2012/09/15

البابا بنديكتوس سيرة وزيارة لبنان الأب جورج صغبيني



قداسة الحبر الأعظم البابا بنديكتوس السادس عشر



ولد جوزف راتزنغر، البابا بنديكتوس السادس عشر، في بلدة ماركتيل، في أبرشية باساو الألمانية، يوم سبت النور في 16 نيسان 1927، ونال سر المعمودية في اليوم عينه الموافق ليلة عيد الفصح.
والده ضابط في الشرطة، متحدر من عائلة مزارعين في مقاطعة بافاريا الجنوبية، وقد عاش في ظروف اجتماعية واقتصادية متواضعة. أما والدته فمتحدرة من عائلة حرفيين من بلدة رينشتينغ الواقعة قرب بحيرة شيام. وقد عملت قبل زواجها طاهية في فنادق عدة.
طفولته وشبابه
أمضى راتزنغر طفولته ومراهقته في بلدة تراونشتاين الوديعة قرب الحدود الألمانية النمساوية على بعد 30 كيلومتراً من مدينة سالزبورغ. في هذا الإطار، الذي وصفه هو ذاته بأنه متأثر بـ"موزار"، تلقى تربية مسيحية، إنسانية وثقافية.
لم تكن مرحلة شبابه بالسهلة، لكن إيمانه وتربيته العائلية كانا لهما الفضل في إعداده لمواجهة التجربة القاسية التي مرّ بها إبّان مرحلة النظام النازي الذي عرف بعدائه القوي للكنيسة الكاثوليكية. وقد كان الشاب جوزف شاهداً لقيام النازيين بالاعتداء على كاهن رعيته قبيل احتفاله بالذبيحة الإلهية. كما وشاهد كيف قتل النازيون ابن عمه عن عمر الـ  14 عاماً لأنه يعاني من إعاقة جسدية،
أجبر جوزيف الصغير على الدخول إلى شبيبة هتلر. يقول الكاتب دافيد غيبسون أنه "ذهب إلى هذه الاجتماعات مرة واحدة وتمكن من التهرب من سائرها". وفي الحرب العالمية الثانية، دخل إلى الجيش الألماني كعنصر مساعد في السلاح المضاد للطائرات الحربية ولكن لم يبق هناك إلا لفترة قصيرة.
وبعد انتهاء الحرب، ألقي القبض عليه كمحارب سابق من قبل الجيش الأميركي وسرعان ما أطلق سراحه.
دروسه وكهنوته
بين عاميّ 1946 و1951 درس الفلسفة واللاهوت طيلة 5 سنوات في معهد فرايزينغ الإكليريكي وفي جامعة ميونيخ.
سيم كاهناً في 29 حزيران 1951. وبدأ عمله الكهنوتي في رعية في "ميونيخ". كان يخصص وقتاً للإستماع للإعترافات كل يوم من الـساعة السادسة إلى االسابعة صباحاً، وكان مسؤولاً عن برامج الشباب. وبقي في تلك الرعية لسنة واحدة حتى رأى مطران أبرشيته موهبته في التعليم، فطلب منه أن يعلّم في الإكليريكية  في فرايزينغ.
عام 1953 حصل على شهادة الدكتوراه في اللاهوت إثر مناقشته أطروحته: "شعب الله وبيته في عقيدة الكنيسة لدى القديس أغوسطينوس".
بعد انقضاء 4 سنوات حصل على شهادة تأهيل للتعليم عام 1957، بناء على دراسته التي أعدّها تحت إشراف أستاذ اللاهوت الشهير غوتليب زونغين والتي حملت عنوان: "لاهوت التاريخ لدى القديس بونافنتور".
حاضر في جامعة بون عام 1959 وكانت محاضرته الأولى بعنوان "الله في الإيمان والله في الفلسفة". ومنها انتقل إلى جامعة "مونستير" عام 1963.
وبين عامين 1962 و1965 اختير للمشاركة في المجمع الفاتيكاني الثاني بصفة خبير، كما كان مع الوفد الألماني بصفته مساعداً للكاردينال جوزف فرينغز رئيس أساقفة كولونيا، بصفة مستشار لاهوتي.
تولى الأب راتزنغر تدريس مادة اللاهوت العقائدي واللاهوت الأساسي في المعهد العالي للفلسفة واللاهوت في فرايزينغ، وفي الوقت عينه كان استاذاً في جامعات بون من 1959 حتى 1963، ومونستر من 1963 إلى 1966، و شغل منصب عميد قسم اللاهوت الدوغمائي في جامعة توبينغين من 1966 إلى 1969. في هذه السنة الأخيرة أصبح قيّماً على كرسي العلوم العقائدية وتاريخ العقيدة في جامعة راتيسبون التي كان أيضاً نائباً لرئيسها.
وعام 1969 عاد إلى بافاريا وعمل محاضرًا في جامعة "ريجينسبرغ" وساهم في تأسيس المجلة اللاهوتية "كومونيو" الخاصة بالجامعة، التي باتت منذ عام 1972 تطبع بسبعة عشر لغة. وكان يبلغ من العمر 32 عاماً، عندما استحدث منصب خاص له في جامعة "ريجينسبرغ" ضمن التيولوجيا العقائدية، فحقق بذلك حلماً  كأحد أكثر المعلمين يفاعةً في العمر في ألمانيا، فوصل إلى أعلى مرتبة أكاديمية ممكنة.
رئيس أساقفة وكاردينال
في 25 آذار 1977 عيّنه البابا بولس السادس رئيس أساقفة على ميونيخ وفرايزينغ وهي ثاني أكبر أبرشية في ألمانيا، مسؤولة عن حوالي مليوني كاثوليكي تقريباً، فكان على راتزنغر أن يتخلى عن طموحه الأكاديمي، وكان عمره لا يتجاوز الـ49 عاماً. واحتفل بسيامته الأسقفية في 28 أيار من السنة ذاتها. وقد كان أول كاهن من هذه الأبرشية البافارية الكبرى تتم سيامته أسقفاً عليها منذ نحو 80 سنة. واتخذ شعاراً له: "شريك الحقيقة". وشرح هو نفسه هذا الشعار بالقول: "يبدو لي أن هذا الشعار يظهر بشكل أساسي الرابط العميق بين رسالتي التعليمية ورسالتي الحالية. ولئن كانت النشاطات مختلفة، فإن محورها كلّها هو ضرورة السير في اتجاه الحقيقة، بهدف خدمتها. إضافة إلى ذلك فقد اخترت هذا الشعار لأنه، في عالم اليوم، باتت الحقيقة أمراً منسياً بصورة مطلقة، حيث تبدو صعبة المنال بالنسبة للإنسان. لكن إذا فُقدت الحقيقة فإنّ كل البناء الإنساني ينهار".
وفي 27 حزيران 1977 عيّنه البابا بولس السادس كاردينالاً.
عام 1972 شارك في المجمع الذي عقد بين 25 و26 آب والذي انتخب البابا يوحنا بولس الأول. فعيّنه الحبر الأعظم الجديد موفده الخاص إلى المؤتمر المريمي الدولي الثالث الذي انعقد في الإكوادور بين 16 و24 أيلول.
وفي شهر تشرين الأول عام 1978، شارك في المجمع الذي انتخب البابا يوحنا بولس الثاني.
كان مقرِّراً في الجمعية العادية الخامسة لسينودس الأساقفة التي انعقدت عام 1980 تحت عنوان: "رسالة العائلة المسيحية في العالم المعاصر".
عام 1981 عينه الفاتيكان رئيساً لمجمع العقيدة والإيمان في الكنيسة، فتخلّى عن منصبه كرئيس أساقفة ميونيخ وانتقل ليعيش في الفاتيكان ليشترك في مهمة إدارة الكنيسة الجامعة. وكان واضحاً في أفكاره، محارباً للعقائد الخاطئة مستنداً على البراهين والعقل.
وفي العام 1983 كان رئيساً منتدباً للجمعية العادية السادسة للسينودس التي انعقدت تحت عنوان: "المصالحة والتوبة في رسالة الكنيسة".
في 25 تشرين الثاني 1981 عيّنه البابا يوحنا بولس الثاني رئيساً لمجمع العقيدة والإيمان وكذلك رئيساً للجنة البيبلية البابوية وللجنة اللاهوتية الدولية. وقد استقال لهذه الغاية من مهامه الرعائية كرئيس لأساقفة ميونيخ وفرايزينغ في 15 شباط 1982.
وترأس أيضاً اللجنة التي أعّدت التعليم الديني في الكنيسة الكاثوليكية والتي قدّمت ثمرة أعمالها للأب الأقدس بعد 6 سنوات من العمل المتواصل بين عامي 1986 و1992.
عندما اقترب من سنّ الـ 70  عام 1997، حاول الإنسحاب من هذه الوظيفة عدة مرّات، ولكن البابا يوحنا بولس الثاني أصرّ على أن يبقى فيها. وحمّله مهمة تلو الأخرى خصوصاً بعدما أصبح مرضه يعيق حركته كثيراً، فجوزيف راتزينغر كان معاونه لسنوات عدّة، وسانده في آخر أيام حياته.
في 6 تشرين الثاني 1998 وافق البابا يوحنا بولس الثاني على انتخاب الكاردينال راتزنغر نائبا لرئيس مجمع الكرادلة.
وعام 1999 كان موفد خاصا للحبر الأعظم ف الاحتفالات التي جرت لمناسبة مرور 1200 سنة على تأسيس أبرشية بادربورن في ألمانيا.
وفي 13 تشرين الثاني 2000 تمّ انتخابه عضو شرف في الأكاديمية البابوية للعلوم.
وفي 30 تشرين الثاني 2002 وافق على انتخابه عميداً لمجمع الكرادلة.
وكان هو الذي أعلن عام 2003 للمؤمنين: "يجب أن نصلي للبابا" لأن صحة البابا يوحنا بولس الثاني كانت في تأخّر.
توّلى الكاردينال راتزنغر مهام عدة داخل الكوريا الرومانية، حيث كان عضواً في مجلس الكرادلة والأساقفة في أمانة سر دولة الفاتيكان، فرع العلاقات مع الدول. كما كان عضواً في مجامع عدة داخل الكرسي الرسولي من بينها مجامع: الكنائس الشرقية، والعبادة الإلهية والاسرار وإعلان البشارة للشعوب والتربية الكاثوليكية ورجال الدين ومجمع دعاوى القديسين. كما كان عضواً في المجلس الحبري لوحدة المسيحيين والمجلس الحبري للثقافة وعضواً في محكمة التوقيع الرسولية، وفي عدد من اللجان البابوية الخاصة بأميركا اللاتينية وتطبيق القوانين الكنسية وإعادة النظر بقانون الكنائس الشرقية.
مؤلفاته
له مؤلفات عدة من بينها كتاب "تمهيد للإيمان المسيحي" وهو يحتّل لديه مكانة خاصة كونه يضمّ مجموعة الدروس الجامعية التي كان يعطيها حول الإيمان الرسولي، وقد نشره عام 1968. ولديه أيضاً كتاب يحمل عنوان: "العقيدة والوحي" وهو مجموعة أبحاث وعظات وأفكار رعائية.
كما انه وضع الخطاب الذي ألقاه أمام الأكاديمية الكاثوليكية في بافاريا في كتاب حمل عنوان: "لماذا لا زلت أحيا في الكنيسة على الرغم من كل شيء؟" وقد لاقى هذا الكتاب صدى واسعاً، حيث عبّر فيه، بوضوحه المعهود، أنّه "فقط داخل الكنيسة يمكن للفرد أن يكون مسيحياً، وليس إلى جانبها".
وعام 1985 نشر كتاباً حوارياً تحت عنوان: "العلاقة بالإيمان"
وفي عام 1996 أصدر كتاباً آخر تحت عنوان: "ملح الأرض". ولمناسبة ذكرى ميلاده الـ 70 أصدر كتابه "في مدرسة الحقيقة"، وقد ضمّ مجموعة أبحاث لمفكّرين عدّة ألقوا الضوء على جوانب هامّة من شخصيته ومؤلفاته.
شهادات الدكتوراه الفخرية
حاز على شهادات دكتوراه فخرية من جامعات عدّة:
جامعة القديس توما في ولاية مينيسوتا الأميركية (1984)،
والجامعة الكاثوليكية في إيخشتات الألمانية (1987)،
وجامعة ليما الكاثوليكية في البيرو (1986)،
وجامعة لوبلين الكاثوليكية في بولونيا (1988)،
وجامعة نافار الإسبانية (1998)،
وجامعة القديسة مريم في روما (1999)،
و جامعة روكلاو البولونية-  كليّة اللاهوت (2000(.
انتخابه بابا
ودّع البابا يوحنا بولس الثاني هذا العالم فاجتمعت الخلوة للمرة الأولى مساء 17 نيسان 2005، وبعد يومين فقط وقع اختيار الكرادلة على راتزنغر ليبدأ بذلك حبريته. فانتخب باباً على رأس الكنيسة الكاثوليكية خلفا للبابا يوحنا بولس الثاني. عن عمر 78 عامًا، في 19 نيسان 2005. وبالتالي يكون البابا الأكبر سنًا منذ البابا اكلمنضس الثاني عشر عام 1730، وهو البابا الألماني التاسع، بعد أدريان السادس آخر بابا ألماني قبله عام 1522.
في 19 نيسان 2005، خرج الكاردينال جورجي أرتورو ميدينا إستيفيز ليقول: "إخوتي وأخواتي الأعزاء، أعلن لكم فرحاً عظيما، HABEMUS PAPAM، (أصبح لدينا بابا)... وأعلن اسم الكاردينال جوزيف راتزنغر الذي اتخذ اسم بنديكتوس السادس عشر. فارتفع الهتاف: يعيش البابا.
وفي ذلك اليوم من نيسان وقف البابا بنديكتوس السادس عشر أمام حشد المؤمنين، مخاطباً إياهم للمرة الأولى من الشرفة البابوية كبابا للكنيسة قائلا: "إثر البابا الكبير يوحنا بولس الثاني، اختارني السادة الكرادلة، أنا، العامل البسيط والمتواضع في كرم السيد. وحقيقة أن الرب يمكنه أن يعمل ويفعل على حد سواء من خلال أدوات غير كافية تواسيني. أتكل خصوصاً على صلواتكم بفرح المسيح القائم من بين الأموات، وأنا واثق بعونه المستمر. نسير إلى الأمام، والرب سيساعدنا، ومريم، الأم الكاملة القداسة، إلى جانبنا. شكراً".

البابا في لبنان لتوقيع الإرشاد الرسولي من أجل الشرق الأوسط
هذا البابا اليوم، وبعد 7 أعوام على انتخابه، وفي عمر يناهز الـ 85 عاماً، جاء إلى لبنان حاملا رسالة "شركة وشهادة". من أجل لبنان والشرق الأوسط، من أجل المسيحيين والمسلمين، من أجل الشباب والشابات، من أجل الأطفال والشيوخ، من أجل الرجاء الصالح لكلّ البشر...


15 أيلول 2012  الأب جورج صغبيني

ليست هناك تعليقات: