2014/03/27

بشارة السيدة العذراء مريم عليها السلام عيد وطني لبناني الأب جورج صغبيني


بشارة السيدة العذراء مريم عليها السلام عيد وطني لبناني

باسم الله الآب

الرحمن الإبن

الرحيم الروح القدس

ولادة "مريم" كانت إعجازاً

فأمها "حنّة" كانت عجوزاً عاقراً وبينما كانت تتفيأ ظلال شجرة أبصرت طائراً يطعم فراخه فتحركت في روحها غريزة الامومة فنذرت لربها ان يرزقها ولداً تهبه لخدمة بيت المقدس “ربي اني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني انك السميع العليم”. فأستجاب الله دعاءها فحملت بـ”مريم” وما لبثت الا قليلا حتى توفي "عمران" زوج "حنة".

ولما وَلدت بنتاً اعتذرت لربها لأنها رجته ان يرزقها غلاماً يوفي نذرها: “ربّ اني وضعتها انثى والله اعلم مما وضعت وليس الذكر كالانثى واني سميتها مريم واني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم”. وشاء الله ان يتقبل نذرها بمريم ويجعله مباركاً ذاك لانه سبحانه قد حفظ هذه الوليدة لأمر عظيم “فتقبل ربها بقبول حسن وانبتها نباتاُ حسناً“.

وتوفيت “حنّة” فأمست مريم يتيمة الوالدين فكفلها النبي “زكريا“ زوج خالتها "أليصابات" فعلّمها تعاليم الدين ومكارم الاخلاق فنشأت صالحة عفيفة نقية من المعاصي والذنوب عاكفة على طاعة ربها إناء الليل وأطراف النهار فأغدق الله سبحانه عليها بسوابغ من فضله وآتاها الطعام من الغيب: "كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً. قال: يا مريم أنّى لك هذا. قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب".

وبعد أن تقدم زكريا في السن ولم يعد قادراً على خدمة مريم توجه الى بني اسرائيل طالباً منهم كفالتها فتقارعوا فيما بينهم حتى إصبحت من نصيب إبن خالها “يوسف“ النجار الذي دأب على رعايتها حتى بلغت سن الشباب عندئذ ضربت مريم على نفسها الحجاب واختلت عن الناس حتى أن يوسفاً كان يأتيها بحاجاتها من خلف ستار: “اذ انتبذت من اهلها مكاناً شرقيا فأتخذت من دونهم حجاباً”.

"يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين.

يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين".

وإن الله سبحانه أراد أن يمهد لهذه الطاهرة لحمل عظيم: "فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا. قالت: إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا. قال: إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيا. قالت: أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أكُ بغيا. قال: كذلك قال ربك هو عليّ هيّن ولنجعله آيةً للناس ورحمة منّا وكان أمراً مقضيا".

ويصور لنا القرآن الكريم المشاق التي تحملتها العذراء في حملها إذ توارت عن أنظار قومها ثم ألجأها المخاض إلى جذع النخلة وهي وحيدة من غير معين. "قالت: يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسياً منسيّا".

ولكن الله لطف بها إذ قال لها: "وهزّي اليك بجذع النخلة فيتساقط عليها الرطب جنيا فكلي واشربي وقرّي عيناً فأما ترين من البشر احداً فقولي: اني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيّا".

وأوكل الله جلّ وعلا الدفاع عنها أمام قومها إلى وليدها يسوع لينجّي والدته من الشبهة إذ نطق عليه السلام في مهده قائلاً: "إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّا. وَبِرَّاً بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقيا والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أُبعث حيّا".

وتشير الروايات المسيحية أن مريم عندما جاءتها البشارة من جبرائيل أعلمها ايضاً بأن قريبتها “اليصابات” زوجة زكريا والتي كانت عجوزاً عاقراً قد أفاء الله عليها بحمل في شهره السادس وإنها ستنجب غلاماً نبيا إسمه “يحيى”. كما حدد العهد الجديد مكان البشارة في “الناصرة” ومكان الولادة في “بيت لحم” ويروي ان مريم عندما كبر إبنها يسوع هاجرت معه برفقة يوسف إلى مصر خوفاً عليه من النظام السياسي حينذاك.

وإنها كانت حاضرة في حياة إبنها حتى قيامته. إلاّ أن كلاًّ من العهد الجديد والقرآن الكريم قد توافقا على أن مريم نسبها “داوودي” وإن بشارتها من عند الله وإن حملها من روح الله وإن ابتلاءات حملها والمخاوف من أهلها ألجأتها إلى ترك ديارها لتلد في مكان آمن.

وكلاهما خلعا عليها القاباً واوصافاً في غاية السمو لم تحظَ بها أمرأة غيرها.

اما عن مكانتها عند المسلمين فعظيمة جداً فهم ينظرون إليها نظرة إجلال وتقديس كون الله قد اصطفاها من ذرية الأنبياء واختارها لولادة المسيح عيسى.

وهي عندهم سيدة نساء العالمين وقد أكرمها الله في قرآنه الكريم بأن أفرد لها سورة سماها باسمها “سورة مريم” كما أوردها باسمها الصريح”أربعا وثلاثين مرة”.

والمسلمون يلهجون باسمها مشفوعاً دائماً بـ “عليها السلام” كما يسمون بناتهم باسمها تبركا وتعظيما. كما جاء في الحديث النبوي الشريف: "كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلاّ مريم وابنها".

ومعروف أن المهاجرين المسلمين الاوائل عندما هاجروا الى الحبشة ودخلوا عاهلها “النجاشي” وكان مسيحياً قرأ عليه “جعفر بن ابي طالب” ما كان يحفظه من سورة مريم فتهلل وجه النجاشي مخاطباً إياهم: "إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ".

لقد اكتشف “النجاشي” بأن المسيحية والاسلام ينهلان من معين إلهي واحد.

فالنجاشي صورة حقيقية في حاضرنا الراهن لحكوماتنا ولمرجعياتنا ونخبنا الثقافية والإعلامية للتحرك الحثيث من أجل تفعيل حوار حقيقي مثمر يتأسس على هذه المشتركات الكثيرة والتي تشكل الصدّيقة مريم مفردة ضمن منظومة متنوعة مشتركة وصولاً الى رؤية جماعية لمواجهة تحديات عصرنا.

لماذا لا ينبري صنّاع القرار في عالمنا اليوم للتوافق حول قاعدة قيم أخلاقية تشكل إطاراً للسلوك والتعامل الإنساني والسلمي بين الأمم والأجناس والحضارات.

علينا ان ننحي بخلافاتنا جانبا ونعيد إنتاج مواقفنا إلى ندوات وملتقيات وصلوات والحان من أجل عالم جديد يسوده الخير والإحترام المتبادل.

فإن فرّقنا الدهر شيعاً وباعدنا مذاهب فلتكن بشارة العذراء الطاهرة هي وحدها التي نأتلف عليها.

البشارة في 25 آذار عيدا وطنيا

إن مجلس الوزراء اللبناني وافق على اعتبار عيد البشارة في 25 آذار، "عيدا وطنيا لبنانيا وعطلة رسمية يحتفل به المسيحيون والمسلمون معا".

هذه الاقتراح كان تمّ التداول فيه بين بعض المؤمنين المسيحيين والمسلمين إلاّ أنه أصبح واقعا عندما أعلن وزير الاعلام اللبناني يوم 18-2-2010، بناء على اقتراح تقدم به رئيس الوزراء اللبناني خلال جلسة مجلس الوزراء.

قال رئيس مجلس الوزراء:" إن السيدة العذراء تعني المسلمين كما تعني المسيحيين في القرآن الكريم كما في الإنجيل، داعياً إلى أن يكون هذا اليوم عيدا مشتركا".

وهو أول عيد مشترك للمسيحيين وللمسلمين بتاريخ 19-2-2010. وهذا يعني أن العيد ستحتفل به جميع الطوائف اللبنانية المسيحية والاسلامية على حد سواء في يوم "عيد بشارة العذراء مريم".

عيد البشارة هو أول الأعياد المسيحية من حيث ترتيب أحداث حياة المسيح فلولا البشارة لما كانت بقية الأعياد، لذلك دُعِيَ برأس الأعياد أو نبع الأعياد أو أصل الأعياد.

البشارة في الإنجيل المقدس بحسب لوقا 1/ 26-56:

(26) وفي الشَّهرِ السّادِسِ أُرْسِلَ جِبرائيلُ المَلاكُ مِنَ اللهِ إلى مدينَةٍ منَ الجَليلِ اسْمُها ناصِرَةُ، (27)إلى عذراءَ مَخْطوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بيتِ داوُدَ اسمُهُ يُوسُفُ. واسْمُ العْذراءِ مرْيَمُ. (28)فَدَخَلَ إليها المَلاكُ وقالَ سلامٌ لكِ أيَّتُها المُنْعَمُ علَيْها. الرَّبُّ معَكِ. مُبارَكَةٌ أنْتِ في النِّساءِ. (29)فلَمّا رأَتْهُ اضطَرَبَتْ مِنْ كَلامِهِ وفَكَّرَتْ ما عَسَى أنْ تَكونَ هذِهِ التَّحِيَّةُ.(30)فقالَ لها المَلاكُ لا تَخافي يا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِندَ اللهِ. (31)وها أَنْتِ سَتَحْبَلينَ وتَلِدينَ ابناً وتُسَمّينَهُ يَسوعَ. (32)هذا يكونُ عَظيماً وابْنُ العَلِيِّ يُدْعَى ويُعْطيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ داوُدَ أَبيهِ. (33)ويَمْلِكُ على بَيْتِ يَعقوبَ إلى الأبَدِ ولا يَكونُ لِمُلْكِهِ نِهايَةٌ. (34)فقالَتْ مَريَمُ لِلمَلاكِ كَيْفَ يكونُ هذا وأنا لسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً. (35)فأَجابَ المَلاكُ وقالَ لها، الرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ عَليكِ وقُوَّةُ العَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فلِذلِكَ أيضاً القُدُّوسُ المَوْلودُ مِنْكِ يُدْعَى ابنَ اللهِ. (36)وهُوذا أَليصاباتُ نَسيبَتُكِ هيَ أيضاً حُبْلَى بابنٍ في شَيْخوخَتِها وهذا هوَ الشَّهْرُ السّادِسُ لتِلْكَ المَدْعُوَّةِ عاقِراً. (37)لأنَّهُ ليسَ شَيءٌ غيرَ مُمْكِنٍ لدَى اللهِ. (38)فقالَتْ مريَمُ هُوَذا أنا أَمَةٌ الرَّبِّ. ليَكُنْ لي كَقَولِكَ. فمَضَى مِنْ عندِها المَلاكُ. (39)فقامَتْ مَرْيَمُ في تِلكَ الأيّامِ وذَهبَتْ بسُرعَةٍ إلى الجِّبالِ إلى مَدينَةِ يَهوذا. (40)ودخَلَتْ على أَليصاباتَ. (41)فلَمّا سَمِعَتْ أليصاباتُ سَلامَ مَرْيَمَ ارتَكَضَ الجَّنينُ في بَطنِها. وامتَلأَتْ أليصاباتُ منَ الرُّوحِ القُدُسِ. (42)وصَرَخَتْ بصوتٍ عَظيمٍ وقالَتْ مُبارَكَةٌ أَنْتِ في النِّساءِ ومُبارَكَةٌ هيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ. (43)فمِنْ أينَ لي هذا أنْ تأتيَ أمُّ رَبّي إِلَيَّ. (44)فهُوَّذا حينَ صارَ صَوْتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ ارتَكَضَ الجَّنينُ بابْتِهاجٍ في بَطْني. (45)فَطوبَى لِلَّتي آمَنَتْ أنْ يَتِمَّ ما قيلَ لها مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. (46)فقالَتْ مَرْيَمُ تُعَظِّمُ نَفْسي الرَّبَّ (47)وتَبْتَهِجُ روحِي باللهِ مُخَلِّصي. (48)لأنَّهُ نَظَرَ إلى اتِّضاعِ أَمَتِهِ. فهُوَذا مُنْذُ الآنَ جَميعُ الأجْيالِ تُطَوِّبُني. (49)لأنَّ القَديرَ صنَعَ بي عَظائِمَ واسْمُهُ قُدُّوسٌ. (50)ورحْمَتُهُ إلى جيلِ الأجيالِ للّذينَ يَتَّقونَهُ. (51)صَنَعَ قُوَّةً بِذِراعِهِ. شَتَّتَ المُسْتَكْبِرينَ بِفِكْرِ قُلوبِهم. (52)أنزَلَ الأَعِزّاءَ عن الكَراسِي ورَفَعَ المُتَّضِعينَ. (53)أَشْبَعَ الجِياعَ خيراتٍ وصَرَفَ الأغْنِياءَ فارغينَ. (54)عَضَدَ إِسْرائيلَ فَتاهُ ليَذُكُرَ رَحْمَةً. (55)كما كلَّمَ آباءَنا لإبراهيمَ ونَسْلِهِ إلى الأَبَدِ. (56)فَمَكَثَتْ مريَمُ عِنْدَها نحْوَ ثلاثَةِ أَشْهُرٍ ثمَّ رَجَعَتْ إِلى بيتِها."

عيد وطني في لبنان

عيد البشارة أصبح عيداً رسميا، يحتفل به المسيحيون والمسلمون في 25 آذار من كل عام. فمريم العذراء أتت لتجمع أولادها كلهم مسيحيين ومسلمين".

السيدة مريم العذراء... أمٌ تجمع المسيحيين والمسلمين في البيت اللبناني.

ولعلّ في تلاقي المسيحية والاسلام ومكانة السيدة مريم في آيات القرآن الكريم وإلانجيل ما يجعل من هذا الحدث مناسبة مشتركة موحدة.

خطوة جريئة، جاءت استجابة "للإرشاد الرسولي من أجل لبنان" الذي أطلقه البابا يوحنا بولس الثاني، واعتبر فيه أنّ لبنان هو أكثر من وطن، إنه رسالة وقيم". شعار ردّده البابا في أكثر من مناسبة، منطلقا من رؤية نبويّة للبنان في مستقبله.

فعسانا نكون كلبنانيين ممسلمين ومسيحيين على مستوى المناسبة.

السلام عليكِ يا مريم يا ممتلئة نعمة من الله مباركة أنتِ بين النساء ومباركٌ ثمرة بطنكِ سيدنا عيسى المسيح.

يا سيدة نساء العالمين صلّي لأجلنا نحن اللبنانيين الآن وفي ساعة موتنا. آمين.

ليست هناك تعليقات: