البابا يوحنا بولس الثاني يقبّل القرآن الكريم
حين جاء إلى لبنان، في 10 و11 ايار 1997. وهو القائل: "لبنان اكثر من وطن،
انه رسالة". حاملا الإرشاد الرسولي من أجل لبنان أحببناه وشاركنا في
تنقلاته وفي القداس على شاطئ بحر بيروت "ستّ الدنيا وأمّ الشرائع" وأنشدنا له
Jean Paul II we LOVE YOU . هو قديس قبل أن يموت بطلّته البهيّة ببراءة الأطفال وحكمة الشيوخ.
سنبقى نحبّك.
سيرة البابا يوحنا بولس الثاني Ioannes Paulus II 16-10- 1978/ 2 -4- 2005
ولد كارول فويتيلا في 20 حزيران سنة 1920 في قرية نادونيس-بولونيا؛ والده
يدعى كارول كان ضابطاً في الجيش البولوني، صارماً مولعاً بالنظام العسكري.
وأمه إميلي كانت معلمة مدرسة قبل زواجها. ولما وُلد كارول، كان اخوه
ادوار في الخامسة عشرة من عمره، في بيت متواضع، كان يرى من شبابيك هذا
البيت ساعة شمسية، تقسم الاوقات حسب الظل الذي تتركه الشمس، وقد كُتب عليها
عبارة: "يمرّ الزمان وتبقى الابدية".
دخل كارول المدرسة الابتدائية في
القرية وبقي فيها مدة اربع سنوات. ماتت امه وهو في التاسعة من عمره، كما
مات اخوه ادوار. فبقي هو وابوه وحيدين. وبالرغم من صرامة الاب فإنه كان
محباً حنوناً واعياً لمسؤولياته فكان نظامياً، ينظم حياته وحياة ابنه:
قداس، مدرسة، وجبة طعام، ساعة حرة فالفرض المدرسي، حياتهما كانت قاسية،
الاب يقبض معاش تقاعد بسيطاً مما ألزمه ان يعيش ببساطة وتقتير.
سنة
1931 انتقل كارول الى المدرسة الثانوية حيث يخبرنا عنه الاب زاشر الذي كان
يعلّم هناك الدين، فيقول: "كان هذا الصبي اقرب ما يكون الى العبقري الذي
اسعدني الحظ بتعليمه" اذ بقي يعلمه ست سنوات. وقد اسس في المدرسة جمعية
دينية، وكان يخدم القداس يومياً.
زار رئيس اساقفة كراكوفيا (الذي اصبح
الكردينال آدم اسطفان سابياها) المدرسة، فألقى كارول فويتيلا امامه كلمة
شكر، فكانت افضل مما وضعها له احد الاساتذة. تأثر كبير الاساقفة أيما تأثر
والتفت الى الاب زاشر، الذي كان جالساً الى جانبه، وقال له: "هل سيصبح
هذا الفتى كاهناً؟" فهز الكاهن برأسه واجاب: "لا يظهر عليه ذلك حتى الآن"
فقال الاسقف: "يا للخسارة فقد يكون كاهناً صالحاً".
انتقل الاب وابنه
الى كراكوفيا، احدى اجمل مدن بولونيا، حيث جامعة الجاجيالونيان، التي تأسست
سنة 1364 على يد الملك كازيمير الكبير الثالث (1310-1370) ودعاها باسم
عائلته المالكة: جاجيلون Jagellons، وكانت ثاني اقدم جامعة في اوروبا
الوسطى؛ فدخلها كارول فويتيلا وراح يتابع دروسه مع رفاق له، ما زال الباقي
منهم حياً يذكره بالخير والاعجاب؛ في حين كانت الحرب العالمية الثانية
على الابواب، وهتلر يتهدد ويتوعد الى ان احتل بولونيا.
أما الجامعة فقد
أقفلها الالمان وقتلوا جماعة من الاساتذة واسروا كثيرين... لكن الطلاب
ومنهم كارول فويتيلا، جعلوا الجامعة متنقلة وسرية، فيعملون نهاراً ويتعلمون
ليلاً، اما فويتيلا فراح يعمل سنة 1940 بتقطيع الحجارة في مقلع لحساب شركة
سولفي الكيميائية خارج كراكوفيا ويدرس ويجاهد ولم يوهن عزمه موت والده، في
السنة الاولى للحرب، رغم شعوره بالمرارة والبؤس، والاسى، وبقي يجاهد اكثر
فأكثر، حتى كان يوم وهو عائد الى بيته صدمه قطار وسبب له كسراً في الجمجمة،
وراح يهذي، واذ به يسمع، وهو في هذيانه، صوتاً قوياً يقول له: كن كاهناً.
قاوم فكرة الكهنوت كثيراً، مع انها راودته سابقاً؛ واراد الانصراف الى
فن التمثيل، ولكن شفاءه العجيب من كسر الجمجمة ومن فقدان الذاكرة جعل
الاطباء يدهشون له. بعد حادث القطار تعرّض لحادث آخر اشد من الاول، فقد
دهسته شاحنة، نجا من الموت بأعجوبة، وفي المستشفى عاودته فكرة الكهنوت،
وعليه ان يقرر.
التحق كارول فويتيلا سنة 1942 بقسم اللاهوت في جامعة
جاجيا لونيان مع متابعته العمل في المقلع؛ وبقي على هذا النمط، والاخطار
تحدق به حتى سنة 1944 حيث اختفى عن العيون فجأة، وذلك لأن الألمان قد شددوا
الحصار على البولونيين، وراحوا يطلقون النار على كل من صادفوه في طريقهم،
وترك اكثر الاساقفة بولونيا، ولكن كبير الاساقفة في بولونيا آدم سابياها لم
يغادر البلاد، بل راح يعمل بغيرة رسولية على انقاذ الشبان من ايدي
الالمان، ومنهم كارول فويتيلا... وقد قتل الالمان في تلك الاثناء، اي منذ
احتلالهم بولونيا حتى تحريرها على يد الروس سنة 1945، ستة ملايين وثلاثماية
الف بولوني. قال كاهن رعية نادونيس الشيخ: "غريبة هذه الحياة. لقد
حاولوا مسح بولونيا عن وجه الارض، لكن هتلر مات، والنازيون تشتتوا وغابوا
عن الوجود. اما بولونيا فلم تزل واعطت العالم بابا قدّيسا".
أنهى
كارول فويتيلا دراسته اللاهوتية وسيم كاهناً في اول تشرين الثاني سنة 1946،
وهو في السادسة والعشرين من عمره، واحتفل بقداسه الاول صباح اليوم التالي
على مذبح القديس ليونارد في كاتدرائية وافيل. حيث كان في سنة 1945 للحكومة
الشيوعية موقف معادٍ للكنيسة وارادت ابطال مفعول المعاهدة الباباوية، في
بولونيا، كما فعلت في غيرها من البلدان، لكن سياسة الفاتيكان لم تسهل
الامر.
ترك فويتيلا بولونيا وسار الى روما حيث دخل المعهد البلجيكي،
ويذهب ايضاً الى المعهد الملايكي يدرس الفلسفة واللاهوت الادبي ثم تقدّم
الى الامتحان فنال احسن علامة؛ وقد اصبح يتكلم الايطالية بطلاقة. وسنة
1947 سار الى فرنسا لهدفين الاول تحسين لغته الفرنسية، والثاني، وهو الاهم،
تفقد ابناء وطنه المشردين في انحاء فرنسا، فيساعدهم قدر المستطاع؛
فاستفاد من ذلك خبرة في كيفية فهم حال الرعايا، فانخرط مع الكهنة العمال،
الذين كانوا يعملون في المعامل ليقدروا على جمع الشبان واللاأدريين، الذين
ينكرون على العقل المعرفة.
عاد الاب فويتيلا الى بولونيا، في جو مشحون
بالكفر والإلحاد والقسر وتأميم كل شيء، منعت الصلوات وكل ما يمت الى الدين
بصلة، فأرسله الاسقف الى قرية نياغوفتش حيث اشتهر بسخائه وكرمه، ثم في صيف
1949 قدّم اطروحه عن القديس يوحنا الصليبي ونال شهادة الملفنة (دكتوراه)
باللاهوت، ثم نقله الكردينال سابياها الى رعية القديس فلوريان في كراكوفيا،
فجاء الى رعيته الجديدة على عجلة يجرها حصان؛ ولما سأله احد اهل القرية:
اين امتعتك يا ابتِ؟ فأجابه: أمتعتي معي. ثم عرف اهل البلدة حقيقة
كاهنهم، فراحوا يتحايلون عليه ليقبل منهم عطاياهم...
سنة 1958 سيم
أسقفاً على كراكوفيا، وكان بعمر 38 سنة، فخدم ابرشيته كأحسن ما تكون الخدمة
الاسقفية، فكان يزور الرعايا يشجعهم على حمل الصليب وتحمّل الاضطهادات
التي كانوا يلقونها من الشيوعيين؛ ولم تبدل الاسقفية شيئاً من منهج حياته،
بل بقي يسكن شقة صغيرة ذات غرفتين، ودراجة هي وسيلته المفضلة في التنقل.
برزت شخصيته في المجمع الفاتيكاني الثاني سنة 1963، ثم اصبح كبير اساقفة كراكوفيا- بولونيا، سنة 1964.
أصبح فويتيلا كردينالاً في 26/5/67.
في 26 آب 1978 انتخب الكردينال البينو لوتشياني بابا باسم يوحنا بولس الاول ثم بعد ثلاثة وثلاثين يوماً، انتقل الى راحة الابرار.
فعاد مجمع الكرادلة إلى الإنعقاد لينتخب، بعد ثماني دورات، كارول فويتيلا، بابا جديدا بتاريخ 16- 10- 1978.
لم يشأ ان يكون كأسلافه "سجين الفاتيكان" ولا اسير البروتوكول بل راح
ينطلق في الآفاق، وقد برع في التعامل مع الحزب الشيوعي. ثم ذهب الى احد
المستوصفات لزيارة صديقه القديم المريض وزميله المطران اندره، ثم راح يتحدث
مع الجمهور، ونسي ان يمنحه البركة الرسولية، فلفت انتباهه الى ذلك اسقف
كان يرافقه، فبارك الجمهور وقال: "ان البابا بحاجة ايضاً الى ان يتعلم
مهنته".
ومع ارادته عدم التدخل في السياسة، ورغبته في احلال السلام
والعدالة الدولية، نراه يتحدث، عن السلام في لبنان وفلسطين والعراق
وسوريا... وعن حرية جميع الشعوب المغلوبة على امرها...
قال الدكتور
رونالد كوغان: "انه رجل حار العاطفة، رجل حب، يسرع الى لقاء الانسان ولا
ينتظر ان يأتي اليه الانسان، وهو الى ذلك رجل شجاعة وبأس...".
إنه بابا التسامح، ومنها تسامحه وعفوه عن التركي، الذي دفعه بعضهم، الى محاولة اغتياله، فعفا عنه وسامحه...
فهذا البابا قد أرجع، حسب قول الكثيرين، الكنيسة الى كاثوليكيتها...
توفي في 2 نيسان 2005 فأعلنه الشعب قديساً.
وضع حياته البابوية تحت حماية السيدة العذراء مريم لكثرة تعلقه بها، تحت
عنوان: "Totus tuus"،"كلّي لكِ". ولم تفارق يوما المسبحة يديه.
إنه رسول السلام، وصديق الشباب، وجامع رؤساء الأديان في العالم.
في سنيه البابوية الـ 27، وجه ثلاثا واربعين رسالة بابوية. اولها: فادي
الانسان سنة 1979، وآخرها: ارشاده الرسولي من اجل الاساقفة سنة 2003.
وفترة حبريته على السدة البطرسية تعتبر ثالث اطول ولاية حبرية في تاريخ
الكنيسة الكاثوليكية (وحقق هذا الرقم القياسي القديس بطرس الذي تولى ادارة
الكنيسة بين 34 و37 عاما كما يقول المؤرخون، وتلاه البابا بيوس التاسع الذي
امضى في منصبه 31 عاما وثمانية اشهر من 16 حزيران 1846 الى 7 شباط 1878).
قام هذا البابا "الرحالة" بـ 104 زيارة خارج الفاتيكان، وزار 129 بلدا وألقى 2382 خطابا.
وقام داخل ايطاليا بـ 146 زيارة رعوية.
وأقام في الفاتيكان 9 مجامع و6 اجتماعات لهيئة الكرادلة و15 سينودسا.
ورفع الى مصاف القديسين 483 طوباويا، والى مصاف الطوباويين 1338 مكرما. وعين 232 كردينالا.
زار لبنان ، في 10 و11 ايار 1997. وهو القائل: "لبنان اكثر من وطن، انه
رسالة... كم أعيش في بالي تلك اللحظات السعيدة التي سيتاح لي فيها زيارة
لبنان والتقاء جميع ابنائه. اني متشوق بالفعل الى الذهاب الى هناك لأعرب عن
تكريمي لتلك الارض التي ارتوت بدماء العديد من الضحايا البريئة، ولأكرر
ثقتي باللبنانيين وبقدرتهم على العيش معا، واعادة بناء لبنان على اجمل ما
كان عليه... (7 ايلول 1989)
احثكم انتم جميعاً ايها اللبنانيون من كل
المذاهب، على مواجهة هذا التحدي بنجاح، تحدي المصالحة والاخوة، والحرية
والتضامن الذي هو الشرط الاساسي لوجود لبنان، ورباط وحدتكم على هذه الارض
التي تحبّون...
لبنان الذي تعذب كثيرا، آن له ان يرتاح من عذاباته...
إن لبنان في قلبي واللبنانيون شعب حيّ وقوي، وسيتمكنون من التغلب على كل الصعاب...".
هذا البابا البطيء الحركة، حرّك العالم من حوله، لم يهدأ ولم يستقر، لم
يخضع لنصائح رجال الامن ولا لوصايا الاطباء، عاش كبيرا ومات كبيراً وهو
اليوم على طريق القداسة!
محبو البابا الراحل يستعجلون إعلانه قديساً...
"سانتو سوبيتو" (ليعلن قديساً فوراً) هذا ما ردده الآلاف من جمهور
المؤمنين الذين احتشدوا في ساحة القديس بطرس أثناء مراسم دفن البابا يوحنا
بولس الثاني. والبعض أحضر معه يافطات تطالب بتطويب أمير الكنيسة الراحل
قديساً على
من بين الأعاجيب الكثيرة التي اجترحها البابا يوحنا بولس
الثاني الراحل تم اختيار حالة ماري سيمون بيار، الراهبة الفرنسية ذات
الخامسة والأربعين عاماً من عمرها، والتي كانت تعاني منذ 2001 من مرض
الباركنسون (الرعاش)، والتي اتّضح شفاؤها منه بعد أربع سنوات بشكل مفاجئ.
فعندما كانت تنقلها سيارة الإسعاف العائدة للرهبنة التي تنتمي إليها في
محافظة إيكسون الفرنسية، كانت تحدث مرافقيها كيف كان البابا يوحنا بولس
الثاني مثالاً دائماً لها وكيف نالت الشفاء التام بشكل غير متوقع بعد أن
رفع أخواتها الراهبات طلبات الشفاء عند ضريح البابا الراحل. ولم يستطع
الأطباء الذين استدعتهم اللجنة للاستشارة تقديم تفسير منطقي لشفائها، وتم
تثبيت هذه الأعجوبة.
وكان البابا بنيدكتوس السادس عشر أعلن سلفه البابا
يوحنا بولس الثاني طوباوياً في أول أيار 2011 بعد تصديق مجمع دعاوى
القديسين على أن الراهبة الفرنسية ماري سيمون بيار شفيت بأعجوبة من مرض
الباركنسون بشفاعته.
أعجوبة ثانية للبابا يوحنا بولس الثاني
قالت مصادر في الفاتيكان انه تمت الموافقة على أعجوبة ثانية منسوبة إلى
البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، ما يعتبر خطوة حاسمة في المساعي لإعلانه
قديساً في الكنيسة الكاثوليكية. ونقلت وكالة الانباء الإيطالية "أنسا" عن
مصادر في الفاتيكان أن مجمع دعاوى القديسين وافق على أعجوبة ثانية منسوبة
إلى البابا الراحل، وإعلانه قديساً بات يحتاج فقط إلى موافقة لجنة الكرادلة
والأساقفة وتوقيع البابا فرنسيس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق