2009/01/08

يوميات سجين في وطن بلا حدود

يوميات سجين في وطن بلا حدود

ليست هذه يوميات سجين
من خلف القضبان الفاصلة
بين ثمرة معرفة الخير والشرّ .
وبين شجرة الحياة
وأرض الشوك والقطرب .
وعرق جبين الكفاف
وألم مخاض الولادة.

سجين في خلايا الجسد
قابع في زنزانة الإنفراد
قضبان عظمية تسجنه
بانتظار يوم الدينونة
ليجد نصيبه
مع خراف آل اليمين الخيّرين
أو مع جداء آل اليسار الأشرار.

سجين حامل في رأس خابية جسده
سراج زيت أعماله
مستعدّ ومتأهب
بانتظار وصول العريس
الحامل بيديه المذرى
ليفصل القمح إلى الأهراء
والتبن يلقيه مع الزؤان في النار...

ليست هذه يوميات أديب
ما بعد الممات
راقد في ظلمة المقابر
وورثته يأكلون ثمار تعبه.

ولا هي يوميات سياسي
يبرّر أخطاء أيام ولاية حكمه
بخطاب اعتذار
ممّن كان سببا بموتهم
ذبحا على الهوية
أو أشلاء بسبب انفجار
أو قنصا
أو تهجيرا...

ولا هي يوميات مهاجر عن الوطن
ومهجّر في الغربة
لأنه أصبح غريبا في أرضه ووطنه.

ولا هي بشارة أو لعنة
من السماء لأهل الأرض.
فقد ورثها البشر عن جدّهم آدم

بل هي كلام
من القلوب الطيّبة
إلى القلوب القاسية
ومن الحملان الوديعة
إلى أنياب الذئاب
ومن شريعة الحبّ
إلى الشرائع الظالمة
وإلى القوانين الخارجة على القانون
التي تعمل على جعل أهل الأرض أكثر ظلما
وتزيد من ألم الشوك في الجراح
وتزيد من وجع مخاض ولادة الكلمة
بسجنها في رحم الفكر
وتزيد من مذاق مرارة عرق الجبين
وتبقى الأرض
سجن الذين لا رجاء لهم فيها...

من خلف قضبان حدود الحلم
ينتظر الذين عندهم رجاء بالغد
من أجل وطن أفضل
يستحقـّه شعب هذا الوطن،

لا هو مدينة فاضلة
ولا هو روما نيرون،

لا هو أورفليس جبران
ولا هو ظلامة الأتراك،

لا هو جنّة أنهار لبن وعسل،
ولا هو جهنّم النار والكبريت.

بل هو أمل بغد أفضل
للأطفال
بأن لا يُجهَضوا أجنّة
ولا يشيخون في عمر الطفولة
ولا تكون الأمراض رفيقة عمرهم
ولا يموتون جوعا
ولا تسحقهم آلات الحروب
ولا تتحول دماؤهم خمرة
في عرس قانا فلسطين والعراق وباكستان ولبنان...

بل هو أيضاً أمل للشباب بالحياة
فلا تفرزهم الشعارات إلى حظائر بشرية
وحظائز الزعامات والعائلية
وحظائر الأحزاب والطائفية
وحظائر السحنة واللغة
وحظائر الأديان والأوطان
حيث يقتل الأخ أخاه
ويبغض الأب إبنه
وتثور الإبنة في وجه أمها
وتصبح الأرض لا عبورا...
بل غاية الذين لا رجاء لهم،

أرض غابة
يقتل فيها القوي الضعيف
ويذبح فيها الجزار الجمل
ويبيع فيها التاجر امرأته
وتسود في الأرض،
شرائع وقوانين الغاب
ويصبح البشر عبيدا للعبيد...

وحده الإنسان يجمع المتناقضات في ذاته
فلا يكون ملاكا بلا رحمة
ولا يكون شيطانا بلا توبة.

فالأرض ليست سماء
والأرض ليست جحيما.

فالإنسان يمكنه تدجين ما فيها
ويمكنه جمع تناقضاتها...

فالطبيعة تسير في توازنها
في ليلها ونهارها
في فصولها وأيامها
في دفئها وصقيعها
لإعطاء الإنسان كفافه وحاجته
دون إفناء أو إبادة...

وحده الإنسان
غريب الطبع
يحصد من دون أن يزرع
ودون أن يكفي جشعه
رغم أن جوفه لا يتّسع لكلّ طيبات الأرض
يتفنّن بأنواع الإبادة
شعوبا وحضارات
أجناسا وأنواعا
ويحسب أنه باستنساخها
يعوّض توازنها
فإذا بها تلد له التوائم من الفشل...
...
هذا الإنسان
الذي يتحوّل إلى مجموعات معلـّبة
في تفكيره وسلوكه
في مأكله ومشربه
يسير نحو تغليف فساد أخلاقه
بثياب وحلى وعمليات تجميل
لا تستر عيوب قبحه
ويغلـّف بالعطور والطيوب
نتانة قلبه...

فهل تكفي الكلمة
لتبدّل ما في الناس؟
فحتى ولو شاء ربّك... إذا هم لم يبدّلوا ما في نفوسهم...!

9/1/2009
الأب جورج صغبيني

ليست هناك تعليقات: