2014/03/27

ذكرى دخول مار شربل إلى المحبسة الأب جورج صغبيني


ذكرى دخول مار شربل إلى المحبسة

ولادة القدّيس شربل

ولد يوسف أنطون مخلوف في 8 أيّار سنة ١٨٢٨ في بقاعكفرا في شمالي لبنان قرب أرز الرب. من والدَين مارونيَّين هما أنطون زعرور مخلوف وبريجيتا الشدياق. له شقيقان، حنّا وبشاره، وشقيقتان كَون وورده. تربّى يوسف تربية مسيحيّة جعلته مولعًا بالصّلاة منذ طفولته. مال إلى الحياة الرهبانيّة والنسكيّة، مقتديًا بخالَيه الحبيسَين في صومعة دير مار أنطونيوس قزحيّا، حيث تسلّم منهما مشعل بطولة الفضائل.

توفّي والده في 8 آب 1831 في غِرفِين، وهي قرية قرب عمشيت، أثناء عودته إلى منْزله، بعد أن كان يعمل بالسخرة لدى الجيش التركيّ، فربّته والدتُهُ يتيمًا. ثمَّ تزوّجَت بلحّود إبراهيم الّذي أصبح كاهنًا للرعيّة، مُتَّخِذًا إسم عبد الأحد.

درس يوسف أصول اللّغتَين العربيّة والسريانيّة في مدرسة القرية. كان تقيًّا جدًّا، إلى حدّ أنّ أبناء قريته كانوا يدعونه "القدّيس". كان يوميًّا يقود قطيعه الصغير إلى المرعى، ثمّ يتوجّه إلى مغارةٍ حيث يركع أمام صورة العذراء مريم ويصلّي. وهكذا أصبحت المغارة مَصلاه ومحبسته الأولى التي أصبحت بعدئذٍ مزارًا للصلاة ومحجًّا للمؤمنين.

دخوله إلى الرهبانية اللبنانيّة المارونيّة

صباح أحد أيّام سنة ١٨٥۱، غادر يوسف أهلَه وقريتَه وتوجّه إلى دير سيّدة ميفوق بقصد الترهّب، حيث أمضى سنته الأولى من فترة الابتداء، ثمّ إلى دير مار مارون - عنّايا، حيث انخرط في سلك الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة، متّخذًا اسم شربل، أحد شهداء الكنيسة الأنطاكيّة من القرن الثّاني. وفي أوّل تشرين الثّاني سنة ۱٨٥٣، أبرز نذوره الرهبانيّة في الدير نفسه وكان مطّلعًا إطّلاعًا دقيقًا على موجبات هذه النذور: الطاعة، العفّة والفقر.

أكمل دروسه اللاّهوتيّة في دير مار قبريانوس ويوستينا، كفيفان البترون، على يد معلّمه القدّيس نعمة الله كسّاب الحرديني، الذي كان قدوةَ الرهبان وصورةً حيّةً عن كبار الرهبان القدّيسين في حياته الخاصّة والعامّة.

في ٢٣ تمّوز سنة 1859، سيمَ الأخ شربل مخلوف كاهنًا في بكركي، بوضع يد المثلّث الرحمة المطران يوسف المريض النائب البطريركي الماروني

تاريخ الدير

في منطقة جبل لبنان الجبيليّة، على رابية تُعَدُّ من أبهى ربى لبنان، ديرٌ للرهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة يُعرف بدير مار مارون - عنّايا، يقع شمالي شرقي بلدة عنّايا وغربي بلدة إهمج وجنوب بلدة مشمش. يبعد عن مدينة جبيل 17 كلم ويعلو عن سطح البحر ألف ومئتي متر.

و"عنّايا" لفظة سريانية فسّرها البعض بمعنى المرتّل والمرنّم أو جوق المتعبّدين أو النسّاك. كانت في السابق مزرعة من مزارع بلاد جبيل، إنتقل إسمها إلى الدّير لمّا ابتاع الرهبان فيها أرضًا وشرعوا بتشييد دير على إسم مار مارون عليها. إنتهى العمل من بناء القسم الأوّل من الدّير سنة 1828 وهي سنة ولادة مار شربل. وبين سنتي 1838 و1841 أكتمل بناء الكنيسة وجميع الأقبية.

بعد إعلان شربل مخلوف طوباويًّا سنة 1965، شرعت الرّهبانيّة ببناء كنيسة جديدة تكون مهيّأة لاستقبال الأعداد الكبيرة من المؤمنين الوافدين إلى عنّايا خصوصًا وأنّ دعوى إعلان القداسة كانت قيد الدرس. وفي سنة 1974، كان تدشين الكنيسة الجديدة غربي الدّير ، التي أنشئت على اسم القدّيس شربل، في أيام رئاسة الأب بولس ضاهر. ولا تزال الرّهبانيّة حتّى يومنا هذا تُحدث في الدّير وحوله إصلاحات عديدة، خدمةً للزوّار وتلبية لحاجاتهم الروحية والزمنية.

اليوم أصبح دير مار مارون - عنّايا بفضل القدّيس شربل مزارًا وطنيًّا وعالميًّا حيث يقصده آلاف المؤمنين للصلاة والتوبة، ولتلبية حاجاتهم الروحية على أنواعها، كما تتوافد إليه الرسائل من كلّ أنحاء العالم، إلتماسًا لبركة قدّيس لبنان أو طلبًا لشفاعته.

تاريخ المحبسة

قبل وفاة القدّيس شربل بمئة سنة، أي سنة 1798، شرع يوسف بو رميا وداود عيسى خليفة من إهمج، في بناء دير، وذلك على تلّة رويسة عنّايا.

أنـهى يوسف وداود بناء الدير سنة 1811، سمّيا المعبد الذي شُيِّد فوق أنقاض قديمة على اسم "تجلي الربّ"، وكانت غايتهما أن ينقطعا فيه إلى عيشة النساك زهدًا بالعالم.

حوّل البطريرك الماروني يوحنا الحلو، في 9 آب 1812، إسم شفاعة المعبد من "التجلّي" إلى إسم الرسولين بطرس وبولس الواقع عيدهما في 29 حزيران. وعُرف المقام منذئذٍ "بدير مار بطرس وبولس" بدل "دير التجلّي".

لمّا كانت هناك حاجة إلى كاهن للاهتمام بالخدمة الروحيّة، طلب يوسف وداود من رئيس عام الرهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة، الأب إغناطيوس بليبل، في 20 تشرين الثاني 1814، كاهنًا ليقوم بخدمتهم الروحية وفوّضا إليه مطلق التصرّف في المعبد وفي الأرض التي تخصّه، وذلك بموجب مرسوم وجّهه البطريرك يوحنا الحلو إلى الأب العام. وإبتداءً من سنة 1814، تخلّى هؤلاء العبّاد عن مقام مار بطرس وبولس مع ما حوله من أملاك وانضمّوا إلى الرهبانيّة اللّبنانيّة.

أمّا "دير مار بطرس وبولس"، فجُعِلَ محبسة سنة 1828، وهي السنة التي وُلِدَ فيها مار شربل في بلدة بقاعكفرا.

حبساء محبسة عنّايا (1798-1967)

أوّل حبيس دخل هذه المحبسة من أبناء الرهبانية، هو رجل الله الأب اليشاع الحرديني شقيق القديس نعمة الله الحرديني.

الأب إليشاع كسّاب الحرديني (1798- 13/02/1875)

دخل أولاً محبسة قزحيا في 29/11/1828، وبعد سنة ونصف إنتقل إلى محبسة عنّايا حيث عاش فيها أكثر من 43 سنة وتوفّي في 13/2/1875. كان نشيطًا في العمل، فهو الذي بلّط المحبسة وحمل بلاطها على ظهره من مكان بعيد، وهو الذي غرس الكرم في شرقي المحبسة، بعد أن قطع الأشجار، وأعدَّ الأرض بقلبها وتنقيبها، إلى أن أصبحت صالحة للزراعة.

الأب يوحنا العاقوري (1821- 1859)

عاش في المحبسة مدّة مع الأب إليشاع ثم عاد إلى الدّير.

الأب يواكيم الزوقي (+1847)

عاش في المحبسة مدّة مع الأب إليشاع ثمّ عاد إلى محبسة حوب حيث توفّي.

الأب ليباوس الراماتي (1823- 07/08/1914)

عاش وتنقَّل في عدّة محابس خاسة مع الأب إليشاع مدة خمس سنوات، ومع القدّيس شربل مدّة 18 سنة، ثم نُقل إلى محبسة القطارة حيث توفّي بعد 21 سنة.

القدّيس شربل مخلوف (8/5/1828- 24/12/1898)

دخل المحبسة في 15 شباط 1875، أي بعد وفاة الأب إليشاع الحرديني ومات فيها ليلة عبد الميلاد بتاريخ 24 كانون الأول 1898.

الأب مكاريوس صوما المشمشاني (1840- 10/10/1914)

دخل المحبسة سنة 1880 وبقي فيها حتى مماته. كان رفيق القدّيس شربل.

الأب أنطونيوس الغلبوني (1849- 17/5/1930)

سكن مدّة في محبسة عنّايا ثمّ انتقل إلى محبسة دير القطارة حيث توفي.

الأب أنطونيوس الحصاراتي (1870- 11/2/1946)

سكن محبسة عنّايا 26 سنة وتوفّي فيها.

الأخ بطرس المشمشاني (1860- 17/9/1942)

خدمَ الحبساء مدّة ثلاثين سنة.

الأخ مخايل التنوري (1841- 23/6/1901)

خدمَ الحبساء بكلّ تواضع وإخلاص.

الأب أنطونيوس قزحيا من كور البترون (1883- 8/7/1958)

خدم الحبساء ثمّ تنسّك فيها مدةً، وتوفّي هناك.

الأب الياس أبي رميا الإهمجيّ (1870- 21/3/1967)

خدم الحبساء مدةً، وهو آخر من عاصر الأب شربل، وهو آخر حبيس قطن المحبسة، إذ بعد سنة 1950، إنتشرت شهرة عجائب القديس شربل وتحوّلت المحبسة إلى مزار.

حياة مار شربل في دير مار مارون - عنّايا

وفي محبسة مار بطرس وبولس

عاش الأب شربل في دير مار مارون - عنّايا مدّة ستّ عشرة سنة، كان فيها مُطيعًا لرؤسائه، حافظًا قانونه الرهبانيّ بدقّة.

وفي مطلع عام 1875، ألهم اللهُ الأبَ شربل بالاستحباس في محبسة مار بطرس وبولس التابعة لدير مار مارون- عنّايا، رغم عدم سماح الرؤساء السابقين له بدخول المحبسة، وبينما كان الأب الرئيس متردّدًا، أتَتْه علامةٌ من السماء تَمَثَّلَت بآية السراج. فذات ليلةٍ، طلب الأب شربل من الخادم أن يملأ له السراج زيتًا، فملأه ماءً بدلاً من الزيت. وكان أنّ السراج أضاء بشكل عاديّ. هذه الآية أقنعت رئبس الدير للسماح له بالصعود إلى المحبسة. وفي 15 شباط سنة 1875، إنتقل الأب شربل نهائيًّا إلى المحبسة، حيث كان مثال القدّيس والنّاسك، يمضي وقته في الصمت والصّلاة والعبادة والشغل اليدويّ في الحقل، وما كان يغادر المحبسة، إلاّ بأمرٍ من رئيسه. وقد نهج فيها منهج الآباء الحبساء القدّيسين، راكعًا على طبقٍ من قصب أمام القربان، يناجيه فيه طوال اللّيالي. حتى قيل عنه: شربل إنسان سكران بالله.

أمضى في المحبسة ثلاثَةً وعشرين عامًا، وأثناء احتفاله بالذبيحة الإلهيّة في 16 كانون الأوّل سنة 1898، أصيب بداء الفالج، ودخل في نزاع استمرّ ثمانية أيّام، قاسى خلالها آلام الاحتضار هادئًا، ساكنًا على الرغم من الأوجاع المبرّحة. في نزاعه ولم يبرح الأب شربل يردّد الصلاة التي لم يستطع أن يكملها في القدّاس: "يا أبا الحقّ، هوذا ابنك ذبيحة ترضيك!..." وفي 24 كانون الأوّل 1898، عشيّة عيد الميلاد. مات مار شربل ودفن في مدافن الرهبان في دير مار مارون – عنّايا.

صلاته معنا آمين
 

114

ليست هناك تعليقات: