2014/06/22

الطائفة التاسعة عشر الأب جورج صغبيني


الطائفة التاسعة عشر


 

الطائفة التاسعة عشر 

 الطائفة، في الأصل اللغوي، هي جماعة من الناس الذين يجمعهم رأي أو مذهب يتميزون به عن غيرهم. 

والطائفية تقسّم اللبنانيين إلى ثمانية عشر طائفة.
ولغايات سياسية، أصبح اللبنانيون ينتمون مبدئياً لا إلى وطن بل إلى طائفتين: مسيحية وإسلامية.
فالقرار رقم 60/ل.ر. الصادر عن المفوض السامي في سوريا ولبنان بتاريخ 13 آذار 1936 تحت عنوان "قانون بإقرار نظام الطوائف الدينية" تناول الطوائف وقسّمها إلى ثلاثة أقسام: 

"الطوائف المسيحية: المارونية، الروم الأرثوذكسية، الروم الكاثوليكية، الأرمنية الأرثوذكسية، الأرمنية الكاثوليكية، السريانية الأرثوذكسية، السريانية الكاثوليكية، النسطورية، الكلدانية واللاتينية . 

"الطوائف الإسلامية": السنية، الشيعية، العلوية، الإسماعيلية والدرزية.
"الطائفة الإسرائيلية": كنيس بيروت. 

و"القاونون الصادر بتاريخ 2/4/1951 عن مجلس النواب في المادة الأولى منه زاد الطائفة الإنجيلية على عدد الطوائف المسيحية.
كما أن قوانين أخرى، مثل قانون الإرث العثماني أطلقت على الطوائف المسيحية والإسرائيلية اسم "الطوائف غير المحمدية"، وظهر بكل وضوح من خلال مفهوم التجمع السياسي لدى بعض المسلمين القائلين بأن الإسلام دين ودولة. 

ففي ظل وجود أكثر من 18 قانوناً للأحوال الشخصية الطائفية، تتدافع هيئات مدنية وسياسية للقيام بحملات لإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية.  

ووثيقة "الكنائس المسيحية اللبنانية" دعت إلى دولة مدنية ديموقراطية، والرئيس إلياس الهراوي عمل لإقرار قانون الزواج المدني منذ 18 آذار 1998. فأقرَّ القانون في مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين، لكن سرعان ما جرى التراجع عنه، ولم يُحَل إلى مجلس النواب. ويومها عارضه البطريرك الماروني ومفتي الجمهورية وعدد من المؤسسات الدينية، ولا سيما الإسلامية منها. 

خطأ فادح، بل متعمّد مزج بين الطائفية السياسية، وبالتالي الخلط بين ما يسمى "حقوق الطوائف" والأمور السياسية، التي لا علاقة لها بالمعتقد الديني. 

فالحقوق المبدئية للطائفة كجماعة دينية، تنحصر في الحق بحريّة المعتقد والرأي، وفي ممارسة طقوس العبادة، وفي تولي وإدارة شؤونهما الروحية، دون تجاوز النظام العام وحقوق الآخرين. لكن الطوائف في لبنان تتمتع قانوناً بهذه الحقوق أكثر منها في أي بلد في العالم. بل إنها تتعدى وتتجاوز، في الكثير من ممارساتها، حقوقها القانونية وغالباً على حساب النظام العام ومصلحة المجتمع.

كلّ هذا يتعدى على حقوق الإنسان التي يجب أن لا يكون فيها للانتماء الطائفي الديني أي اعتبار لا من حيث تمييز البعض ولا من حيث حرمان البعض الآخر من أي حق من الحقوق، بما فيها تولي الوظائف العامة.

إن موضوع النزاع المثار تحت ستار "حقوق الطوائف" من العائلات الإقطاعية على حساب المصالح الوطنية العامة، هو أساس البلاء في الدولة اللبنانية منذ قيام الدولة المزرعة على قياس الإقطاعيات والعائلات الوراثية في لبنان. وإن الإعتراضات على إلغاء الطائفية السياسية يهدف في المطلق إلى المحافظة على امتيازات ومكاسب أفراد طائفيين حزبيين وليس على حقوق مزعومة للطوائف. وهذا يستنفر الذين يستجيبون للنعرات الطائفية المسيّسة، فيذهبون في منزلقاتها إلى حد ما يسمونه إفناء بعضهم البعض.

إن إلغاء الطائفية السياسية هو ضرورة ملـّحة في زمن عاد فيه اللبنانيون إلى منطق العشيرة الطائفية في صراع تثبيت الوجود الوهمي بحسب مقدمة إبن خلدون، دون أن يؤدي إلى قيام الوحدة الاجتماعية التي هي ميزة الجماعات المتحضرة.
فهذا الوباء الخبيث الطائفي المعشش في نفوس رجال الدين والسياسة معا دون تمييز، لا يمكن إزالته عن طريق فصل الدين عن الدولة ولا بمبادئ الثورة الفرنسية المسيحية أو ثورة كمال أتاتورك الإسلامية. لأن قادة الأديان والأحزاب في لبنان هم أقوى من الثورات بمعنى أنهم هم صانعوها وحاموها.

فحين سأل الفريسيون المسيح إذا كان يدفع الضريبة للقيصر أم لا. أجابهم: "لمن هذا النقد الذي عليه صورة". فقالوا: "للقيصر". فقال لهم: "إذا أعطوا للقيصر ما هو لقيصر ولله ما هو لله"(متى: 22/ 18ـ 22). فالمسيح في ذلك لم يرفض السلطة المدنية بل اعترف بها ودفع لها الضريبة.

وأما شعار "إلغاء الطائفية" من النصوص ومن النفوس" فهو شعار إعلاني موسمي للذين يعتقدون بإزالة ويلات الطائفية دون إزالة قيادييها التقليديين الذين بيدهم المرجل الذي يحركون به نار حرب داحس والغبراء كما يحرّكون ثوب عثمان وأصابع نائلة ليثيروا الهمم ضدّ المصلحين العلمانيين واتهامهم بأنهم خونة ومرتدّين... كما كانت أنظمة الحكم الدينية عبر التاريخ مصدرا ومنبعا للصراع الدموي الأهلي والمحلي، وكانت الغلبة السلاح الذي يتم ‏الاحتكام إليه لفض الصراعات على أساس إقصاء وإلغاء الآخر فكرا ووجودا.

إنّ الانتقال إلى مبدأ "لا ‏إكراه في الدين" ولا تمييز بين دين ودين سواء كان أكثرية أم أقلية، لم يتحقق في الطائف الذي ثبّت الطائفية أكثر مما كانت عليه في قوانين ما قبل الطائف، من جهة توزيع الوظائف وقانون الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية. فلعبت الطائفية دوراً أساسياً حتى في توزيع المقاعد في الهيئات النقابية، بما فيها النقابات ذات الطابع العلمي والأدبي والصحّي... إذ تلعب المعادلات لإحلال طائفيين محل سواهم بحسب هوية مذهبية سياسية متوارثة لا علاقة لها بالكفاءة ولا بالشأن الطبي أو الهندسي أو الثقافي...

وإن بعض المنادين بالعلمنة في لبنان، يعرفون أن كثيرين من أبناء المعتقدات الإسلامية يرفضون زواج المسلمة من غير المسلم لعدة ذرائع. وهذا يعيق تطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة، مع العلم أن كثيراً من الدول التي شعوبها من أكثرية مسلمة، وضعت تشريعاً مدنياً لهذه القضايا وإناطتها بمحاكم مدنية دون أن يطعن أحد في إسلامها. كما والمسلمون في البلاد العلمانية ليسوا مرتدين عن دينهم.

ويبقى إلغاء الطائفية السياسية خطوة هامة وضرورية لوجوب تعميق الولاء للوطني في نفوس المواطنين، بعيدا عن المكاسب الدينية والطائفية التي يستغلها بعض قادة الأحزاب الطائفيين حتى لا يُمسحوا عن خارطة الحضور الطفيلي الطائفي على الساحة اللبنانية. 

إنّ الغيورين على المعتقدات الدينية، بمن فيهم "رجال الدين"، عليهم أن يدركوا أن استمرارهم في إقحام الدين، في الشؤون السياسية والممارسات الطائفية في عظات الجمعة والأحد، من شأنه أن يحوّل النقمة في اتجاه المعتقد الديني نفسه، ويولد الدعوات الإلحادية الهادفة إلى رفض الدين كلياً، ولو عن طريق العنف وتكون الرموز الدينية أول أهداف هذه الحرب كما في العصور الغابرة والحديثة. 

فهل يستطيع لبنان بجناحيه الطائفيين: المسيحي والمسلم، أن يكون بعقله وقوانينه دولة علمانية.

وإن لم يكن من الممكن أن يتحول لبنان إلى دولة مدنية في الزمن القريب، فأقله أن تضاف مرحليا الطائفة "العلمانية" التاسعة عشر على باقي طوائف "القائمة الدستورية"، إلى حين قيام الساعة. 

 الأب جورج صغبيني 23 أيار 2010


ليست هناك تعليقات: