2014/02/22

أحد عرس قانا الجليل مدخل الصوم الأب جورج صغبيني


أحد عرس قانا الجليل مدخل الصوم

مع أحد قانا الجليل، تنهي الكنيسة مرحلة الأعراس والأفرح والولائم بوصيّة صُم الصوم الكبير وسائر الأصوام المفروضة، لتدخل في مسيرة زمن الصوم وتتأمّل في عجائب المسيح وتقترب في أسبوع الآلام إلى مرسى الميناء.

في رسالة القدّيس بولس يرشدنا الرسول إلى سبل عيش الصوم بروحانيّة صحيحة لا تسبّب العثار لأخواتنا.

الرّسالة إلى أهل روما 14/ 14- 23

14 وإِنِّي عَالِمٌ ووَاثِقٌ، في الرَّبِّ يَسُوع، أَنْ لا شَيءَ نَجِسٌ في ذَاتِهِ، إِلاَّ لِمَنْ يَحْسَبُهُ نَجِسًا، فَلَهُ يَكُونُ نَجِسًا.

15 فإِنْ كُنْتَ مِنْ أَجْلِ الطَّعَامِ تُحْزِنُ أَخَاك، فَلا تَكُونُ سَالِكًا في الـمَحَبَّة. فَلا تُهْلِكْ بِطَعَامِكَ ذَاكَ الَّذي مَاتَ الـمَسِيحُ مِنْ أَجْلِهِ!

16 إِذًا فَلا تَسْمَحُوا بَأَنْ يَصِيرَ الـخَيْرُ فيكُم سَبَبًا للتَجْدِيف.

17 فَلَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْبًا، بَلْ بِرٌّ وَسَلامٌ وفَرَحٌ في الرُّوحِ القُدُس.

18 فَمَنْ يَخْدُمُ الـمَسِيحَ هـكَذَا فهوَ مَرْضِيٌّ لَدَى الله، ومَقْبُولٌ لَدَى النَّاس.

19 فَلْنَسْعَ إِذًا إِلَى مَا هوَ لِلسَلام، ومَا هُوَ لِبُنْيَانِ بَعْضِنَا بَعْضًا.

20 فَلا تَنْقُضْ عَمَلَ اللهِ مِنْ أَجْلِ الطَّعَام؛ لأَنَّ كُلَّ شَيءٍ طَاهِر، ولـكِنَّهُ يَنْقَلِبُ شَرًّا عَلى الإِنْسَانِ الَّذي يَأْكُلُ وَيَكُونُ سَبَبَ عَثْرَةٍ لأَخِيه.

21 فَخَيْرٌ لَكَ أَنْ لا تَأْكُلَ لَحْمًا، ولا تَشْرَبَ خَمْرًا، ولا تَتَنَاوَلَ شَيئًا يَكُونُ سَبَبَ عَثْرَةٍ لأَخِيك.

22 وإحْتَفِظْ بِرأْيِكَ لِنَفْسِكَ أَمَامَ الله. وطُوبَى لِمَنْ لا يَدِينُ نَفْسَهُ في مَا يُقَرِّرُهُ!

23 أَمَّا الـمُرْتَابُ في قَرَارِهِ، فَإِنْ أَكَلَ يُدَان، لأَنَّ عَمَلَهُ غَيْرُ صَادِرٍ عَنْ يَقِينٍ وإِيْمَان. وكُلُّ عَمَلٍ لا يَصْدُرُ عَنْ يَقِينٍ وإِيْمَانٍ فَهُوَ خَطِيئَة.

في بداية كلّ زمن صوم ننظر إلى الآخرين لنحاسبهم على ما يجب أن يأكلوه وما ينبغي الإمتناع عنه، وبقدر ما نتساهل مع محاسبة أنفسنا نتمادى في محاسبة الآخرين على ما يتناولوه فنسبِّب لهم الأذية والحزن والشكّ.

يقول النبي أشعيا: " أَلَيْسَ هذَا صَوْمًا أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ. أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ" (أش 58: 6-7).

كذلك يدعونا مار بولس إلى الرفق ببعضنا البعض، فلا نُحزِن أخينا بسبب الطعام، فإن كان الطعام سبب عثرة له فعليّ أن أتخلّى عن موقفي حفاظًا على الآخر. فهل الطعام أكثر أهمية من الإنسان الذي مات من أجله المسيح.

وإن ملكوت الله ليس أكلاً وشربًا... بل حبّا وسلاما...

ونتأمل في الإنجيل بوليمة العرس التي حوّل فيها المسيح الماء خمراً وهي مقدمة لوليمة الفصح التي حوّل فيها المسيح الخمر إلى دمه.

إنجيل يوحنا 2/ 1- 11

1 وفي اليَوْمِ الثَّالِث، كَانَ عُرْسٌ في قَانَا الـجَلِيل، وكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاك.

2 ودُعِيَ أَيْضًا يَسُوعُ وتَلامِيذُهُ إِلى العُرْس.

3 ونَفَدَ الـخَمْر، فَقَالَتْ لِيَسُوعَ أُمُّهُ: "لَيْسَ لَدَيْهِم خَمْر".

4 فَقَالَ لَهَا يَسُوع: "مَا لِي ولَكِ، يَا إمْرَأَة؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْد!".

5 فقَالَتْ أُمُّهُ لِلْخَدَم: "مَهْمَا يَقُلْ لَكُم فَإفْعَلُوه!".

6 وكَانَ هُنَاكَ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حَجَر، مُعَدَّةٌ لِتَطْهيِر اليَهُود، يَسَعُ كُلٌّ مِنْهَا مِنْ ثَمَانِينَ إِلى مِئَةٍ وعِشْرينَ لِترًا،

7 فقَالَ يَسُوعُ لِلْخَدَم: "إِملأُوا الأَجْرَانَ مَاءً". فَمَلأُوهَا إِلى فَوْق.

8 قَالَ لَهُم: "إستقوا الآنَ، وقَدِّمُوا لِرَئِيسِ الوَلِيمَة". فَقَدَّمُوا.

9 وذَاقَ الرَّئِيسُ الـمَاءَ، الَّذي صَارَ خَمْرًا - وكانَ لا يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ، والـخَدَمُ الَّذينَ إسْتَقَوا يَعْلَمُون - فَدَعَا إِلَيْهِ العَرِيسَ

10 وقَالَ لَهُ: "كُلُّ إِنْسَانٍ يُقَدِّمُ الـخَمْرَ الـجَيِّدَ أَوَّلاً، حَتَّى إِذَا سَكِرَ الـمَدعُوُّون، قَدَّمَ الأَقَلَّ جُودَة، أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الـخَمْرَ الـجَيِّدَ إِلى الآن!".

11 تِلْكَ كَانَتْ أُولَى آيَاتِ يَسُوع، صَنَعَهَا في قَانَا الـجَلِيل، فَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، وآمَنَ بِهِ تَلامِيذُهُ.

يعتبر البعض أن زمن الصوم الكبير هو زمن الحزن والقهر والألم والعذاب وذرّ الرماد ولبس المسح والإنقطاع عن الطعام والشراب... فهذه كلّها أعمال بِرٍّ يقوم بها الإنسان ولكن الله يريد أكثر من هذه جميعها.

فالصومٍ الحقيقيّ ليس ما نمتنع عنه من مأكل أو من مشرب بل فلنغسل وجوهنا حتى لا نُظهِر للناس صيامنا كالفرّيسيين.

ليكن صيامنا على مثال صوم ربّنا يسوع المسيح الذي صام أربعين يوما وجرّبه الشيطان في ثلاث تجارب فانتصر على إبليس:

1- ليعلّمنا بأن لا نجرّب الرب

2- أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان

3- للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد

يكشف لنا يسوع في عرس قانا قُدسية الزواج كما يوم خلق الله المرأة من ضلع آدم،

ويُظهِر لنا أنّ أمّه تسهر على حاجاتنا وتتشفّع لديه: " ليس لديهم خمر".

وتدعو الخدم لطاعة إبنها: "إفعلوا ما يأمركم به".

فالصوم هو تحوّل حياتنا إلى الفرح في قلب العائلة والكنيسة، كما تحوّل الماء إلى الخمر فأبهج القلوب فرحًا.

وإنطلاقا من عرس قانا، نسير في زمن الصوم واثقين أن الرب حاضرٌ معنا. فنُظهر مجد يسوع للناس ليؤمن به من نلتقي بهم كما "آمن به تلاميذه".

فنفاذ الخمر دلالة على فراغ أجاجين أفكارنا وعقلنا وحياتنا، فيأتي المسيح بدعوة من العذراء ليحوّل ضعفنا إلى قوّة ويأسنا إلى رجاء وخوفنا إلى شجاعة...

عندما تنفد خمرتي في العرس الحقيقي

خمرة الرحمة والعدالة

خمرة المسامحة والغفران

خمرة المحبّة والرأفة

فلنلتجئ إلى مريم المرأة التي لا يُرَدُّ لها طلب. حتى ولو سَمِعَت: "ما لي ولك يا إمرأة". فإن الرب لا بدّ يفعل ما تطلبه منه أمّه.

في عرس قانا رغم ثياب العرس والزينة والمآكل والشراب... يعيدنا المسيح إلى عرينا الأول في عدم معرفتنا ورغم أننا أكلنا من ثمار المعرفة فلا زلنا في فراغ ونجهل الكثير من الأمور بعيدا عن المسيح.

ومع فرح عرس قانا الجليل الذي هو الأحد الأول من الصوم المبارك يبدأ فرح عرس القيامة من الموت الذي هو فرح العرس السماوي.

صلاتنا من أجل كل عريس وعروس يؤسسان عائلة جديدة كما يوم خلق الله أدم وحواء

صلاتنا من أجل كل عائلة تؤسس من أجل الكنيسة العائلة والوطن العائلة

صلاتنا من أجل الخدّام الّذين يفعلون ما يأمرهم به أسيادهم.

صلاتنا من أجل الرهبان والراهبات الّذين يفعلون ما يأمرهم به رؤساؤهم.

ومع مدخل الصوم ننقاد في مسيرة توبة وصلاة ومشاركة جميع البشر في العالم كلّه المُصابينَ من جرَّاءِ الإجرام ضِدَّ الإنسانيَّة، ومن أجل كل المتألمين جسدًا وروحًا مِن غَدرِ وسياسة رؤسائهم والمسؤولين عنهم... ليبقى الفرح والرجاء لجميع بني البشر

 

ليست هناك تعليقات: