2014/09/26

دولة لبنان الكبير وطن رسالة وقيم أو دويلات صغيرة طائفية الأب جورج صغبيني

دولة لبنان الكبير وطن رسالة وقيم أو دويلات صغيرة طائفية

وفي 1 سبتمبر 1920 أعلن الجنرال غورو دولة لبنان الكبير بعد اعادة ترسيم الحدود بين البلاد التي كانت خاضعة للسلطنة العثمانية,معلناً بيروت عاصمة لها. وتمثل علم الدولة في دمج علمي فرنسا ولبنان معاً. ووصفت الدولة الجديدة باسم لبنان الكبير على أساس إضافة البقاع وبعض القرى في عكار إلى المنطقة التي عرفت بمتصرفية جبل لبنان الذاتية الحكم والتابعة للامبراطورية العثمانية.
و بناء على نتيجة الإحصاء الذي تمّ عام 1932 تم توزيع عدد مجلس النواب 5 للمسلمين مقابل 6 للمسيحيين وتوزعت السلطات والمناصب على الطوائف اللبنانية الذي أصبح عرفاً بحيث أعطيت رئاسة الجمهورية للموارنة، ورئاسة مجلس الوزراء للسنّة ورئاسة مجلس النواب للشيعة. إلا أن اتفاق الطائف عدل عدد مجلس النواب وجعله مناصفة بين الطوائف إسلامية والمسيحية.
رفض مسلمو دولة لبنان الكبير في غالبيتهم، الكيان الوطني اللبناني عند نشوئه:
1- لأن الدولة الجديدة جعلت منهم أقلية وهم الذين كانوا جزءً من الأكثرية المسلمة الحاكمة في العهد العثماني.
2- لأنهم كانو يتمنون بعد الانسلاخ عن الدولة العثمانية الانضمام إلى دولة عربية برئاسة الأمير فيصل، تضم سوريا الكبرى والتي عُرفت فيما بعد بالهلال الخصيب: سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق.
3- لأنهم كانوا رافضين للانتداب الفرنسي على اعتبار انه حكم دولة أجنبية.
فلم تعترف الحركة الوطنية السورية وممثلوها في لبنان من الزعماء السياسيين المسلمين بالكيان اللبناني، وبعد مفاوضات بين الحكومة الفرنسية والحركة الوطنية السورية في مطلع الثلاثينات اشترطت فرنسا أن تسلم الحركة الوطنية السورية بالكيان اللبناني لقاء توقيع معاهدة تعترف فيها فرنسا باستقلال سوريا ولبنان. ولقد قبل ممثلو الحركة الوطنية هذا الشرط الأمر الذي أحدث تصدعاً في صفوف السياسيين المسلمين الداعين للوحدة مع سوريا في لبنان وراح بعضهم يعلن إنتماءه للدولة الجديدة وعلى رأسهم خير الدين الأحدب والبعض الآخر يبحث عن صيغة للتوفيق بين ولائه القومي العربي وبين اعترافه بالكيان اللبناني مثل رياض الصلح. وعام 1943 تكرّست صيغة رياض الصلح وبشارة الخوري وغيرهم من طلاب الاستقلال بما سمّي بالميثاق الوطني اللبناني، تقوم على ان يتنازل المسيحيون عن مطلب حماية فرنسا لهم وأن يتنازل المسلمون عن طلب الانضمام إلى سوريا. وكان أعلان استقلال لبنان في 22 نوفمبر 1943.
إن ولادة لبنان الكبير كانت نتيجة جهود البطريرك الياس الحويك الذي انتخب بطريركاً بتاريخ 6 كانون الثاني سنة 1899 في بكركي، طالب البطريرك استعادة المناطق المنسلخة عن لبنان وترأس الوفد اللبناني إلى مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 ليطالب باستقلال لبنان بحدوده التاريخية المنسلخة عنه. فنجح في مسعاه وعاد حاملاً بشائر الاستقلال ومحققاً طموحات اللبنانيين في اليوم الأول من أيلول سنة 1920.
وبعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى وأعلان دولة لبنان الكبير جرى احتفال في اليوم الأول من ايلول في قصر الصنوبر في بيروت، حضره المفوض السامي الجنرال غورو والبطريرك الياس حويك ومفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا وإميل إده وحبيب باشا السعد، وبحضور شخصيات لبنانية مسيحية وإسلامية وفرنسية وعدد من أعيان البلاد، فأعيدت الى لبنان أقضيته التي كانت بنظر المؤرخين قد سلخت منه وهي: بعلبك ومعلقة زحلة وراشيا وحاصبيا وولاية بيروت وسنجق صيدا وطرابلس... وكان قد صدر في 31 آب 1920 قرار حمل الرقم 318 عن الجنرال غورو، يحدد فيه حدود لبنان الكبير وجاء فيه:
إن فخامة الجنرال غورو القومسير العالي للجمهورية الفرنساوية في سورية وكيليكيا وقائد جيش الشرق العام، بناء على مرسوم رئيس الجمهورية التركية المؤرخ في 8 تشرين الأول 1919، وبما أن فرنسا لم تقصد بمجيئها إلى سورية إلا تمكين أهالي سوريا ولبنان من تحقيق أصدق أمانيهم من حرية واستقلال. وبما أنه يقتضي لتلك الغاية أن تعاد إلى لبنان حدوده الطبيعية كما عينها ممثلوه وأجمعت عليها رغبات عموم أهاليه.

وبما أن لبنان الكبير بحدوده الطبيعية يتمكن كحكومة مستقلة من السير بمساعدة فرنسا على الخطة التي رسمتها لنفسها بما يوافق مصالحه السياسية والاقتصادية. فقد قرر ما يأتي:
المادة الأولى:
تشكلت حكومة باسم دولة لبنان الكبير تشتمل:
أولا: على منطقة لبنان الإدارية الحالية.
ثانياً:على أقضية بعلبك ومعلقة زحلة وراشيا وحاصبيا وفقاً للأوامر الصادرة في القرار عدد 299 المؤرخ في 3 آب 1920.
ثالثاً: من أراضي ولاية بيروت المفصلة في ما يأتي:
ــــ سنجق صيدا خلا ما ألحق منه بفلسطين بحسب الاتفاقات الدولية.
ــــ سنجق بيروت.
ــــ قسم من سنجق طرابلس يشتمل على أراضي قضاء عكار الواقعة جنوبي النهر الكبير وقضاء طرابلس مع (منطقتي الضنية والمنية)، وقسم من قضاء حصن الأكراد الواقع جنوبي حدود لبنان الكبير المعينة في المادة الثانية من هذا القرار.
المادة الثانية: إن حدود دولة لبنان الكبير هي كما يأتي، بقطع النظر عن التعديلات الجزئية التي قد يقتضي وضعها للحدود في ما بعد:
شمالاً: من مصب النهر الكبير على خط يرافق مجرى النهر الى نقطة اجتماعه في وادي خالد الصاب فيه على علو جسر القمر.
شرقاً: خط القمة الفاصل بين وادي خالد ووادي نهر العاصي.
جنوباً: حدود فلسطين كما هي معينة في الاتفاقات الدولية.
وغرباً: البحر المتوسط.
و علم الدولة الجديدة كان في دمج علمي فرنسا ولبنان معاً. ووصفت الدولة الجديدة باسم لبنان الكبير على أساس ضمّ إليه ولاية بيروت مع أقضيتها وتوابعها (صيدا وصور ومرجعيون وطرابلس وعكار) والبقاع مع أقضيته الأربعة (بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا)، فاتسعت مساحة لبنان من 3500 كلم مربع إلى 10452 كلم مربع.

إن مرحلة الشيخ بشارة الخوري الذي كان أول رئيس للجمهورية اللبنانية، ورياض بك الصلح الذي كان أول رئيس للحكومة اللبنانية بعد الاستقلال، واللذان قاما معاً بتثبيت الاستقلال مع تثبيت عروبة لبنان. لا يزالان المثال لوحدة لبنان. رغم قيام إتفاق الطائف بتحوير أرادة رياض بك الصلح لضمان وإطمئنان المسيحيين.
والميثاق الوطني الجديد الذي تمّ توقيعه من قبل أكثرية ممثلي البرلمان اللبناني يوم الثاني والعشرين من شهر تشرين الأول عام 1989 في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية وعرف بإتفاقية الطائف والذي كان للملك فهد بن عبدالعزيز دور كبير ومؤثر في نجاحه.
الميثاق الوطني الأول مع أعلان الاستقلال عام 1943، إعطى المسيحيين ضمانات سمَّاها الآخرون امتيازات، فجاء إتفاق الطائف في ما يسمّى التسوية الثانية عام 1989، ليهمّش عملياً موقع رئاسة الجمهورية الذي يتولاه مسيحي ماروني، ناقلاً السلطة التنفيذية عملياً إلى يد رئيس الحكومة السني مع مجلس الوزراء مجتمعاً، مما أدى إلى تراجع التمثيل المسيحي في لبنان اعتباراً منذ عام 1967 مع تزايد حركة المقاومة الفلسطينية مما أدّى في ارتفاع نسبة الهجرة المسيحية، وأتى مرسوم التجنيس الصادر عام 1994 ليضرب التوازن المسيحي الإسلامي، وتلاعب رؤساء الحكومات المتعاقبة في التوزيع الطائفي داخل مختلف الأقضية المسيحية دون سواها. حتى بتنا اليوم في مرحلة الفراغ الرئاسي المسيحي للجمهورية نرى رئيس الحكومة المسلم رئيسا للجمهورية اللبنانية...
وإن يكن الموارنة هم الذين دعوا الى وجود لبنان الكبير في الأصل، فإنهم لم يجعلوا من لبنان حكراً لهم وحدهم، بل على جميع اللبنانيين على السواء، في جمهورية تجمع اللبنانيين على اختلاف مذاهبهم ونزعاتهم لينقلوا هذه الرسالة الى محيطهم. فجاء السينودس من أجل لبنان ليثيّت دور المسيحيين والمسلمين في رسالة القيم التي يحملها لبنان.
وإن الخوف على مصير لبنان الذي فرضه الربيع العربي من اضطرابات في الدول العربية، وما تشهده من عمليات داعس في تقسيم وتفكيك وتجزئة بعض البلاد العربية قد تصل شراراتها الى داخل الكيان اللبناني الذي بات بحكم الواقع جمهوريات صغيرة طائفية تتحكم فيها زعامات الأمر الواقع.
فهل لنا أن نتكلّم اليوم عن لبنان الكبير ونعيّد ذكرى 94 سنة على قيامه في 1 أيلول 1920؟!

ليست هناك تعليقات: