ويفهمون،

للذين يتأملون اكثر من الذين يتكلمون،

للذين يحبون بعيدا عن ضوضاء الملاهي والنوادي التي لا يسمع فيها الذين يؤمونها إلا الضجيج المصمّ الآذان والآخذ بالعقل والإرادة إلى خارج أسوار الحكمة والقيم.

إيفيت التي قدّم، الرئيس شارل حلو، كتابها " حياة ليس أفضل ولا أسوأ"، عام 2001، ولها كتاب "من وراء الموت" صدر عام 1981 بعد وفاة زوجها الأول، هي شاعرة، تجعلك تقرأ كلماتها فتشعر وكأنك أنت كاتبها.

تشعرك بأنك أسمى من التراب، رغم التصاقه بك، مع إحساس بدنوّ السماء منك.

إنها في تعابيرها الأيوبية تكاد تسمعك أناشيد كتابية أقرب إلى المراثي الإرمياوية المليئة بلواعج الحبّ والوجدانية والطفولية، مختصرة حياتها بعناوين وشعارات تصلح لمظاهرات أعياد الحبّ والسلام... أكثر منها مقولات.

إيفيت حلو تدعونا عبر كلماتها التي ليست كالكلمات إلى الغوص معها في فضاء الشعور والأحاسيس والقيم الإنسانية في سمفونية الألفاظ والتعابير حيث نوعية التعبير تختلف عن الأساليب التجارية في شعر صرعات الفيديوكليبات والمجلات الإستعراضية وأنباء الخبر العاجل.

إيفيت تتحدث مع ذاتها، إليك وإلى كلّ الناس، عن جميع المواضيع.

عن الحب وواقعه وعن الموت وما بعده،

عن الوطن انطلاقا من البيت إلى المجتمع،

عن نهيوية الزمان والحرية في المكان،

عن الصلاة والعبادة والتساؤل،

عن ألم البعاد والفراق،

عن أحلك الأزمات ومعنى فرح الأعياد،

وعن الوحدة والياس والرجاء والأمل...

كلمات سُبكت شعرا راقيا في عصر بَعُدَ عن ثقافة الرقيّ فبات أسلوب فكر الناس موضة عريٍ وإباحية وإسفاف في الخُلق والخَلق.

لمن نكتب!

أليست الكلمة هي رصيد الإنسان من دون سائر المخلوقات، خاصة في بلد حمل الحرف والكلمة والمعرفة إلى شعوب العالم؟

أليست الكلمة هي الوسيلة للتعبير والتماهي في بوح ما يختلجنا من شعور وأحاسيس؟

ومن يقرأ!

قلـّة من الناس.

نعم.

لأن الوطن الذي تعطلت فيه كتب التربية وكتب التاريخ في مدارسه بقرار من وزارة التربية والتعليم، أباحت الدولة فيه لكل جماعة أن تتفرّد بأن تكون هي الحكومة باساليب تربيتها الخاصة وتاريخها الخاص، حتى أنك لن ترى في هذا الوطن جيلا مثقّفا حضاريا. بل ستلد هذه الجماعات لمستقبل الوطن أجيال الشوارع، أجيال الشعارات الفارغة من المضمون وأجيال جماعات اللامعنى واللامبنى، أجيال ذات النوع الإنعزالي وجماعات إلغاء الآخرين... بدلا من جماعة التربية على الحوار والفنّ والثقافة والقيم المشتركة بين الشعوب والحضارات...

كُتُب إيفيت ليست للبيع في أسواق مبيعات كتب الأبراج ومافيات دور النشر والصحف السياسية وأصحاب الأقلام البترودولارية وأدباء البلاط الحزبي... بل كتبها للذين سمت بهم الحياة إلى فوق مستوى الجهل في حياتهم، وتخطوا عالم المرئيات وحدود حرفية الكلمة، إلى عالم روحية الحياة وقيمها. لترى ما بعد تاريخ مسيرة "رجل وإمرأة" تحابّا حتى العشق والتماهي في عصر الزيجات الموسمية والتجارية المؤقتة...

تعترف إيفات، ببراءة الأطفال، بكل ما تفكر فبه وبكل ما يشعر به قلبها، دون مراقبة. فتعبّر بأبيات شعرية، عبر سرد منظوم الشعور وبأسلوب سلس الألفاظ، اعتاد عصر الأميرات في سالف الزمان أن يتبادلنه.

مؤلفها، وإن كان استشعارات خاصة وعائلية ووقفات وجدانية وذكريات عَبَرَت، إلا أنّه سيبقى شهادة سيرة حياة كلّلها الحب والسعادة ولم تعطّلها قسوة الموت والفراق.

وستبقى إيفيت الحلو، بعد رحيلها ، صورة مميّزة للمرأة التي تعرف أن تحمل الألم والوحدة وتتخطى تأثيرهما بحدثها الأنثوي لتستمر الحياة من خلالها... بالكلمات.

إيفيت الإنسانة، تدعونا للعيش في رحم المساواة وفي ميزان عدالة الإعتراف بحق الطفولة والأمومة والأبوة ضمن كيان الإنسان ولو اختلف جنسه ونوعه ودينه ولونه وحتى فلسفاته وأفكاره...

وإيفيت الشاعرة تدعونا للعيش في عالم الحبّ والكلمة المهذّبة والنغم الراقي في بحر القيم الإنسانية كما اختبرته وغاصت في ثناياه دون أن تنسى صعوبات واقعها اليومي.

من منّا يتجرأ ويعترف بكتاب أغوسطيني مكنونات حياته ويعلنها للناس؟

هي فَعَلَتْ.

أمّا عصرنا الذي فقد برارته، بات حافلا بوسائل خداع المسايرة، وغش الوجوه بأنواع العمليات التجميلية المطليّة بمساحيق المصالح، وبالعدوانية والإستغلالية، وبعصر العنف حتى بالكلام والإعلام فباتت الكلمات المتبادلة تعبّر عن انحطاط حضارات وأمم تنهار فيها القيم إلى حدود السفالة.

إيفيت عاصرت جيل الحرب وما بعد الحرب في لبنان، ولكنها لم تنتمي إليه ولم تتكلم لغته. بل بقيت هويتها تنتمي إلى هوية عالم بات اليوم أطلالا منسيّة، هو عالم القيم. عالم فقدناه في لحظات من الجنون ولن نستطيع استعادته خلال أجيال من التعقل.

عالم القيم الذي وضعناه على رفّ الذاكرة يغطيه غبار رحى حروب أنانياتنا ومصالحنا. ونرفض تنظيفه بمواد القوانين والشرائع، فخبأنا قوانين العدالة تحت مكيال قباحاتنا لأننا نخشى رؤية عرينا من الأخلاق.

مع إيفيت الشاعرة نعود إلى طفولة الإيمان وكَرَم الحبّ والصدق في المعاملة والتعاطي مع الآخر.

وإن كان الماضي هو جزء منّا، ومن دون أن ننسى، يمكننا أن نبني بالرجاء غدا هو جزء منّا أيضا، وأفضل من أمسنا. لأن الحياة تستحق أن نزيدها خيرا أكثر من أن نزيدها شرّا. وأن نضيف عليها كتابا مليئا بالحب والبرارة بدلا من الصراع بالصحف والمقالات المليئة بالكراهية والعنف وبالإصطفاف وإلغاء الآخر الذي هو جزء منا ومن وجودنا.

وإن كان الإنسان هو زهرة فيها من الطيب والشوك، وإن كان باقة ذكريات ترافق مستقبله بالطيب الذي استنشقه أو بالألم الذي لا زالت آثار جراحه الثخينة في جسدنا. فإن إيفيت كانت زهرة عابقة بالطيب من دون شوك. وكانت نحلة جنت من سنيّ عمرها صفحات هي شهد طيب المذاق. وكانت فراشة عاشت بساطة الحياة بكلّ مراحل تطوّرها دون أن تتسخ بأوحالها.

عَرَفَت إيفيت أن تصلـّي ليٌعبر عنها الكأس الذي تقدمه لها الحياة وعرفت أيضا أن ترتشف المعرفة بتأنّ ورقيّ لتقدم للناس كتابا إنجيلا منظوما عن حياتها بباقة من الكلمات.

ومع غيابها ستبقى بسمتها الطفولية على تجاعيد الأيام تنبض بالفرح. وستبقى كلماتها محطة عودة للتأمل في حياة ليست بمثالية ثمار الجنّة كما وليست بسؤ شوك وقطرب الأرض للذين يتذكرونها.

الأب جورج صغبيني 29/9/2009