2014/03/27

ذكرى وفاة القديسة رفقا في ٢٣ آذار ١٩١٤ الأب جورج صغبيني


ذكرى وفاة القديسة رفقا في ٢٣ آذار ١٩١٤

رفقا في بلدة حملايا (1832 - 1859)

أبصرت القدّيسة رفقا النور في حملايا، إحدى قرى المتن الشمالي بالقرب من بكفيا، في 29 حزيران سنة 1832، يوم عيد القدّيسين بطرس وبولس، ودعيت بطرسيّة على إسم صاحب العيد القديس بطرس.

كانت وحيدة لوالديها: مراد صابر الشبق الريّس، ورفقا الجميّل.

قَبِلَت سرّ العماد في 7 تموز سنة 1832، ودُعيت بطرسية.

تُوفّيَت والدتها سنة 1839، وكانت رفقا طفلة في السابعة من عمرها.

أرسلها والدها إلى دمشق سنة 1843، تخدم في بيت أسعد البدوي اللبنانيّ الأصل، طيلة أربع سنوات.

عادت رفقا إلى البيت الوالديّ سنة 1847، فوجدت أنّ والدها قد تزوّج في غيابها.

بلغت بطرسية الرشد فأرادت خالتها زوجة والدها أن تزوّجها بشقيقها، كما وأرادت خالتها شقيقة أمّها أن تزوّجها بابنها، ممّا أدّى إلى خصامٍ بينهما.

رفقا في جمعيّة المريمات (1859 - 1871)

طلبت بطرسية إلى الله أن يُساعدها على تحقيق رغبتها، فذهبت إلى دير سيدة النجاة، في بكفيا، للترهّب في جمعيّة المريمات، التي أسّسها الأب يوسف الجميّل. ولدى دخولها كنيسة الدير شعَرت بفرح وسرور لا وصف لهما فنظرت إلى إيقونة سيدة النجاة وسمعت صوت الدّعوة إلى التكرّس لله: "إنكِ تترهّبين".

قَبِلَتها الرئيسة في الدير، ورَفَضَت بعد ذلك العودة إلى المنزل، عندما حضر والدها تلبية لرغبة زوجته ليثنيها عن عزمها.

اتّشحَت رفقا بثوب الإبتداء في 19 آذار سنة 1861، يوم عيد القدّيس يوسف.

وفي ذات العيد نفسه من سنة 1862 أبرزت النذور الرهبانيّة الموقّتة. فأرسلها رؤساؤها إلى إكليريكيّة غزير، حيث عُهِد إليها القيام بالخدمة في المطبخ. وكان في عداد الإكليريكيّين البطريرك الياس الحويك والمطران بطرس الزّغبي. وكانت بطرسية تستغِلّ أوقات الفراغ لتتلقّن اللغة العربية والخط والحساب.

وسنة 1860، أُرسِلت بطرسية إلى دير القمر لتلقّن الفتيات التعليم المسيحيّ. وأثناء مجازر 1860، رأت بطرسية هناك بأمِّ العين استشهاد الكثير من المسيحيين، فتحلّت بالقوّة والشجاعة وحنّت على أحد الأولاد الصّغار وخبّأته بردائها، فأنقذته من الذبح المحتّم.

أمضت بطرسية حوالي سنة في دير القمر، ثم عادت إلى غزير.

وسنة 1863، توجّهت بطرسية بأمر الرؤساء إلى مدرسة جمعيّتها في جبيل، وأقامت فيها مدة سنة تُدرّس البنات وتنشّئهنّ على مبادىء الإيمان المسيحي.

في أوائل سنة 1864 نُقِلَت من مدرسة جبيل إلى قرية معاد، نزولاً عند طلب المُحسِن الكبير أنطون عيسى. وأقامت هناك مدة سبع سنوات، أنشأت خلالها مدرسة لتعليم البنات بمساعدة إحدى أخواتها الراهبات.

رفقا في الرّهبانية اللبنانيّة المارونيّة (1871 - 1914)

رفقا في دير مار سمعان القرن - أيطو (1871 -1897)

خلال إقامتها في معاد، وعقب أزمة ألمّت بجمعيّة المريمات سنة 1871، دخلت بطرسية إلى كنيسة مار جرجس، وطلبت من الرّب يسوع أن يُساعِدَها على اتخاذ القرار، فسَمِعَت صوتاً يُناديها: "إنكِ تترهّبين". وصلّت بطرسية ، فتراءى لها في الحلم مار جرجس ومار سمعان العامودي، ومار انطونيوس الكبير أب الرّهبان، الذي قال لها: "ترهّبي في الرّهبنة البلديّة".

سَهّل لها السيّد أنطون عيسى طريق الانتقال من معاد إلى دير مار سمعان القرن - أيطو. فَقُبِلَت على الفور، ولبِسَت ثوب الإبتداء في 12 تموز 1871.

ثم نَذَرت نذورها الإحتفاليّة في 25 آب 1872، واتّخذت لها اسم الأخت رفقا بدلاً من بطرسية تيَمُّناً باسم والدتها.

أمضت رفقا ستاً وعشرين سنة في دير مار سمعان القرن – أيطو، وكانت مِثالاً حيّاً لأخواتها الراهبات في حفظ القوانين والصلوات والعمل... وفي الأحد الأول من تشرين الأول سنة 1885، دخلت رفقا إلى كنيسة الدير، وصلّت للرّب يسوع أن يُشرِكَها في آلامه. فاستجاب طلبها، وبدأت الأوجاع المؤلمة في رأسها، ثم امتدّت إلى عينَيها.

باءت جميع محاولات مُعالجتها بالفشل. وإثر ذلك، تقرّر إرسالها إلى بيروت للمعالجة. فعرّجت على أنطش مار يوحنا مرقس – جبيل، حيث عُرِضَت على طبيب أميركيّ، فأمر بإجراء عمليّة سريعة لعينها اليمنى. ولم تَقبل بالبنج للتخفيف من ألمها، وفي أثناء العملية اقتلع الطبيب خطأً عينها، فقالت: "مع آلام المسيح، سلِمَت يداك، الله يآجرك".

ثمّ ما لبث الداء أن تحوّل إلى عينها اليُسرى، فحَكَم الأطبّاء بأن لا منفعة لها بالعلاج. فرافقها وجع العينَين المؤلم أكثر من اثنتي عشرة سنة وهي صابرة، صامتة، مصلّية ومردّدة: "مع آلام المسيح".

رفقا في دير مار يوسف - جربتا (1897 - 1914)

في الثالث من شهر تشرين الثاني سنة 1897، انتقلت القدّيسة رفقا برفقة خمس راهبات: الأخت أورسلا ضومط من معاد، الأخت رفقا الريّس من حملايا، الأخت تقلا ضومط من معاد، الأخت مسيحيّة علوان من برمانا، الأخت انجليكا الحويك من حلتا، الأخت مارينا صادر من كفيفان. من دير مار سمعان القرن- أيطو، لتأسيس دير مار يوسف الضهر- جربتا في منطقة البترون.

وكان قد سعى الخوري إغناطيوس ضومط، شقيق الأم أورسلا ضومط إلى بناء الدير في منطقة الضهر- جربتا، بما يناسب سكنى الراهبات وقوانينهنّ، وقد قدّم لهنّ الخوري يوحنا بصبوص كلّ ما يملك من مال وأملاك، والمدرسة وكنيسة مار يوحنا الحبيب... ووافق الرئيس العام للرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة الأباتي مرتينوس الشمالي على قبول وقفيّة الخوري يوحنا بصبوص للراهبات الستة، لأجل إنشاء الدير، يوم عيد السيدة العذراء في 15 آب سنة 1897. وقد صدّق وثبّت الوقفية وقرار بناء دير الراهبات اللبنانيات المارونيات على اسم القدّيس يوسف البتول، البطريرك يوحنا الحاج، في 22 تشرين الأوّل سنة 1897.

انتقلت الراهبات إلى دير مار يوسف في 3 تشرين الثاني الثاني 1897، برئاسة الأم أورسلا ضومط المعاديّة. وكانت رفقا من بينهنّ لأنّ الراهبات أصرَرْن على مجيئها معهنّ لفرط ما كنّ يُحبِبنَها ويأملن بإزدهار ديرهنّ الجديد بصلواتها... وكانت القدّيسة رفقا تشرح لطالبات الترهب قوانين الرهبانيّة والتعليم المسيحي. وكانت تعلّمهنّ اللغة السريانيّة والأناشيد الكنسيّة، بصوتها الجميل...

وفي سنة 1899، انطفأ النور نهائيّاً في عين رفقا اليسرى، فأضحت رفقا عمياء، وبدأت مرحلة جديدة من مراحل آلامها حيث عاشت رفقا المرحلة الأخيرة من حياتها مكفوفة ومخلّعة: عمًى كامل، وجع مؤلم في الجنب وضعف في الجسد كلّه، وتفكّك وركها الأيمن وانفصل عن مكانه، وكذلك غَرِقَ عظم كتفها في عنقها وخَرَج عن موضعه، وبرزت خرزات ظهرها بحيث أصبح سهلاً عدّها، وصار جسمها كلّه يابساً خفيفاً، وجلدها جافّاً، فبدت هيكلاً عظميّاً يجمعه جلدها، ما عدا وجهها الذي بقيَ مُشرقاً، ولم يبقَ عضو صحيح في جسمها غير يدَيها اللتَين كانت تَحوك بهما جوارب بالصنّارة، وهي صابِرة على آلامها وأوجاعِها، مُسبِّحة وشاكِرة الربّ يسوع على نعمة مشاركته في آلامِه، حتى النفَس الأخير.

وفاة القديسة

رَقَدَت رفقا برائحة القداسة في 23 آذار 1914، في دير مار يوسف- جربتا، متزوّدة بالقربان المقدس، متّكلة على شفاعة أمّ الله مريم والقدّيس يوسف.

دُفِنَت رفقا في مقبرة الدير، وأشعّ نور من قبرها طيلة ثلاثة أيام ممتالية. وفي اليوم الرابع كان شفاء الأم أورسلا ضوميط بعد سبع سنوات من مرضها. وأجرى الرّب بشفاعَة القديسة رفقا عجائب ونعماً كثيرة...

في 10 تموز 1927 نُقِلَ رُفاتها إلى قبر جديد في زاوية معبد الدير إثر تقديم دعوى تكريمها بتاريخ 23 كانون الأول 1925، وكان البدء بالتحقيق في شهرة قداستها في 16 أيار 1926.

أعلنها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، مُكرّمة في 11 شباط 1982

ثمّ أعلنها طوباويّة في 17 تشرين الثاني 1985

ثمّ أعلنها قدّيسة على مذابح الكنيسة في 10 حزيران سنة 2001.

من عجائب القديسة رفقا

بعد موتها بأربعة أيام، بدأ الرب يجري بشفاعتها ومن قبرها عجائب كثيرة. أولها حصلت مع الأم أورسولا ضومط رئيسة دير مار يوسف جربتا التي كانت تعاني من وجع حاد في الحلق سببه ظهور بثرة بحجم حبة اللوز منعتها من تناول أي طعام واستعصى عليها حتى شرب السوائل. دام هذا الوجع مدّة سبع سنوات لكنها بإشارة سماوية دهنت حلقها بماء ممزوج بتراب أُخذ عن قبر القديسة رفقا فشفيت ولم تشعر بألم بعد ذلك.

وفي ٢٣ تشرين الثاني ١٩٢٥ أعلنت محبّة الخوري أن ولدها بطرس قد شفي من مرض الزلال بشفاعة القديسة رفقا. وكان الولد يعاني من تورم جسمه بالكامل فمنع عنه الأطباء أي نوع من الطعام ما عدا الحليب. إلاّ أنه كان يرفض شربه حتى أشرف على الموت، فنذرته أمه للقديسة رفقا. في الليل تراءت القديسة رفقا لها في الحلم وقالت لها: لا تخافي، أطعمي ولدك ما يريد، فإنه لن يموت. وفي الصباح التالي راحت الأم تطعم إبنها ما يستطيب من مأكل وأخذ يمثل للشفاء.

عجيبة تطويب المكرّمة رفقا

في آذار ١٩٣۸، شفيت أليصابات النخل البطحاوي من منطقة طورزا من سرطان في الرحم وذلك بشفاعة القديسة رفقا. وقد أعتُمدت هذه الأعجوبة في دعوة تطويب المكرّمة رفقا في ١٧ تشرين الثاني ١٩٨٥.

عجيبة تقديس الطوباوية رفقا

وفي ٢٣ تشرين الثاني ١٩٨٥ شفيت سيلين ربيز من منطقة الرميل- بيروت من السرطان بشفاعة الطوباوية رفقا، وقد إعتُمدت هذه الأعجوبة في إعلان الطوباوية رفقا قديسة.

وصار دير مار يوسف جربتا مزارًا عالميا لوجود ضريح القدّيسة رفقا بين حناياه.

رزقنا الله شفاعتها. آمين.

1

ليست هناك تعليقات: