نحن مع مطالب كلّ إنسان محقّة،
مع مطالب العمال المغلوبين على أمرهم،
مع مطالب العاطلين عن العمل،
مع مطالب النقابات على أنواعها،
مع مطالب المزارعين الذين ليس عندهم نقابة ولا ضمان صحيّ ولا ضمان شيخوخة...
ومع مطالب النواب في زيادة أجورهم حتى لا يعلنوا إضرابا وحتى لا يعملوا لغير شعبهم والإنتخابات على الأبواب.
ويبقى اثنان لا يطالب أحد بحقوقهما،
ولا نقابة عندهما،
ولا هما يطالبان:
جنود الوطن الذين يعملون خارج الزمن وفي كلّ مكان،
وأطفال لبنان الذين يعملون في كلّ شيء وهم مرغمون على العمل بكلّ شيء والجميع غافل عنهم.
من هو وليّ أمر هؤلاء الأطفال؟
الغرباء في عائلتهم
الغرباء في مجتمعهم
الغرباء كالأجانب
الغرباء كالعُجْم
الغرباء في وطنهم يعيشون فيه وهم ليسوا له
أطفال القمامة
أطفال العلكة
أطفال المستديرات
أطفال تنظيف زجاج السيارات
أطفال هواية الاستعطاء
أطفال بدون هوية
أطفال بدون إسم
أطفال السجون
أطفال الاغتصاب
أطفال البيع بالكيلو
أطفال المناقصات السرّية
أطفال المزادات العلنية
…هؤلاء الذين ولائمهم النفايات
وقصورهم علب الكرتون أو ألواح التنك
من يحميهم من قدرهم؟
من هي نقابتهم؟
أبناء من هم هؤلاء الأطفال؟
ومن هي دولتهم؟
إن كانوا أبناءنا أو أبناء جيراننا
فما الذي نقدّمه لهم أكثر من إغلاق نافذة السيارة
أو التكرّم عليهم بفتافيت الليرة اللبنانية التي باتت من دون قيمة
أو نََنهَرهُِم حتى لا تتسخ سياراتنا من رائحة ملابسهم القذرة مثل أخلاق المسؤولين عن تربية أجيال مستقبل الوطن؟
تحت نظر الدولة يعمل هؤلاء دواماً كاملاً وساعات إضافيّة ومنهم من هم دونَ الثامنة من العمر خلافاً للقوانين المرعيّة الإجراء.
كيف يُسمح بالتغاضي عن زعماء هذه المجموعات من الأطفال الذين يوزّعونهم عند صياح الديك ويجمعونهم كقطعان الماعز عندما يأتي المساء ليعصروا ما جمعوه من علف النهار ويرمونهم طيلة الليل في حظيرة الفساد والجنوح والمخدّرات واللاأخلاقية…
والأقوى فيهم يبقى
ومن يموت يدفن في مزبلة البلدية.
من يطالب من؟
ومن يعاقب من؟
فهل الدولة تشارك قوّادي هؤلاء الأطفال في تشريدهم وانحرافهم بصمتها وسكوتها؟
أم تقطع دابر هذه الآفة بحملها هؤلاء الأطفال إلى إصلاحية الدولة وأولئك إلى دولة الإصلاحات!
هؤلاء الأطفال الذين مدرستهم الشارع، وقد أُقِرَّ مشروع إلزامية التعليم الابتدائي المجّاني، فمن أية جامعة سيتخرّجون؟
فيا شعب لبنان المدلّل الذي يتبنّى القطط والكلاب
تبنّى طفلا من هؤلاء وادفع قسط مدرسته وثمن حذائه وكتابه وألبسه البالي ممّا في خزائنك… واخدم الإنسانية بدل الحيوانية التي فيك.
فالمسيحية فتحت أبواب القلوب لمثل هؤلاء،
ووليّ أمرهم الرحمة،
ونفقتهم على المحسنين.
والإسلام يُلزم التقاط اللقيط وإسعافه
ووليّ أمره القاضي
ونفقته على بيت المال أي الدولة.
وكي لا يبقى الطفل هو الضحيّة وهو من يدفع ثمن الكبار.
فالحلّ ليس باستيعاب هؤلاء الأطفال في مستوعبات الدولة ومؤسسات القديس منصور ودور الأيتام الإسلامية بل في حلّ المشكلة جذريّا بقوانين في دويلات خارجة عن الدولة.
وأمّا بورصة بيع الأطفال في هذا الوطن فهي شرّ الشرور.
فمن يشتري؟
الأب يدلّل على بنيه فلذات كبده بأسعار زهيدة، يبيعهم كصيصان المزارع، ولا حول لهم ولا قوّة إلاّ بالله.
فلمن نشتكي باسم هؤلاء الأطفال جميعاً ؟
أإلى أهل دور العبادة وقد نذروا أنفسهم لمثل هؤلاء؟
أإلى نقابة العمال في شهر عيد العمل التي غفلت عن العمّال القاصرين ومطالبهم وليس من قانون يحميهم؟
أإلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية؟
أم إلى وكالة غوث الأولاد ولجنة حقوق الطفل الدولية؟
أم إلى الضمير الإنساني الغافل عن مثل هؤلاء الضعفاء في عصر الدعوة للعولمة والإستنساخ … ؟
أم إلى الله وهو خير سميع.
هل يجوز مع إطلالة الألف الثالث أن ينظر العالم ولا يرى، أن يسمع ولا يصغي، وأن يكون له قلب ولا يرحم.
إنّ الحيوان يتبنّى حيوانا ليس من جنسه، وحَسَبََ الأساطير بشراً.
فكيف لا يشفق الإنسان على أخيه الإنسان!
يا أبناء وطني
إنّ هؤلاء الأطفال هم مستقبله شئتم أم أبيتم.
فلا تجعلوا بسبب لا مبالاتكم
دولة المستقبل
جمهورية جغرافيتها المزابل
وحكومة وزراؤها اللقطاء.
وكلّ عيد عمال وأطفال لبنان بخير.
حزيران 2000 الأب جورج صغبيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق