جمهورية الجسد الواحد وديموقراطية الأعضاء الكثيرين (من إنجيل لبنان)
من رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل لبنان مسؤولين ومواطنين.
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوَاهِبِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا.
أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أُمَمًا مُنْقَادِينَ إِلَى الأَوْثَانِ الْبُكْمِ، كَمَا كُنْتُمْ تُسَاقُونَ.
لِذلِكَ أُعَرِّفُكُمْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ اللهِ إلا ويَقُولُ: «لبنان وطني».
فَأَنْوَاعُ المَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ.
وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الوطن وَاحِدٌ.
وَأَنْوَاعُ أَعْمَال مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ لبنان وَاحِدٌ، الَّذِي يَعْمَلُ له الْكُلَّ.
وَلكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ.
فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ، وَلآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ،
وَلآخَرَ إِيمَانٌ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ، وَلآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ.
وَلآخَرَ عَمَلُ قُوَّاتٍ، وَلآخَرَ نُبُوَّةٌ، وَلآخَرَ تَمْيِيزُ
الأَرْوَاحِ، وَلآخَرَ أَنْوَاعُ أَلْسِنَةٍ، وَلآخَرَ تَرْجَمَةُ
أَلْسِنَةٍ.
وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ.
لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ،
وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ
جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذلِكَ لبنان أَيْضًا.
لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ
وَاحِدٍ أَيْضًا انتمينا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، مسلمين كُنَّا أَمْ
مسيحيين، مقيمين أَمْ مغتربين، وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا.
فَإِنَّ الْجَسَدَ أَيْضًا لَيْسَ عُضْوًا وَاحِدًا بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ.
إِنْ قَالَتِ الرِّجْلُ: «لأَنِّي لَسْتُ يَدًا، لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ». أَفَلَمْ تَكُنْ لِذلِكَ مِنَ الْجَسَدِ؟
وَإِنْ قَالَتِ الأُذُنُ: «لأِنِّي لَسْتُ عَيْنًا، لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ». أَفَلَمْ تَكُنْ لِذلِكَ مِنَ الْجَسَدِ؟
لَوْ كَانَ كُلُّ الْجَسَدِ عَيْنًا، فَأَيْنَ السَّمْعُ؟ لَوْ كَانَ الْكُلُّ سَمْعًا، فَأَيْنَ الشَّمُّ؟
وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ الأَعْضَاءَ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْجَسَدِ، كَمَا أَرَادَ.
وَلكِنْ لَوْ كَانَ جَمِيعُهَا عُضْوًا وَاحِدًا، أَيْنَ الْجَسَدُ؟ وأين الوطن؟
فَالآنَ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. ووطن واحد
لاَ تَقْدِرُ الْعَيْنُ أَن تَقُولَ لِلْيَدِ: «لاَ حَاجَةَ لِي
إِلَيْكِ!». أَوِ الرَّأْسُ أَيْضًا لِلرِّجْلَيْنِ: «لاَ حَاجَةَ لِي
إِلَيْكُمَا!».
بَلْ بِالأَوْلَى أَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ.
وَأَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي نَحْسِبُ أَنَّهَا بِلاَ كَرَامَةٍ
نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ. وَالأَعْضَاءُ الْقَبِيحَةُ فِينَا لَهَا
جَمَالٌ أَفْضَلُ.
وَأَمَّا الْجَمِيلَةُ فِينَا فَلَيْسَ لَهَا احْتِيَاجٌ. لكِنَّ اللهَ مَزَجَ الْجَسَدَ، مُعْطِيًا النَّاقِصَ كَرَامَةً أَفْضَلَ،
لِكَيْ لاَ يَكُونَ انْشِقَاقٌ فِي الْجَسَدِ، بَلْ تَهْتَمُّ الأَعْضَاءُ اهْتِمَامًا وَاحِدًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ.
فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ
تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ
الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ.
وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْوطن، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا.
فاتّعظوا أيها اللبنانيون وليقم كلّ واحد وكلّ حزب بالدور والوظيفة التي
أُعطيت له بحسب قدرته، ولا تمزّقوا حسد الوطن بسياساتكم وتحزّباتكم. (رسالة
بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 12/ 1- 31).
أعجبنيأع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق