شهداء لبنان 6 أيار
إلى الذين سفكوا دماءهم
من أجل الحرية
من أجل الوطن
من أجل الإيمان
من أجل البقاء
وقد أعطيت لهم هذه النعمة دون سواهم
فحفظوا لنا جغرافية الأرض
وتجذّروا في ذاكرة التاريخ
إلى جيل الأجيال.
...
منذ البدء وحتى اليوم،
... استشهد لبنانيون كثيرون عبر تاريخ الوطن،
أفرادا وجماعات ،
بشتى أنواع الميتات ماتوا.
تراكمت ذكرى أسمائهم حتى باتوا،
بعدد نجوم السماء،
وبعدد رمال البحر،
لا يحصون.
وباتت وسائل الظالمين في العالم،
من حكام وملوك وسلاطين،
تفنّنوا في أنواع الموت،
أشدّ ظلامة من يوم الدينونة عليهم.
وتبقى الضحايا تستصرخ العدل إلى يوم البعث والقيامة.
إلا أن العصر الحديث فاق جميع العهود في تفنّنه بأنواع القتل والإبادة والإغتيالات باسلحة فاق تصورها من قِبَل العقل ومبدعاته التكنولوجية.
والدول في العالم تعمل بالطبع دائما لمصالحها أكثر مما تعمل لحقّ شعوبها ضاربة صفحة على شرعة حقوق الإنسان...
فمنذ 6 أيار يوم شهداء الحرية في الوطن من النير العثماني إلى اغتيالات أفرادٍ ومن خلالهم تنظيماتٍ... من أجل الحرية في الوطن ومن أجل استمرار الكلمة الحرة لكي تبقى تُسمِع صوتها ولو خنقت أو قطعت عن جسدها أو علّقت على حبل مشنقة أو سقطت برصاصة قناص أو تناثرت أشلاءُ خلاياها من جرّاء انفجار... سيبقى للحرية شهداؤها وللكلمة ضحاياها.
كثيرون ضربوا وخطفوا وسجنوا وذاقوا أنواع التعذيب من شتى أنواع الحكّام والحكومات والأنظمة حتى الأكثر ديموقراطية في العالم...
في وطن بلا حرية تكون حياة الإنسان في خطر،
وتكون حياة كل الناس في خطر،
خاصة حين يصبح القضاء مباحا وليس من يطالب بدماء الأبرياء، أو يكون القضاة جلاّدين وليس من يجرؤ على السؤال.
يا لَعدالة العدالة،
ويا لميزانها الراجحة كفّته إلى جانب السلطة لا إلى جانب أصحاب الحق.
وما هو الحق؟!
+++
السادس من أيار أصبح "عيد الشهداء"
مناسبة وطنية يحتفل بها في السادس من أيار من كل عام في كل من سوريا ولبنان. وسبب اختيار هذا التاريخ هو أحكام الإعدام التي نفذتها السلطات العثمانية بحق عدد من الوطنيين في كل من بيروت ودمشق، بعد اتهامهم بالخيانة والاتصال بجهات أجنبية والعمل على فصل البلاد العربية عن الدولة العثمانية، فأصدر جمال باشا السفاح أحكام الإعدام على 11 وطنياً أعدموا في بيروت في 21 آب 1915، ثم نفذت أحكام مماثلة بدفعة أخرى من الوطنيين في 6 أيار 1916، حيث أعدم 14 في ساحة البرج في بيروت و7 في ساحة المرجة بدمشق.
+++
الشهيد المطران بطرس شبلي والخوري يوسف الحايك
دخلت الجيوش العثمانية بقيادة جمال باشا بتاريخ 22 تشرين الثاني 1914 إلى مناطق زحله وعاليه وبكفيا وبحنس وبيت مري من أجل حماية الساحل اللبناني من الأعداء الفرنسيين والإنكليز... وفي ليلة عيد الميلاد 1914 قبض العسكر التركي على الخوري يوسف الحايك واقتيد إلى عاليه حيث أمضى شهرين ونصف تحت التعذيب وفي 10 آذار 1915 صدر عليه حكم الإعدام فافتيد إلى دمشق حيث شنق في الساعة السادسة مساء 21 آذار. كما وتمّ نفي مطران بيروت للموارنة بطرس شبلي إلى أدنه سنة 1916 حيث توفي مغدورا سنة 1917.
+++
شهداء 6 أيار
وفاء لهؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم ليعيش أبناء شعوبهم بأمان وكرامة، كُتِبت الأعمال الأدبية التي تخلد هؤلاء الشهداء ، سواء أكانت هذه الأعمال استجلاء تاريخياً لحياتهم، ومناقبيتهم ودورهم في الدفاع عن كرامة أوطانهم، أو ملاحم أو قصائد تمجدهم، وتشيد بأدوارهم الإنسانية البطولية.
فقديماً عرف الأدب اليوناني عبر كلاسيكياته المشهورة "الإلياذة والأوذيسه" لهوميروس ولفرجيل، والأدب العربي عبر ملاحمه ومطوّلاته وسير "عنترة" و"أبو زيد الهلالي"... و"عمر المختار" و"عبد القادر الجزائري" وسواهم كيف يخلّد أبطاله المشهورين في الحروب، إذ قدّمهم بعد وفاتهم في أبهى صورة بطولية.
ولما حدثت الفتنة في السلطنة العثمانية عام 1909 والتي أدّت إلى خلع السلطان عبد الحميد من قبل مناوئيه الدستوريين في 17 نيسان (إبريل)، عمّت الفرحة عند الذين كانوا يكنون له العداء، وسمعت أصوات في سوريا والأردن ولبنان وفلسطين والعراق وبلاد المهاجر تهلل وتندد بالسلطان عبد الحميد، مباركة خلعه، واصفة إياه بالظالم، ومستبشرة برحيله، وبأن صرحاً من صروح الظلم قد هوى ولم يكونوا يدرون بالشرّ الأعظم الآتي عليهم وعلى الأمّة العريبة.
إن النكبة العظمى على يد جمال باشا السفاح طيلة فترة توليه حكم لبنان وبلاد الشام بعد أن سطع نجمه في الآستانة، حتى استلامه منصب الخلافة. وما خلفته هذه الفترة من مآس إنسانية، ومجازر يعجز وصفها، ارتكبها جمال باش ضد شعب لبنان وبلاد الشام، استحق على أثرها أن يخلده التاريخ تحت اسم "السفاح".
وتذكر المصادر أن جمال باشا "كان تظاهر في البداية بمناصرة العرب، والعطف على قضاياهم الاستقلالية، لهذا ساعده الأحرار الاستقلاليون في قدومه وتمكين حكمه في البلاد، ولم يدر بخلدهم ما انطوى عليه من بطش حيث كان يراقبهم، ويطلع على أسرار تنظيماتهم تمهيداً للتنكيل بهم" .
+++
الشهداء على أعواد المشانق في ساحة البرج
كمّم جمال باشا الأفواه، ومارس ظلماً على عباد الله بشتى طوائفهم الإسلامية والمسيحية، ففي يوم السادس من أيار (مايو) من عامين متواليين 1915 و1916، قام جمال باشا بإعدام 32 مناضلاً، إذ عمد إلى شنقهم في بيروت ودمشق، وهم حسب ترتيب إعدامهم: عبد الكريم الخليل ـ الشقيقان محمود ومحمد المحمصاني ـ عبد القادر الخرساء ـ نور الدين القاضي ـ سليم أحمد عباس الهادي ـ محمود نجا عجم ـ محمد مسلم عابدين ـ نايف تللو ـ صالح حيدر ـ علي الأرمنازي، هؤلاء هم شهداء القافلة الأولى ببيروت يوم 6 / 5/ 1915 .
أما شهداء دمشق فهم: شفيق بك المؤيد ـ عبد الحميد الزهراوي ـ الأمير عمر الجزائري ـ شكري العسلي ـ عبد الوهاب ـ رفيق رزق سلوم ـ رشدي الشمعة.
أما شهداء القافلة الثانية الذين أعدموا في بيروت في اليوم السادس من أيار (مايو) عام 1916، فهم: باتروباولي ـ جرجي الحداد ـ سعيد عقل ـ عمر حمد ـ عبد الغني العريسي ـ الأمير عارف الشهابي ـ الشيخ أحمد طبارة ـ محمد الشنطي اليافي ـ توفيق البساط ـ سيف الدين الخطيب ـ علي محمد حاج النشاشيبي ـ محمود جلال البخاري ـ سليم الجزائري ـ أمين لطفي الحافظ .
وبعد أن تولى هذا السفاح أمر لبنان والشام ومصر، امتدت صلاحياته المطلقة، حتى جنوب طوروس شمالاً وإلى اليمن جنوباً. وفي عهده زاد الناس فقراً ومرضاً كما وعاشوا غرباء في أوطانهم.
وقد ورد في كتاب التاريخ المعتمد عام 1937 من قبل وزارة التربية النص التالي: "ألّف جمال باشا محكمة عرفية عسكرية، وجعل مقرها عاليه. ثم طلب اليها ان تنظر في امر بعض اللبنانيين الذين كانوا سعوا لاستقلال بلادهم بطريقة الصحافة ونشر الكتب، او بطريقة الجمعيات السياسية الاجنبية للتخلص من النير التركي. فحكم مجلس الحرب العرفي، في السنتين 1915 و1916 على عدد كبير من اللبنانيين والسوريين بالاعدام والنفي" .
+++
السفاح الجزار
وصل جمال باشا الى دمشق في كانون الاول 1914 متمتعا بكل السلطات المدنية والعسكرية وحكم بلاد الشام الى ان استدعي الى اسطنبول في كانون الثاني 1918 تاركا وراءه ذكريات اليمة في بيروت كما في دمشق. لا يوجد شخص في التاريخ اللبناني يتمتع بهذه السمعة السيئة، حتى ان احمد باشا الجزار لم تكن صورته قاتمة الى هذا الحد. والمقارنة بين الشخصيتين التاريخيتين سهلة، فواحد منهما "سفاح" والآخر "جزار"، نعتان لشخصين ابى التاريخ الا ان يذكرهما عند رؤيته خرابا ودمارا.
جمال هذا كان إجماع على كرهه من المسيحيين والمسلمين، من السوريين واللبنانيين، من انصار لبنان الكبير والمطالبين بسوريا الطبيعية، ناهيك عن الأرمن ... بسبب قسوته ووحشيته" . واحتقاره تلك الشعوب الخاضعة للنير التركي ومنهم العرب خاصة .
كان للتاريخ على مقاعد المدرسة دورا كبيرا في تثبيت قناعات يصعب في ما بعد زعزعتها. فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر يتحكم بنا مدى الحياة - وقد فقدناها اليوم- وهذا نموذج عن الطريقة التي كان يُدرس فيها تاريخ تلك الفترة في الخمسينات عن جمال باشا السفاح ورجالات الإستقلال: "عرف جمال باشا تعلق اللبنانيين بحرياتهم وارادة العرب لنيل استقلالهم. فأعلن في البلاد الخاضعة لأوامره الحكم العسكري، يعاقب على الظن ويقتل على التهمة وقد الصق التاريخ بهذا الطاغية لقب السفاح لكثرة الدماء البريئة التي اراقها اذ نظم في بلدة عاليه في جبل لبنان ديوانا عرفيا حكم بالموت او السجن او النفي على رجال البلاد وزعمائها وضيّق خصوصا على اللبنانيين فقطع عنهم الحنطة وانزل بهم كل ظلامة ليحملهم على الاستسلام فأودت هذه المجاعة الفادحة بألوف المواطنين" .
+++
المجاعة في لبنان أيام جمال باشا السفاح.
لم ينتظر جمال صدور هذه الاحكام المبرمة بحقه ليدافع عن نفسه إن اثناء الحرب او مع انتهائها. ففي كتابه "ايضاحات" الذي صدر في اسطنبول عام 1916م في لغات ثلاث: التركية والعربية والفرنسية، حاول جمال تبرير احكام الاعدام وغيرها التي صدرت عن الديوان العرفي. فأبرز المستندات التي تدين المحكومين بالخيانة العظمى وبالتعامل مع دولة اجنبية عدوّة محاولا تبرير نفسه .
ألغى امتيازات الجبل وأعلن الأحكام العرفية. وحاول رد التهم التي الصقت به بقوله ان الجماعات المسيحية القاطنة في جبل لبنان كانت قلبا وقالبا مع فرنسا الدولة العدوة، وكان بين ايديهم خمسون الف بندقية حاضرة لانتفاضة لمصلحة الحلفاء.
ويضيف في معرض الدفاع عن نفسه انه هو الذي منع شن حملات على الجبل المسيحي وكان ينوي كبح مجازر كان ينوي القيام بها بعض المتطرفين المسلمين باسم الجهاد الذي اعلنه الخليفة العثماني ضد الحلفاء. ويستطرد قائلا: الم امنع البدو من غزو المناطق المسيحية المعروفة بأنها ثرية؟
اما في ما يتعلق بمسألة المجاعة والحصار التمويني بتجويع مسيحيي الجبل حتى الموت، فلا جواب لديه إلا تعاونه مع الجراد للقضاء على سكان جبل لبنان.
من كتاب الإغتيالات في لبنان للأب جورج صغبيني دار دلال 2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق