2013/11/27

وديع الصافي قصة وصورة في الذاكرة لا تُمحى الأب جورج صغبيني


وديع الصافي قصة وصورة في الذاكرة لا تُمحى

ولد في 1 نوفمبر 1921 في بلدة نيحا الشوف
توفي في 11 أكتوبر 2013 عن عمر 91 سنة ودُفن في بلدته نيحا
هو مطرب وملحن لبناني. يعتبر من عمالقه الطرب في لبنان والعالم العربي. وكان له الدور الرائد بترسيخ ونشر الأغنية اللبنانية.
ولد في قرية نيحا الشوف وهو الابن الثاني في العائلة المكونة من ثماني أولاد
والده بشارة يوسف جبرائيل فرنسيس، رقيب في الدرك اللبناني.
شفيقة شديد العجيل وقد ورث عن أمّه الصوت الجميل.
في عام 1930، نزحت عائلته إلى بيروت ودخل وديع الصافي مدرسة دير المخلص الكاثوليكية، فكان الماروني الوحيد في جوقتها والمنشد الأوّل فيها. وبعدها بثلاث سنوات، إضطر للتوقّف عن الدراسة، لأن جو الموسيقى هو الذي كان يطغى على حياته ، ولكي يساعد والده من جهة أخرى في إعالة العائلة.
كانت انطلاقته الفنية عام 1938، حين فاز بالمرتبة الأولى لحنًا وغناء وعزفًا، من بين أربعين متباريًا، في مباراة للإذاعة اللبنانية، في أغنية "يا مرسل النغم الحنون" للشاعر المجهول الأب نعمة اللّه حبيقة.
اختار اسم "وديع الصافي" كاسم فني له، وكانت البداية مع الشاعر أسعد السبعلي في "طل الصباح وتكتك العصفور" سنة 1940.
أول لقاء له مع محمد عبد الوهاب كان سنة 1944 حين سافر إلى مصر. قال عنه محمد عبد الوهاب عندما سمعه يغني: "من غير المعقول أن يملك أحد هكذا صوت". فلُقب بصاحب الحنجرة الذهبية، وقيل عنه في مصر أنّه مبتكر «المدرسة الصافية» في الأغنية الشرقية.
وسنة 1947، سافر مع فرقة فنية إلى البرازيل حيث أمضى 3 سنوات في الخارج.
سنة 1952، تزوج من ملفينا طانيوس فرنسيس، إحدى قريباته، فرزق بدنيا ومرلين وفادي وأنطوان وجورج وميلاد.
في أواخر الخمسينات بدأ العمل المشترك من خلال مهرجانات بعلبك التي جمعت وديع الصافي، وفيلمون وهبي، والأخوين رحباني، وزكي ناصيف، ووليد غلمية، وعفيف رضوان، وتوفيق الباشا، وسامي الصيداوي، وغيرهم.
مع بداية الحرب اللبنانية، غادر لبنان إلى مصر سنة 1976، ومن ثمّ إلى بريطانيا، ليستقرّ سنة 1978 في باريس.
منذ الثمانينات، بدأ الصافي بتأليف الألحان الروحية، اقتناعًا منه بأن كلّ اعمال الإنسان لا يتوّجها سوى علاقته باللّه.
سنة 1990، خضع لعملية القلب المفتوح، ولكنه استمر بعدها في عطائه الفني بالتلحين والغناء. فعلى أبواب الثمانين من عمره، لبّى الصافي رغبة المنتج اللبناني ميشال الفترياديس لإحياء حفلات غنائية في لبنان وخارجه، مع المغني خوسيه فرنانديز وكذلك المطربة حنين، فحصد نجاحاً منقطع النظير أعاد وهج الشهرة إلى مشواره الطويل. لم يغب يوماً عن برامج المسابقات التلفزيونية الغنائية قلباً وقالباً فوقف يشجع المواهب الجديدة التي رافقته وهو يغني أشهر أغانيه.
سنة 1989، أقيم له حفلة تكريم في المعهد العربي في باريس بمناسبة البوبيل الذهبي لانطلاقته وعطاءاته الفنية.
شارك وديع الصافي في المهرجانات الغنائية التالية:
• "العرس في القرية" (بعلبك 1959)
• "موسم إلعز"، و"مهرجان جبيل" (1960)،
• "مهرجانات فرقة الأنوار" (1960-1963)،
• "مهرجان الأرز" (1963)،
• "أرضنا إلى الأبد" (بعلبك 1964)،
• "مهرجان نهر الوفا" (الذي فشل ماديًا) 1965،
• "مهرجان مزيارة" (1969)،
• "مهرجان بيت الدين" (1970-1972)،
• "مهرجان بعلبك" (1973-1974).
وشارك وديع في أكثر من فيلم سينمائي، من بينها:
• "الخمسة جنيه"
• "غزل البنات"
• «موّال» و«نار الشوق» مع صباح عام 1973.
وغنّى للعديد من الشعراء، خاصّة أسعد السبعلي ومارون كرم، وللعديد من الملحنين أشهرهم الأخوان رحباني، زكي ناصيف، فيلمون وهبي، عفيف رضوان، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، رياض البندك. ولكنّه كان يفضّل أن يلحّن أغانيه بنفسه حتّى أصبح مدرسة يُحتذى بها. غنّى الآلاف من الأغاني والقصائد، ولحّن منها العدد الكبير.
كرّمه أكثر من بلد ومؤسسة وجمعية وحمل أكثر من وسام استحقاق ومنحته جامعة الروح القدس في الكسليك دكتوراه فخرية في الموسيقى في 30 حزيران 1991. كما منحه سلطان عمان وسام رفيع المستوى يدعى وسام التكريم من الدرجة الأولى وذلك في عام 2007، وقد أحيا العديد من الحفلات في شتّى البلدان العربية والأجنبية.
توفي عن عمر يناهز 92 عاماً. وقد شيع في كاتدرائية مارجرجس في وسط بيروت، ودفن في بلدته نيحا الشوفية.

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي في جنازة الدكتور الفنّان وديع الصافي- مار جرجس بيروت - الاثنين 14 تشرين الأوّل 2013
"هللويا! يعزفُ لك قلبي ولا يسكت، أيُّها الربُّ إلهي. وللأبد أَحمدُك". مز30: 13
1. من عمر سنتَين وعلى مدى تسعين سنة، ووديع الصافي، وديع القلب، وصافي الصوت، يعزف ويغنِّي لله وللبنان بإيمانٍ وحبٍّ وشغف. على المنابر والمسارح في قصور الفنّ، غنّى بحنجرته الذهبيّة وعزف بعوده؛ وعلى مذابح الكنائس رتَّل وصلَّى بقلبه وإيمانه. واليوم، وقد صمت الصوت، وتقطّعت أوتار العود، فإنّه ينضمّ إلى أجواق الملائكة والقدِّيسين في ليتورجيّا السماء، هو الملقَّب بقدِّيس الطرب، ويُنشد لله، الواحد والثالوث، المزمور الثلاثين: "هللويا! يعزفُ لك قلبي ولا يسكت، أيّها الربُّ إلهي. وللأبد أحمدُك" (مز30: 13).
2. لأنَّ وديع الصافي اقترن اسمه بلبنان وتماهى به، على ما قال فيه أحدُ الفنّانين اللّبنانيِّين، حتى بتنا نشعر عندما نسمعه أنّنا نسمع لبنان نفسَه يغنِّي؛ ولأنّه شهد للبنان الفنّ والثقافة والحضارة والجمال؛ ولأنّه عَلَمٌ فارق من أعلام لبنان؛ ولأنّ وديع الصافي رجلُ إيمان وصلاة وتصوّف؛ ولأنّي كنتُ على موعد لزيارته في هذا اليوم بالذات، كما وعدت نجله الأصغر منذ أقل من أسبوع، أردتُ أن أكون معكم ومع أسرته العزيزة في وداعه الأخير بالأسى والصلاة والكلمة، وفاءً لمحبّته وصداقته، وإكراماً لقيمته الوطنيّة الثمينة، وقد قيل عنه عند بلوغ نبأ وفاته: "ربّما يلزمنا ستّة آلاف سنة لاحقة ليأتي وديع صافي آخر".
3. وديع الصافي، الدّكتور في الفن والموسيقى والغناء والتَّلحين، هو ابنُ نيحا الشوفية العزيزة التي أنجبته، واليوم تحتضن جثمانه الطاهر في تربتها الطيبة على رجاء القيامة. وهو سليلُ عائلة آل فرنسيس الكريمة، التي وُلد في دفء حبّها، بالتزامن مع إعلان دولة لبنان الكبير واستقلاله، فأرسلته سفيراً للبنان في شرق العالم وغربه أبرز بفنّه ثقافته وحضارته. غنّى فيهما جماله بأرضه وجباله وإنسانه، وأعلنه "قطعة سما". وهكذا وديع الصافي ابن لبنان، الذي عمره من عمره، يتركه لنا إرثاً يوصينا بحمايته وإعادة بهائه وتألّقه، فيما نستعدّ للإحتفال بمئويّته الأولى في غضون سبع سنوات. فأَعِنَّا، أيّها العزيز وديع، من سمائك، لكي نكون على مستوى هذا الاستحقاق الوطني التاريخي. فطوبى للَّذين يساهمون في تحقيقه ويشاركون!
4. في بيت المرحوم بشاره فرنسيس تربّى وديع على الإيمان والصلاة والقيم الأخلاقيّة والعيش الوضيع. هو الثاني بين شقيقَين وخمس شقيقات، لم يبقَ منهم على قيد الحياة سوى شقيق وشقيقة، هما العزيزان إيليا، العميد المتقاعد، وهناء. فلهم ولعائلاتهم جميعاً تعازينا الحارّة. حافظ وديع على ما تربّى عليه من قيم وأخلاق. وجعلها الأساس الذي بنى عليه حياته الزوجيّة مع شريكة حياته السيدة ملفينا التي أخلص لها الحبّ والوفاء. ومعاً ربّيا بالحزم والحنان الأولاد الأربعة والابنتَين، وفرحا بهم وبالعائلات التي أسّسوها، وبالأحفاد الأحبّاء على قلبَيهما. إنّنا ندرك معكم، يا أحبّاءَه، عمق الفراغ الذي يتركه في البيت بغيابه، والجرح البليغ الذي يحفره في القلوب. لكن العزاء الإلهي وتعازي المُحبّين، وما أكثرهم وأصعب تعدادهم، تحوّل حزنكم إلى فرح، ليقينكم أنّه ينعم بالمشاهدة السعيدة في مجد السماء.
"يعزف لك قلبي، أيّها الربّ إلهي، ولا يسكت" (مز30: 13).
5. لقد عزف قلب وديع الصافي لله وللبنان، غناءً وعزفاً وتلحيناً ورقصاً. كانت انطلاقته الفنِّية سنة 1938، وهو بعمر سبع عشرة سنة، عندما فاز بالمرتبة الأولى لحناً وغناءً وعزفاً، من بين أربعين في مباراة نظّمتها الإذاعة اللّبنانيّة آنذاك. غنّى بصوت شبّهه موسيقار ومطرب كبير "بحديقة نجد فيها كلّ أنواع الزهور". موهبته الفنية الخلّاقة ابتكرت ما سُمِّي "بالمدرسة الصافية للأغنية الشرقيّة" التي أبرزت الأغنية اللبنانيّة في هويّتها، وغرفت مواضيعها من جمالات لبنان وحضارة شعبه وحياة عائلته والتقاليد.
6. عزف قلبه تحت كلّ سماء، في العواصم العربيّة وبخاصّة في مصر، كما وفي العالم الغربي: في البرازيل وباريس ولندن. فأكرموه بثلاث جنسيّات: مصريّة وبرازيليّة وفرنسيّة، وقدّروا عطاءاته بأوسمة الاستحقاق. لكن افتخاره كان بجنسيّته اللّبنانية، وبالأوسمة الخمسة الرفيعة التي كرّمه بها خمسة رؤساء للجمهوريّة اللّبنانيّة. لقد رأى فيه الجميع "مدرسةً في الغناء والتَّلحين، وعَلَماً من أعلام لبنان والعالم العربي". ويقرّ كلّ ذلك حضور ممثّلين رسميّين عن فخامة رئيس الجمهوريّة، وعن رئيسَي كلٍّ من مجلس النوّاب ومجلس الوزراء. إنّ وزارة الثقافة ونقابة الفنانِّين المحترفين اللّتَين تنعيانه مع الأهل، تحفظان له كلّ التقدير، وتثمِّنان الإرث الفنّي الذي ستتعهدان تفعيله لخدمة الأجيال.
7. عزف قلبه مع الكثير من العازفين. فغنّى للعديد من الشعراء ولاسيّما لأسعد السبعلي ومارون كرم؛ وللعديد من الملحِّنين، وأشهرهم الأخوان رحباني وزكي ناصيف ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش؛ ولحّن بنفسه الكثير من آلاف الأغاني والقصائد. فأجمع أهل الفنّ على القول فيه: إنّه "المعلّم الكبير" و"العلامة الفارقة في الفن والثقافة والإنسانية".
8. عزف قلبه في خمسة عشر مهرجاناً غنائيّاً على المستوى اللّبناني – الدولي، وفي ثلاثة أفلام سينمائيّة، وفي العديد من الحفلات الغنائيّة والفنّيّة في لبنان والخارج. ووديع الصافي هو هو رجلٌ متواضعٌ وديع، مُّحبّ لجميع الناس من دون حدود وتمييز، متجرّد، فقير. فلقّبوه "بقدِّيس الفن وشهيده".
9. عزف قلبه لله. فبدأ منذ الثمانينات بتأليف الألحان الروحيّة، بنتيجة معاناته من الحرب في لبنان، وممّا خلّفت من ويلات على الوطن وأبنائه وبناته. وزاد اقتناعاً بأنّ العلاقة الصافية مع الله هي التي تتوّج كلّ أعمال الإنسان. لقد عزف قلبه للسيِّدة العذراء والدة الإله، وللقدِّيس شربل والقدِّيسة رفقا والقدِّيس نعمة الله. وأضحى معلّم تقوى وصلاة.
"يعزف لك قلبي، أيّها الربّ إلهي، ولا يسكت" (مز30: 13).
10. هو وديع الصافي، قبل أمس السبت "استراح" من عمل الأرض. وفي يوم أمس الأحد، يوم الربّ، غاب عن ليتورجيّة الأرض في الكنائس، لينضمّ إلى ليتورجيا السماء في الكنيسة الممجَّدة حول عرش الحمل، التي شهدها يوحنا الحبيب في رؤياه.
"لا يسكت" قلبه عن العزف لله الواحد والثالوث، وعن "حمده إلى الأبد". لقد تذوّق وديع الصافي بصوته الشجي الذهبي الذي جعله "عملاق الغناء"، كما سمّاه زملاؤه في الفنّ، جمالَ الأصوات الملائكيّة في السماء. فبصلاته التقيّة في ليتورجيّة الأرض أيام الأحد، وبمحبّة قلبه وحلاوة لسانه وبمشاعره الإنسانية الصافية، كان يستبق، كمسافر على وجه الدنيا، مجد ليتورجيّا السماء، ويتوق إليها. وكم كنّا نسمعه يصرخ بعفوية وسط الجماعة المصلّية: "هللويا!".
11. على هتاف "هللويا!" أدخل إلى مجد السماء، أيّها العزيز وديع الصافي، أيّها اللبناني بامتياز. واشفعْ لدى الله من أجل لبنان الذي "أعطي مجده للحكمة الإلهيّة" (أشعيا 35: 2)، لكي يدرك المسؤولون في وطننا وكلّ ابنائه وبناته، أنّ لبنان في الكتاب المقدّس، موقوف على الله، وقد أخذ منه صور جمالاته التي ألهمها للّذين كتبوه. لبنان هذا تركته لنا عبر أغنياتك لؤلؤة ثمينة توجب علينا المحافظة عليها. أمّا نحن فنرافقك بالصلاة ليستقبلك الله بوافر رحمته، والسيدة العذراء بحنان أمومتها، وكان العزاء لعائلتك وجميع محبّيك.
وأنت تُنشد مع الأجواق السماوية أمام عرش الله: "هللويا! التسبيح والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة والقوّة لإلهنا إلى دهر الدهور! آمين (رؤيا 7: 12).

عملاق من لبنان ...
اسم فرنسيس لم يكن طروباً على الأذن الموسيقية، فبرز صديقه المحامي النائب السابق أوغست باخوس ليقول له إن صوته في صفاء مياه الباروك، ونقاوة طبيعة الشوف، ولذلك فهو يريده أن يتكنى باسم وديع الصافي، وبذلك يكون هذا الاسم جواز مرور الى عالم العرب والمغتربات. وليس صحيحاً أن ملحني الاذاعة اللبنانية الذين شكلوا اللجنة الفاحصة هم من اختار له هذه الكنية، وكانت الأغنية التي أسمعها للجنة الفاحصة هي <يا مرسل النغم الحنون> للشاعر المجهول آنئذ عام 1938 وهو الأب نعمة الله حبيقة.
ثم كانت الأغنية التي اشتهر بها عام 1940 من تأليف الشاعر أسعد السبعلي، بعنوان <طل الصباح وتكتك العصفور>.
ووديع الصافي بصوته الجبّار القوي التقى الموسيقار محمد عبد الوهاب عام 1941، حين كان يمثل ويغني في فيلم <يوم سعيد>، ثم كان له لقاء ثان مع عبد الوهاب عام 1947، بعد سنة من عرض فيلمه السينمائي الضائع في حريق ستوديو مصر <لست ملاكاً> مع نور الهدى وليلى فوزي.
ولكن التعاون الغنائي بين الرجلين لم يحصل إلا عام 1972، حين زار الموسيقار عبد الوهاب برمانا ونزل في فندق عازف العود الشهير نايف عواد، وأعطى وديع الصافي لحن <عندك بحرية يا ريس>، وأعطى نايف عواد عوده الخاص الذي يحمل توقيعه.
سافر على رأس فرقة فنية الى البرازيل، وأمضى هناك ثلاث سنوات قبل أن يعود الى لبنان.
في عام 1956 كان لوديع الصافي حفلة غنائية على مسرح سينما <كابيتول> في طرابلس، وكان عبد الوهاب في مقدمة الحضور الى جانب المطرب محمد سلمان، والصحافي محمد بديع سربيه، وكلما انتهى وديع من غناء مقطع من أغنياته، هتف عبد الوهاب من كل جوارحه <الله يا وديع>.
عظيمة يا مصر
عام 1978 لجأ الى باريس هرباً من الحرب اللبنانية، بعدما اكتشف عدم وجود موقع له بين المدافع والصواريخ.
بعد مرور سنة على عودته الى لبنان عام 1990، أنهك وديع الصافي مرض القلب، فخضع لجراحة قلب مفتوح.
وإذا كان الحظ قد وقف الى جانب وديع الصافي في المهرجانات فإنه لم يحالفه في السينما، بسبب بدانته، مثل فيلم <نار الشوق> مع صباح وابنتها هويدا وحسين فهمي، وفيلم آخر بعنوان <موال>، لم يعد الصافي يظهر في السينما.
الأفكار Nov-21-2013

سيرة وحياة وديع الصافي يخبرها فرنسيس بن بشارة يوسف جبرائيل فرنسيس بتارخ 18 يوليو، 2012، https://www.facebook.com/...يقول وديع الصافي:
أنا وديع بن بشارة يوسف جبرائيل فرنسيس من مواليد 1/11/1921 في نيحا – الشوف ، الابن الثاني بالترتيب لوالدي ووالدتي شفيقة شديد العجيل . ُولد أخي البكر توفيق عام 1919 ثم أنا ثمّ ستّ شقيقات توفيت احداهن فبقين خمس هنّ ليندا وماري وجان دارك وتيريز ونادية التي احترفت فترة وعرفت باسمها الفنّي هناء الصافي . من بعدهنّ وُلد أخي الأصغر إيليا وهو من مواليد عام 1947 ، أي أنه يصغرني بستّ وعشرين عاماً !
كان والدي من مواليد عام 1895 وأمي من مواليد عام 1903 ؛ وقد عمل والدي صف ضابط وخيالاً في الدرك أيام الانتداب الفرنسي ورأس منطقة النبطية وجبل عامل . وقد ورث أخواي توفيق وإيليا العمل نفسه عن والدي ، ولا يزال الأخير يمارس عمله قائداً لفرقة موسيقى الأمن الداخلي اللبنانية .
تزوّج جدّي لأبي "أبو بشارة" وهو من مواليد عام 1870 جدّتي أم بشارة إبنة لعائلة يوسف كرم من عارَيْه ، وكانت أخت الرجال مقدامة وشجاعة وربّت أعمامي وأبي على ذلك وكانت طاهية ماهرة ومتحدّثة لبقة وقاصّة ماهرة رسخت قصصها في وجداني . أما جدّي أبو بشارة فقد كان شيخ الشباب وقوّالاً وزجالاً يقرض الشعر من قرّادي ومعنّى وعتابا وميجانا ويغنّي بصوت جميل وهو من علّمني الزجل . كان جدّي يعمل في الأرض كما وسافر الى البرازيل مرّتين أو ثلاثاً ليكسب المال ويعود ليشتري أرضاً في نيحا .
أوّل عهدي بالفنّ كان مع خالي نمر شديد العجيل وكان دركيّاً كوالدي وذا صوت جميل كأبيه جدّي لأمّي ، وهو أوّل من علّمني العزف على العود . كنت أعزف سماعيّاً على الربابة ثمّ على الكمان ومن بعدهما جاء العود ؛ ومنذ ان أمسكت بالعود لم أفارقه الى اليوم . كان خالي نمر يصطحبني الى السهرات ويعلّمني الغناء والعزف !
بدأ جدّي يعلّمني الزجل على أنواعه وصرت أستمع الى شحرور الوادي أسعد الفغالي عمّ المطربة صباح والى أزجاله وكذلك الى أزجال رشيد نخلة . لم أعرفهما شخصيّاً في صباي بل كنت أقرأ لهما وأسمع عنهما فتعلّقت بهما تعلّقي بأبي وجدّي وأصبح شعرهما جزءاً منّي . كان شحرور الوادي عملاقاً ذا صوت جميل.
بعد استقالة والدي من الدرك وانتقالنا الى بيروت عام 1935 بالتقريب ، شرعت بتعلّم العود على ألكسي اللادقاني الذي علّمني أول ما علّمني تحميلتي بياتي وحجاز. في بيروت قصدت مدرسة المخلّص وفيها أمضيت سنتين فقط أرتّل في الجوق المدرسي . العتابا مرّن صوتي فصار حفظ الألحان أسهل عليّ بما لا يقاس مع أترابي من أبناء المدينة فكنت نجم الجوق المدرسي لأني كنت احفظ الألحان بسهولة فائقة لمراسي في العتابا . قبل العتابا كنت سمعت يا جارة الوادي فاستصعبت أن أغنّيها في البدء الا أنني عندما تمرّست في العتابا وجدت جارة الوادي سهلة جدّاً مثل "شربة الماء" . قبل أن بدأت أغنّي كنت أرتّل في الكنيسة ، وتواكب عندي الغناء الريفي والترتيل الكنسي وكانا أهمّ رافدين رفدا غنائي فيما بعد .
لم تمضِ سنتان إلا ووالدي قد طلب الينا أنا وأخي توفيق أن نترك المدرسة لصالح العمل لنسهم في إعالة أسرتنا الكبيرة ، إذ أن معاش التقاعد من الدرك لم يكن كافياً لسدّ احتياجات العائلة ، وكنت آنذاك في الخامسة عشرة من عمري تقريباً ، فكانت إذن المرحلة الابتدائية مجمل ما حصّلت من التعليم الرسمي ...
عملت صبيّاً في محل نوفوتيه وفي محلّ أحذية وفي صالون للحلاقة ، ثمّ عملت في معمل للقرميد والزجاج . وعام 1937 شجّعني والدي على التقدّم الى الإذاعة وفعلاً تقدّمت فتمّ قبولي ، وهناك علّمني ميشال خياط وسليم الحلو وأقرانهما القصائد والنغم والإيقاع الصحيحين . علّمني هؤلاء الموشّحات والتلحين وكانا يأتيان بالقصائد ويلحّناها على موازين يختاراها فقوّياني . كان ميشال خياط مغرماً بالشيخين سيد درويش وزكريا أحمد فتعلّمت منه روح الرجلين في التلحين . وفي عام 1938 فزت بالمرتبة الأولى في العزف على العود وفي التلحين والغناء ولمّا أبلغ بعد من العمر سبعة عشر عاماً .
عام 1940 خلال الحرب العالمية الثانية أجرى سليم الحلو مسابقة للغناء من ألحانه شارك فيها مطربون كبار آنذاك من أمثال صابر الصفح ومصطفى كريدية وغيرهما فحللت في المرتبة الأولى . وخلال كل تلك المدّة كنت أسمع ألحان محمد عبد الوهاب وأرى أفلامه مع ليلى مراد ونجاة علي وغيرهما وأحفظ الألحان وأدرسها ، فلم أكن أنام حتى أعرف أساس النغمة ومقامها. كذلك تعرّفت في تلك السنوات من أواخر الثلاثينات الى أم كلثوم من خلال أسطواناتها وأفلامها ولم أكن أستمع الى أحد غيرهما إلا أسمهان. عبد الوهاب ثقّفني من حيث الأداء ، أخذت عنه غناءه وثقافته وكنت أشاهد أفلامه مراراً وتكراراً لأتعلّم منه . كنت من حزب عبد الوهاب ضد أم كلثوم وكنت أحب غناءه لأنه أنيق والغناء الأنيق أقرب عندي للحفظ والغناء . في البداية لم أستوعب أم كلثوم وفي مرحلة متأخرة فقط اكتشفتها وأغرمت بها وهي تسلطن بألحان رياض السنباطي .
تعلّمت في تلك السنوات الأولى كتابة النوتة بالطريقة التركية الا انها لم تعمّر طويلاً وحلّت محلّها الطريقة المعروفة اليوم ، إلا أنّ أعصابي لم تعد تحتمل أن أتعلّم من جديد فانصرفت إلى علم النغم .
ألبست ما حفظت في طفولتي وصباي ، من قرّادي ومعنّى وغزيّل وعميّم وأبو الزلف وعتابا وميجانا ، على العود و"هجمت" بها على بيروت .
عام 1940 بدأت الاحتراف في محلّة "الدورة" وهو حيّ من أحياء بيروت الشمالية الشرقيّة كان الناس يقصدونه للتنزّه وكان فيه مقاهٍ يغنّي فيها المطربون والمطربات في عروض فنّية . كانت "الدورة" مركز لهو وعرض عضلات لمن يغنّي وكان هناك من يغنّي مجاناً ومن يغني بثلاث ليرات في الليلة ومن بخمسة ، أما أنا فكنت أتقاضى عشر ليرات عن الليلة ومن ثمّ خمس عشرة ليرة . ولكي تعرف قيمة هذه الليرات أذكر أن أخي توفيق اشترى لي عوداً بخمس ليرات . المهم أنني بدأت رحلتي الاحترافية في مقهى جوزيف سعادة وهناك التقيت أول مرّة بالصبّوحة وكانت لا تزال "فرخة" في الخامسة عشرة من عمرها ، وقد جاءت لتغنّي لأول مرة في مقهى ، ما كان قد علّمها عمّها شحرور الوادي أسعد الفغالي .
وفي عام 1941 ذهبت مع المطربة لور دكاش الى حلب وكانت معنا بهية وهبي التي اشتهرت باسم وداد وكانت لا تزال صبية صغيرة ، الا أن إحساسها كان جميلاً وسحرتني بغنائها . كانت هذه المرّة الأولى التي أسافر فيها الى حلب .
عام 1945 التقيت في مقهى الباريزيانا بالحاج أبي نقولا بدران والد المطربة ألكسندرا بدران التي اشتهرت باسم نور الهدى والتي كانت تغنّي هناك . سألني أبو نقولا إن كنت أرغب بالسفر الى مصر فأجبته بنعم ، فتوسّط لي لدى يوسف وهبة الذي كان يستعد لبطولة فيلم مع نور الهدى ، لم يخرج الى النور ، لحشري معهم في الفيلم ، وذهبت معهم الى القاهرة .
نزلت لدى أقرباء لي من آل دكّاش في شبرا وهم أقرباء المطربة لور دكّاش طبعاً ، والذين قاموا مشكورين بإيوائي وبإقامة بعض الحفلات ، كما وصرت أخدم في الكنيسة. كانت صباح قد سبقتني الى القاهرة فرحنا نقيم سهرات خاصة وكان طلعت باشا حرب يدعونا إذ كان مديراً لبنك مصر . أما دوافع اشتراكي في الفيلم المصري "الخمسة جنيه" فلا أذكرها وربما يكون أحمد الحفناوي عازف الكمان الشهير هو الذي همس لبهيجة حافظ منتجة الفيلم أن هناك مغنياً لبنانياً في الجوار فأتوا بي وغنّيت مع مغنّين كثيرين آخرين بيتاً في أغنية يقول "جيتك من لبنان" أو شيئاً من هذا القبيل وتقاضيت عن "دوري" هذا خمسة وثلاثين جنيهاً .
أثناء وجودي في القاهرة أخذني الحاج بدران إلى عبد الوهاب في مكتبه في التوفيقية وقال له بلهجته المزرعانية المحببة : "جايبلك صات (صوت) ما في منّو بالعالم" ! فسألني عبد الوهاب : "بتقول إيه" ؟ فقلت : "الفنّ " وكان قد غناها من يومين فقط ، فقال : "لحقت ؟ " قلت نعم وغنّيت المطلع وبدّلت بأسلوب غناء كلمة "ليل" فاستعادها مني عشرين مرّة ، ثمّ صار هو يغنّيها مثلما قلتها أنا ، والحاج أبو نقولا بدران حاضر وشاهد .
لم ترضِ إقامتي في القاهرة طموحي ولم أفعل هناك شيئاً ذا بال . ثم تعرّفت الى الفنان نجيب الريحاني صدفة في مقهى فسألني ما أنا فاعل في القاهرة فأجبت بأني أجرّب حظّي فقال لي انّ الظروف ليست مواتية ونصحني أن أرجع إلى بلدي وأعود فيما بعد . أحسست أنني سأهان في مصر فاستدنت خمسة جنيهات من المغنّي اللبناني محمد البكار الذي كان مقيماً في القاهرة ، والباقي من الحاج أبو نقولا بدران وأخذت بنصيحه الريحاني وعدت إلى لبنان بعد أن قضيت في القاهرة سنة وشهراً .
عدت الى لبنان عام 1946 لأعمل مع الأخوين رحباني في مربع لنجيب عطيّة في شارع بشارة الخوري على طريق الشام في وسط بيروت . كانت خاصة من المستمعين تأتي لتسمعني أنا وعاصي ومنصور يعزفان معي عاصي على البزق ومنصور على الكمان . كنت أغنّي الميجانا والعتابا وكذلك الفنّ الجديدة لوهاب وأغنيات مصرية أخرى وكذلك المعنّى العظيم وكنت أتقاضى ثمان ليرات لليلة الواحدة . كنت قد قرأت قصيدة لأسعد السبعلي في أحد دواوينه عنوانها "طلّ الصباح وتكتك العصفور" أعجبتني كثيراً فأخذتها ورحت أغنيها فلاقت نجاحاً كبيراً.
في مربع نجيب عطية تعرّفت على مغترب لبناني ثري اسمه كميل كريدي كان يعزف على البيانو ويحب الموسيقى والغناء نصحني أن أجرّب حظي في البرازيل وموّل تذكرتي على الباخرة ، أما البذلتين اللتين أخذتهما معي فكانتا من ريع حفلة وداعية أقيمت على الرميلة في بيروت قبيل سفري .
كانت الحرب العالمية قد وضعت أوزارها وكانت عائلتي تسكن بالإجارة لدى السيد معروف قليلات الذي كان صديقنا ويحب صوتي . لم نكن دائماً قادرين على دفع بدل الإجارة في موعده ، إلا أنّ معروفاً لم يكن يسأل وكان يرضى التأجيل مشكوراً . لم أحتمل هذا الوضع فقلت أسافر لأعود بثمن بيت يأوينا ويريح أبي من دفع الإيجار أو لا أعود . سافرت ومعي ليرة واحدة أخرجتها من جيبي وقلت لأختي جان دارك التي كانت تودّعني باكية في المرفأ : هذه الليرة بيني وبين لبنان وسأرى ما سيكون بيننا ، وسافرت ولم أنظر خلفي من الباخرة المبحرة من ميناء بيروت وكان ذلك عام 1947. سافرت معي على الباخرة نفسها الفنانتان حنان ونهاد بشعلاني فتولّيت تدريبهما فازدادتا قدرة وكانت حنان مطربة مهولة أهم من نهاد.
كانت رحلتي الى البرازيل انتحارية فإما أن أعود بثمن بيت أو لا أعود . وصدف أن كانت رحلتي أول رحلة اغترابية لفنان لبناني بعد الحرب الكبرى فاستقبلوني هناك وكأنني كريستوفر كولومبوس بالعقول وبالقلوب وبالدموع ، فعملت العجائب هناك على الصعيد المادي أيضاً . كانت "طلّ الصباح" قد لاقت نجاحاً كبيراً في لبنان فأخذتها معي الى البرازيل ونشرتها بين المغتربين هناك . هناك رحت أغني الى جانب المعنّى والميجانا والعتابا القصائد الفصيحة أيضاً أذكر منها "ما لنا كلنا جوٍ يا رسول" لأبي الطيب المتنبي و"بين الخمائل والربى" لابرهيم البسيط وغيرها الكثير.
عدت من رحلتي الموفّقة الى البرازيل عام 1950 لشديد تعلّقي بوالدتي ولأني عقدت العزم على الزواج بعد أن اقتربت من الثلاثين وبعد أن اقتنعت انني غير قادر على الزواج من لبنانية مغتربة . شعرت أنني لا أستطيع أن أفرض عليهن مقاييسي في الاحتشام وأنا شديد في هذا الموضوع . وبالفعل تزوّجت بعد تسعة أشهر من عودتي من البرازيل وكان ذلك عام 1951 وولدت ابنتي البكر دنيا عام 1952 ثمّ مارلين (1954) ، فادي (1957) ، طوني (1960) ، جورج (1961) وميلاد (1967).
عدت الى بيروت عام 1950 وجئت الى حليم الرومي في الإذاعة ، فقال لي : لا تغنِّ أغنيات الطرب ؛ إننا نريد لون الزجل بصوتك ، أما الطرب "فلاحقين عليه" ! وقد صدق الرجل وكان الأمر لخيري ولخير الناس معاً . كانت الكرنك والجندول قد اختفتا من الإذاعة وحلّت محلّها أغان خفيفة لفريد الأطرش مثل "يا عوازل فلفلوا" ، فضربت أخماساً بأسداس . كان المستمعون قد نسوني لأننا كنّا نغنّي على الهوا ولم تكن الإذاعة تسجّل الأغاني ؛ فيسمعنا الناس ساعة وينتهي الأمر وبذا فقد ضاع الكثير من التراث اللبناني ، والمصري أيضاً . عرفت أن الأوقات قد تغيّرت وأن عليّ أن آتي بشيء جديد خفيف على نسق" العوازل" ، وهكذا ولدت فكرة "عاللومة" التي لاقت كما هو معلوم نجاحاً منقطع النظير . لم تكن الأغنية اللبنانية واضحة المعالم آنذاك وكانوا يغنونها ملتبسة على الرغم ان الأولين قد اجتهدوا فيها من أمثال نقولا المني وايليا بيضا والياس ربيز وسامي الصيداوي وغيرهم . هؤلاء بدأوا الأغنية المحلّية ، كي لا نقول اللبنانية ، المحيّرة بين الأمزجة العراقية والسورية والفلسطينية والمصرية ، ورحت أنا وزملائي نكمل ما بدأ الروّاد .
في الخمسينات كنا نغنّي تراثنا من مواويل ميجانا وعتابا وأبو الزلف ودلعونا ومعنّى وبضعة أغان أخرى ، أما الإرث الأكبر الذي تركته فقد كان من موسم 1959 فصاعداً ، ذلك الموسم الذي اشتركت فيه في مهرجان بعلبك مع فيروز ، وبذا بدات مرحلة المهرجانات في مسيرتي الفنية .
عندما اندلعت الحرب الأهلية البغيضة عام 1958 سافرت إلى بانما في رحلتي الاغترابية الثانية كي أوفّـر لعائلتي لقمة العيش في تلك الفترة القاسية من الحوادث . لم تكن رحلة بانـما موفقة البتّة ، اذ مرضت هناك وتقطّعت بي الأسباب كلها لا أكلاً ولا مبيتاً ولا وسيلة سفر ، فأرسلت الى صديق لي ليسعفني فقام مشكوراً بارسال المال اللازم لتأمين عودتي الى أرض الوطن فعدت عام 1959 .
لم أكن قد شاهدت مهرجاناً من قبل ، إلا أنّ زوجتي كانت قد شاهدت مهرجاناً وأخبرتني ، وكان الرحابنة قد خاضوا التجربة عام 1957 في بعلبك ونجحوا . لم تكن المهرجانات في مزاجي أصلاً لأنني كنت أرى أن موسم الصيف كله سيضيع لقاء 15 الف ليرة بينما كنت أكسب في موسم الصيف من 100 الى 125 الف ليرة ، هذا عندما كان الدولار بليرتين . قلت لنفسي : لقد خدمت لبنان في الغربة كثيراً وحان الوقت لأهتمّ بمصلحتي وأترك الفرصة لغيري ليخدم لبنان من خلال المهرجانات !
ثم أرسل لي رئيس الجمهورية كميل شمعون طالباً اليّ أن أوافق على الاشتراك في مهرجانات بعلبك الدولية فوافقت . ولقد شاركت في :
* "العــرس في الـقـرية" في "مهرجان بعلبك" عام 1959 مع فيروز والرحابنة والذي غنيت فيه "البيــر" ، من نسج الرحابنة وتنضيدهم . وأذكر أنّ خلافاً نشب بيني وبين الرحابنة بعد إغفال اسمي من الاعلانات أدّى الى معاقبتي باختصار دوري في الغناء في مهرجان تلك السنة ، فاتّفقت مع توفيق الباشا قائد الفرقة الموسيقية أن أشير له لتستقرّ الآلات على نغمة معيّنة فأقوم أنا بإكمال ما اختصره الرحابنة ، في ارتجال على المسرح مباشرة أمام الجمهور ، وهذا ما حصل بالفعل ؛
* "موسم العزّ" في "مهرجان بعلبك" سنة 1960 حيث أشرك الرحبانيّان صباح معي - وكانت أهمّ من غنّى وتجاوب معي في الغناء الريفي من الأصوات النسائية ولها طلّة استعراضية شكلاً وصوتا - فكان نجاحاً كبيراً وأفضل بكثير من وجهة نظري من المهرجان الأول . غنيت فيه مع صباح : الله معك يا زنبقة وعمّر يا معلم العمار وطلّعني درجة درجة وأغاني شعبية عالماني ودلعونا وعيونك أخذوني ويا أم الضفاير ويا ليل يا ما فيك غنينا وغيرها .
* "حكاية لبـنان" في "مهرجان الأنوار" عام 1960 وفيه غنّيت بالساحة تلاقينا والحياة في الضيعة ورمشة عينك وموال شو عاد بدي فيك ولبنان يا قطعة سما ولوين يا مروان وليلتنا ويلا يا مرتي شعلي هالنار وغيرها ؛
* "طواحين اللـيل" في "مهرجانات جبيل" عام 1960 وفيه غنّيت موال يوم التلاتا والمجد مزنّر ماضينا وآه يا بني ولمّن دخلتوا الدار وغيرها ؛
* " مهرجانــات الأرز" عام 1963 وفيه غنيت يا أرز يا صامد بأعلى جبالنا وخضرا يا بلادي وأبو المرجلة وسيجنا لبنان وغيرها ؛
* "أرضـنا الى الأبــد" في " مهرجانات بعلبك الدولية " عام 1964 ؛ فيه غنيت الزلزال وكبيرة يا ابني فرحتي والكبة هيدي أكلتنا ويا أم العين الكحلا ويا جرن انت ال من حجر لبنان وغيرها ؛
* "نهــر الوفــا" في "مهرجان وادي فينيقيا" عام 1965 ، غنيت فيه وكان وكان ما كان وخيي الأبد لبنان وفي نهر الوفا ولبنان جنة صفا وغيرها ؛
* "بحــر اللولو " في "مهرجانات بيت الدين" عام 1970 وغنيت فيه يا بحر يا دوار وليالي العمر وبتذكر الإيـّام وغيرها ؛
* "هالأرض منــا " في "مهرجانات مزيارة " عام 1971 وغنيت فيه لا اللبناني من لبنان ولبنان غايتنا ولفيوا الغياب ويسعد مسا أهلك ويا ابني يمكن ما نعيش ؛
* "مدينــة الفــرح" في "مهرجانات بيت الدين" عام 1971 وغنيت فيه انت وأنا يا ليل وبتذكر الأيام والرعيان ويا قمر الدار ويا معمر للعز دياره وطاير طاير ويا بو مرعي وغيرها ؛
* "مدينــة الفــرح" في "مهرجانات بيت الدين" عام 1972 وفيه غنيت بعدن ببالي وبلدي وبهالكيس موجود السر وزرعنا تلالك وطال الحكي وغزلان بلادي ولرميلك حالي من العالي والليل يا ليلى والمجد معمرها ووين بدك وين نتلاقى وغيرها.
* "وتضلّـوا بخيــر" في "مهرجانات بعلبك الدولية" عام 1974 وغنّيت فيه طيري يا يمامة وموّال شروقي قاصد حماكم وقومي تا نمشي ويا ريت جنكيزخان ويا خيام الهنا وغيرها.
بعد ذلك جاء الطوفان فأجهض المشروع الموسيقي اللبناني الى غير رجعة . أحرقت الحرب الأهلية كل أخضر ويابس وشتّـتت من لم تحرقه الى غربة وطنية وفنّية لم يعد منها . رحنا نجوب بلاد الغربة جيئة وذهاباً حتى استقرّت رحالي أخيراً في باريس ، ولم تتسنّ لنا العودة الى الوطن إلا بعد أن وضعت الحرب الأهلية البغيضة أوزارها في مطلع التسعينات من القرن الماضي . إلا أنّ قطار العمر كان قد فاتني وقد بتّ في خريف العمر وقد تخطّيت السبعين من عمري ، ولم يعد لي ما كان من طاقة على العطاء فلم أغنّ بعد ذلك جديداً إلا في باب الابتهالات الدينية والأدعية ولم آت بجديد ذي بال يرسخ في الأذهان كقـديم ما غنّيت من الغناء الريفي .
https://www.facebook.com/

ويقول: الأغنية اللبنانية اليوم بلا شخصية 05/11/2010
يحكي عن زمن الفن الجميل، ويأسف لحال الأغنية اللبنانية "المحيّرة والتي تفتقد إلى الشخصية" اليوم. وبين الزمنين، يروي عن علاقته بفنانين عرفهم وعرفوه خلال مسيرته الطويلة، مجيبا على أسئلة حول مشاركاته في الأعمال المسرحية والسينمائية، وعن رأيه اليوم في بعض الأصوات والشعراء والإنتاجات الفنية.
يشرح عن علاقته بلبنان، ويستغرب اقتصار اهتمام الدولة، في حال وجد، على منح الأوسمة للفنانين الكبار بدل تأمين ضمان يحترم شيخوختهم، مؤكداً في المقابل على اعتزازه بحب الناس له أينما كانوا، كما كانت الحال في العاصمة السورية دمشق، التي كرمته بصفته واحدا من كبار رواد الغناء العربي.
في الحرب اللبنانية كنت أول من نبذ الحرب الأهلية بأغنية "ابانا الذي في السماء"، فلماذا لا نراك في أغنية جديدة تحث السياسيين والناس على عدم التسلح والتوافق على المصلحة العليا؟
غنّيت كثيراً للوطن، وأبكيت العالم والمغتربين عندما غنّيت. ما فعلته في الغناء للوطن لم يفعله أحد، حتى أن أحد النواب الذي لن أذكر اسمه مازحني يوماً قائلاً "شو خايف حدا يسلبك لبنان، فا بتغنيلو دايماً". لكن لا أمانع بأن أغني لبنان من جديد إذا سمحت الظروف، فلبنان شرفي وعرضي، أفديه بروحي وعيني، وهو وطن الجميع.
كم تعني لك أول أغنية قدمتها "يا مرسل النغم الحنون"؟ أم انك تعتبر انك قدمت أفضل منها؟
جميع الأغاني التي غنيتها عزيزة على قلبي، وجميعها تعني لي. كل أغنية تحمل رسالة ما. وأغنية "يا مرسل النغم الحنون" تذكرني بـ"الحناين"، الأهل والأقرباء والقيم، كذلك هي أغنية العود الحنون.
شاركت بأعمال سينما ومسرح، لكنني لست هاوٍ بل ساهمت في أعمال فنية معيّنة لأنه طُلب مني ذلك.
جربت جميع الألوان. غنيت اللهجات المصرية والعراقية والجزائرية والكويتية، من منطلق إيماني بـ"إن كنت من كل الشعوب مركّب فأنت إلى كل القلوب حبيب". غنيت نشيدا لمصر بعنوان "عظيمة يا مصر يا أرض النعم".
بنظري الفن هابط من حيث المعنى، ويفتقد لرسالة محددة. يجب أن يكون هناك موضوع للأغنية وليس فقط "أموت بدباديبك". أشدّد على ضرورة أن يتجلى الفن بقيم معينة، وكفى تشويهاً له. كانت السيدة أم كلثوم قديرة وتملك سلطة من خلال وقفتها على المسرح، ولا أعتقد أن أحداً كان يستطيع إطالة زمن الأغنية العربية غيرها.
أحمل الذكريات العظيمة مع الرجل الذي تكلّم عنّي كما لم يحك عن الأنبياء، حين قال: "نحن في عصر وديع الصافي". الراحل محمد عبد الوهاب أفادني بشهادته وأنا أشكره حياً وميتاً، عبد الوهاب لا يموت، وله فضل كبير على الغناء العربي.
الأغنية اللبنانية اليوم "محيّرة" وليس لها شخصية، بسبب غياب الرقابة، ما أدى إلى "فلتان الملق". لكن الأصالة في الفن لا تموت، ولا بدّ أن تعود يوماً.
جميعنا مظلومين، لأن كل ما تفعله الدولة هو منحنا الأوسمة بدلاً من أن تؤمن لنا رواتب شهرية تحفظ لنا ضماننا وشيخوختنا، تماماً كما هي الحالة في البلاد الأوروبية.

عن مجلة الجيش - العدد 341 تشرين الثاني 2013
غادرنا وديع الصافي، لأن الموت حقّ، رغم أنّ الخسارة مؤلمة.
وديع فرنسيس المعروف بوديع الصافي
الإنطلاقة الفنية كانت عام 1938، حين فاز بالمرتبة الأولى لحنًا وغناءً وعزفًا، من بين أربعين متباريًا، في مباراة للإذاعة اللبنانية، حين غنّى «يا مرسل النغم الحنون» للشاعر المجهول الأب نعمة اللّه حبيقة.
عام 1947، سافر مع فرقة فنية إلى البرازيل حيث أمضى 3 سنوات في الخارج.
عام 1952، تزوّج السيدة ملفينا طانيوس فرنسيس، إحدى قريباته، ورزقا خمسة أولاد: دنيا ومرلين وفادي وأنطوان وجورج وميلاد.
في أواخر الخمسينيات، بدأ بالعمل مع العديد من الموسيقيين من أجل نهضة الأغنية اللبنانية، إنطلاقًا من أصولها الفولكلورية، من خلال مهرجانات بعلبك التي جمعت فيروز ونصري شمس الدين، والأخوين رحباني وزكي ناصيف، ووليد غلمية، وعفيف رضوان، وتوفيق الباشا، وسامي الصيداوي، وعصام رجّي وغيرهم.
مع بدايــة الحــرب اللبنانية عام 1975، غادر وديــع الصافي لبنــان إلى مصــر، ومن ثمّ إلى بريـطانيا، ليستقــرّ بعدهــا في باريس.
وكانت أغانيه بمثابة رسالة أمل جدّدت إيمان المغتربين بوطنهم، وذلك من خلال كلماتها التي حملت في طيّاتها معاني حب الوطن والوفاء لترابه وأرزه.
منذ الثمانينيات، بدأ الصافي بتأليف الألحان والتراتيل، اقتناعًا منه بأن كلّ أعمال الإنسان لا يتوّجها سوى علاقته باللّه. وعام 1990، خضع لعملية القلب المفتوح، ولكنه استمر بعدها في عطائه الفني بالتلحين والغناء.
غنّى وديع الصافي للعديد من الشعراء، وللعديد من الملحنين أشهرهم الأخوان رحباني، توفيق الباشا، زكي ناصيف، فيلمون وهبي، عفيف رضوان، محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش...
قيل عنه الكثير عبر أثير الإعلام، وكتبت الصحافة أجمل كلمات العزاء لهذا العظيم الذي قد تمضي مئات السنين قبل أن يولد وديع مثله.
شارك وديع الصافي في المهرجانات الغنائية الآتي ذكرها:
• «العرس في القرية» (بعلبك 1959).
• «موسم العزّ» و«مهرجان جبيل» (1960).
• «مهرجانات فرقة الأنوار» (1960-1963).
• «مهرجان الأرز» (1963).
• «أرضنا إلى الأبد» (بعلبك 1964).
• «مهرجان نهر الوفا» (1965).
• «مهرجان مزيارة» (1969).
• «مهرجان بيت الدين» (1970-1972).
• «مهرجان بعلبك» (1973-1974).
شارك وديع في أكثر من فيلم سينمائي، من بينها:
• «الخمسة جنيه».
• «غزل البنات».
• «موّال» و«نار الشوق» مع صباح (1973).
أول لقاء له مع محمد عبد الوهاب كان سنة 1944 حين سافر إلى مصر. وسنة 1947، سافر مع فرقة فنية إلى البرازيل حيث أمضى 3 سنوات في الخارج.
قال عنه محمد عبد الوهاب عندما سمعه يغني أوائل الخمسينات «ولو» المأخوذة من أحد افلامه السينمائية وكان وديع يومها في ريعان الشباب: "من غير المعقول أن يملك أحد هكذا صوت".
في أواخر الخمسينات بدأ العمل المشترك بين العديد من الموسيقيين من أجل نهضة للأغنية اللبنانية إنطلاقًا من أصولها الفولكلورية، من خلال مهرجانات بعلبك التي جمعت وديع الصافي، وفيلمون وهبه، والأخوين رحباني، وزكي ناصيف، ووليد غلمية، وعفيف رضوان، وتوفيق الباشا، وسامي الصيداوي، وغيرهم.
يحمل الصافي ثلاث جنسيات المصرية والفرنسية والبرازيلية، إلى جانب جنسيته اللبنانية، الاّ أنه يفتخر بلبنانيته ويردد أن الأيام علمته بأن ما أعز من الولد الا البلد.
سنة 1989، أقيم له حفلة تكريم في المعهد العربي في باريس بمناسبة البوبيل الذهبي لانطلاقته وعطاءاته الفنية.

عن الأهرام اكتوبر 2013
... أهداه شقيقه الكبير توفيق عودا وعلمه خاله " نمر العجيل" العزف عليه وشجعه على الغناء، ومن كثرة حب وديع للعود كان يلازمه فى الفراش، وفى الصباح يأخذه معه إلى العمل، فكان صاحب العمل يخيره بين العود والعمل، فيختار العود، ويترك العمل، وفى أحد الأيام أكتشف صوته "نجيب عطية" صاحب ملهى ليلى، فنصحه بالغناء فى الملهى واستجاب الصافي. وكانت أول أغنية له بعنوان "يا حمام الدوح" من كلمات وألحان يوسف بوعجرم، وفى الملهى غنى مع فرقة مكونة من عاصي ومنصور الرحباني، فكان عاصي يعزف معه على البزق، ومنصور على الكمان، وكان كل واحد منهما يتقاضى ليرة لبنانية فى الليلة، أما هو فكان يتقاضى ثماني ليرات.
يا مرسل النغم الحنون
وفى عام 1938 وكان فى السابعة عشرة من عمره دخل الإذاعة اللبنانية وتعلم على يد "ميشال خياط، وسليم الحلو"، واحتل المرتبة الأولى بين خمسة وأربعين متباريا فى أول لحن له بعنوان "يا مرسل النغم الحنون"، وبدأ اسمه يتردد بقوة كمطرب، وسمعه عبدالوهاب عام 1940 فى لبنان فدهش من قوة صوته، وطلب منه زيارة القاهرة، لكنه سافر إلى سوريا مع المطربة "لورد كاش"، وأحيا فيها عدة حفلات وسجل بعض أغنياته الخاصة فى الإذاعة السورية.
لكن نجاح المطربة اللبنانية نور الهدى فى أول أفلامها "جوهرة 1942" فى السينما المصرية، شجعه على المغامرة والنزول للقاهرة، خاصة بعد أن تلقى دعوة من المنتج "جبرائيل تلحمي"، الذى قدمه فى فيلم "الخمسة جنيه" إخراج حسن حلمي، وبطولة محسن سرحان، وزوز نبيل، وتقاضى عنه 35 جنية، لكن فشل الفيلم ومسئوليته تجاه أشقائه كعائل لهم جعله لا يقيم كثيرا فى القاهرة، وسافر إلى البرازيل فى منتصف الأربعينات. ولاقى نجاحا كبيرا بين المغتربين العرب مثيرا فيهم حبهم للوطن ومشجعهم على العودة إليه، وفى عام 1950 رجع للبنان بعد سنوات من الغربة وتزوج فور عودته وأنجب ستة أولاد هم "دينا، مارلين، فادي، طوني، جورج، ميلاد".
بدأ وديع الصافي بداية من عام 1950 يشتغل على نفسه كمطرب وملحن، فتنوعت الموضوعات التى تناولتها أغنياته، لكن الأبرز فيها كان موضوعات الحب، والوطن، والله، والضيعة اللبنانية، والعائلة اللبنانية، والقضايا العربية، ولأن موضوع الحب كان ومازال هو الموضوع الرئيسي فى الأغنية العربية، فلم يخرج وديع عن هذه القاعدة، لكنه قدم أغاني الحب العذري بمختلف صوره من شوق، وحنين، وعتاب، وغزل، ومشاعر عفيفة سامية، ومن أشهر أغنيات الحب عنده "بتحبني وشهقت بالبكي، بتروح لك مشوار، جاروا الحبايب، حبيبي ونور عيني، غلطنا مرة وحبينا، قتلوني عيونها السود، أندق باب البيت، وغيرها.
لم يغن فنان لوطنه كما غنى وديع الصافي، حتى تكاد الأغنية الوطنية تزاحم أغنية الحب عددا، وقد تعددت الصور الوطنية فى الأغنية عنده، إذ غنى جيش الوطن، واستقلاله، وصموده، وتاريخه، وأبطاله، وشهداءه، وأرضه، وسهوله، وجباله، وبحره، ونهره، وجماله، ودعا إلى حمايته، وعودة المهاجرين إليه، وبذل كل نفيس فى سبيله، ومن أشهر أغنياته الوطنية "أرز الجبل، لبنان يا قطعة سما، سيجنا لبنان، كلنا للوطن، زرعنا تلالك يا بلادي، يا جيش بلادي، وطني الحبيب، الله معك يا بيت صامد بالجنوب، وطني أغلى من ولادي، رجعت عالبنان، لبنان عرس الدني، لبنان أرض المحبة، لبنان للأبطال" وغيرها.
مطرب العرب ليس لقبا حصل عليه الصافي من فراغ لكنه جعل من نفسه وأغنياته وحدة وطنية عربية شاملة، فغنى آلام العرب وأفراحهم وعزهم وأمجادهم.
غنى لمصر "عظيمة يا مصر، وإذا مصر قالت نعم فاتبعوها، ومصر يا أم الأمم،
وللسعودية "مكة"،
وللجزائر "نشيد الجزائر"،
وللعراق "جئت بغداد"
ولفلسطين "أطفال الحجارة" "أعرف عدوك"، "محمد الدرة"،
ولسوريا "شام"، "جولان سوريا" "قالت لي بنت الجيران" عن القطر السوري.
ونظرا لتعلقه بقريته التى تربى فيها، وبعائلته، غنى الأمومة، والأبوة، والبنوة، والأخوة، ومن أهم أغنياته فى هذا المجال "أمي يا كلمة حب، صرت متلك بيّ يا بيّي، لوين يا مروان، وصية أب، "يا عيون بابا اليوم كملت سنة"، ولدي، يا بنتي.
التغني بالضيعة اللبنانية بجمالها وسحرها وجبالها ووديانها وخيراتها وعاداتها وتقاليدها، ومن أهم هذه الأغنيات "الضيعة والمدينة، الحياة فى الضيعة، العرس فى القرية، عمر يا معمر العمار، ما أحلاها شتويتنا بيضيعتنا، هل تذكرين ضيعتي، يا ضيعتنا جبينك عال "وغيرها".
وضع وديع الصافي صوته فى خدمة دينه، ولم يكن غناؤه الديني نابعا عن تعصب ديني، أو تطرف ديني، بل على العكس من ذلك كان مؤمنا متسامحا منفتحا على الدين الإسلامي انفتاحا محبا قائما على الإيمان بالخالق الواحد، والقيم الدينية السماوية الواحدة، فقدم بعض الأناشيد الدينية الإسلامية كنشيد "نداء الحق" وهو عن مولد الرسول عليه الصلاة والسلام، كما غني لشهر رمضان أغنية "شهرنا السمح" وأيضا "رمضان" ومن أشهر تراتيله المسيحبة "إرحمني يا الله، الوصايا العشر، الله نوري خلاصي، ألقاك أصلي، إلهى حنيت السماء، أنا إنسان، يا فاتح بواب السما وغيرها".
قدم وديع الصافي للمكتبة الغنائية أكثر من 1300 أغنية كلها عن الحب، والوطن، والله، والضيعة اللبنانية، تعاون فيها مع عدد كبير الشعراء اللبنانيين وغير اللبنانيين، بالفصحى والعامية ومن أبرز هؤلاء "عنترة بن شداد، أبو نواس، ابن زيدون، المتنبي، أبو العلاء المعري، عمر بن أبي ربيعة، ابن سناء الملك، الصمة القشيري، إيليا أبوماضي، بشار بن برد، البهاء زهير، عبدالله الأخطل، محمود بيرم التونسي، الأخوان رحباني، مارون كرم، ميشال طعمه، عبدالجليل وهبي، إيلي شويري، مصطفى محمود، أسعد سابا، وأسعد السبعلي.
ولحن الصافي معظم أغنياته، أما الملحنون الذين لحنوا بعض أغنياته فأهمهم الأخوان رحباني، فيلمون وهبي، محمد عبدالوهاب، رياض البندك، توفيق الباشا، وزكي ناصيف، عفيف رضوان، فريد الأطرش، محمد محسن، إيلي شويري، إلياس الرحباني، بليغ حمدي، رياض السنباطي، وليد غلمية وملحم بركات.
قدم الراحل عددا كبيرا من المسرحيات الغنائية هي 12 مسرحية غنائية: "قصيدة حب - موسم العز - أرضنا إلى الأبد - طواحن بيروت - بحر اللولو - أيام صيف - مدينة الفرح - المحاكمة - العرس فى القرية - حكاية لبنان - طواحين الليل - وتضلوا بخير".
ورغم إنه لم يكن ممثلا محترفا إلا أن منتجي الأفلام العربية أدركوا ضرورة اشتراك وديع فى أفلامهم، ولو كضيف شرف، أو فى أداء بعض الأغاني التي تسهم إسهاما كبيرا فى إنجاح هذه الأفلام، ويزيد من إقبال الناس عليها، وقد اشترك فى خمسة أفلام وهى بحسب ترتيبها الزمني: "الخمسة جنية - أنت عمري - موال - ليالي الشرف - نار الشوق".
شارك فى الكثير من الاسكتشات الغنائية مع كبار الفنانيين اللبنانيين، مثل "فيروز، صباح، نصري شمس الدين، إيلي شويري، ملحم بركات، جورجيت صايغ، وغيرهم" ومن أهم هذه الاسكتشات: "روكز خطب زاهية، سهرة حب، أرضنا الكريمة، الضيعة والمدينة، المصالحة، عين الرمان، عودة الصيادين، عهد الحب، ابن زيدون، الحطابين، البحارة"
قال الموسيقار اللبناني وليد غلمية: قبل وديع الصافي كان التلحين رتيبا اجتراريا تافها، لا إبداع فيه، فأتى صوت وديع وقال للملحنين: لحنوا ما شئتم وهناك صوت يؤدي كل ما تكتبون وتبدعون، فصوته هو الصوت اللبناني بكل ما تعنيه الكلمة، ومع احترامي لكل العاملين فى الحقل الموسيقى أقول: لقد تورطنا كلنا فى أساليب تلحينية بعيدة كليا عن أجوائنا اللبنانية الشرقية، والذى أنقذنا من هذا الضياع صوت وديع الصافي بأصالته اللبنانية.
وقال الموسيقار زكي ناصيف: قماشة صوته عجيبة غريبة يخزي العين، فصوته يندر أن يتكرر فى هذا العالم، صوت كامل ومثقف أيضا، ثقافته موسيقية شرقية، فمهما كلفته ليغني فهو قادر على غنائه ببراعة.
وقال الشاعر جورج جرداق: صوت تتوافر فيه رجولة من أنبتوا من الصخر تفاحا، وحولوا الجرود إلى جنات تسكنها النجوم، وتجري من تحتها الأزهار، صوته كأنه حديث الأرض للغاب، والغاب للرياح، صوت كأنه وجوه الآباء حول النار فى ليالي الشتاء
وكتب الشاعر اللبناني الكبير مارون كرم قصيدة فى وديع الصافي يقول مطلعها:
"وجودك يا صافي بيننا وجود العياد
وفرحة ومحبة للعباد وللبلاد
كل ما بيزيد عمرك بالكبر
كل ما صوتك صفاوة وصدق زاد
مثل صوتك بعد ما شاف الوتر
بكل اللي غنوا بالقراب وبالبعاد
وحدك كنت ما بين هالغنوا القمر
وكنت السنديانة وكلهن فيها عماد".
وقال رياض السنباطي: لا أتصور أن فى تاريخ الغناء كله صوتا بهذه الروعة، وهذا الجمال، وهذه القدرة على إثارة الشوق.
وقال محمود الشريف: وديع الصافي هبة الله للشرق على صعيد الأصوات والأداء...
عبدالوهاب وعبدالحليم وليلى مراد وصباح وفيروز يغنون كورس خلفه
احتفاء بالموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب الذى كان يقضي الصيف فى لبنان، أقام وديع الصافي عام 1963 سهرة فى منزله على شرف موسيقار الأجيال، حضر السهرة مجموعة كبيرة من الفنانين منهم فيروز والأخوان رحباني، وعبدالحليم حافظ، وصباح، وليلى مراد، وعبدالسلام النابلسي، والكاتب سعيد فريحة، والشاعر مارون كرم، والكاتب الصحفي جورج إبراهيم الخوري، وغنى ليلتها وديع كما لم يتجل من قبل، خاصة فى رائعته "اندق باب البيت"، فترك جميع المطربين كراسيهم وجلسوا على الأرض مبهورين بصوته، ولم يكتفوا بذلك بل غنوا خلفه ككورس، بمن فيهم ضيف السهرة الموسيقار محمد عبدالوهاب، ويومها هتف عبدالحليم حافظ قائلا: "من بعدك ما حدا يغني يا وديع"!.
"يا نعمة الأيام" لحن يجمعه بأم كلثوم
كانت سيدة الغناء العربى أم كلثوم من أشد المعجبات بفن وأداء وصوت وديع الصافي، وكانت عندما تحب "تتسلطن" تسمع صوته، هو والمطرب محمد قنديل، ومن شدة إعجابها بصوته أطلقت عليه لقب "أبو كلثوم العرب".
وفى بداية السبعينات كانت تصطاف فى لبنان فاستمعت إلى ألحان وديع الصافى لصباح، ونجاح سلام، ومروان محفوظ، وغيرهم من المطربيين اللبنانيين، فطلبت منه أن يلحن لها، ورحب الصافى بالطلب واعتبره وساما على صدره من سيدة الغناء.
وبدأ يبحث عن كلمات تتناسب مع هذا اللقاء، وبالفعل وقع اختياره على أغنيتين هما "يا نعمة الأيام على" و"أنا فيما أنا فيه"، واتصل بأم كلثوم فطلبت منه تأجيل الثانية وسرعة تلحين أغنية "يا نعمة الأيام على" وبعد اتمامه اللحن، سافرت أم كلثوم فى رحلة العلاج الأخيرة ورحلت دون أن يخرج اللحن للنور، ورفض وديع أن يعطى اللحن لأى صوت آخر وقام بغنائه.
وقال محمد عبدالوهاب: لو جمعت أصوات المطربين كلهم فى صوت واحد لما ألفت صوت وديع الصافي، فهو الأجمل منذ ألف سنة، وصاحب أجمل صوت بين الرجال فى الشرق.
كان الراحل العظيم يعتبر الموسيقار محمد عبدالوهاب أستاذ جميع الموسيقيين، وقد تأثر به تأثيرا كبيرا، لهذا عندما رحل عبدالوهاب بكاه الصافي أكثر ما بكى والده، وعندما علم الفنان اللبناني محمد سلمان بالحالة النفسية السيئة التى يمر بها فنان العرب الكبير، كتب قصيدة من وحي أغنيات محمد عبدالوهاب وقدمها لصديقه، وفى حوار مسجل بيني وبين عملاق الغناء قال لي: "لم أنم ليلة سمعت قصيدة محمد سلمان إلا بعد أن أكملت تلحينها، وبعد ذلك انهرت فى البكاء لإحساسي بأهمية هذه الهدية التى أتاحت لي الظروف أن أقدمها لمطرب العالم العربي الذى علمني وعلم كل الفنانين العرب الغناء والتلحين. ويقول مطلع القصيدة التى أطلق عليها "تحية لبنان لعبدالوهاب" والتى غناها عام 1993 فى دار الأوبرا المصرية:
كلما حاولت أن أنظم فى فنك شعري هربت مني القوافي حالمات وهي تجري
قائلات ليس بالإمكان فى شعر ونثر وصف من قد أذهل التاريخ فى فن وفكر
هو كالنيل خلودا أو كأهرامات مصر صوته بدر العذارى غاب فى غيمة عطر
لحنه يسري إلى القلب كما الجندول يسري فإذا غنى يقول "أنت عمري"
أنت من أشرق فى صوتك عمري"

من أقوال وديع الصافي
- الفضل الأول فى نجوميتي للخالق الذى وهبني كل شىء، وهذا الصوت. ولذا أريد أن أكرمه بصوتي قبل أن أكرم من سواه.
- لا أرضى بأخذ كلمات أغنية من أي شاعر، إلا بعد الاقتناع الكامل بأن الكلام يرضي الله، فنحن مسؤولون عن حضارة الشعوب، والكلمة الجيدة ترتقي بالجمهور وتزيد من حضارته وتقدمه.
- منذ بداية وعيي الفني دأبت على الترتيل والتجويد ومازلت حتى الآن، فالفن يسمو حين يكون مستمدا من الأديان السماوية، وفى الأمثال الفرنسية "إن من يغني الله، يصلى مرتين"، لهذا أشعر بإنني قريب جدا من الله عندما أنشد ترتيله أو أتلو آية من الذكر الحكيم.
- دمجت فى بعض المزامير الدينية التى قمت بغنائها اللحن البيزنطي مع اللحن السرياني، وأدخلت آيات قرآنية فيها بغية تقريب قلوب الجميع، وقد رحب العديد من المسلمين والأرثوذكس والمارونيين بهذه المزامير، فما أهفو إليه توحيد شعوب ديانات الله، إذ لا يوجد شىء يفكك وحدتنا فى الشرق مثل التعصب والتحزب الطائفي، فالدين لله، والأوطان للجميع.
- أتمنى قبل رحيلي لو أن البلاد العربية تقيم فى كل بلد عربي مكتبة غنائية ضخمة تحتوى على كل تراث العالم العربي الغنائي الأصيل الملىء بالتواشيح والمواويل والأدوار والغناء الصحيح السليم، وتكون زيارة هذه المكتبة ضمن المنهج الدراسي فى المدارس، حتى ننقذ الأجيال الجديدة من العبث الغنائي الحديث.
http://digital.ahram.org.eg/

ليست هناك تعليقات: