2009/04/15

تقديم كتاب "ما وراء الضباب" للأديب أنطوان فريد البرمكي


تقديم كتاب "ما وراء الضباب"

بدعوة من الذي لا يُرَدُّ له طلب
كيف أقول: لا.
وهو الأحبّ ليستجاب
فمهما كانت المسافاتُ شاسعةَ البَونِ
بعيدةً ولو على حافة المدى [1]
فالوصالُ الروحيُّ يقرِّبها ويدنيها.
وقد أتيتُ من "ما وراء الضباب" [2] من شمال الشمال
من حيث يشرق نجمُ القُطبِ
إلى مُقَدَّمِيَّةِ الجبل
بمناسبةِ المولودِ الجديدِ
وهو الثالثُ لأنطوانْ البرمكي
كملوكِ فارسَ أتيت
ولكني لا أحملُ لا مرّاً وذهباً، ولا لباناً
آتِ من جبالِ الأرز
لأتفقَّدَ غصناً فارعاً جديداً في جوار صنّين
آتٍ من ضفاف وادي قاديشا
ولنا في بلدة حمّانا حَجرُ زاويةٍ من مَنْبِتٍ أصيل [3]
ويجمعنا الراعي الصالح في صرحه
حيث يعرف بعضُنا لغةَ بعضٍ
لُغَةَ السِدق والحقّ
لُغَةَ المعروف والمروءة.
يجمعُنَا
مولودٌ ثالثٌ يرى النورَ
وصاحبُ المواليد مخصابٌ
في عمر الفيضِ فكراً
برمكيُّ الجودِ
ولا يُقبِضُ كفَّه
ولا قلبَه
ولا على ما في خزنةِ عقله.

كاتبُ ما وراءِ الضباب
ثالوثيُّ المعتقد ولا يشرك
شعاره: لبنانُه وأرزُه وجيشُه
يوقظ مَنْ حَوْلَه على حُلْمِه
لا بل على رؤياهُ
الآتية من وحيٍ
لتتجسّد في وطنٍ
لتصير كتاباً
لا على صخر البقاء محفور
بل في صدور شبابٍ
صاروا هُمُ الكلمات.
كتابٌ أرَّخَه مؤَلِّفُهُ يومَ الأولِ من آب
وهو العيدُ الأحبُّ إلى قلبِهِ من كلّ الأعياد [4]
كتابٌ أقلُّ ما يقالُ فيه:
مائدةٌ منزلة
يقاسمُ فيها الجميعَ
من دنِّ خابيةِ عرسِ الوطن الدائم
ويتشاركُ مع الكلِّ غذاءَ الروح
من رغيفِ قرطاسٍ هو شهوةُ الرؤى والسماع

أنطوان البرمكي
معجنٌ مخمَّرٌ بالقيمِ والأخلاق
منبِتُهُ أصيلٌ
وتُربَتُهُ صالحة
وثماره يعرفُ جودتَها من تذوَّقها

إبنٌ فريدٌ للبرمكي
فيه هدأةُ السكون
وفيه صخبُ الخلق
متدَيِّنٌ
وأمُّهُ تصلّي له
علمانيٌّ يَحْطِمُ الهياكل والشرائع التي احتوت غير رسالتها
هو معسكرٌ في شخصٍ
إستنفر كلّ طاقاته
كلَّ خلاياه
وكلَّ مَنْ هُمْ مِنْ حوله
في مسيرته
لإعلاء راية الأرز فوق كلّ الرايات
ولإعلاء إسم لبنان فوق كلّ الأسماء

إنطوان البرمكي
شاب زاخمٌ
مثالٌ لكلِّ ناهضٍ في بلدة الشلال بلدة المقدَّمين
في وطنِ المجاهدين المقاومين
يسير
لا يلوي على صعوبة
ولا على صادٍّ ماديٍّ
ولا على ساترٍ بشريّ.
هَمُّهُ
كَكُلِّ الناس
ولكنّه الأجرأ
يقول الحقَّ ولا يجبن
لا يتعب
ولا يستريح مخافة أن تهدأ الحركة
وتصابُ القضيّةُ بالروتينيّة
فيعودُ الكلُّ إلى خواءِ ما قبل الخلق
عسكر ذاته
كلّ ذاته ومَنْ حوله
وألبسهم الشرف ستراً
وهيأهم ليوم الأضاحي
وأنبت في شموخهم الوفاء [5]
ساكباً في جذورهم المناعة
حتى لا يتسرّب إليهم الذبول.

ضباب أنطوان البرمكي
يُحرّر من جاذبية المكان
يُطلق إلى حيث الروحُ يهُبُّ
فيرسم به صوراً سورياليّة الألوان
كيفما تنظر إليها تراها واضحة المعالم
ترى فيها صورةَ لبنانَ
الذي جغرافيّتَهُ أرزاً بشراً.
ما وراء الضباب
سيرةٌ ذاتيّة
لشاب في مقتبل العمرِ
بات الزمان خلفه
بعد أن سبقه وانتظره على حافة المدى [6]
ولأنَّ أفكارَه لا تستريح [7]
حطَّم شرانقَ التقاليد
وخرج منها إلى ذات الآخرين
يجولُ في أسماعهم
في أعينهم
في قلوبهم
لا يومَ سابع عنده ليستريح
ولو استراحَ
لكان عاديّاً بدون حلمٍ وبدون مواليد.

إن الإنفلات من الجاذبيّة
يحتّم التحرّر والإستقلاليّة
والإنطلاقَ في كوكبة شبيبةٍ
هي غدُ الوطنِ وأملُهُ ومستقبلُهُ
شبيبةٍ تحرّرت من صغائر الإنتماءات
ومن جاذبيّة الحزبيات والطوائفيّة
وتسامت إلى خلود الأرز
وفدية دماء الشهداء
تلبّي النداء
أن لبيك لبيك
حين ينادي النفير

أنطوان البرمكي
وشبيبةُ لبيكَ لبنانُ
اختارا
النصيبَ الأوفر
حين تُيِّما ولهاً بأرز الوطن
يتجذّران في تراباته
يتمازج الواحد بالآخر إلى حدود التماهي
وتنظر لترى عجيبة الأعاجيب
جذعاً من جذوع الأرز
يتنقّل بين البشر بشراً
وقد تجسّد الأرز إنساناً.
أنت لست في حلمٍ
بل في يقظة المعَاد
في يقظة المعرفة
وقد انشقّ رَحِمُ الفكر
ليلدَ من تصارع حب البقاء مع العدم
قصّة حبّ
تراكمت الكلمات من المعاجم
وتسارعت أبجدية قدموس
لتَكْتُبَ بمِدادِ حبيبِ عَشتارَ
على لوح الضباب
على قبة السماء
على انعكاس نور العيون
قصة وطن في هذا الشرق
يَنبعثُ من الرماد حياةً
ومن الآهاتِ زغرداتٍ
ومن ظلمة الظلم إشراقاً
ومن الدموع فرحةَ عُرسِ الشهداء

هذا التأثر
لا على الله
بل على شرائعَ صنعها الناس لزمن بحسب قساوة قلوبهم
بحسب مصالحهم
بحسب شهواتهم ورغائبهم.
هذا الثائر
جاء يحرر الله
من سجن الحجر
ليُسكنَه أجسادَ البشر
وليحرِّرَ لبنانَ من سياج الشوك
وينبت فيه شجراً بشراً خالداً
يمدّ أفنانه على حدود المدى
مكرّساً ذاته
وبدون مسح الزيت
نبيّاً من أنبياء هذا الوطن
يجمع فتافيته الحزبية والطائفية
ليصوغَ منها جغرافيةً على مساحة حلمه
وقد جمعَ من غلالِ أيامه
بيادراً
أهراءَ
يكفي لسدِّ جوعِ عجافِ حُلُمِ الفرعونَ.

حَمَلَ القلمَ سلاحاً
وجعل القرطاسَ ساحَ معركةٍ.
قائدٌ همّامٌ تلوي أمامَ عزمهِ الصعابُ
قد يغار منه
الذين أصابهم العُقُمُ فكراً
والمتخاذلون عن الدعوة
والذين لا مواليد لهم
أمّا هُوَ
فيلدُ بعدد الوحام
مخصابُ المداد
يفرح به الدعاة والأولياء والأنبياء
لأنّه ينادي بصوتهم الصارخ
من وطن الرسالة
من وطن القيم
من جنّة أنهار العسل واللبن
من لبنانَ
أن أحبّوه
أحبوا هذا الوطن
أن اعبدوه
أن نادوا بصوت الفلاح
على ترداد صدى شبيبةٍ:
"لبيك لبيك لبنان".
حمّانا - الجمعة 17 أيلول 1999
الأب جورج صغبيني
رئيس دير مار شربل بقاعكفرا
[1] - إشارة إلى كتاب أنطوان البرمكي، على حافة المدى، مطابع أبو جودة 1997.
[2] - إشارة إلى كتاب المؤلف أنطوان البرمكي ما وراء الضباب 1999.
[3] - إشارة إلى الكنيسة مار رومانوس في بلدة حمّانا التي أساسها بني على حجر جلب من كنيسة مار رومانوس في حدشيت.
[4] - رمز إلى عيد الجيش في الأول من آب
[5] - إشارة إلى شعار الجيش شرف تضحية وفاء
[6] - إشارة إلى كتاب المؤلف على حافة المدى 1997
[7] - إشارة إلى كتاب المؤلف أفكار لا تستريح 1998

ليست هناك تعليقات: