2014/03/27

أحد الموتى المؤمنين الأب جورج صغبيني


أحد الموتى المؤمنين

هو أحد الموتى المؤمنين، وهو الأحد الثالث والأخير قبل بداية الصوم المبارك، نصلّي فيه مع الكنيسة من أجل موتانا الذين سبقونا إلى الملكوت الذي أعدّه لهم الله ونتأمّل نحن في مجيء يوم الربّ.

في الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيقي يدعونا بولس الرسول إلى الإستعداد الدّائم ليوم مجيء الربّ لأنه سبق وأعلمنا بأن "يَوْمَ الرَّبِّ يأْتي كَالسَّارِقِ" في يوم لا نعرفه.

الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيقي 5/1- 11
1 أَمَّا الأَزْمِنَةُ والأَوقَات، أَيُّهَا الإِخْوَة، فلا حَاجَةَ بِكُم أَنْ يُكْتَبَ إِلَيْكُم في شَأْنِهَا؛
2 لأَنَّكُم تَعْلَمُونَ جَيِّدًا أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ يأْتي كَالسَّارِقِ لَيْلاً.
3 فحِينَ يَقُولُون: سَلامٌ وأَمْنٌ! حِينَئِذٍ يَدْهَمُهُمُ الـهَلاكُ دَهْمَ الْمَخَاضِ لِلحُبْلى، ولا يُفْلِتُون.
4 أَمَّا أَنْتُم، أَيُّها الإِخْوَة، فَلَسْتُم في ظُلْمَةٍ لِيُفَاجِئَكُم ذلِكَ اليَومُ كالسَّارِق.
5 فأَنْتُم كُلُّكُم أَبْنَاءُ النُّور، وأَبْنَاءُ النَّهَار؛ ولَسْنَا أَبْنَاءَ اللَّيلِ ولا أَبْنَاءَ الظُّلْمَة.
6 إِذًا فلا نَنَمْ كَسَائِر الـنَّاس، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ؛
7 لأَنَّ الَّذِينَ يَنَامُونَ فَفي اللَّيلِ يَنَامُون، والَّذِينَ يَسْكَرُونَ فَفي اللَّيلِ يَسْكَرُون.
8 أَمَّا نَحْنُ أَبْنَاءَ النَّهَار، فَلْنَصْحُ لابِسِينَ دِرْعَ الإِيْمَانِ والـمَحَبَّة، ووَاضِعِينَ خُوذَةَ رَجَاءِ الـخَلاص.
9 فإِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلغَضَب، بَلْ لإِحْرَازِ الـخَلاصِ بَرَبِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيح،
10 الَّذي مَاتَ مِنْ أَجْلِنَا، لِنَحْيَا مَعَهُ سَاهِرِينَ كُنَّا أَمْ نِائِمِين.
11 فَلِذلِكَ شَجِّعُوا بَعضُكُم بَعْضًا، وَلْيَبْنِ الوَاحِدُ الآخَر، كَمَا أَنْتُم فَاعِلُون.

وفي صلاة الجنّاز في الطقس الماروني نقرأ هذا المقطع من الرّسالة الأولى إلى أهل تسالونيقي، الذي يتوجّه به الرّسول بولس لا إلى الموتى بل إلى الأحياء للإستعداد ليوم الربّ.
تَعْلَمُونَ جَيِّدًا أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ يأْتي كَالسَّارِقِ.
فحِينَ تَقُولُون: سَلامٌ وأَمْنٌ! حِينَئِذٍ يَدْهَمُكُمُ الـهَلاكُ دَهْمَ الْمَخَاضِ لِلحُبْلى ولا تُفْلِتُون".
فالمؤمن لا يتفاجأ بقدوم يوم الربّ: "أَمَّا نَحْنُ أَبْنَاءَ النَّهَار، فَلْنَصْحُ لابِسِينَ دِرْعَ الإِيْمَانِ والـمَحَبَّة، ووَاضِعِينَ خُوذَةَ رَجَاءِ الـخَلاص":
التذكير بيوم الربّ لا ينفع الميّت لأنّه مات وإنتقل ولكنّه ينفع الحيّ الّذي هو على موعد مع السفر.
والمؤمن لا يجدر به أن يخاف وأن لا يفاجئه "ذلِكَ اليَومُ كالسَّارِق".

في إنجيل القدّيس لوقا نتأمّل بقصّة لعازر والغني

إنجيل القدّيس لوقا 16/ 19-31
19 كَانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ يَلْبَسُ الأُرْجُوانَ وَالكَتَّانَ النَّاعِم، وَيَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ بِأَفْخَرِ الوَلائِم.
20 وكانَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ إسْمُهُ لَعَازَرُ مَطْرُوحًا عِنْدَ بَابِهِ، تَكْسُوهُ القُرُوح.
21 وكانَ يَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الفُتَاتِ الـمُتَسَاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الغَنِيّ، غَيْرَ أَنَّ الكِلابَ كَانَتْ تَأْتِي فَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ.
22 وَمَاتَ الـمِسْكينُ فَحَمَلَتْهُ الـمَلائِكَةُ إِلى حِضْنِ إِبْرَاهِيم. ثُمَّ مَاتَ الغَنِيُّ وَدُفِن.
23 وَرَفَعَ الغَنِيُّ عيْنَيْه، وَهُوَ في الـجَحِيمِ يُقَاسِي العَذَاب، فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيد، وَلَعَازَرَ في حِضْنِهِ.
24 فَنَادَى وقَال: يا أَبَتِ إِبْرَاهِيم، إِرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لَعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُتَوَجِّعٌ في هـذَا اللَّهِيب.
25 فَقالَ إِبْرَاهِيم: يا إبْنِي، تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلْتَ خَيْراتِكَ في حَيَاتِكَ، وَلَعَازَرُ نَالَ البَلايَا. والآنَ هُوَ يَتَعَزَّى هُنَا، وأَنْتَ تَتَوَجَّع.
26 وَمَعَ هـذَا كُلِّهِ، فَإِنَّ بَيْنَنا وَبَيْنَكُم هُوَّةً عَظِيمَةً ثَابِتَة، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْتَازُوا مِنْ هُنا إِلَيْكُم لا يَسْتَطْيعُون، ولا مِنْ هُناكَ أَنْ يَعْبُرُوا إِلَيْنا.
27 فَقَالَ الغَنِيّ: أَسْأَلُكَ إِذًا، يا أَبَتِ، أَنْ تُرْسِلَ لَعَازَرَ إِلَى بَيْتِ أَبي،
28 فإنَّ لي خَمْسَةَ إِخْوة، لِيَشْهَدَ لَهُم، كَي لا يَأْتُوا هُمْ أَيْضًا إِلى مَكَانِ العَذَابِ هـذَا.
29 فقَالَ إِبْرَاهِيم: عِنْدَهُم مُوسَى وَالأَنْبِياء، فَلْيَسْمَعُوا لَهُم.
30 فَقال: لا، يَا أَبَتِ إِبْرَاهِيم، ولـكِنْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِم وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُون.
31 فقالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: إِنْ كانُوا لا يَسْمَعُونَ لِمُوسَى وَالأَنْبِيَاء، فَإِنَّهُم، وَلَو قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَات، لَنْ يَقْتَنِعُوا!".

المقارنة بين رجل غنيّ لا إسم له وبين رجل فقير إسمه لعازر
رَجُلٌ غَنِيٌّ رَجُلٌ مِسْكِينٌ إسْمُهُ لَعَازَرُ
يَلْبَسُ الأُرْجُوانَ وَالكَتَّانَ النَّاعِم تَكْسُوهُ القُرُوح.
يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ بِأَفْخَرِ الوَلائِم يَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الفُتَاتِ
مَاتَ الغَنِيُّ وَدُفِن مَاتَ الـمِسْكينُ فَحَمَلَتْهُ الـمَلائِكَةُ إِلى حِضْنِ إِبْرَاهِيم
رفع الغَنِي عينيه وهو في الـجحيمِ فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيد، وَلَعَازَرَ في حِضْنِهِ.
فَنَادَى وقَال: يا أَبَتِ إِبْرَاهِيم فَقالَ إِبْرَاهِيم: يا إبْنِي، تَذَكَّرْ
إِرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لَعَازَرَ أَنَّكَ نِلْتَ خَيْراتِكَ في حَيَاتِكَ،
لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ وَيُبرِّدَ لِسَانِي وَلَعَازَرُ نَالَ البَلايَا.
لأَنِّي مُتَوَجِّعٌ في هـذَا اللَّهِيب والآنَ هُوَ يَتَعَزَّى هُنَا، وأَنْتَ تَتَوَجَّع
وَمَعَ هـذَا كُلِّهِ، فَإِنَّ بَيْنَنا وَبَيْنَكُم هُوَّةً عَظِيمَةً،
حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْتَازُوا مِنْ هُنا إِلَيْكُم
لا يَسْتَطْيعُون، ولا مِنْ هُناكَ أَنْ يَعْبُرُوا إِلَيْنا.
فَقَالَ الغَنِيّ: أَسْأَلُكَ إِذًا، يا أَبَتِ فقَالَ إِبْرَاهِيم:
أَنْ تُرْسِلَ لَعَازَرَ إِلَى بَيْتِ أَبي عِنْدَهُم مُوسَى وَالأَنْبِياء فَلْيَسْمَعُوا لَهُم
فإنَّ لي خَمْسَةَ إِخْوة، لِيَشْهَدَ لَهُم
كَي لا يَأْتُوا هُمْ أَيْضًا
إِلى مَكَانِ العَذَابِ هـذَا.
فَقال: لا، يَا أَبَتِ إِبْرَاهِيم فقالَ لَهُ إِبْرَاهِيم:
ولـكِنْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِم إِنْ كانُوا لا يَسْمَعُونَ لِمُوسَى وَالأَنْبِيَاء،
وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُون فَإِنَّهُم، وَلَو قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَات، لَنْ يَقْتَنِعُوا

حياة الإنسان ما بعد موت الجسد
كان المجتمع اليهوديّ منقسمًا حول مسألة الحياة ما بعد الموت ما بين رأي الصدوقيّين ورأي الفرّيسيّين:
الصدوقيّون من الأرستقراطيّين ومن الأغنياء. أنكروا قيامة الأموات ووجود الحياة الأبديّة، وقالوا بأن النفس تهلك عند الموت كما أنكروا وجود الملائكة والشياطين.
الفرّيسيّون من طبقة متوسطة وأقرب إلى عامة الشعب، يؤمنون بقيامة الأموات وبالحياة بعد الموت، وبوجود ثواب وعقاب كما آمنوا بوجود الملائكة والشياطين.

ويظهر في نَصّ الإنجيل نوعٌ من التهجّم على الصدوقيّين بشخص الغني الّذي كان يتنعّم أثناء حياته ولكنّه إستحقّ العذاب بعد الموت.
لم يهاجم يسوع الغنى بحدّ ذاته بل هاجم الغنيّ لأنّه لم ينظر إلى لعازار الفقير.
إنّ منطق الله يعاكس منطق البشر. فمن كان محور الإهتمام في هذه الحياة أضحى مرذولاً في الآخرة ومن كان مهمّشًا في هذه الحياة إستحقّ مركز الصدارة.
كان للغنيّ إسمٌ معروفٌ من النّاس ولكنّ إسم الغنيّ طغى على إسمه الحقيقي. ولم يُطبع إسمه في سجلّ الحياة الأبديّة بينما لعازار جُعِل إسمه يستمرّ إلى ما بعد الموت. وما أراده الربّ يسوع من هذا المثل هو الرحمة والمحبّة للآخرين.

"لعازر" في مجتمعاتنا
لعازر هو كلّ شخصٍ محتاجٍ إلى العيش بكرامة وليس فقط إلى الصدقة.
والموت واحدٌ من التخمة كان أو من الجوع.
عندما تُقرع أجراس الحزن على الأرض وتُذرف الدموع، يكون هناك فرحٍ في السماء.
وعندما تسير المواكب وراء نعش غنيّ شبع وأتخم من مال الفقراء والجياع والأرامل واليتامى يكون هناك فرح عظيم في جهنّم.
لِعازر هو اليوم نفسه
يأكل من الفتات ومن فضلات النفايات ومما يرمى في سلاّت المهملات وما يتساقط تحت موائد الولائم والحفلات.
والغنيّ يستعطي من لعازر غبّة ماء، أن يبلّ طرف إصبعه بالماء ويبلّ طرف لسان الغنيّ الذي أُتخم من شرب المسكرات والمرطبات...
مشكلة الثراء في داخل القصور والتنعّم بالأرجوان والزينة والحلي والمجوهرات والحياة المترفة، هي ذات مشكلة خارج القصور حيث الحاجة والفاقة والعوز وفقر الذين يعيشون في الشوارع.
الفقير لا يريد من جيب الغنيّ بل من قلبه.
إن أباكم السماوي يقيت "الطيور" في أعشاشها، ألا يهتم بكم يا قليلي الإيمان.
اليوم تؤخذ نفسك منك وكلّ ذلك لمن تدّخره.

نصلُي من أجل المسؤولين كَي يبقون دَومًا أبناءِ النَهار، للتيقظ والسهر حتى إذا جاء العريس يفتحون له ومصابيحهم مشتعلة...
ونصلي من أجل الذين تاهوا في ظلمات الليل كي يَعودوا عن السَكَر وِالفجور وزَرعِ الفِتَن والقتل لأن طريق الهلاك رحبٌ.
نصلّي حتى نستِعد لِزَمَنِ الصَوم، فلا يعود من وجود للعازر في شوارعنا بل على موائنا.

ثواب الصلاة عن الميت
إختلف العلماء في وصول ثواب الصلاة للميت، فذهب المالكية والشافعية إلى أنه لا يصل، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى". سورة النجم: 39.
ويقول النبي (ص): " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد يدعو له". رواه مسلم.
وذهب الحنفية والحنابلة إلى أن ثواب الصلاة يصل، قياساً على الصوم والصدقة والحج.
وقال البخاري ومسلم: إننا نرشدك وننصحك بأن تتصدق عن والدك من مالك، وتستغفر له، فإن ذلك يصله وينفعه إن شاء الله تعالى.
والصلاة على الميّت فرضٌ لأن النبي (ص) أمر بالصلاة على موتى المسلمين قال كما في حديث الذي مات مَدِيناً: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ". رواه البخاري ومسلم.
ولما مات النجاشي قال النبي (ص): " إِنَّ أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ فَقُومُوا نُصَلِّي عَلَيْهِ". رواه مسلم. والنبي (ص) كبّر على النَّجاشي أربعاً، كما جاء في حديث أبي هريرة: إنَّ رَسُولَ الله (ص) نَعَى النَّجَاشِيَّ في الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى المُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. رواه البخاري ومسلم.
جاء عن النبي (ص): "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ". رواه مسلم.
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. سورة ق 19.

تأمُّل في سفرِ أَيوبَ الصِّدِّيق (7/1-21)
إِنَّ حَياةَ الإنْسانِ على الأَرضِ تَجَنُّدٌ وكأَيَّامِ أَجيرٍ أيَّامُهُ. مِثلَ الَعَبدِ المُشْتاقِ إِلى الظِّلِّ والأَجيرِ المُنتَظِرِ أُجرَتَهُ، هٰكذا خُصِصتُ بأَشهُرِ بؤْسٍ ولَيالي مَشَقًّةٍ قُدِّرَت لي. إِذا ٱضَّجَعتُ قُلتُ مَتَى أَقُوم، وبعدَ ٱنقضاءِ اللَّيلِ أَشبعُ بَلْبالًا إِلى الغَسق. قدِ ٱكتَسى لَحْمي دودًا وحَمَأَ تُراب، وجِلْدي تَقَلَّصَ وتَمَزَّق. أَيَّامي أَسرَعُ مِنَ الوشيعةِ وقد نَفِدَت بغيرِ رجاء. تَذَكَّرْ أَنَّ حَياتي ريح. إِنَ عَيني لن تَرى خَيرًا. طَرْفُ ناظِري لا يَراني مِن بَعد. عَيناكَ تَطلُبانِي فلا أَكون. إِنَّ السَّحابَ يَضْمَحِلُّ ويَتقَضِي، وكذا الهابِطُ إِلى الجَحيمِ لا يَصعَدُ لا يَعودُ إِلى بَيتِه، ومَكانُهُ لا يَعرِفُهُ مِن بَعد. لِذٰلِكَ لا أَحبِسُ فَمي، بل أَتَكَلَّمُ في كَربِ روحي وأَشْكُو في مَرارَةِ نَفْسي. أَبَحرٌ أَنا أَو تِنِّين، حتَّى تَجعَلَ حَولي سُدّا؟ إِن قُلتُ: سَريري يُفرِّجُ عنِّي ومَضْجَعِي يُخَفَفُ شكْوايَ، رَوَّعتَني بِأَحْلامٍ وبرُؤًى ذَعَرتَني، حَتَّى تؤْثِرَ نَفْسي الخَنِقَ وعِظامي المَوتَ. لقَدْ يَئِستُ فلا حَياةَ لي إِلى الأَبَد. كُفَّ عنِّي فإِنَّما أَيَّامي نَفَس. ما الإنسانُ حتَّى تَستَعظِمَهُ وتُميلَ إِلَيهِ قَلبَكَ، وتَتَعاهَدَهُ كُلَّ صَباحٍ وتَبتَلِيَهُ كُلَّ لَحظَة؟ إِلى مَتَى لا تَصرِفُ طَرفَكَ عنِّي، ولا تُمهِلُنِي رَيثَما أَبلَعُ ريقي؟ لقدْ خَطِئتُ ولٰكن ماذا أَفعَلُ لَكَ يا رَقيبَ البَشَر، ولِمَ جَعَلتَني هَدَفًا لَكَ، حتَّى صِرتُ كَلًّا علَى نفسِي؟ ولِمَ لا تَعفو عن إِثْمِي؟ فإِنِّي لا أَلبَثُ أَن أَضَّجعَ في التُّراب، فتُبَكِّرُ في طَلَبي فلا أَكون.
 

1021

ليست هناك تعليقات: