أخبرني والدي، ذات يوم، عن شخص مرّ بقرب منزل. فرأى رجلا يغتصب فتاة بعد أن قتلها. فثارت فيه روح الغضب وقتل المغتصب شرّ قتلة على فعلته هذه. وبعد أن هدأت ثائرته وتنبّه إلى ما فعل، مضى إلى كاهن القرية واعترف تائبا نادما على ما فعل. فما كان من الكاهن إلاّ أن أعطاه كفـّارة عن خطيئته لا صلاة بل قطعة خشب يابسة محروقة كانت تستعمل في تحريك نار موقد المعصرة حتى يزرعها ويسقيها كلّ يوم وحين تفرخ تكون خطيئته قد غفرت. فمضى الرجل وفعل بما أمره خوري القرية.
وما هي إلا أسابيع حتى أفرخت قطعة الخشب تلك وأورقت...
هذه القصّة حضرتني في هذه الأيام حين شاهدت أعمدة الهاتف المغمّسة بالقطرون وأعمدة الكهرباء الحديديّة المطليّة بالبويا الصفراء تزهر!
نعم تزهر
تزهر صورا للنوّاب
لنوّاب الوطن والغد والمستقبل والأمل المنشود.
ورغم خطيئتنا نحن شعب هذا الوطن
فإن الله أحنُّ علينا من بعضنا على البعض الآخر.
أعمدة غابت عنها الكهرباء
فاستبدل الله لنا بها صوراً زينةً نوّاباً.
وبدلاُ من على كلّ عامود مصباح واحد
أكثر علينا من الصور المضيئة البهيّة الطلّة والعريضة الإبتسامة…
ولكن من دون أن تظهر فيها مخالب وأنياب الجالس في فراش جدّة "القلنسوة الحمراء".
من تنتخبون يا شعب الوطن؟
هل تأتمنون من تنتخبونهم
على مستقبل أولادكم؟
هل تأتمنونهم على أموالكم؟
هل تأتمنونهم على أرزاقكم وأعناقكم؟
فكيف إذن تأتمنونهم على الوطن؟
على كلّ الوطن شعباً وأرضاُ!
...
يا شعب وطني
إحمل صور نواب لبنان المستقبل والغد،
وزيّن بها شوارع وطنك في شهر التسوّق
لتجلب بمناظرها المغتربين إلى الوطن
والسوّاح إلى جمالات لبنان وعجائبه
التي فاقت عجائب العالم السبع،
وزيّن بها صدر بيتك بدل صور الأولياء والقديسين
بعد أن أزهرت بها عواميد الكهرباء والهاتف.
...
في وطني وحده
وهو وطن العجائب
وعجيب الله في خلقه
تنتشر صور النواب
في موسم شحن النفوس
بالطائفية والعشائرية والعائلية والحزبية
ويتناسون جميعهم الوطن.
ويتسابقون على الجلوس ولو على عامود
ولم يبق إلاّ أعناق الناخبين
لكي كلّ واحد منهم
يعلّق
على شبه من لا يشبّه به
في عنقه صورة نائبه.
كيف لا؟
ونوّابنا شفعاؤنا…
عند انقطاع الكهرباء فهم نور دربنا
وعند انقطاع الماء فهم موردنا
وعند تحفـّر طرقاتنا فهم زفتنا
وعند مرضنا فهم آهاتنا وآخنا
ووسطاؤنا في المستوصفات الخيريّة
وعند دفع فواتيرنا فهم بنك تسليفنا
وعند جوعنا فهم كفافنا
وعند موتنا فهم إكليل على قبرنا.
ويقطعون فينا كلّ أمل ورجاء إلاّ بهم
حتى نستشفعهم ونستصرخهم ليل نهار
وهم الحاضرون دائما في بالنا.
وندفع بكلّ طيبة خاطر ثمن تصاريحهم
التي يكفينا كلّ يوم شرّها
...
ولأنّنا شعب غبيّ
نجدّد لهم الولاء.
ولأننا شعب جاهل
نرفعهم على الاكفّ والراحات.
ولأنّنا شعب لا مستقبل له
ولأننا شعب كأعمدة الهاتف والكهرباء
فقد صدق من قال:
" كما تكونون يلصق عليكم".
ت1 2000 الأب جورج صغبيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق