بدأت عبادة قلب يسوع حين دعى الناس إلى محبته بقوله تعالوا إليّ يا جميع التعبين والمثقلين بالأحمال وأنا أريحكم... وتعلّموا منّي إنّي وديع ومتواضع القلب (متى 11/ 29).
ابتدأت عبادة قلب يسوع مع القديسة ماتيلدا (+ 1298)، والقديسة جرترود (+[1]1301)، المتأملتين بقلب يسوع المطعون بالحربة (يو 19/34).
وأول من احتفل بقداس خاص بقلب يسوع كان القديس جان أُود في 8 شباط 1648. وقد سبقته إلى هذه العبادة القديسة مارغريت ماري ألاكُوك من الراهبات الزائرات، وقد أظهر لها يسوع قلبه في شهر كانون الأول سنة 1673، فأدخلت عبارة "القلب الأقدس" في عبادتها في شهر حزيران 1675، وقد أثبت البابا إقلمنضس الثالث عشر هذا العيد عام 1765، ويُحتفل به يوم الجمعة بعد عيد خميس القربان الأقدس. وبطلب من الطوباوية الأم مايّا دروستي ذو فيشرينغ كرّس البابا لاون الثالث عشر سنة 1899، العالم لقلب يسوع.
بدأت الكنيسة المارونية تعيّد "قلب يسوع الأقدس"منذ سنة 1691، في كنيسة مار الياس حلب بعدما أثبت البابا إينوشنسيوس الثاني عشر هذه العبادة عام 1691 في أول سنة حبريّة له.
وينسب البعض بدأ هذه العبادة سنة 1833، على يد فتاة تدعى "أنجله" التي دخلت أخوية بنات مريم وطلبت إلى العذراء القديسة أن تمنحها عبادة شديدة لقلب يسوع ابنها الإلهي. فاستجابت العذراء طلبتها وألهمتها أن تسعى لتخصيص شهر حزيران لعبادة قلب يسوع على منوال شهر أيار المخصص لتكريمها، وكان ذلك سنة 1833. وقد استطاعت أنجله أن تقنع مسؤولتها بفكرتها وكذلك فعلت مع رئيس أساقفة باريس فجاءت موافقته لأجل رجوع الخطاة وخلاص فرنسا.
وفي 23 من شهر آب سنة 1856 أصدر مجمع الطقوس مرسوما بان الأب الأقدس البابا بيوس التاسع يلزم الكنيسة كلها بان تحتفل بعيد قلب يسوع الأقدس وتقيم صلاته الفرضية ويرى الآباء المرسلون مؤلفو كتاب تأملات شهر قلب يسوع.
انتشرت عبادة قلب يسوع في القرن السابع عشر والرائدة هي القديسة مارغريت ماري ألاَكوك التي ظهر لها يسوع وطلب منها التعبّد لقلبه. وهذه القديسة فرنسيّة الأصل ولدت سنة 1647 من عائلة تقيّة ترهّبت بدير راهبات الزيارة في عمر 43 عاما، تعيّد لها الكنيسة في 17 تشرين الأوّل.
وظهورات المسيح لهذه القديسة كثيرة وتذكر منها الكنيسة أربع ظهروات، كان يسوع من خلالها يشير إلى قلبه معبّراً عن أسفه الشديد لنكران الناس له.
وحدّد المسيح للقديسة مارغريت ماري الإحتفال بعيد قلبه الأقدس يوم الجمعة الواقع بعد عيد القربان بأسبوع وبناءً على ذلك بدأت راهبات الزيارة الإحتفال بهذا العيد اعتباراً 1685.
الوعود التي وعد بها السيد المسيح للمتعبدين لقلبه الأقدس للقديسة مرغريتا مريم الأكواك. ان عبادة قلب يسوع تعني حبه اللامتناهي لنا. وتقوم العبادة بتخصيص أول يوم جمعة من كل شهر للقلب الأقدس، بتناول القربان و ممارسة أعمال التقوى. أما ثمرة هذه العبادة فقد لخصها المخلص نفسه في مواعيده للقديسة مرغريتا مريم الأكواك:
1. سوف أمنحهم جميع النعم اللازمة لحالتهم.
2. القي السلام في بيوتهم.
3. أعزيهم في جميع أحزانهم.
4. أكون ملجأهم الأمين في حياتهم و خاصة في مماتهم.
5. أسكب بركات وافرة على جميع مشروعاتهم.
6. يجد الخطأة في قلبي ينبوع الرحمة الغزيرة.
7. تحصل الأنفس الفاترة على الحرارة.
8. ترتقي الأنفس الحارة سريعاً الى قمة الكمال.
9. أبارك البيوت التي تضع فيها صورة قلبي للتكريم.
10. امنح الاكليروس موهبة يلينون بها القلوب الأشد صلابة.
11. من يعمل بهمة على نشر هذه العبادة فسيكون اسمه مكتوباً في قلبي ولن يمحى منه أبداً.
12. الوعد الكبير "إني أعدك في فرط رحمة قلبي، بأن حبي القادر على كل شيئ سيعطي جميع الذين يتناولون أول جمعة من الشهر مدة تسعة أشهر متوالية نعمة الثبات الأخير. فإنهم لن يموتوا في نقمتي، بل سيقبلون الأسرار المقدسة، ويكون قلبي ملجأ اميناً في تلك الساعة الاخيرة".
تكلّم الإنجيليّ يوحنّا عن قلب يسوع المفتوح بالحربة على الصليب، وقد خرج منه دم وماء، هنا تجد عبادة قلب يسوع جذورها. يخبر القدّيس يوحنا في إنجيله: «لكِنَّ واحِداً مِنَ الجُنودِ طَعَنه بِحَربَةٍ في جَنبِه، فخرَجَ لِوَقتِه دَمٌ وماء ». (يو ١٩/٣٣-٣٧). وفي سفر الرؤيا يتكلّم يوحنّا على الحمل المذبوح قائلاً "المطعون"، نسبة الى حدث طعن قلب يسوع على الصليب. (رؤ ٥، ٦). فالجندى الّذي طعن قلب يسوع أعلن: "لقد كان هذا حقّاً ابن الله"، ويسوع دعا توما قائلاً "هَاتِ إِصبَعَكَ إِلى هُنا فَانظُرْ يَدَيَّ، وهاتِ يَدَكَ فضَعْها في جَنْبي، ولا تكُنْ غَيرَ مُؤمِنٍ بل كُنْ مُؤمِناً » (يو ٢٨/ ٢٠).
يقول القديس يوحنّا فم الذّهب: "إنّ دم الحمل الذي جعل على عتبة بني إسرائيل في مصر كان رمزًا عن دم المسيح ومنه اتخذ كل قوته فدفع عنهم ملاك الرب لما ضرب أبكار مصر. فإنّ قويّ الرمز على ردّ ذراع الرب فما قولنا عن الحقيقة؛ ولكن انظر مورد هذا الدم الكريم المحيي ألا وهو جنب المسيح... فلما طعنه الجندي خرج منه الماء أولاً وهو ماء المعمودية الذي يغسل أقذار خطايانا ثم خرج الدم وهو الدم السرّي الذي يروينا. قد فتح الجندي جنب إلهي وهدم الحاجز الذي كان يحجب عني قدس الأقداس وها إني وجدت كنزًا ثمينًا وأصبت غنى طائلاً... هذا هو جنب آدم الجديد الذي نزعت منه وقت نومه على الصليب حواء الجديدة أيّ الكنيسة عروسة المسيح ولذلك يحق القول في الكنيسة وفي أبنائها أننا لحم من لحمه وعظم من عظامه". وكتب في محل آخر "إن قلب يسوع إلهنا مفتوح. فلندنوا منه، ولنقبل النعم الزاخرة التي تتدفق منه بغزارة".
وقال أوريجانيوس الإسكندري: "إنّ يوحنّا الرسول لمّا أتكأ رأسه إلى قلب يسوع وجد فيه كنوزًا دفينة من الحكمة والعلم فعرف حقّ المعرفة خفايا الرب وأعلن بها إلى العالم".
وقال القديس أمبروسيوس أسقف ميلان: "قد طعن الجندي جسد الرب بعد موته ففاضت الحياة من الميت وسال للبشر ماء غسل ذنوبهم، ودم بُذل فداهم. فلنشرب ثمن خلاصنا كي نفدى بشربه".
وقال القديس أوغسطينوس: "قد أحسن الإنجيلي بقوله أنّ الجندي فتح جنبه ولم يقل أنه طعنه أو جرحه دلالة على أن جنب الرب باب الحياة تفجرت منه أسرار الكنيسة التي دونها لا يدخل أحد الحياة".
تطوّرت عبادة قلب يسوع في القرنين الحادي عشر والثاني عشر في إطار الحياة التقويّة الرهبانيّة، لا سيّما لدى البندكتان والسيسترسيان. فنجد القديس بطرس داميانس (+1071) يكتب: "قلب يسوع هو خزانة تحوي جميع كنوز النعمة وينبوع الحياة الدائمة". والقديس برنردس (+1159) يقول: "قلب يسوع هو مسكن النفوس، ومقدس الأقداس، وتابوت العهد، وتمنى أن يجعل له مظلة في هذا القلب يسكن فيها إلى الأبد". وشبّه القديس توما الإكويني (+1274) قلب يسوع بفلك نوح، وسيلة خلاص الجنس البشريّ، فقال: "إن طعنة الجندي في جنب يسوع المسيح هي تشبه بباب فلك نوح الذي منه دخلت النفوس الناجية من الطوفان". ويقول القدّيس بونافنتورا: "من الصعب أن نكوّن فكرة عن لذّة النفس الرّوحيّة التي تعبر عبر هذه الفسحة نحو قلب يسوع، لذلك لن أفسّر، أختبروا بأنفسكم وسوف تفهمون".
وشكلّت رؤيا القدّيسة جرترودة، في نهايات القرن الرابع عشر، دفعاً قويّاً لهذه الممارسة التقويّة. ففي عيد القدّيس يوحنّا الإنجيليّ، نالت هذه القدّيسة نعمة أن تتكيء رأسها، على مثال القدّيس صاحب العيد، على صدر المخلّص، فراحت تستمع الى دقّات قلبه الألهيّ. وسألت القدّيس يوحنّا إن كان قد سمع هو أيضاً هذه الدقّات ساعة أتكأ رأسه على صدر الفادي في العشاء الأخير، ولماذا لم يخبر في إنجيله عن جمال هذا الإختبار، فأجابها القدّيس أن هذا الإختبار قد تركه الله للأجيال الآتية، حين سوف يبرد الإيمان في العالم، فيكون هذا الإختبار لنموّ الحبّ من جديد.
وفي القرن السابع عشر، بدأ الرهبان اليسوعيّون بنشر هذه العبادة وأخرجوها من إطار العبادة الرهبانيّة واضعين إيّاها في إطار شعبّي للموّمنين.
ومن مؤسِسات رهبانية قلب يسوع في لبنان الراهبة هندية عجيمي الحلبيّة الأصل.
وعام ١٧٦٥ وافق البابا اقليمندوس الثاني عشر على طلب أساقفة بولونيا الإذن بتثبيت عبادة قلب يسوع الأقدس، ليس فقط كرمز، إنّما أيضاً كحقيقة جسديّة.
وعام ١٧٩٤، في رسالة أصدرها البابا بيوس السادس، حرم تعليم مجمع بيستويا المحلّي وشرح أنّ روما قد ثبّتت عبادة القلب الأقدس، وقال أن القلب الأقدس يُعبد كونه قلب يسوع، أي قلب شخص كلمة الله والمتّحد به بشكل لا ينفصل".
وعام ١٨٦٥، سمح البابا بيوس التاسع بنشر عبادة القلب الأقدس على نطاق الكنيسة في كلّ العالم بعد أن كان البابا اقليمندوس الثاني عشر قد سمح بها عام ١٧٦٥، على نطاق بولونيا. وفي مناسبة تطويب مارغريت مريم ألاكوك قال: "من يمكنه أن يكون قاسياً وحديديّاً لدرجة عدم التأثّر وعدم الدخول في حبّ هذا القلب الشديد العذوبة والّذي، بسبب عذوبته، جُرح برمح؟"
وفي رسالة رسوليّة بتاريخ ٢٨ حزيران ١٨٨٥ يعلن البابا لاوون الثالث عشر قلب يسوع المطعون ملجأً وملاذ راحة للبشر ويعلنه علامة خلاص تعتلن لزماننا كما كان ظهور الصليب في السماء علامة لقسطنطين.
وفي 8 كانون الأول 1864 كتب البابا بيوس التاسع إلى مسيحي الشرق يقول: "... ونخص المؤمنين الشرقيين أن يلوذوا في كل حاجاتهم بالرب السيد المسيح الذي فدانا بدمه ويعبدوا التعبد الصادق لقلبه المملؤ عذوبة وحلاوة ويطلبوا من هذا القلب الذي ضحّى نفسه لأجلنا كذبيحة الحب ومحرقة الوداد كي يجذب قلوب البشر إليه ويقيدها بمحبته فتنال كلها من دم فضله الطافح وتثمر أثمار النعمة والخلاص».
وفي ١٥ أيّار ١٩٥٦، أصدر البابا بيوس الثاني عشر رسالة عامّة عنوانها "إستقوا المياه". يحتوي على أن عيد قلب يسوع الأقدس، وأن كان قد نال أهميّة ليتورجيّة بعد الرؤى التي نالتها القدّيسة مارغريت ماري في باراي- لو- مونيال، فهو حدث يجد جذوره في العهد الجديد، لا سيّما في دعوة يسوع الجنس البشريّ للمجيء نحو قلبه الأقدس: "تعالوا اليّ يا أيّها المثقلين بالأحمال وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم، وتعلّموا منّي، فأنا وديع ومتواضع القلب، فتجدون راحة لنفوسكم، لأنّ نيري لّين وحملي خفيف" (متّ ١١/ ٢٨-٣٠).
قداس عيد قلب يسوع في بكركي
ترأس الكاردينال الراعي قداس عيد قلب يسوع في بكركي بحضور عائلات قلب يسوع في مختلف المناطق اللبنانية والتي بلغ عدد افرادها ثلاثة الآف منتسب. والقى عظة قال فيها:"
"ليس لأحد حب أعظم من هذا، وهو أن يبذل الانسان نفسه في سبيل أحبائه" (يو 15: 13).
1. هذا الحب الأعظم هو حب ابن الله، الذي صار إنسانا، يسوع المسيح، فمات فدى عن البشرية جمعاء، ونال غفران الله لكل إنسان، وأعطانا الحياة الجديدة بالروح القدس، وأسس سر القربان والكهنوت، سري حبه اللامتناهي، من أجل استمرارية ذبيحة الفداء، ومنْح الحياة للعالم بطعام جسده ودمه. هذا الحب الأعظم نكرمه ونقتدي به في عبادة قلب يسوع الأقدس. هذه العبادة هي مدرسة الحب على مثال المسيح، وقد جعله قاعدة لحياة الإنسان: "ليس لأحد حب أعظم من هذا، وهو أن يبذل الانسان نفسه في سبيل أحبائه"(يو 15: 13).
2. يسعدنا أن نحتفل بعيد قلب يسوع مع "عائلات قلب يسوع" التي دعت إليه ونظمته، ومع المرشدين، ومعكم جميعا أيها الحاضرون. ونوجه تحية حارة للأخويات التي تواصل عبادة هذا القلب الأقدس في مختلف الرعايا، ولكل المؤمنين والمؤمنات الذين يحيون هذه العبادة. صلاتنا أن نرتوي الحب من نبع الحب الذي جرى من قلب المسيح الفادي، وقد احتفره الرمح في قلبه على الجلجلة فجرى منه ماء المعمودية ودم القربان (راجع يوحنا 19: 34).
3. عندما ظهر الرب يسوع بقلبه الطاهر للقديسة Marguerite Marie Alacoque سنة 1675 قال لها: "هذا هو القلب الذي أحب الناس الحب الأعظم، حتى التفاني وبذل الذات، ليشهد لهم عن حبه. ولكني بالمقابل، لا أتلقى إلا الإهانات". ثم عاد وأكد لها: "إن قلبي الإلهي مولع بحب البشر، وبالحب لك بنوع خاص". فأدركت الراهبة Marguerite Marie ، وهي من راهبات الزيارة، أنها تتسلم رسالة نشر العبادة للقلب الأقدس. وهكذا بالتعاون مع الأب Claude La Colombière، الذي وضعه الرب يسوع على دربها، راحت تعمل على تعزيز هذه العبادة. فوضعت ساعة سجود أمام القربان بروح الإماتة، في آخر خميس من كل شهر من الساعة الحادية عشرة حتى منتصف الليل، تذكارا ومشاركة بآلام النزاع التي تحملها الرب يسوع وحيدا في بستان الزيتون عندما تركه الجميع، حتى تلاميذه، ودعت إلى المناولة التعويضية في يوم الجمعة التالي.
4. ثم أوحى إليها الرب يسوع عن رغبته في إقامة عيد قلبه الأقدس، يوم الجمعة من الأسبوع الذي يلي عيد القربان(خميس الجسد). ما يعني أن عبادة قلب يسوع هي عبادة سر القربان نفسه، المعروف بسر الحب. وهكذا جرى الاحتفال بهذا العيد حتى يومنا. من سر الحب في القربان الذي علامته قلب يسوع الظاهر لها مشعا بأشعة الحب، إستمدت الراهبة القديسة Marguerite Marie كل القوة على تحمل الآلام وصلبان الحياة الحسية والنفسية، حتى إنها رفضت أي دواء يسكن مرضها الأخير، وكانت تردد: "إن ما عندي في السماء، وما أرغبه على الأرض، هو أنت وحدك، يا إلهي". ما أجملها سعادة في قلبها. نحن اليوم نلتمسها في هذا الاحتفال، لكي يكون مثل هذا الحب مصدر طاقة لنا للصمود في محن الحياة.
5. الله الذي كشف عن عمق محبة قلبه لكل واحد منا، بيسوع ابنه، يطلب من المؤمن به أن يبادله الحب عينه بقوله: "يا بني اعطني قلبك"(امثال 33: 26). إنه لا يتركنا غرقى بخطايانا بل "يخاطب قلبنا" من جديد(هوشع2: 16) فنحبه من كل القلب والفكر والنفس والقوة(تثنية 30: 6). إنها الوصية الأولى التي لا وصية اعظم منها، ومثلها محبة القريب كالحب للذات. وهي الوصية القديمة التي جعلها "جديدة" بقاعدتها: "أحبوا بعضكم بعضا كما أنا احببتكم"(يو13: 34). فكتبها شريعة، لا على الواح حجرية، بل على قلوبنا(2 كور3: 3)، وبها ومن خلالها يكون هو لنا الها ونكون له شعبا(ارميا 31: 33).
إن أجمل صلاة تعبيرية عن محبتنا لقلب يسوع الأقدس، نتلوها في هذا العيد، يرفعها كل واحد وواحدة منا على لسان القديس جان ماري فيانيه، المعروف بخوري آرس: "أنا أحبك يا إلهي، ورغبتي الوحيدة أن أحبك حتى آخر نفس من حياتي. أحبك يا إلهي المحبوب للغاية، بل أحب بالحري أن أموت وأنا أحبك، من أن أعيش من دون أن أحبك. أحبك يا رب، والنعمة الوحيدة التي أطلبها هي أن أحبك إلى الأبد. يا إلهي! إذا لساني عجز عن أن يقول في كل وقت أني أحبك، أريد أن يردد لك قلبي ذلك بكل "نبضة من نبضاته".
6. "حيث يكون كنزكم، هناك يكون قلبكم"(لو12: 34). كلام المسيح هذا يعلمنا أن الكنز الحقيقي هو الحب لله وللإنسان. ومن هذا الكنز يستمد كل واحد وواحدة منا ثقافته وسعادته ونوعية أعماله ومواقفه والمبادرات. وهذا الحب وحده يملأ فراغ قلب الإنسان بالسلام الداخلي الذي يشعه إلى الخارج في العائلة والمجتمع والدولة. إلى هذا السلام وهذه الطمأنينة الداخلية، مهما كثرت المصاعب والمحن، يدعونا الرب يسوع في عيد قلبه الأقدس: "تعالوا إلي يا جميع المتعبين والمثقلين بالأحمال وأنا أريحكم. إحملوا نيري عليكم، وتعلموا مني: إني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم"(متى 11: 28-29).
7. عيد قلب يسوع يعني حضور المسيح الذي هو "قلب العالم"(البابا بندكتوس السادس عشر)، لكنه لا ينفصل عن حضور قلب أمه، "قلب مريم الطاهر". من هذين القلبين الأقدسين المتماهيين، كمن مدرسة واحدة، يستمد الرجال والنساء ثقافة الحب وحضارته، ويعملون على نشرها، والتربية عليها، والتعبير عنها، في الحياة اليومية، بالأقوال والأفعال. لقد دخل الله بمحبته حدود تاريخ البشر وظروفهم الانسانية، متخذا جسدا وقلبا لكي يعيد للإنسان قدسية جسده، وإنسانية قلبه. إنها الولادة الثانية بمعمودية الماء والروح لإنسان جديد فينا، يغتسل بدم الغفران، ويغتذي من دم الفادي الإلهي وجسده. لقد بدأت هذه الولادة الثانية لكل إنسان، وجرت من ينبوع قلب الفادي المصلوب الذي احتفرته الحربة، فجرى من قلبه الدم والماء(راجع يو19: 37).
8. عالم اليوم، عالمنا في لبنان وعالمنا في الشرق الأوسط، جائع وعطشان إلى حب وعدل وسلام. رسالتنا كمسيحيين ان نسد هذا الجوع ونروي هذا العطش. لكننا لا نستطيع القيام بهذه الرسالة، ما لم تسكن محبة الله والإنسان في قلوبنا بالروح القدس، محبة نغرفها من قلب يسوع الأقدس، من ذبيحته ووليمته القربانية. إن قلب يسوع الأقدس رمز وعلامة لسر حبه في سر القربان، حيث جسد حبه الأعظم ببذل ذاته ذبيحة فداء على الصليب، وبتقديم جسده ودمه خبزا وشرابا سماويا للحياة الجديدة فينا وفي العالم.
أيها القلب الإلهي البشري، قلب يسوع الأقدس وقلب مريم الطاهر، أفض الحب في قلوبنا وفي قلوب جميع الناس، لكي يعيش العالم في الحقيقة والعدالة والحرية والسلام، ويسعد كل إنسان.
وبنبضات الحب من قلوبنا نرفع نشيد المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، الى الأبد، آمين. [2]
[1] - يسوع المسيح الفادي الوديع والمتواضع القلب، صلاة المساء والصباح والقداس والزياح، الكسليك- لبنان 2003. وضع مجمل النصوص النثريّة والشعريّة للصلوات وخدمة القداس والطلبة والقداس واختار القراءات المناسبة من العهدين القديم والجديد، الأب الحبيس يوحنا الخوند، يوم الجمعة في 6 حزيران 2003.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق