2016/09/12

عيد الأضحى بين إسحاق اليهودي وإسماعيل المسلم صورتان لعيد فصح المسيح وفدائه الإنسان على الصليب الأب جورج صغبيني

عيد الأضحى بين إسحاق اليهودي وإسماعيل المسلم صورتان لعيد فصح المسيح وفدائه الإنسان على الصليب

إبراهيم 1900 قبل الميلاد و2500 قبل الهجرة
تنحدر الشعوب السامية من إبراهيم، وبحسب المفهموم الإسلامي منها الشعوب العربية. وفي القرءان الكريم شرّف الله إبراهيم بلقب خليل الله. كما وإن القرءان الكريم ينوّه إلى أن مُعتقد إبراهيم كان الإسلام مما يدل على أن الدين غير مرتبط بالبعد الزماني ولذلك فإن الدين عند الله هو الإسلام.
عند ولادة إبراهيم في القرن التاسع عشر قبل الميلاد كان يحكم بابل ملك اسمه نمرود. دعا إبراهيم قومه لعبادة الله الواحد الأحد وترك عبادة الأصنام. وفي إحدى المناسبات دخل إبراهيم إلى المعبد وحطم الأصنام مما أثار نقمة الملك عليه وأدى إلى الحكم عليه بالموت رمياً في النار. ولما رُمي إبراهيم في النار صارت برداً وسلاماً عليه وخرج منها سليماً لا ضرر عليه وكان ذلك معجزة أيده الله بها لإثبات مقامه.
كان إبراهيم وزوجته سارة قد تقدما بالسنّ دون أن يُرزقا ولداً. وبقي الحال كذلك إلى أن أوحى الله إلى إبراهيم أن يتزوج خادمة زوجته هاجر المصرية التي ولدت له إسماعيل. وبعد ذلك أخذ إبراهيم هاجر وابنها إسماعيل في رحلة مع قافلة ذاهبة إلى اليمن. وفي المكان الذي يسمى مكة حيث بنى آدم أول بيت لله. في تلك الصحراء الجافة حيث لا زرع فيها ولا ماء أمر الله إبراهيم أن يترك هاجر وابنها إسماعيل الذي صار الجدّ الأول للعرب في ذلك المكان. فعل إبراهيم ما أمره الله به وأكمل سفره مع قافلته بقلب مطمئن أن الله خير من يستودع عنده الأحباء بعد أن دعا لهما كما يروي القرآن الكريم في سورة إبراهيم الآية 37: "ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون".
كل هذا حدث بعد أن وهب الله سارة زوجة إبراهيم إبنا سمّياه إسحاق الذي صار الجدّ الأول لليهود.
إن إيمان إبراهيم بالله يتمثّل بالتضحية بابنه إسماعيل كامتحان إلهي له.
فحين باشر إبراهيم بتنفيذ الأمر الإلهي أضحت السكين ثلمة ولم تقطع وأرسل الله له حملا كأضحية بديلة. وتعد هذه المناسبة أصل عيد الأضحى الذي يحل دوماً في شهر ذي الحجة. الذي يزور فيه المسلمون مقام ضريح إبراهيم في الخليل تقديساً لمقامه ويحجّون إلى بيت الله الحرام.

إسحاق في الإسلام
إسحاق هو ابن إبراهيم من زوجته سارة، وقد كانت البشارة بمولده من الملائكة لإبراهيم وسارة، لما مروا بهما ذاهبين إلى مدائن قوم لوط، ليدمروها عليهم لكفرهم وفجورهم، وذكر الله إسحاق في القرآن الكريم بأنه "غلام عليم" وجعله الله نبيا ومن نسله يعقوب، ومن يعقوب جاء يوسف والأسباط.
لا يذكر القرآن الكريم غير ومضات سريعة عن إسحاق. كان ميلاده معجزة، عندما كان إبراهيم وسارة كبيرين في السِّن فبشرتهم به الملائكة.
وذكر إسم اسحاق في القرآن الكريم في ستة مواضع هي: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. سورة الأنعام 84.
"وَامْرَأَتُهُ قَائِمَة فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ". سورة هود 71.
"فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا". سورة مريم 49.
"وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ". سورة الأنبياء 72.
"وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ". سورة العنكبوت 27.
"وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِن وَظَالِم لِنَفْسِهِ مُبِين". سورة الصافات 113.
قال ابن كثير في تفسيره: يخبر تعالى أنه وهب لإبراهيم إسحاق، بعد أن طَعَن في السن، وأيس هو وامرأته "سارة" من الولد، فجاءته الملائكة وهم ذاهبون إلى قوم لوط، فبشروهما بإسحاق، فتعجبت المرأة من ذلك وقالت: قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوز وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْء عَجِيب. قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيد، سورة هود 72 و73. " وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ، سورة الصافات 112. "وَامْرَأَتُهُ قَائِمَة فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، سورة هود 71. قال تعالى:" وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا"، سورة مريم 49. وقال: "وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ"، سورة الأنعام 84.

إسماعيل الأضحية
لفظ إسماعيل يعني إسمع يا إيل أي إسمع يا ألله
إن إسماعيل حين قال له والده أنه تبلغ الأمر الإلهي أن يذبحه فما كان منه إلا أن قبل ذلك بنفس مطمئنة رضية مذعن لأمر الله. ولما باشر إبراهيم بتنفيذ الأمر الإلهي أضحت السكين ثلمة ولم تقطع وأرسل الله لإبراهيم حملا كأضحية بديلة عن إسماعيل. وهذه الحادثة هي أصل عيد الأضحى الذي يُحتَفل به في شهر ذي الحجة.
فإسماعيل تركه أبوه إبراهيم مع أمّه هاجر في صحراء لا زرع فيها. هناك نفذ الماء منهما وبعد أن سعت هاجر بين هضبتي الصفا والمروة عدة مرات ذهاباً وإياباً بحثاً عن الماء تفجر الماء أمام قدمي إسماعيل. وكان بئر زمزم.
وكان لإسماعيل 12 إبناً، ومن ابنه الثاني قيدار ينحدر العرب وهو جدّ النبي محمد (ص).

إسحاق عند اليهود
كان إسحاق الأب الثاني من بين الآباء الثلاثة لبني إسرائيل. ويعني اسمه "يضحك" أو المضحوك عليه من أخيه وأمّه، وأعطاه أبوه إبراهيم هذا الاسم لأنه وزوجته سارة قد ضحكا عندما وعدهما الله بأن سارة ستلد أبناً وعمرها تسعين سنة وعمر إبراهيم مئة سنة.
والتوراة عند اليهود لا تقيم أهميّة لإسحاق بقدر أبيه إبراهيم وإبنه يعقوب، وتبرز شخصية إسحق بوضوح عندما امتحن الله إبراهيم بأمر تقديم إسحق قرباناً كما هي العادة عند الشعوب الكنعانية.
في لحظة الذبح، نادى ملاك الله إبراهيم، وقال له: "لا تمدّ يدك على إسحق ولا توقع به ضررا لأني علمت أنك تخاف الله". وتطلع إبراهيم حوله فرأى خلفه كبشاً قد علق بفروع أشجار الغابة، فذهب وأحضره وأصعده محرقة عوضا عن إبنه. (سفر التكوين ٢٢: ١١-١٣)
وبعد هذه الأحداث، بعث إبراهيم خادمه اليعازر ليجلب زوجة لإسحق، وجعله يقسم بأن لا يأخذ زوجة لإسحق من بنات الكنعانيين، وإنما أمره بأن يذهب إلى أرض مولد إبراهيم ليجلب منها زوجة لإسحق. وعاد اليعازر برفقة ابنة بتوئيل إبن ملكة زوجة ناحور أخو إبراهيم.
والتقى إسحق رفقة لأول مرة عندما خرج قبل المساء إلى الحقل منتظرا عودة اليعازر مع عروسه:" وَإِذْ تَطَلَّعَ حَوْلَهُ شَاهَدَ جِمَالاً مُقْبِلَةً، وَرَفَعَتْ رِفْقَةُ كَذَلِكَ عَيْنَيْهَا وَرَأَتْ إِسْحقَ فَتَرَجَّلَتْ عَنِ الْجَمَلِ، وَسَأَلَتِ الْعَبْدَ: «مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الْمَاشِي فِي الْحَقْلِ لِلِقَائِنَا؟» فَقَالَ الْعَبْدُ: «هُوَ سَيِّدِي». فَتَنَاوَلَتِ الْحِجَابَ وَتَغَطَّتْ...(سفر التكوين ٢٤: ٦٢-٦٦). وكان هذا بعد موت سارة، فَأَدْخَلَ إِسْحقُ رِفْقَةَ إِلَى خَيْمَةِ أُمِّهِ سَارَةَ، وَتَزَوَّجَهَا وَأَحَبَّهَا وَتَعَزَّى بِهَا بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ (سفر التكوين ٢٤: ٦٧).
وكان إسحق في الأربعين من عمره عندما تزوج. وكانت رفقة عاقراً، وصلّى إسحق إلى الرب من أجلها، فاستجاب له الرب فحملت (سفر التكوين ٢٥: ٢٠-٢١) وأنجبت توأماً هما يعقوب وعيسو، اللذين أصبحا منافسين على حقّ البكرية وبركة إبيهما. وكان نصيب البكرية ليعقوب بمساعدة والدته...

إسحاق الأضحية في اليهودية
إسحاق ومعنى إسمه " الذي يضحك". هو ابن إبراهيم وهو أبو يعقوب وعيسو.
اسحق في التوراة هو ابن إبراهيم من زوجته سارة، وكان الطفل الوحيد الذي رزقا به. وقد خَتَنَ إبراهيم ابنه اسحق عندما أصبح عمره ثمانية أيام. وهو أوّل المختونين.
اختارت له سارة اسم "اسحق" لأن الملاك وعدها بأنها ستصبح أماً. لذلك ضحكت، وعندما وُلد الطفل قالت سارة: " لَقَدْ أَضْحَكَنِي الرَّبُّ. كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ هَذَا الأَمْرَ يَضْحَكُ مَعِي".
وأرضَعَت سارة ابنها اسحق ولم تدع إسماعيل يكون الوريث لإبراهيم مع ابنها اسحق، لذلك طلبت من إبراهيم أن يطرد هاجر وابنها إسماعيل من بيته.
عندما وصل اسحق الأربعين من العمر، أرسلت سارة خادم زوجها إبراهيم إلى بلاد ما بين النهرين ليختار لابنها اسحق زوجة من عائلة لابان نسيب سارة. وَمَنَّ الله على رفقة بنعمة الحمل، فحمَلَت رفقة بتوأم، عيسو ويعقوب، فأحبّ اسحق عيسو، وأحبّت رفقة يعقوب.
تقدم اسحق بالسن، وبلغ 137 سنة، وضعف بصره، فدعى ابنه البكر عيسو، وأمَرَه أن يجهز له طعاما من لحم الغزال، ليأكل قبل أن يموت. لكن بينما كان عيسو يصطاد، تسلل يعقوب ليسرق البركة من أبيه بحيلة من أمّه.

عيد الأضحى
هو ذكرى فداء إسماعيل عند المسلمين وإسحاق عند اليهود.
يعتبر هذا العيد ذكرى قصة إبراهيم عندما أراد التضحية بابنه إسماعيل تلبية لأمر الله، لذلك يقوم العديد من المسلمين بالتقرب إلى الله في هذا اليوم بالتضحية بأحد الأنعام: خروف أو بقرة أو ناقة وتوزيع لحم الأضحية على الأقارب والفقراء وأهل بيته.
روى أبو داود والترمذي في سننه أن النَّبيُّ (ص) قَدِمَ المدينةَ و لَهُمْ يومَانِ يلعبُونَ فيهِمَا. «فقال رسول الله (ص): "قدْ أبدلَكم اللهُ تعالَى بِهِمَا خيرًا مِنْهُمَا يومَ الفطرِ ويومَ الأَضْحَى"»، وروى الترمذي في سننه «أن رسول الله (ص) قال: "يومُ عرفةَ ويومُ النحرِ وأيامُ التشريقِ عيدنا أهلَ الإسلامِ، وهيّ أيامُ أكلٍ وشربٍ"».
ولعيد الأضحى أسماء مختلفة عند المسلمين منها: يوم النحر، والعيد الكبير، وعيد الحجاج، وعيد القربان. وتتسم أيام العيد بالصلوات وذكر الله، والفرح، والعطاء، والعطف على الفقراء وتزدان المدن والقرى الإسلامية بثوب جديد كما أن الأطفال يلبسون اثوابا جديدة، وتكثر الحلوى والفواكه في بيوت المسلمين.
كانت تسمية هذا العيد بعيد الاضحى، نسبة وتيمنا بإبراهيم الذي أُمِرَ ان يذبح ابنه إسماعيل تلبية لطلب الله الذي افتدى إسماعيل بكبش ذبحه إبراهيم لوجه الله.
ويقوم المسلمون بذبح اضحياتهم تطبيقا للآية الكريمة من قول الله : "انا اعطيناك الكوثر ،فصلّ لربك وانحر".
قال جبير بن نفير: كان أصحاب رسول اللَّه إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبّل الله منّا ومنك.

عيد الأضحى عند الدروز
يعتبر هذا العيد من أهم الأعياد الدرزية، والأضحى هو عيد ديني تقليدي وشعبي عند الموحدين، والأضحية في المعتقد الديني للدروز هي التضحية بشهوات النفس في هذه الدنيا الفانية ابتغاء نعيم الآخرة.
ففي كتاب المؤرخ المصري الكبير، الأستاذ محمد عبدالله عنان بعنوان: "الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية" مكتبة الخانجي- القاهرة. يذكر في صفحة 352:
"عيد الأضحى أو عيد النحر، كما كانت تسميته في ظل الدولة الفاطمية، هو نحر الأضحية...
وجاء في كتاب الدكتور حسن البعيني "جبل العرب" الصادر في بيروت عن دار النهار عام 1985 ص 147: عن عيد الأضحى في جبل الدروز قوله: "وعيد الأضحى هو العيد الديني الوحيد الذي يحتفل به الدروز، وينتظرونه من عام إلى عام، لأن أيامه ولياليه المباركة مناسبة لإجتماعهم وبعث الغبطة في قلوبهم...
وفي يوم العيد تذبح الذبائح في جميع الدور إلا الدار التي مات منها أحد ودار أقربائه" والعادة السائدة عند دروز الجبل هي أن جميع الدور تستحضر مناسفها إلى المضافة الكبرى التي تخص كبيرهم أو شيخ بلدتهم. ويجلسون سوية من طفل رضيع إلى شيخ جليل بالمناوبة. ويزورون بعضهم بعضا. والجميع يحضرون لمعايدة كبيرهم أولا. والشيخ لا يزور أحدا في ذلك اليوم إلا البيت المحزون فقط، أما في اليوم الثاني فيزور الجميع بدون استثناء."

معنى عيد الأضحى
سُميَ عيد الأضحى عيداً لأنه يعود بالفرح والسرور على أهله، وأصل المعنى للعيد هو كل يوم فيه جمع. وفي المعنى الاجتماعي، العيد هو يوم تجديد وتمتين للروابط الاجتماعية على أساس من الحب، والوفاء والإخاء. في هذا اليوم يتذكر الغني أخاه الفقير، فيتصدق الناس الخيّرون وعندها تشمل الفرحة كل بيت، فلا تُشرق شمس العيد إلا والبهجة تغمر القلوب والبسمة تعلو الشفاه. وأما في المعنى الديني، فالعيد هو شكر لله على تمام العبادة.
ليس لطائفة الموحدين الدروز أعياداً خاصة، لكن عيد الأضحى يحظى بأهمية كبيرة. إذا كان الفطر بعد الصيام هو فرح بمائدة الطعام في الدنيا وهو رمز لفرح الطائعين الصابرين بريّ النفوس من رؤية الملك القدوس في الآخرة. فالأضحى هو العيد الأكبر حيث يأتي بعد مشقة الحج والتقرب إلى الله بالقربان المفروض. والقربان إسم لكل ما يتقرب به إلى الله تعالى، وقصة هابيل وقابيل التي هي خير شاهد على أهمية القربان، هي القصة الأولى في مسيرة الأنبياء منذ عهد آدم.
قيل أن قابيل أراد ارتكاب معصية فنهاه أخاه هابيل، فلما تنازعا قال لهما والدهما قرِّبا قرباناً لله فمن قبل الله قربانه يُقبل قوله. فتقرَّب هابيل وكان راعياً، بخير كبشٍ في غنمه فتقبَّل الله قربانه. وتقرب قابيل وكان مزارعاً، بأردأ ما كان عنده من القمح فلم يتقبل الله قربانه. ولما علم والدهما بالخبر هنأ هابيل وعزّى قابيل وقال له تُب إلى ربك فغضب قابيل غضبّاً شديداً وقال لأخيه هابيل لأقتلنّك.
ولا بد لدرك معاني الأضحى في المفهوم الإسلامي من العودة إلى إبراهيم الذي عاش قبل الإسلام بألفين وخمسماية عام تقريباً، إذ رأى إبراهيم في منامه رؤيا أن الله تعالى يأمره بذبح ولده، ورُؤيا الأنبياء "وحي". فما كان من إبراهيم بعد أن استيقظ من النوم إلا أن سَارع لتنفيذ أمر الله دون تردد، فقال لولده لننطلق ونقرِّب قرباناً إلى الله، فأخذا سكيناً وحَبلاً وانطلقا حتى سارا بين الجبال فقال له ولده: يا أبت أين قربانك؟ فقال له إبراهيم: "إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ". سورة الصافات 102 فاستسلم الغلام وقـال:" يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ". سورة الصافات 102.
فلما أسلما أي انقادا لأمر الله فإذا بصوت ينادي إبراهيم :"قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ". سورة الصافات 105- 107
وأرسل الله لإبراهيم بذبيحٍ وهو كبشٍ عظيم ذبحه فداء عن ولده.
وخيرُ ما يستدل من هذه القصة الطاعة لله عز وجل والتسليم لمشيئته تعالى.
فالأضحى صلاة ونحر أي تقدمة على سبيل الشكر. وقد قال المفسرون بأن الصلاة والنحر فسِّرتا بصلاة العيد، وهي الصلاة الخالصة لوجه الله، والنحر هو التضحية بأفضل الأنعام من خِيار ملكِ المسلمين، لذلك كان لا بد للإنسان أن يقدم أفضل ما عنده لله.
وإذا كان معنى القربان التقرُّب إلى الله والافتداء من عذاب جهنَّم، والمؤمن يُقَدِّمه في الأضحى، فانه احتفال يتجاوز الحدودَ ليكون عيداً بفرح الآخرة التي لم يأتِ زمنها بعد، وهي أبديّة لا انتهاء لها.
وإذا كان لا بُدَّ من فِديةٍ وتضحيةٍ تليق بنيلِ الفرحِ السَّرمدي، فإن لحوم الأنعام ودماءها وان كانت واجبة التقديم، فإنها لا تكفي لأنها من عالم الفناءِ، والجوهر الأبقى هو النَّفس الإنسانيَّة التي يبشِّرها الله بالفوز العظيم.

الأضحى أو الفصح عند المسيحيين
يعود تذكار عيد الفصح عند المسيحيين إلى حدث فصح خروج اليهود من عبودية المصريين.
وإن كلمة "الفصح"، تدل على التحرير والإطلاق والعبور من أرض الشقاء الى أرض الحرية والرخاء، أو الخلاص من عبودية الشرّ والشبطان. فالخلاص هو سبب الفصح وغايته. وهذا العبور قد دام أربعين سنة، (الخروج والعدد وتثنية الاشتراع ). والانسان ينتظر منذ خروجه من الجنّة مجيء المخلص ...لإخراجه من وادي الدموع ومن أرض الشوك والقطرب ومن أرض المخاض والألم إلى الجنّة الموعودة.
فالعبور، في الفكر اليهودي وفي الفكر المسيحي، هو الخروج من الضيق الى الخلاص وهو دلالة على ولادة جديدة، لدخول أرض الميعاد الرمز لملكوت السموات.
فالفصح هو قيام موسى النبي بإخراج العبرانيين من العبودية المصرية، في اليوم الرابع عشر من شهر نيسان، وهذا العيد يكون: انّ ربّ كل عائلة يأخذ حملا في اليوم العاشر من شهر نيسان القمري، ويحفظه الى اليوم الرابع عشر من الشهر ذاته القمري، وفي ذلك اليوم يذبحونه ويأكلونه مشويا بدون ان يبقوا منه شيئا الى الصباح، وان " لا يكسروا له عظما " ( خروج 12/46 وعدد 9/12 ويوحنا 19/33و36 ).
هذا العيد هو رمز الخلاص من الأسر ومن العبودية، ومنه اتخذت الكنيسة معنى الخلاص أو الفصح الذي صنعه الرب يسوع ( 1 قور 5/7 ).
فقربان ملكي صادق (تك 14/18): الخبز والخمر، علامة لفصح المسيح تحت اعراض الخبز والخمر، في القداس الالهي، الذي هو تجديد ذبيحة الصليب، بنوع غير دموي.
وذبيح ابراهيم، اذ بأمر الله اراد ان يقدّم ابنه، ولم يشفق على وحيده (تك 22/1-13). وقد رأى أباء الكنيسة في ذبيحة ابراهيم بإبنه صورة لآلام الابن الوحيد، وتضحية الآب السماوي: "انّ الله لم يشفق على ابنه بل اسلمه إلى الموت من أجلنا جميعاً". (روم 8/32) و(يوحنا 3/16)...
فالفصح اليهودي تمهيد للفصح المسيحي ويشير اليه، فذبح الحمل الفصحي اليهودي دلالة على ذبح "حمل الله". (يوحنا 1/29 و36)، "الحمل الذي سيق إلى الذبح" (اشعيا 53/7) ...

الفصح المسيحي
المسيح أمر اثنين من تلاميذه باعداد ما يلزم للفصح واعداد غرفة ليقيمَ فيها الفصح مع رسله. ويصف القديس متى لنا ذهابَ يسوع إلى اورشليم من بيت فاجي باحتفال، لأن اليهود كانوا يأخذون حملان الفصح من بيت فاجي، في العاشر من نيسان القمري باحتفال لتُذبَح في اورشليم في الرابع عشر منه ويسوع سَيُصْلب ذبيحةَ فداءٍ عن الناس جميعا في اورشليم (متى 21/1).
ففصح الابن الوحيد، الذي هو حَمَلُ الفصحِ الذي ذُبِحَ لأجلنا، هو فداء للبشرية جمعاء (1 قور 5/7). فكما جعل موسى الدم على عارضتي أبواب اليهود والعتبة العليا علامة لنجاتهم من سيف ملاك الربّ كذلك كان فخر بولس وكل المسيحيين (غلاطية 6/14) بالخلاص بدم يسوع حمل الله.
فالدم على الأبواب (خروج 12/7 و22) هو رمز دم المسيح "الحمل" (1 بطرس 1/18-19)، الذي يحفظ الموسومين بدمه من الهلاك وللخروج والعبور من الظلمة إلى النور (2 بطرس 2/9).
فالفصح اليهودي يقوم بذبح الثيران والعجول والخراف ورش الدم.(عدد 19/9) والأضحى الإسلامي يقوم بذبح أفضل الأنعام.
وأمّا فصح المسيح فهو ذبيحة موته على الصليب وقيامته، المتجدّدة في ذبيحة القداس الالهي: بالخبز خذوا كلوا هذا هة جسدي، وبالخمر خذوا اشربوا هذا هو دمي. الذي هو أيضا تهيئة للعبور إلى جنّة الملكوت حول الحمل الذبيح كما في سفر الرؤيا حيث الفوز العظيم.

 

أعاد الله هذا العيد عليكم وعلى لبنان بالخير واليمن والبركات.

 

 
 
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات: