2012/09/15

البابا بنديكتوس سيرة وزيارة لبنان الأب جورج صغبيني



قداسة الحبر الأعظم البابا بنديكتوس السادس عشر



ولد جوزف راتزنغر، البابا بنديكتوس السادس عشر، في بلدة ماركتيل، في أبرشية باساو الألمانية، يوم سبت النور في 16 نيسان 1927، ونال سر المعمودية في اليوم عينه الموافق ليلة عيد الفصح.
والده ضابط في الشرطة، متحدر من عائلة مزارعين في مقاطعة بافاريا الجنوبية، وقد عاش في ظروف اجتماعية واقتصادية متواضعة. أما والدته فمتحدرة من عائلة حرفيين من بلدة رينشتينغ الواقعة قرب بحيرة شيام. وقد عملت قبل زواجها طاهية في فنادق عدة.
طفولته وشبابه
أمضى راتزنغر طفولته ومراهقته في بلدة تراونشتاين الوديعة قرب الحدود الألمانية النمساوية على بعد 30 كيلومتراً من مدينة سالزبورغ. في هذا الإطار، الذي وصفه هو ذاته بأنه متأثر بـ"موزار"، تلقى تربية مسيحية، إنسانية وثقافية.
لم تكن مرحلة شبابه بالسهلة، لكن إيمانه وتربيته العائلية كانا لهما الفضل في إعداده لمواجهة التجربة القاسية التي مرّ بها إبّان مرحلة النظام النازي الذي عرف بعدائه القوي للكنيسة الكاثوليكية. وقد كان الشاب جوزف شاهداً لقيام النازيين بالاعتداء على كاهن رعيته قبيل احتفاله بالذبيحة الإلهية. كما وشاهد كيف قتل النازيون ابن عمه عن عمر الـ  14 عاماً لأنه يعاني من إعاقة جسدية،
أجبر جوزيف الصغير على الدخول إلى شبيبة هتلر. يقول الكاتب دافيد غيبسون أنه "ذهب إلى هذه الاجتماعات مرة واحدة وتمكن من التهرب من سائرها". وفي الحرب العالمية الثانية، دخل إلى الجيش الألماني كعنصر مساعد في السلاح المضاد للطائرات الحربية ولكن لم يبق هناك إلا لفترة قصيرة.
وبعد انتهاء الحرب، ألقي القبض عليه كمحارب سابق من قبل الجيش الأميركي وسرعان ما أطلق سراحه.
دروسه وكهنوته
بين عاميّ 1946 و1951 درس الفلسفة واللاهوت طيلة 5 سنوات في معهد فرايزينغ الإكليريكي وفي جامعة ميونيخ.
سيم كاهناً في 29 حزيران 1951. وبدأ عمله الكهنوتي في رعية في "ميونيخ". كان يخصص وقتاً للإستماع للإعترافات كل يوم من الـساعة السادسة إلى االسابعة صباحاً، وكان مسؤولاً عن برامج الشباب. وبقي في تلك الرعية لسنة واحدة حتى رأى مطران أبرشيته موهبته في التعليم، فطلب منه أن يعلّم في الإكليريكية  في فرايزينغ.
عام 1953 حصل على شهادة الدكتوراه في اللاهوت إثر مناقشته أطروحته: "شعب الله وبيته في عقيدة الكنيسة لدى القديس أغوسطينوس".
بعد انقضاء 4 سنوات حصل على شهادة تأهيل للتعليم عام 1957، بناء على دراسته التي أعدّها تحت إشراف أستاذ اللاهوت الشهير غوتليب زونغين والتي حملت عنوان: "لاهوت التاريخ لدى القديس بونافنتور".
حاضر في جامعة بون عام 1959 وكانت محاضرته الأولى بعنوان "الله في الإيمان والله في الفلسفة". ومنها انتقل إلى جامعة "مونستير" عام 1963.
وبين عامين 1962 و1965 اختير للمشاركة في المجمع الفاتيكاني الثاني بصفة خبير، كما كان مع الوفد الألماني بصفته مساعداً للكاردينال جوزف فرينغز رئيس أساقفة كولونيا، بصفة مستشار لاهوتي.
تولى الأب راتزنغر تدريس مادة اللاهوت العقائدي واللاهوت الأساسي في المعهد العالي للفلسفة واللاهوت في فرايزينغ، وفي الوقت عينه كان استاذاً في جامعات بون من 1959 حتى 1963، ومونستر من 1963 إلى 1966، و شغل منصب عميد قسم اللاهوت الدوغمائي في جامعة توبينغين من 1966 إلى 1969. في هذه السنة الأخيرة أصبح قيّماً على كرسي العلوم العقائدية وتاريخ العقيدة في جامعة راتيسبون التي كان أيضاً نائباً لرئيسها.
وعام 1969 عاد إلى بافاريا وعمل محاضرًا في جامعة "ريجينسبرغ" وساهم في تأسيس المجلة اللاهوتية "كومونيو" الخاصة بالجامعة، التي باتت منذ عام 1972 تطبع بسبعة عشر لغة. وكان يبلغ من العمر 32 عاماً، عندما استحدث منصب خاص له في جامعة "ريجينسبرغ" ضمن التيولوجيا العقائدية، فحقق بذلك حلماً  كأحد أكثر المعلمين يفاعةً في العمر في ألمانيا، فوصل إلى أعلى مرتبة أكاديمية ممكنة.
رئيس أساقفة وكاردينال
في 25 آذار 1977 عيّنه البابا بولس السادس رئيس أساقفة على ميونيخ وفرايزينغ وهي ثاني أكبر أبرشية في ألمانيا، مسؤولة عن حوالي مليوني كاثوليكي تقريباً، فكان على راتزنغر أن يتخلى عن طموحه الأكاديمي، وكان عمره لا يتجاوز الـ49 عاماً. واحتفل بسيامته الأسقفية في 28 أيار من السنة ذاتها. وقد كان أول كاهن من هذه الأبرشية البافارية الكبرى تتم سيامته أسقفاً عليها منذ نحو 80 سنة. واتخذ شعاراً له: "شريك الحقيقة". وشرح هو نفسه هذا الشعار بالقول: "يبدو لي أن هذا الشعار يظهر بشكل أساسي الرابط العميق بين رسالتي التعليمية ورسالتي الحالية. ولئن كانت النشاطات مختلفة، فإن محورها كلّها هو ضرورة السير في اتجاه الحقيقة، بهدف خدمتها. إضافة إلى ذلك فقد اخترت هذا الشعار لأنه، في عالم اليوم، باتت الحقيقة أمراً منسياً بصورة مطلقة، حيث تبدو صعبة المنال بالنسبة للإنسان. لكن إذا فُقدت الحقيقة فإنّ كل البناء الإنساني ينهار".
وفي 27 حزيران 1977 عيّنه البابا بولس السادس كاردينالاً.
عام 1972 شارك في المجمع الذي عقد بين 25 و26 آب والذي انتخب البابا يوحنا بولس الأول. فعيّنه الحبر الأعظم الجديد موفده الخاص إلى المؤتمر المريمي الدولي الثالث الذي انعقد في الإكوادور بين 16 و24 أيلول.
وفي شهر تشرين الأول عام 1978، شارك في المجمع الذي انتخب البابا يوحنا بولس الثاني.
كان مقرِّراً في الجمعية العادية الخامسة لسينودس الأساقفة التي انعقدت عام 1980 تحت عنوان: "رسالة العائلة المسيحية في العالم المعاصر".
عام 1981 عينه الفاتيكان رئيساً لمجمع العقيدة والإيمان في الكنيسة، فتخلّى عن منصبه كرئيس أساقفة ميونيخ وانتقل ليعيش في الفاتيكان ليشترك في مهمة إدارة الكنيسة الجامعة. وكان واضحاً في أفكاره، محارباً للعقائد الخاطئة مستنداً على البراهين والعقل.
وفي العام 1983 كان رئيساً منتدباً للجمعية العادية السادسة للسينودس التي انعقدت تحت عنوان: "المصالحة والتوبة في رسالة الكنيسة".
في 25 تشرين الثاني 1981 عيّنه البابا يوحنا بولس الثاني رئيساً لمجمع العقيدة والإيمان وكذلك رئيساً للجنة البيبلية البابوية وللجنة اللاهوتية الدولية. وقد استقال لهذه الغاية من مهامه الرعائية كرئيس لأساقفة ميونيخ وفرايزينغ في 15 شباط 1982.
وترأس أيضاً اللجنة التي أعّدت التعليم الديني في الكنيسة الكاثوليكية والتي قدّمت ثمرة أعمالها للأب الأقدس بعد 6 سنوات من العمل المتواصل بين عامي 1986 و1992.
عندما اقترب من سنّ الـ 70  عام 1997، حاول الإنسحاب من هذه الوظيفة عدة مرّات، ولكن البابا يوحنا بولس الثاني أصرّ على أن يبقى فيها. وحمّله مهمة تلو الأخرى خصوصاً بعدما أصبح مرضه يعيق حركته كثيراً، فجوزيف راتزينغر كان معاونه لسنوات عدّة، وسانده في آخر أيام حياته.
في 6 تشرين الثاني 1998 وافق البابا يوحنا بولس الثاني على انتخاب الكاردينال راتزنغر نائبا لرئيس مجمع الكرادلة.
وعام 1999 كان موفد خاصا للحبر الأعظم ف الاحتفالات التي جرت لمناسبة مرور 1200 سنة على تأسيس أبرشية بادربورن في ألمانيا.
وفي 13 تشرين الثاني 2000 تمّ انتخابه عضو شرف في الأكاديمية البابوية للعلوم.
وفي 30 تشرين الثاني 2002 وافق على انتخابه عميداً لمجمع الكرادلة.
وكان هو الذي أعلن عام 2003 للمؤمنين: "يجب أن نصلي للبابا" لأن صحة البابا يوحنا بولس الثاني كانت في تأخّر.
توّلى الكاردينال راتزنغر مهام عدة داخل الكوريا الرومانية، حيث كان عضواً في مجلس الكرادلة والأساقفة في أمانة سر دولة الفاتيكان، فرع العلاقات مع الدول. كما كان عضواً في مجامع عدة داخل الكرسي الرسولي من بينها مجامع: الكنائس الشرقية، والعبادة الإلهية والاسرار وإعلان البشارة للشعوب والتربية الكاثوليكية ورجال الدين ومجمع دعاوى القديسين. كما كان عضواً في المجلس الحبري لوحدة المسيحيين والمجلس الحبري للثقافة وعضواً في محكمة التوقيع الرسولية، وفي عدد من اللجان البابوية الخاصة بأميركا اللاتينية وتطبيق القوانين الكنسية وإعادة النظر بقانون الكنائس الشرقية.
مؤلفاته
له مؤلفات عدة من بينها كتاب "تمهيد للإيمان المسيحي" وهو يحتّل لديه مكانة خاصة كونه يضمّ مجموعة الدروس الجامعية التي كان يعطيها حول الإيمان الرسولي، وقد نشره عام 1968. ولديه أيضاً كتاب يحمل عنوان: "العقيدة والوحي" وهو مجموعة أبحاث وعظات وأفكار رعائية.
كما انه وضع الخطاب الذي ألقاه أمام الأكاديمية الكاثوليكية في بافاريا في كتاب حمل عنوان: "لماذا لا زلت أحيا في الكنيسة على الرغم من كل شيء؟" وقد لاقى هذا الكتاب صدى واسعاً، حيث عبّر فيه، بوضوحه المعهود، أنّه "فقط داخل الكنيسة يمكن للفرد أن يكون مسيحياً، وليس إلى جانبها".
وعام 1985 نشر كتاباً حوارياً تحت عنوان: "العلاقة بالإيمان"
وفي عام 1996 أصدر كتاباً آخر تحت عنوان: "ملح الأرض". ولمناسبة ذكرى ميلاده الـ 70 أصدر كتابه "في مدرسة الحقيقة"، وقد ضمّ مجموعة أبحاث لمفكّرين عدّة ألقوا الضوء على جوانب هامّة من شخصيته ومؤلفاته.
شهادات الدكتوراه الفخرية
حاز على شهادات دكتوراه فخرية من جامعات عدّة:
جامعة القديس توما في ولاية مينيسوتا الأميركية (1984)،
والجامعة الكاثوليكية في إيخشتات الألمانية (1987)،
وجامعة ليما الكاثوليكية في البيرو (1986)،
وجامعة لوبلين الكاثوليكية في بولونيا (1988)،
وجامعة نافار الإسبانية (1998)،
وجامعة القديسة مريم في روما (1999)،
و جامعة روكلاو البولونية-  كليّة اللاهوت (2000(.
انتخابه بابا
ودّع البابا يوحنا بولس الثاني هذا العالم فاجتمعت الخلوة للمرة الأولى مساء 17 نيسان 2005، وبعد يومين فقط وقع اختيار الكرادلة على راتزنغر ليبدأ بذلك حبريته. فانتخب باباً على رأس الكنيسة الكاثوليكية خلفا للبابا يوحنا بولس الثاني. عن عمر 78 عامًا، في 19 نيسان 2005. وبالتالي يكون البابا الأكبر سنًا منذ البابا اكلمنضس الثاني عشر عام 1730، وهو البابا الألماني التاسع، بعد أدريان السادس آخر بابا ألماني قبله عام 1522.
في 19 نيسان 2005، خرج الكاردينال جورجي أرتورو ميدينا إستيفيز ليقول: "إخوتي وأخواتي الأعزاء، أعلن لكم فرحاً عظيما، HABEMUS PAPAM، (أصبح لدينا بابا)... وأعلن اسم الكاردينال جوزيف راتزنغر الذي اتخذ اسم بنديكتوس السادس عشر. فارتفع الهتاف: يعيش البابا.
وفي ذلك اليوم من نيسان وقف البابا بنديكتوس السادس عشر أمام حشد المؤمنين، مخاطباً إياهم للمرة الأولى من الشرفة البابوية كبابا للكنيسة قائلا: "إثر البابا الكبير يوحنا بولس الثاني، اختارني السادة الكرادلة، أنا، العامل البسيط والمتواضع في كرم السيد. وحقيقة أن الرب يمكنه أن يعمل ويفعل على حد سواء من خلال أدوات غير كافية تواسيني. أتكل خصوصاً على صلواتكم بفرح المسيح القائم من بين الأموات، وأنا واثق بعونه المستمر. نسير إلى الأمام، والرب سيساعدنا، ومريم، الأم الكاملة القداسة، إلى جانبنا. شكراً".

البابا في لبنان لتوقيع الإرشاد الرسولي من أجل الشرق الأوسط
هذا البابا اليوم، وبعد 7 أعوام على انتخابه، وفي عمر يناهز الـ 85 عاماً، جاء إلى لبنان حاملا رسالة "شركة وشهادة". من أجل لبنان والشرق الأوسط، من أجل المسيحيين والمسلمين، من أجل الشباب والشابات، من أجل الأطفال والشيوخ، من أجل الرجاء الصالح لكلّ البشر...


15 أيلول 2012  الأب جورج صغبيني

لبنان محمية فاتيكانية، سينودس المشرق، البابا بنديكتوس، الأب جورج صغبيني



لبنان محمية فاتيكانية



يوم عيد ارتفاع الصليب يوم الجمعة في الرابع عشر من أيلول عام 2012،  أتى البابا بنديكتوس السادس عشر في زيارة للبنان ومن خلاله لمسيحيي الشرق.
لقد حظي لبنان باهتمام قداسة البابا يوحنا بولس الثاني الخاص وخاصة بلدة جزّين لقيت ومنطقتها لفتة خاصة من قداسته. إبان الأحداث التي عصفت بها بعد اجتياح الجبل وجعلها جزيرة محاصرة.
أطلق قداسته رجاءه لأبنائها قبل رجائه للبنان بقوله: "لا تخافوا". وقد حضر الكاردينال روجيه أتشيغاراي موفدا شخصيا ممثلا البابا إلى بلدة جزين ومنطقتها في السادس من تموز سنة 1985، فأمضى في رحابها أربعة أيام زار خلالها الرعايا وشجع المؤمنين ودعم صمودهم واستمع إلى طلباتهم وحاجاتهم.
وعلى إثر هذه الزيارة، وبعد ثلاثة أشهر، قرر قداسة البابا إرسال موفد شخصي دائم هو المونسنيور سيليستينو بوهيغاز الذي وصل الى جزين في الثالث من تشرين الأول سنة 1985، واتخذ له مقرا فيها لغاية السادس من كانون الثاني سنة 1990.
 إن إقامة الموفد البابوي في جزين ما كانت إلا ترجمة صريحة لوقوف قداسة البابا إلى جانب مؤمني هذه المنطقة ودعمه لهم في الثبات في الإيمان والتشبث بأرضهم، فضلا عن الدعم المعنوي الذي لقيته لبنان والمنطقة، إذ قد مدّ الموفد البابوي يد المساعدة إلى أبنائها، مساهما في دعم مؤسساتها التربوية والاجتماعية والدينية ومقدما المساعدات إلى المعوزين والمرضى.
ومع أن قداسة البابا لم يعيّن خلفا للمونسنيور بوهيغاز إثر وفاته وزوال خطر التهجير عن جزين ومنطقتها، لكنه بقي حريصا على مواكبة شؤون لبنان عامة وبلدة جزين خاصة وتأمين المساعدات المعنوية والمادية لأبنائها عبر السفارة البابوية في لبنان وعبر المؤسسات الكنسية الاجتماعية العالمية والمحلية.

إنّ ما يستطيعه الفاتيكان هو عمل روحي، ولكن الواقع أنّ لديبلوماسية الفاتيكان وأعماله وقعاً دولياً في غاية الأهمية، عبر الأنشطة الدينية التي كانت تقيم دولاً وتسقط دولاً، وكان يتأثّر باتجاهات الفاتيكان مئات ملايين البشر في كل القارات. فالفاتيكان لا يملك ألوية عسكرية يرسلها لإنقاذ الكاثوليك بل يستعمل سلاح الإيمان والدبلوماسية السياسية اللذين بدءا في روسيا وبولونيا وهما أكثر فعالية في التأثير السياسي منه في التأثير العسكري.
فعلاقة لبنان مع الفاتيكان عميقاً في التاريخ، منذ ما قبل الفتح الاسلامي وبعده في القرن السابع. كما أنّ الموارنة منذ نشأتهم شكوا أمر ظلامتهم للبابا إينوشنسيوس على إثر مقتل 350 راهبا، بعد مجمع خلقيدونية عام 451، في شمال سوريا. وقدموا 500 راهبا سنة 694، حين هاجمت جيوش بيزنطيا دير مار مارون على نبع العاصي بسبب استقلال الموارنة عن سلطة بيزنطيا سنة 685 وانتخابهم مار يوحنا مارون بطريركا لهم.
واكتملت تلك الروابط وتعمّقت بين الموارنة وروما، مع المرحلة الصليبية (1099- 1291). وعقدت لقاءات عدة بين المبعوثين البابويين من قبل روما مع الكنيسة المارونية من عام 1100 إلى 1139.
وفي عام 1180، اعترف الفاتيكان بالموارنة كأخوة في الدين، مما مهّد الطريق في ما بعد إلى توثيق الصلة بينهما. وعام 1203، عيّن البابا ممثلا له في مدينة طرابلس شمال لبنان فاستمرّت من خلاله هذه العلاقة.
وتوثّق الرباط الرسمي والدائم بين الموارنة وروما حين دعا البابا إينوشنسيوس الثالث البطريرك ارميا العمشيتي، بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق على "الأمّة المارونية"، لحضور المجمع اللاتراني في 11 تشرين الثاني 1215.
وفي عام 1584، افتتحت أول مدرسة مارونية في روما، في عهد الأمير فخر الدين المعني الثاني في جبل لبنان (1535- 1592). وبعد مجيء الموفد البابوي جان باطيشت، اليهودي الأصل، وأحرق كتب ومخطوطات الموارنة... خلفه في الموفدية الأب دنديني الذي اقترح على البابا أن "يأخذ الأمة المارونية تحت جناحيه ويجعلها باب روما إلى المشرق".

وفي عام 1946 كان عمل تأسيس أول علاقات ديبلوماسية على ميشال شيحا بين لبنان والفاتيكان، والتي بدأت رسميا عام 1947 عندما جرى تبادل السفراء بين البلدين، وكان المبعوث الرسولي الأول المونسنيور مارينا، وبالمقابل سمّي شارل حلو سفيراً للبنان في الفاتيكان.
ورأى الفاتيكان لبنان كمنبر مميّز لتوسيع رقعة العلاقات الطيبة بين العالم الكاثوليكي والإسلامي، واغتنم البابا بولس السادس فرصة مروره في بيروت في طريقه إلى بومباي في الهند في كانون الأول 1964، ليحط في مطار بيروت ويعلن أهمية لبنان كنموذج للتعايش السلمي.
ومع اندلاع أعمال العنف في لبنان عام 1975، تعمّق اهتمام الفاتيكان بقضية لبنان فكانت مساعيه إلى تحقيق السلام فيه. وحتى في زيارة الرئيس الأميركي للبابا بولس السادس كان موضوع لبنان في أول جدول المباحثات، وتبيّن أنّ مستشاري الرئيس جيمي كارتر أحاطوه علماً أنّ لبنان يلقى اهتماماً خاصاً في دوائر الفاتيكان. وعام 1977، أثناء تطويب القديس شربل مخلوف، خاطب البابا بولس السادس البطريرك الماروني بطرس خريش بقوله "إنّ كنيستكم هي مجد لبنان".
وعندما تبوّأ البابا يوحنا بولس الثاني مركز البابوية في 16 تشرين الأول 1978، وفي يومه الأول في منصبه الجديد ذكر لبنان ومأساته وأهميّته بالنسبة للفاتيكان و"مصير هذه الأرض العزيزة لبنان التي نتمنى لها السلام والحرية". وبعد أسبوع كان الرئيس اللبناني الياس سركيس من بين المدعوين القلائل الذين حضروا احتفال تسلّم البابا سدّة البابوية. وفي كانون الأول 1979، أشار البابا في الأمم المتحدة إلى "الحاجة لتعديل الدستور اللبناني الذي تفرضه أحداث لبنان".
لقد فاق مجموع تصريحات وخطابات البابا حول لبنان بين 1978 و1990 الـ 200 تصريحا، وهو ما لم يحصل في تاريخ الفاتيكان بالنسبة لدولة واحدة. كما وجّه البابا رسائل إلى مسلمي العالم للمحافظة على لبنان كرمز فريد للتعددية والتعايش: لأن في لبنان "ثمّة بين الإسلام والمسيحية بعض من القيم الإنسانية والروحية".
ومنذ بداية عهده، خصّ البابا يوحنا بولس الثاني لبنان بفريق عمل يتابع الوضع ويساهم في تحقيق السلام، فقام موفدوه بزيارة لبنان وسوريا ودول أخرى مرارا، وساهم هؤلاء في دعم معنويات المسيحيين والتفاهم مع زعماء الطوائف الأخرى وتقديم المساعدات لقرى وبلدات مسيحية كانت معرضة للخطر، في جزين ومشغرة وزحلة... وشدد المبعوثون على أن روما لا ترغب أبدا في أن يعيش مسيحيو المشرق في "غيتوات" مغلقة على جيرانهم المسلمين، تحقيقا لرغبة البطريرك الياس الحويك الذي رفض قيام وطن مسيحي بل نادى بقيام لبنان الكبير في ظلّ الانتداب الفرنسي للبنان.
إنه طالما اتخذ باباوات روما لبنان كنموذج يُحتذى به ضمن مساعيهم للتفاهم داخل دول متعددة الديانات حيث يوجد رعايا كاثوليك، فان من مصلحة الكنيسة العليا أن يبقى لبنان جسرا حيويا بين الفاتيكان وبين العالمين العربي والإسلامي.
وعشيّة أزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية عام 1988، أرسل البابا نداءً يشدد فيه على أهمية المحافظة على السلطة الشرعية في لبنان، وإنّ "عدم انتخاب رئيس سيهدد بشكل خطير مستقبل لبنان... وكان هذا النداء، الذي يعني الفاتيكان كما يعني لبنان، بمثابة تدخّل مباشر للفاتيكان في سياسة لبنان...
كما وقد أثارت الصدامات المسيحية الداخلية الفاتيكان، مما أدّى إلى دق ناقوس الخطر بضرورة توقف هذا الاقتتال بين الإخوة، وقد خصّص البابا يوماً عالمياً للصلاة من أجل لبنان حضره 30 ألف شخص في ساحة الفاتيكان يوم 4 تشرين الأول 1989.
أما على صعيد النواب اللبنانيين الذين اجتمعوا في الطائف من أجل وضع  دستور جديد عام 1989، واصل البابا يوحنا بولس الثاني، الذي اعتبر لبنان بلده الثاني بعد بولونيا، مساعيه وذكّر النواب بضرورة التوصّل إلى توازن سياسي اجتماعي جديد. ودأب نائبان مارونيان على زيارة الفاتيكان طيلة فترة انعقاد مؤتمر الطائف لموافاة البابا بتفاصيل الحوار.
وكان أن أُصيب اتفاق الطائف بانتكاسته الأولى، إذ اغتيل الرئيس المنتخب رينيه معوّض. وبعد انتخاب الياس الهرواي رئيساً للجمهورية اللبنانية، نقل مبعوث الفاتيكان بابلو بوينتي إلى بكركي رأي الحبر الأعظم: أنّ الهرواي، وحتّى لو سمّته سوريا فهو يمثّل "استمرارية ضرورية لمؤسسات الدولة وسيادة لبنان التي على المسيحيين دعمها".
ونصح الفاتيكان بكركي بأن تترفّع عن المسائل السياسية اليومية في الوسط المسيحي وتعطي هالة قيادية لكل المسيحيين بلا استثناء خاصة بعد حرب عون– جعجع. ولذلك عمل بوانتي على إقناع رجال الدين المسيحيين بعدم الغرق في شؤون السياسة، وواجه من كانوا في دائرة التشدّد. ففي اجتماعه مع مجلس المطارنة الكاثوليك في 26 تشرين الثاني 1989، كان بوانتي شديد اللهجة منتقداً "تدخّل رجال ومؤسسات الكنيسة في السياسة دون أن يعودوا إلى سلطاتهم الروحية... مرددا: يجب أن تفهموا أنّه يجب وضع حد لزيارات السياسيين والتصريحات التي لا تجيزها الكنيسة".
وعندما انفجرت الحرب المسيحية في شكل واسع بين عامي 1989 و1990، اعتبر البابا هذه الحرب ضربة من المسيحيين أنفسهم لمساعي البابا الشخصية من أجل إنقاذهم، وللتوجهات التي كان يطلبها منهم لتحقيق السلم في لبنان بشكل يحفظ نظامه الديمقراطي وسيادته الوطنية.
وإن البابا، ومنذ 1978 كان ضدّ توجه بعض القيادات اللبنانية الداعية للتقسيم أو الغيتوات الطائفية، اذ قال: "دعونا ننقذ لبنان لننقذ المسيحيين ودعونا ننقذ المسيحيين لننقذ لبنان".
وكان همّ الفاتيكان، بعد اتفاق الطائف في تشرين الأول 1990، أن يوقف الطريق الانحداري للمسيحيين في لبنان وينهي حالة الإحباط التي يعيشونها. وهكذا شكل عقد التسعينات الفترة الأكثر تدخلا للفاتيكان في لبنان والأكثر حضورا لدعم البطريرك صفير بعد نفي واغتيال وسجن الزعماء الموارنة.
ولم يبق في الغرب المسيحي سوى البابا يوحنا بولس الثاني من يدعم وجود المسيحيين في لبنان والشرق. فقد عملت وفود الفاتيكان طيلة الأشهر الأولى من سنة 1991، على خطة إنقاذ في الداخل المسيحي اللبناني، ونضجت في 12 حزيران 1991، عندما دعا البابا إلى سينودوس من أجل لبنان.
كان الفاتيكان يحاول وقف التدهور المسيحي، ويرى أن الانحسار الديموغرافي والهجرة قد أصبحا حقيقة، وأن رسالة المسيحيين في المشرق حادت عن هدفها الأساسي عندما أصبح أولا: صراع رجال السياسة على السلطة سببا في أن يقتل بعضهم البعض، وإن عليهم ثانيا: أن يتوقفوا عن التفكير بأنهم أقلية تقاتل من اجل وجودها، وثالثا: أن ينخرطوا في عمل بنّاء في بيئتهم.
كانت رسالة البابا إلى مسيحيي لبنان أن يأخذوا بمبادرة أمورهم بيدهم ليوحدوا صفوفهم من حول كنيستهم، بدلا من القبول الصامت بالانحسار، وإن انهيار المسيحية في لبنان سيؤدي إلى تراجع المسيحية في سائر المشرق، وخسارة مهد المسيحية الروحي والجغرافي الذي تمثله الكنائس الشرقية. وإن الفاتيكان كان يطلب من المسيحيين العودة إلى جذورهم المشرقية وأن يستفيدوا ويفيدوا من الثروة الروحية للكنائس القديمة في الشرق التي كانت مهد المسيحية في العالم.
على إثر مواقف البابا يوحنا بولس الثاني، جال مبعوثو البابا في لبنان لحضّ المسيحيين على البقاء في أرضهم. وانسجاما مع سياسته تجاه الدولة اللبنانية، نصح الفاتيكان المسيحيين عام 1992، بالتخلي عن المقاطعة عندما كان الإحباط يترجم انسحابا للمسيحيين من الحياة السياسية اللبنانية ومقاطعة الانتخابات، مما عمق الانحسار المسيحي. وقد حذّر الفاتيكان من أن عدم مشاركة المسيحيين في الدولة سيؤدي إلى تراجع مكانتهم في مؤسساتها وغياب تمثيلهم في الإدارة العامة، مما سيؤدي حكما إلى ضرب أسس التعايش اللبناني. هذا ما قاله سلفستريني بشكل صارم في اجتماع مع مجلس البطاركة والمطارنة الكاثوليك في بكركي، وإن غاية السينودس، هي للتفاهم والمصالحة وليس المقاطعة والتصلّب في المواقف. وإن على المسيحيين التوقف عن البكاء على الأطلال وعلى العيش في الماضي وأمجاد ذكرياته.
لقد شكّل السينودس ساعة الحقيقة بالنسبة لمسيحيي لبنان ومستقبلهم في المشرق، فانعقد في روما في 27 تشرين الثاني 1995، لمدة ثلاثة أسابيع، بعد 4 سنوات من التحضير، بحضور 120 شخصا: سبعة بطاركة و11 كاردينالا،  و21 رئيس أساقفة، و17 مطرانا، و10 رؤساء رهبانيات، و17 خبيرا باختصاصات عدة مساعدي أمين عام السينودس، و25 رجل دين مسيحي وراهبات وممثل لمجلس كنائس الشرق الأوسط، و8 مبعوثين من كنائس غير كاثوليكية وديانات أخرى و5 من كنائس ارثوذكسية و3 من طوائف مسلمة. جاؤوا من لبنان طبعا، ومن سورية والعراق وفلسطين ومصر، مما جعل السينودس من أجل لبنان سينودساً من أجل مسيحيي المشرق كافة. وانعقدت اجتماعات خاصة حضرها كل الكرادلة والمطارنة الكاثوليك في الفاتيكان بإشراف البابا نفسه لمناقشة مستقبل لبنان وكنائسه. وفي لبنان يعجز البطريرك عن جمع زعماء أبنائه الموارنة حول طاولة حوار من أجل خير طائفتهم ووطنهم، بعيدا عن مصالحهم الحزبية ومكاسبهم السياسية.
وتلت هذا السينودس زيارة البابا إلى لبنان في 10 – 11 أيار 1997، وكان مضمون رسالته إصراره على اللبنانيين مسلمين ومسيحيين للتطلع إلى ما يجمعهم والعمل معا لخلق بلد جديد مبني على التفاهم والاحترام المتبادل.
يقول فؤاد بطرس: "قال لي البابا عام 1979 بلدكم لبنان يذكرني ببولندا"، ولكن ما حصل في بولندا من قلب الطاولة على سياسة موسكو كان تدخلا كبيرا من المخابرات الأميركية والإدارة الأميركية في التحول التاريخي في بولندا. وجاءت زيارة البابا لبلده كعامل مساعد زاد من سرعة التحول على المستوى الشعبي. وهذا الدور الأميركي ليس مطروحا اليوم في لبنان".
وصل البابا يوحنا بولس الثاني إلى مطار بيروت في 10 أيار1997، ووطأ أرض المطار قائلا: "على خطى المسيح" ثم قبّل تراب ذاكرا بأنه تراب لبنان المقدس.
أول الحشود التي استقبلت البابا لم تكن مسيحية، بل من أطفال ضاحية بيروت الجنوبية وأغلبهم من الشيعة، حيث وقفوا صفوفاً طويلة على الطرق المؤدية من المطار إلى قصر بعبدا، يلوحون بالعلم اللبناني وعلم الفاتيكان الأصفر بالطبع.
ثم التقى البابا حشداً ضم 50 ألف شاب مسيحي في كاتدرائية سيدة حريصا، ووقّع وثيقة الإرشاد الرسولي: "رجاء جديد للبنان". ودعا الشبيبة إلى اعتناق هذا الإرشاد كرسالة تجديد للكنيسة وللبنان: "ابنوا جسوراً جديدة من التواصل بين صفوف الشعب ومع العائلات والجماعات. بادوار بخطوات تعيد اللحمة مع الآخرين وتحول الريبة إلى ثقة. وأول خطوة تتمنونها لبلدكم يجب أن تكون تغيير ما في القلوب. لا تنسوا هويتكم المسيحية، إنها مجدكم ورجاؤكم ورسالتكم".
أما القداس في وسط بيروت، فقد توقّع المنظمون أن لا يزيد عدد الحضور عن 150 ألفاً، وكانت المفاجأة بحضور أكثر من 550 ألفاً، مما اعتبر أكبر حشد في تاريخ لبنان. وحضر القداس كل بطاركة الكنائس الشرقية كتعبير عن الوثاق الذي يربط روما بالشرق. وشدّد البابا في كلمته على محبته ومحبة الكنيسة الكاثوليكية للبنان ولكل اللبنانيين مسلمين ومسيحيين، ووجه "تحية خاصة إلى القادة المسلمين والدروز". وأضاف: "نريد من العالم أن يعرف أهمية لبنان ورسالته التاريخية. فلعدّة قرون برهن هذا البلد على أن جماعات متعدّدة تقدر أن تعيش معاً بسلام وأخوّة وتعاون، وإن احترام الحرية الدينية لكل فرد هي ممكنة، وإن جميع المواطنين موحّدون في إخلاصهم ومحافظتهم على تراث أجدادهم الروحي، وخاصة تراث الراهب مار مارون".
وشدد البابا على التراث المسيحي الضارب في القدم في لبنان، وهنأ اللبنانيين بأن المسيح بشرهم بالمسيحية بنفسه أثناء بشارته التي أوصلته إلى جنوب لبنان، وهذا ما اعتبره البابا "امتيازاً فوق العادة أن يكون لبنان من بين الأوطان الأولى في العالم التي قطنها مسيحيون، وأن يكون لبنان جزءاً من الأرض المقدسة، أرض الإنجيل، من صور إلى صيدا وجنوب لبنان حيث يتعذّب الشعب اللبناني هناك اليوم... إن آلامكم في السنوات السابقة لن تذهب هباء، بل ستقوّي وحدتكم وحريتكم... وعلى لبنان أن يصبح ديموقراطياً أكثر باستقلالية أكبر لمؤسساته وباعتراف لحدوده، وهذه شروط ضرورية لضمان وجوده كدولة".
شرح الإرشاد الرسولي بقوله: إن هوية لبنان السياسية تتميز بجذور دينية، فإن مصير المسيحيين في الشرق مرتبط بمصير لبنان ورسالته تجاه محيطه. ولكن مصير لبنان لا يتحمل مسؤوليته المسيحيون وحدهم بل المسلمون أيضا، كـ"شركاء في إعادة بناء البلد" في بيئة واحدة "تحترم التقاليد الدينية والثقافية" لأبنائه"، وضرورة أن يحافظ المسيحيون على التوازن مع المسلمين حتى يمكن أن يكون الحوار معهم على قدم المساواة، على الأقل في لبنان. وأما الهجرة فهي تهديد للوجود المسيحي في لبنان وتجعل هذا النوع من التوازن غير ممكن.
حسمت زيارة البابا عام 1997، بعض الخلافات حول هوية لبنان. فها هي أعلى سلطة كنسية في العالم تريد التزاما مسيحيا في موضوع الانتماء اللبناني العربي، وتريد من المسلمين تأكيداً على نهائية لبنان في أذهانهم.
وكما كانت زيارة البابا يوحنا يولس الثاني من أجل توقيع الإرشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان" يمكن لزيارة البابا بنديكتوس السادس عشر أن يكون لها نفس الوقع الايجابي في استعادة أجواء الثقة والحوار على مستوى الشرق الأوسط في ظل "الربيع العربي" القائم.
إن زيارة البابا بندكتوس السادس عشر إلى لبنان، هي زيارة إلى بلدان الشرق الأوسط. تحت شعار "شركة وشهادة". يأتي قداسته إلى لبنان زائراً رسوليّاً لجميع بلدان الشّرق الأوسط، التي تمثّلت في جمعيّة سينودس الأساقفة الخاصّة بمسيحيّي هذه البلدان، عندما انعقدت في روما في شهر تشرين الأوّل 2010. لقد اختار شعاراً لزيارته كلمة الربّ يسوع: "سلامي أعطيكم" محدّداً الغاية من الزيارة: "السلام في الشّرق الأوسط".
اختار البابا لبنان، لأنّه أرض لقاء وسلام، لا أرض تنافر وعنف وحرب، بفضل العيش المشترك المنظّم دستوريّاً، بين المسيحيّين والمسلمين، على أساس الميثاق الوطني 1943. فدولة لبنان تتميّز بالديموقراطية والحريات العامّة، ولا سيّما حرية التعبير والرأي الحرّ والعبادة، دولة توافق مسيحيّوها ومسلموها على عدم تبعيّتها إلى أيّ بلد في الشّرق أو في الغرب، وبالتّالي دولة حيادية تلتزم قضايا السلام والعدالة وحقوق الشعوب، من دون انخراط في أحلاف ومحاور إقليميّة ودولية.
فزيارة البابا بنديكتوس إلى لبنان هي دعوة إلى اللّبنانيين، كما يقول البطريرك بشاره الراعي، لكي يحافظوا على وطنهم الذي قال عنه سلفه الكبير الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني: إنّه "أكثر من بلد، بل هو رسالة ونموذج للشّرق وللغرب".
زيارة البابا بنديكتوس دعوة إلى السلام في شرقنا الذي تسود فيه حالياً لغة الحديد والنار، ولإعلان السلام في الأرض المقدّسة بحلّ النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، والإسرائيلي – العربي؛ السلام في البلدان العربية بالتعاون بين شعوبها وحكّامها بنبذ وسائل العنف والحرب، من أجل إحلال السلام في الشّرق الأوسط بمساعدة الإسلام واليهودية لكي تتأمّن الأخلاقية، لقبول الآخر المختلف، واعتماد قاعدة التنوّع في الوحدة. لأنه لا يمكن التكلّم عن إحلال الديموقراطية في أنظمة دينية ثيوقراطية، ولا يمكن أن يتحقّق السلام الإجتماعي والسياسي في ظلّ أنظمة، لا تسمح بالحريات العامّة، ولا تعتمد شرعة حقوق الإنسان.
زيارة قداسة البابا هي دعوة إلى مسيحيّي الشّرق الأوسط، ليعيشوا في شركة الإتّحاد بالله والوحدة فيما بينهم ومع جميع الناس، وليؤدّوا الشهادة للمحبة وللقيم الإنجيليّة في هذا الشرق، وليلتزموا في إنماء بلدانهم المشرقية، إنماءً شاملاً، وهم في هذه البلدان، لا أقليات، بل مواطنون أصليّون عمرهم فيها ألفا سنة، ومواطنون أصيلون طبعوا ثقافات بلدانهم بقيم المسيحية، جيلاً بعد جيل، وكانوا في أساس نهضتها الثقافية والاقتصادية والعلمية.
   زيارة البابا دعوة إلى المسيحيين المشرقيين لترسيخ وجودهم التاريخي في لبنان والشرق الأوسط، وللتفاعل الحضاري مع محيطهم، وللعمل بإيمان على حفظ هذا الوجود ودوره ورسالته.
إن دعوة قداسة البابا بندكتوس لعقد سينودس خاصّ بمسيحيي الشرق الأوسط هي مبادرة نبويّة، وإنّ الإرشاد الرسولي، الذي يوقّعه يوم الجمعة 14 أيلول الموافق عيد ارتفاع الصليب، هو "ربيع حقيقي" في البلدان الشرق أوسطيّة، تحقّقه المسيحية والإسلام إذا التقيا حقّاً. هذا التلاقي وحده، دون سواه، كفيل بإيجاد الحلول لأزمات هذا الشرق. فلا بدّ لذوي الإرادات الطيبة مسؤولين محليّين وإقليميين ودوليين، من أن يوقفوا العنف والحرب، ويجلسوا إلى طاولة الحوار، جاعلين منه مائدة الحقيقة والعدالة والمحبة والسلام. فإلى هذه المائدة يدعو قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، بزيارته الثلاثية الأيّام إلى لبنان، لاعتباره بوّابة تلاقي المسيحية والإسلام في هذا المشرق.
ثلاثة أيام لا تكفي فـ"حسنٌ لنا أن تقيم هنا معنا"، في لبنان الذي هو "فاتيكان الشرق"، و"مكة الشريفة"، و"قم المباركة" ووطن الرسالة والقيم...

15 أيلول 2012  الأب جورج صغبيني

2012/09/14

سينودس الشرق البابا بنديكتوس الأب جورج صغبيني


السينودس! إلى أين؟ "QUO VADIS"?



منذ ألفي عام انطلقت المسيحية من هذا الشرق وانتشرت على ساحل فينيقيا وفي دمشق وجزيرة العرب، وقبرص واليونان وروما... بقناعة المسيحي بالحوار الفكري مع الشعوب الوثنية، التي اهتدى إلى المسيحية الكثيرون منها، مع الاضطهاد، قبل ميثاق ميلان (Edict Milano) عام 313 ميلادي، الذي نالت به الكنيسة الحرية واعترف بها رسمياً الإمبراطور قسطنطين. لكن هذه المسيحية اندثرت في الشرق مع انتشار الإسلام منذعام 632، في شبه الجزيرة العربية والشاطئ الإفريقي المتوسطي حتى القسطنطينية... وعاش المسيحيون في ذميّة المسلمين... إلى أن ساوى السلطان عبد المجيد في فرمانه الشهير الصادر سنة 1856، بين جميع رعايا الدولة مهما اختلفت عقائدهم الدينية، فتسبّب ذلك بمجازر ضدّ المسيحيين عام 1860، في لبنان ودمشق.ومنذ قبليّة مؤتمر لاهور، وقبلها حركة محمد بن عبد الوهاب وسواها ممن سبقها، نعود بالفكر إلى نشأة الدولة الإسلامية الأولى التي حلّت مكان القبلية والمشيخة والإمارة لتعيد قسمة العالم بين إمبراطورية بيزنطية وإمبراطورية إسلامية. واليوم يتجدّد التأسيس مع "الربيع العربي" الأصولي والمتطرّف إلى نشأة شرق إسلامي وغرب مسيحي تحت شعار: "لا يُحكم مسلم من كافر"، و"دار السلام ودار الحرب".في هذا الجوّ المشحون بـ"الصليبية" الغربية- بحسب تعبير المسلمين- وبـ"الهلالية" الشرقية- بحسب تعبير المستشرقين، ماذا يفيد سينودس ما من أجل المسيحيين في المشرق. لإن الدعوة لحوار مسيحي- إسلامي تلزمه في المقابل قبول المسلم بهذا الحوار خارج ميثاق عمر وبعيدا عن الذمّية... وإلا تكرّر الصدام بين صليبية بوش وهلالية بن لادن. في حين إن المستفيد من هذا الواقع التصادمي ما بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي، المستفيد بالتحديد هو هرتسل ومشروعه.فالمتتبّع للأحداث في هذا المشرق العربي، يستنتج من أن السينودس الذي تمّ من أجل لبنان، لم يبدّل في اتفاق الطائف الذي قضى على ميثاق الشيخ بشارة الخوري ورياض بك الصلح من أجل الحفاظ على بقاء المسيحيين في لبنان من خلال امتيازات أعطاها مسلمو لبنان لمسيحييه كضمانات لوجودهم في لبنان، على أن لا يكون لبنان ممرّا للمستعمر الغربي على يد المسيحيين وأن لا يكون مقرّا لـ"دار السلام" على يد المسلمين، واتفق الفريقان اللبنانيان أن يتنازلا عن انتساب أحدهما للأم الحنون فرنسا والآخر عن الأم الحنون سوريا. لكنّ إتفاق الطائف نسف الميثاق المسيحي- الإسلامي لا بل الماروني- السنّي، فهل يبدّل السينودس من أجل المشرق، اليوم، في مقررات الجامعة العربية أو الجامعة الإسلامية أو مؤتمر لاهور أو الربيع العربي...؟إن إعلان الإرشاد الرسولي الخاص بمسيحيي الشرق الأوسط هو ملفّ يضاف على ملفات الكنيسة وهو ظاهرة حركة كنسيّة جامعة مشكورٌ عليها، لكن لن يكون مصيره أفضل من مصير السينودس من أجل لبنان الذي قام بحركة تقويّة روحيّة وفكريّة ثقافيّة، لكنّه لم يُرجع للمسيحيين ما فقدوه في "السينودس السياسي اللبناني- العربي" في الطائف.
إن السينودس من أجل الشرق الأوسط سيكون أقلّ حركة وفاعلية: أولاً: لأنه يقام خارج العراق أو فلسطين أو مصر...، أي في غياب مسيحيي الشرق الأوسط، وإن حضر ممثلون عنهم. وثانياً: لأن الشعوب التي يعنيها هذا السينودس هي مهاجرة ومهجّرة عن أوطانها ولا أرى- ولست متشائما في ذلك- أن هذا السينودس سيعيدها إلى أوطانها، وقد ازدادت أعداهم في الشتات...  وثالثاً: لن يكون هناك "حلم العودة" لأن هرتسل المسيحي وبن غوريون الماروني لم يلدا بعد، وزعماؤنا في نزاع وصراع دامٍ على مرقد العنزة في جبل لبنان، المعروض للبيع، بعد أن خسروا بسياساتهم الفاشلة لبنان البطريرك الياس الحويك.نعم، إنّ قرارٍ البابا بندكتوس السادس عشر عام 2009، هو قرارٍ خيِّرٍ وذات نيّة سليمة، من أجل مسيحيي الشرق الأوسط، تحت شعار: شركة وشهادة.
نعم، إن السينودس يوقظ ضمائر المسيحيّين من أجل المزيد من التضامن.نعم، إن الأمنيات، ومنها التعلـّق بالأرض وعدم بيع الأملاك. هي مسألة وجودية أكثر منها عقارية.فالكنائس المشرقية تلتزم عبر تاريخها، منذ ألفي عام، الصلاة والعمل لأجل العدالة والسلام في الشرق الأوسط والعالم، وتدعو إلى تنقية الذاكرة، مفضِّلةً لغة السلام والرجاء على لغة الخوف والعنف. وهي تطالب اليوم السلطات المدنية المسؤولة، أقلّه، بتطبيق قرارات الأمم المتّحدة الخاصّة بالمنطقة.فليس المهمّ إقامة حوارٍ مسكونيّ على المستوى الكنسيّ المسيحي- المسيحي. بل إقامة حوار على المستوى المشرقي بين المسيحيين والمسلمين من جهة وبين المسيحيين واليهود من جهة ثانية. لأن المسيحيين، في البلاد العربية المسلمة وفي إسرائيل اليهودية وحتى في لبنان ملجأ مسيحيي الشرق، هم في انحسار لا بل في محاولة إبادة على يد سياسة أمريكا والإتحاد الأوروبي مجتمعا بالتعاون غير المعلن مع التيار السلفي الإسلامي. واليوم أرحم من الغدٍ.لقد وضع المجمع الفاتيكانيّ الثاني في باب العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكيّة والديانات غير المسيحيّة- وللمرّة الأولى- أُسس علاقة الكنيسة الكاثوليكيّة مع المسلمين كما مع اليهود. وقد أعلن قداسة البابا بنديكتس السادس عشر : "لا يمكن للحوار الدينيّ والثقافيّ بين المسيحيّين والمسلمين أن يقتصر على خيارٍ عابرٍ لأنّه في الواقع هو حاجة حياتيّة يرتبط بها مستقبلنا ارتباطًا كبيرًا".[1]
وإن الظاهرة الفريدة في لبنان في إقامة "عيد مريم" في 25 آذار من كلّ عام، عذراء الناصرة، وأم يسوع عيسى المسيح هي المثال الأسمى للعالم كلّه في التعايش المسيحي الإسلامي وخاصة في كل الشرق الأوسط.فعقد سينودس من أجل مسيحيي الشرق الأوسط هو:أولاً: الدعوة لإبقاء الدول العظمى صاحبة المصالح المتعددة، بعيدة عن التدخل في هذا الشرق. وهي المتسبّب الأوّل بما يلقاه المسيحيون فيه من مصائب وويلات.ثانياً: النتيجة المرتجاة من عقد هذا السينودس هي تثبيت المسيحيين في هويتهم ووحدتهم من خلال إيمانهم الواحد بالمسيح والمعبّر عنه بوحدة الأعياد وصلاة الأبانا والـ"نؤمن بإله واحد"... وإلا كيف ندعو للشركة مع المسلمين ونحن كمسيحيين في غربة عن بعضنا البعض.
ومن التحديات السياسيّة التي تواجه المسيحيين:-فالمسيحيون هم ضحيّة الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وحرب العراق وسائر الحروب في المنطقة فضلا عن انقسامهم في لبنان.-والهجرة المسيحية القسريّة من بلدان الشرق الأوسط، تفرغه من مسيحييه العرب ليصير شرقاً إسلامياً.-أمّا اليهود، وقد أعلنوا دولتهم الدينية، فيجب التمييز بين واقعهم السياسي والديني. فعلى الصعيد السياسي لا بدّ من ايجاد حلّ لدولة فلسطين الإسلامية اليهودية. وإعادة المكانة للمسيحيين في ظلّ الحكم الذاتي الإسرائيلي والحكم الذاتي الفلسطيني. أما العلاقات الدينية بين اليهودية والمسيحية فلها جذورها المشتركة حتى مجيء المسيح.
-ومع المسلمين، فإن العلاقات يجب أن تبنى على مبدأ المواطنة والحريّة والمساواة في البلد الواحد، الذي يتبع دستوره الشرع الإسلامي. ويذكّر قرار المجمع الفاتيكاني الثاني بالقيم الإسلامية التي يدينون بها.
إنّ ما يريده المسيحيّون المشرقيّون من هذا السّينودس يمكن اختزاله في مطالب واحد، وبمسعى فاتيكاني، ليكف الغرب عن التدخل في سياسة الشرق تحت إسم المسيحية والصليبية، لأن البقاء في جاهلية مشرقية ذميّة هو أفضل من حداثة الإبادة الجماعية للمسيحيين المشرقيين العرب. بدءاً من فلسطين التي بات فيها المسيحيون حراس أطلال أثريّة، ومرورا ببلاد الرّافدين... حيث تُفجّر كنائس ويُخطَف أساقفة ويُذبح كهنة وتشرّد عائلات ويباد شعب بكامله.والمطلوب أيضا من المسلمين العرب، وهي حقيقة لا يمكن الهروب منها: إنّ الحوار بين الأديان مع المعتدلين العقلاء، إن لم ينطلق مع مقررات الدول الحاضنة للحوار، فسيبقى الحوار عرضة لتشويه صورة المتحاورين العقلاء، على يد المتطرّفين والإرهابيين.ومع ذلك، فالمسيحيّون لا يطلبون اليوم من كنيستهم أن تجترح المعجزات. بل أن يكون لها موقف على صعيد السياسة العالمية، وإلا فسوف يهزل الوجود المسيحيّ في لبنان والشّرق حتّى حدود الزّوال. وسوف يكون السّينودس كلاما جميلا، ولقاءات رائعة، تقبع توصياته في جوارير التاريخ وتحت غبار الأيام.فالوجود المسيحيّ في هذا المشرق هو رهن بسياسة الكنيسة الأم والمعلمة، وليس بمصالح سياسيينا المسيحيين في هذا المشرق.
نعم، نكتب وكتب كثيرون ولكن الكتابة على الورق لن تبدّل واقع المسيحيين المنحسرين في الشرق الأوسط بدءاً من فلسطين- إسرائيل ومرورا بالعراق وسوريا ولبنان ومصر... فالمسيحيون تعبوا من الاستماع إلى المقولات المطوّلة...
المهمّ جدًّا أن لا يكون هذا السينودس مجرّد صرخة ألَم مسيحيّة على درب آلام جلجلة شرقنا.
وبالتالي فإن مسؤولية المسيحيين في لبنان تفوق مسؤولية مسيحيي المنطقة وعليهم تقع تبعات النهوض بالمسيحية المشرقية، لأن مسيحيي لبنان هم المؤتمنون فعلاً على القضية المسيحية في هذا الشرق، ولأن لبنان يشكل المعقل الأخير للوجود المسيحي في المنطقة، وهو البلد المميّز بتكوينه وقيمه وحريته والانفتاح والحوار والتسامح، وهو "أكثر من وطن" لا يشاركه بخصوصيته أي من بلدان محيطه والمنطقة... وليعلم المسيحيون إنهم في مطلق الأحوال لا يمكنهم أن يكونوا متفرجين وفي منأى عن أي فتنة وتداعياتها، حتى لو لم يكونوا طرفاً فيها، كي لا يكونوا من ضحاياها، وان يظلوا متيقظين وكلهم إيمان ورجاء.ونختم مع كلمة البابا بندكتس السادس عشر[2]: "إن العيش في الوطن بكرامة هو قبل كل شيء حقٌّ إنساني أساسي، لذلك وَجَب تعزيز شروط السلام والعدالة التي لا غنى عنها من أجل إنماءٍ متناغمٍ لجميع سكاّن المنطقة".السينودس!
إلى أين؟، "QUO VADIS"?،
كلمة وجهها المسيح لبطرس حين كان هاربا من اضطهاد نيرون، فعاد ليُثبّت المسيحيين ويُصلب مقلوبا، ويَزرع  أول حجر أساس للفاتيكان في روما الوثنية. فعسى هذا السينودس يكون بذار إعادة زرع المسيحية في حقل هذا الشرق. وكلنا أمل أن الكنيسة المشرقية رغم مصالح ومطامع الدول الغربية ورغم "الربيع العربي" على وقع تقدّم الإسلاميين إلى كراسي الحكم، وتهديد المسيحيين العرب في مصيرهم ووجودهم في هذه المنطقة، ستَبقى متجلية في هذا الشرق، وستُبقي المسيرة مستمرّة.
  8-8-2012 الأب جورج صغبيني       



[1] - البابا بندكتوس السادس عشر، لقاء مع ممثّلي المسلمين، كولونيا، في ٢٠، ٨، ٢٠٠٥.
[2] - كلمة البابا بندكتس السادس عشر، في القداس الحبري لافتتاح الجمعية الخاصة لسينودس الاساقفة من أجل الشرق الاوسط، الاحد ١٠ تشرين الاول ٢٠١٠، في الفاتيكان.