2014/03/27

الأحد الثالث من زمن الدنح، نيقوديموس الأب جورج صغبيني


الأحد الثالث بعد عيد الدنح



في الأحد الثالث من زمن الدنح، نتأمّل بشخصية نيقوديموس الفرّيسي.

وفي الرسالة إلى أهل غلاطية، يذكّرنا مار بولس بأن المعموديّة تنزع التفرقة من بين الناس بحيث يصبحون جميعاً "أبناء لله بالإيمان... ووارثين بحسب الوعد"، موحّدين في الإنسانيّة التي تسمو على العرق واللغة والجنسية والوطن...

رسالة بولس إلى أهل غلاطية 3/ 23- 29

23 فَقَبْلَ أَنْ يَأْتيَ الإِيْمَان، كُنَّا مُحْتَجَزِينَ مَحبُوسِينَ تَحْتَ الشَّرِيعَة، إِلى أَنْ يُعْلَنَ الإِيْمَانُ الـمُنْتَظَر.

24 إِذًا فَالشَّرِيعَةُ كَانَتْ لَنَا مُؤَدِّبًا يَقُودُنَا إِلى الـمَسِيح، لِكَيْ نُبَرَّرَ بِالإِيْمَان.

25 فَلَمَّا أَتَى الإِيْمَان، لَمْ نَعُدْ تَحْتَ مُؤَدِّب؛

26 لأَنَّكُم جَمِيعًا أَبْنَاءُ اللهِ بَالإِيْمَان، في الـمَسِيحِ يَسُوع.

27 فأَنْتُم جَمِيعَ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُم في الـمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الـمَسِيح.

28 فلا يَهُودِيٌّ بَعْدُ ولا يُونَانِيّ، لا عَبْدٌ ولا حُرّ، لاَ ذَكَرٌ ولا أُنْثَى، فإِنَّكُم جَمِيعًا وَاحِدٌ في الـمَسِيحِ يَسُوع.

29 فَإِنْ كُنْتُم لِلمَسِيح، فأَنْتُم إِذًا نَسْلُ إِبْراهِيم، ووَارِثُونَ بِحَسَبِ الوَعْد.

في نصّ الرسالة، يتوقّف مار بولس أمام سرّ المعموديّة حيث "نلبس المسيح" "الإنسان الجديد".

ونتذكّر صلاة رتبة المعمودية حيث يتوجّه الكاهن إلى المعمّد الجديد بالقول: "ها قد لبستَ الابن المسيح واتّشحت بحلّة المجد التي خلعها آدم".

فالكنيسة "الأمّ والمعلّمة"، عليها كنيقوديموس أن تختار بين الشريعة التقليدية وبين تجدد الروح فيها. وتسلك نهجا جديدا من خلال العرابين والأهل ومرافقة المعمّد لينمو "بالقامة والحكمة والنعمة". في سبيل تحقيق مسيحيّتنا في العائلة والمدرسة ومجتمعنا وكنيستنا.

وفي هذا الأحد الثالث من زمن الدنح، نتأمّل بلقاء نيقوديموس بيسوع.

إنجيل يوحنا الرسول التلميذ الطاهر 3/ 1- 16

1 كانَ إِنْسَانٌ مِنَ الفَرِّيسيِّينَ اسْمُهُ نِيقُودِيْمُوس، رَئِيسٌ لِليَهُود.

2 هـذَا جَاءَ لَيْلاً إِلى يَسُوعَ وقَالَ لَهُ: "رَابِّي، نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ جِئْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنَّهُ لا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يَصْنَعَ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَصْنَعُهَا مَا لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ".

3 أَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُ: "أَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ مَا لَمْ يُولَدْ مِنْ جَدِيد".

4 قَالَ لَهُ نِيقُودِيْمُوس: "كَيْفَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ أَنْ يُولَدَ وهُوَ كَبِيرٌ في السِّنّ؟ هَلْ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ ثَانِيَةً حَشَا أُمِّهِ، ويُولَد؟".

5 أَجَابَ يَسُوع: "أَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ، لا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ مَا لَمْ يُولَدْ مِنَ الـمَاءِ والرُّوح.

6 مَولُودُ الـجَسَدِ جَسَد، ومَوْلُودُ الرُّوحِ رُوح.

7 لا تَعْجَبْ إِنْ قُلْتُ لَكَ: عَلَيْكُمْ أَنْ تُولَدُوا مِنْ جَدِيد.

8 أَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاء، وأَنْتَ تَسْمَعُ صَوتَهَا، لـكِنَّكَ لا تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي ولا إِلى أَيْنَ تَمْضِي: هـكَذَا كُلُّ مَوْلُودٍ مِنَ الرُّوح".

9 أَجَابَ نِيقُودِيْمُوسُ وقَالَ لَهُ: "كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَصِير هـذَا؟".

10 أَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ لَهُ: "أَنْتَ مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ وتَجْهَلُ هـذَا؟

11 أَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: نَحْنُ نَنْطِقُ بِمَا نَعْلَم، ونَشْهَدُ بِمَا رَأَيْنَا، وأَنْتُم لا تَقْبَلُونَ شَهَادَتَنَا.

12 كَلَّمْتُكُم في شُؤُونِ الأَرْضِ ولا تُؤْمِنُون، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِذَا كَلَّمْتُكُم في شُؤُونِ السَّمَاء؟

13 مَا مِنْ أَحَدٍ صَعِدَ إِلى السَّمَاء، إِلاَّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّمَاء، أَي إِبْنُ الإِنْسَان.

14 وكَمَا رَفَعَ مُوسَى الـحَيَّةَ في البَرِّيَّة، كَذـلِكَ يَجِبُ أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَان،

15 لِكَي تَكُونَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ بِهِ حَيَاةٌ أَبَدِيَّة.

16 هـكَذَا أَحَبَّ اللهُ العَالَم، حتَّى إِنَّهُ جَادَ بِابنِهِ الوَحِيد، لِكَي لا يَهْلِكَ أَيُّ مُؤْمِنٍ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّة.

نيقوديموس Nicodemus أو Νικόδημος هو فريسي وعضو في السنهدريم الأعلى، وكان واحداً من رؤساء اليهود، دافع عن يسوع في السنهدريم (يو 7: 50) وبعد موت يسوع على الصليب عمل نيقوديموس على تطييب جسد المسيح بالمرّ، ودفنه (يو 19: 39).

ثم أصبح تلميذاً للرب يسوع ( يو 19: 38 - 42 ) .

إسم نيقوديموس لم يكن شائعا بين اليهود والعهد الجديد لا يُذكر شخصٌ آخر بهذا الاسم. ولكن التلمود اليهودي يقول أن "نيقوديموس بن غوريون" كان أخا ليوسيفوس المؤرخ اليهودي، وكان غنيا جداً وعضوا في السنهدريم في القرن الأول الميلادي، مما جعل البعض يقولون إنه هو نفسه نيقوديموس الذي جاء إلى المسيح ليلا ( يو 3: 1 ).

كان فرّيسيّا، يضع كل رجائه على أنه من نسل إبراهيم، لكن الرب يسوع أوضح له خطأ هذا الرأي، إذ قال له: " المولود من الجسد، جسد هو، والمولود من الروح هو روح " ( يو 3: 6).

وأوضح له الرب يسوع أنه كما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به " ( يو 3: 14 - 21 ). فالحية المرفوعة في البرية كانت لشفاء اليهود من سمّ الأفاعي في الصحراء أمّا يسوع فسيُرفع ليخلص كل من يؤمن به من خطيئة الحيّة الأولى في الجنة.

الكثير من المفسرين، يصفون نيقوديموس بأنه كان شخصاً متردداً يخشى على سمعته وعلى مركزه، ولكنهم كانوا على خطأ في تحليلاتهم، لأنه عندما أراد رؤساء الكهنة والفريسيين أن يلقوا القبض على يسوع قال لهم نيقوديموس وهو واحد منهم، ألعل ناموسنا يدين إنسانا لم يسمع منه أولاً ويعرف ماذا فعل مما جعلهم يقولون له: ألعلك أنت أيضاً من الجليل. أي لعلك أحد تلاميذه ( يو 7: 45 - 52 ).

تقول بعض التقاليد إنه بعد اعترافه بالمسيح، اعتمد من بطرس الرسول، فطُرد من مركزه في السنهدريم، ونُفي من أورشليم، وفقد ثروته بعد أن كان يُعد من أغني أغنياء اليهود في عصره.

نيقوديموس العالم اليهودي يقول: إننا لا يمكننا العودة إلى أحشاء أمهاتنا لنولد من جديد، لكن الولادة الثانية التي شرحها يسوع شبيهة بالمياه التي كانت تغمر الكون حين كان روح الرب يرفّ على المياه. وهذه المياه تغمر الجنين في حشا أمه، لتلده لحياة أرضية فانية نهايتها الموت أما مياه المعمودية فتدخله الحياة الأبدية الباقية.

والمعمودية التي نُعمَّد بها شبيهة بيوم الطوفان فمركب نوح كان لخلاص جسدي، أما جرن المعمودية فيولدنا "ولادة روحية".

ففي ولادتنا الجسدية ورثنا خطيئة آدم وحواء أما في ولادتنا بالمعمودية فتُغفر الخطيئة ونصبح أبناء الله الآب وإخوة ليسوع ومسكناً للروح القدس.

مع إيمان نيقوديموس نجدّد سر معموديتنا. ومثل نيقوديموس، فلنأتي إلى المسيح مخلّص العالم.

وأن نلتحِفَ الليل كي لا يرانا الآخرون، أفضل من أن نتباهى في وضح النهار على أننا اعتمدنا باسم المسيح ولم نلبس المسيح بعد.

لقد نزع نيقوديموس الشيخ اليهودي أفكاره التوراتية ومزّق كتاب موسى وتحرّر من العبوديّة للشريعة القديمة وأراد أن يكون طفلا في مياه معمودية يسوع لينمو من جديد بالنعمة والقامة والحكمة في المسيح.

 

ليست هناك تعليقات: