2013/04/13

بوسطة 13 نيسان 1975 الأب جورج صغبيني


بوسطة 13 نيسان 1975

أمٌّ تشرح لصغيرها قصة البوسطة
 
مع حادثة عين الرمانة، في اليوم الثالث عشر من أبريل (نيسان) عام 1975، بدأت الحرب في لبنان. ففي هذا اليوم سقط أربعة وثلاثون قتيلاً، هم أربعة لبنانيين من حزب الكتائب اللبنانية وثلاثون فلسطينياً.
وقعت الحادثة عندما اجتازت سيارة تقلّ مسلحين أطلقوا النار علي مصلين متجمهرين أمام الكنيسة، فقتلوا أربعة منهم وغابوا عن الأنظار. وبعد الحادثة كان مرور "بوسطة" تقلّ عدداً من الفلسطينيين في محلة عين الرمانة فتعرضت لإطلاق أودى بحياة جميع ركابها.
وخرجت بيانات المنظمات الفلسطينية وحزب الكتائب اللبنانية بروايتين مختلفتين. فاقصر بيان منظمة التحرير الفلسطينية روايتها علي مرور إحدى سيارات الباص التي تقل عدداً من المواطنين الفلسطينيين في محلة عين الرمانة حيث تعرضت لإطلاق كثيف من مكامن نصبتها عناصر من حزب الكتائب بتدبير مسبق.
وبيان حزب الكتائب اقتصرت روايته علي مرور سيارة فيات مسرعة ومغطاة الرقم وفي داخلها أربعة مسلحين اجتاحت الشارع وأخذ المسلحون يطلقون النار علي جموع المصلين، مما أدي إلي سقوط قتلى وجرحى.
 ونجم عن الحادثة انتشار المسلحين، وقطعهم الطرق العامة في عين الرمانة نفسها، وفي فرن الشباك، وقطع مسلحون فلسطينيون ولبنانيون طرق محلة الغبيري، ومحلة الشياح.
 وفي المساء فجرت عبوة ناسفة علي مقربة من بيت الكتائب، في حارة حريك، المحلة المحاذية لمخيم برج البراجنة الفلسطيني. وأطلقت قذيفة مضادة للدروع، من طرز (آر.بي.جي.)، علي مدرسة حارة حريك الرسمية. وفي الساعة الواحدة صباحاً من نهار اليوم الرابع عشر من أبريل (نيسان) مرت سيارة، تقل مسلحين، بإزاء بيت الكتائب القائم قرب ساحة البرج، ورمى ركاب السيارة النار علي المبني فأردوا شخصين كانا أمامه. فلما مرت، بعد دقائق قليلة، سيارة أمام المبني رماها حراسه بقذائف (آر.بي.جي.) فقتلوا رجلين كانا يستقلانها. وأطلقت نيران البنادق الآلية، وقذائف القاذفات المضادة للدروع، في أحياء بيروت كافة. فآذنت الحوادث المتفرقة هذه بحوادث مثلها، في أنحـاء مخـتلفة من لبنان: في مديـنة زحلة (في سهل البقاع)، وفي عكـار بشمال لبنان... واستقرَّ في شطريّ بيروت، غربها وشرقها، حال طوارئ أهلية أنفذتها المنظمات المسلحة، وما لبثت أن انفجرت تراشقاً مسـتمراً، وقطَّـعت العاصمة مناطق تفصلها خطوط تماس أو جبهات عسكرية وخنادق ثابتة. ودخل لبنان كله، مذ ذاك، في نفق المعارك المتنقلة من ناحية إلي ناحية، ومن مدينة إلي مدينة، ومن محافظة إلي محافظة.
وبنت القوى السياسية، اللبنانية والفلسطينية، علي حادثة عين الرمانة نتائج متباينة. فنفى رئيس حزب الكتائب اللبنانية، بيار الجميَّل، عن جميع العاقلين من الفلسطينيين تهمة العمل علي إشعال الفتنة في لبنان والإقدام على مثل هذه الأعمال. وحمَّل أيدٍ مجرمة، قد لا تكون فلسطينية ولم يستبعد أن تكون إسرائيلية، التبعة عن أعمال إشعال الفتنة. ولم يتطرق بيار الجميل إلي تهمة حزبه بالمسؤولية عن الحادثة الدامية، ولو من باب النفي. أما ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فأرسل باسم اللجنة برقية إلي الملوك والرؤساء العرب، جاء فيها: "إن المجزرة الدموية التي نفذتها عصابات حزب الكتائب المسلحة ضد أبناء شعبنا الأبرياء العزَّل هي مؤامرة مكشوفة تقوم بها هذه العصابات بتنسيق وتوجيه من الإمبريالية والصهيونية... في محاولة لخلق فتنة وضرب الأخوة الفلسطينية - اللبنانية. ودعا عرفات الملوك والرؤساء إلي إحباط المؤامرة، ومعالجة الأزمة من طريق دعوة السلطات المسؤولية في لبنان الشقيق للضرب علي أيدي عصابات الكتائب الآثمة".
وماشت الأحزاب والقوي الوطنية والتقدمية، وتجمع المنظمات اليسارية: الشيوعي والناصري والبعثي والقومي السوري، وعلي رأسها الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، رأي رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. فحمَّلت حزب الكتائب المسؤولية عن مجزرة الفلسطينيين، واتهمت الحزب بتنفيذ المخطط الإستعماري الصهيوني، وجمعت المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية والتقدمية في هدف واحد وصف واحد. وخلص البيان من مقدماته هذه إلى مطالبة الحكومة اللبنانية بأن تضرب بيد من حديد علي محترفي الإجرام السياسي من عصابة الكتائب. ودعا الحكومةَ، إلي اقتحام المناطق التي تحتلها ميليشيا الكتائب وتطهرها، وحلّ الحزب، وطرد وزيري الكتائب من الحكم ومقاطعة هذا الحزب وطنياً وسياسياً وقطع كل حوار معه.

ورغم مرور 37 عاما على التلاعب بمصيرنا، لا زال شعبنا يعاني من الجهالة المُفـتِنة والمفتِّـتة في لبنان، ولا زال التطاحن على الحكم والسلطة والتسليم لمشيئة الغير يشل وطن الارز ويقضي على هوية وجوده. 

سيطر الحقد على البلاد، فأصبح قتل ابناء الوطن الواحد واجب،
المسلحون منتشرون في الازقة والزواريب، نصبوا عدة العمل “المتاريس والحواجز”. وبدأ الكابوس الاسود بكل ما فيه من دم وموت وتطرف وطائفية.
تحولت مدينة بيروت "ستّ الدنيا" إلى مدينة الموت والاشباح، وانقسمت إلى شرقية وغربية وسيطرت عليها ميليشيات القتل والموت الطائفي، بأسم الدين الذي هو منهم براء.
فمن يحاسب من كان سبباً بهذه الحرب، من يحاسب كل قادة الميليشيات هؤلاء الذين يجلسون على كراسي الحكم اليوم.
  
في الثالث عشر من نيسان من عام 1975 كانت محاولة اغتيال بيار الجميل التي أشعلت فتيل الحرب التي كان ضحيتها
500   ألف شخص تم تهجيرهم من منازلهم
184   ألف جريح
150   ألف قتيل
17     ألف مخطوف
و13   ألف مفقود·
2640  إنفجار سيارة مفخخة...
وبلغت الخسائر الماديّة 63 مليار دولار.
وما زال ملف المفقودين مفتوحاً إلى يومنا هذا، مع ما رافق الحرب من اضرار إقتصادية جغرافية وبشريّة ديمغرافية
  
 13 نيسان 1975
الرصاصة الأولى في 13 نيسان حوّلت الحكماء في لبنان إلى زعران شوارع صنعوا ذلك التاريخ. وقد تسلّقوا على أهرامات الجثث. الذين ما أن تخمد النار حتى يعيدون إشعالها. وفي كلّ يوم جنازة.
فهل اعتبرتم؟!
تنذكر ما تنعاد

الأب جورج صغبيني

ليست هناك تعليقات: