2012/06/01

رؤساء الجمهورية اللبنانية 4 الأميرفخرالدين الأب جورج صغبيني



أول كيان سياسي للبنان مع الإمارة المعنية 1516- 1633 [1]

 

 الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير 999 –1043 هـ /1590 –1633 م 
وُلد فخر الدين المعني الثاني عام 980هـ/1572م في بعقلين عاصمة الإمارة المعنية آنذاك، من أم تنوخية ذات شخصية فذّة وصيت نبيل هي "الست نسب" شقيقة الأمير سيف الدين التنوخي. وكان والده الأمير قرقماز قد ورث الإمارة عن أبيه الأمير فخر الدين الأول ، فترعرع فخر الدين الثاني مع أخيه يونس في كنف والديه حتى بلغ الثانية عشرة من عمره عام 992هـ/1584م. وبعد موت أبيهما اخفتهما أمهما الست نسب وخالهما الأمير سيف الدين التنوخي في منطقة بلونة عند عائلة الخازن المارونية في جبل لبنان المسيحي بعيدا عن أعين الدولة العثمانية. ولما بلغ فخر الدين الثامنة عشرة من عمره عام 999هـ/1590م، ولاه خاله المذكور إمارة أبيه، فأصبح فخر الدين أميراً للدروز والشوف.[2] ويذكر تشارلز تشرشل، أن الأمير فخر الدين وأخوه الأمير يونس كانا بعد وفاة أبيهما تحت رعاية الشيخ أبو نادر الخازن الماروني، الذي أسندت إليه أمهما العناية بهما لإنقاذهما من أعوان العثمانيين. [3]
قتل العثمانيون الأمير قرقماز المعني حاكم الجبل وبعض الزعماء الدروز مع ستماية رجل درزي من رجالهم، لاتهامهم بسلب أموال السلطنة في جون عكار، سنة  1584، فخشيت أرملته الست نسب التنوخية على ولديها الأميرين فخر الدين ويونس المعنيين وأوكلت أمرهما لمدبرهما الحاج كيوان نعمه الماروني من دير القمر الذي جاء بهما إلى بلونه واختار إخفاءهما لدى أبو صقر إبراهيم الخازن، ابن سركيس الخازن، كون الست صفية زوجة الشيخ أبو صقر هي ابنة فارس الجميّل من بكفيّا ونسيبة والدته من آل الجميّل. فأبدل الخازني إسميهما تستـّرًا باسمي فخر ويونان وأبقاهما في عهدته إلى أن بلغا، فاستعادتهما والدتهما الست نسب سنة 1590 وانتقلت بهما إلى عبيه عند شقيقها الأمير سيف الدين التنوخي الذي ولاّه وزير الشام حاكمية الشوف خلفًا للأمير قرقماس. فجمع الأمير سيف الدين أكابر البلاد وأعيانها في سهل السمقانية وبايعوا فخر الدين إمارة الشوف.
وفي هذه السنة 1590 توفي الأمير محمد عساف وانتهى معه حكم الأمراء آل عساف التركمان على منطقة كسروان، فاستدعى فخر الدين أبا صقر إبراهيم وأخاه أبا صافي رباح الخازنيين إلى دير القمر وجعل الأول مدبّرًا لأموره والثاني دهقانًا على أملاكه وقائدًا لجيشه مكافأة لهما، ثم رفعهما إلى مصاف المشايخ بمخاطبتهما في رسائله بعبارة "الأخ العزيز" وأوكلهما على مقاطعة كسروان.
 سنة 1600 توفي الشيخ أبو صقر إبراهيم عن أربعة ذكور أشهرهم الشيخ أبو نادر الخازن الذي حلّ مكان أبيه إلى جانب الأمير فخر الدين. وسنة 1612 ذهب الأمير المعني إلى توسكانا وأوكل تدبير الحكم إلى أخيه يونس الذي أبقى الشيخ أبو نادر في المدبّرية وفي ولايته على كسروان، ثم فوّض إليه سنة 1615 أمر بلاد بشارة.
عاد الأمير فخرالدين سنة 1617 من إيطاليا وعلم بأمانة وخدمات الشيخ الخازني فجدد له لقب المشيخة ومنحها لذريته من بعده، كما وهبه سنة 1619 كامل مقاطعة كسروان من نهر الجعماني(**) لغاية جسر المعاملتين، فانتقل أبو نادر مع عائلته من بلونة وسكنوا عجلتون، وفي السنة التالية ولاّه على جبة بشري وكانت تضم أيضًا بلاد البترون والمرقب، أي عكار وما يجاورها في سوريا. في العام 1633 حمل كجك باشا على فخرالدين بقصد اعتقاله ففر من أمامه مع عائلته ومقربين منه، وكان إلى جانبه أبو نادر الخازن الذي لم يشأ أن يتركه في بلواه فكان رفيقه في مغارة تيرون قرب نيحا ثم في مغارة الشالوف في جزين ورفيق القيد معه في قلعة دمشق، وهناك أطلق سراح أبو نادر واقتيد فخر الدين إلى اسطمبول وواجه مصيره المحتوم خنقًا سنة 1635. ثم جرت ملاحقة مناصريه ومنهم آل الخازن الذين تشتتوا بين توسكانا والداخل إلى أن أعادهم سنة 1637 الأمير ملحم ابن الأمير يونس شقيق فخرالدين وأحلّهم أعزاء في مقاطعتهم كسروان. كانت كسروان حتى ذلك التاريخ مأهولة بالمسلمين ومعظمهم من المتاولة والتركمان، فعمد المشايخ آل الخازن إلى شراء الأراضي منهم واستقدموا الموارنة من جبة بشري وجبة المنيطرة وأحلّوهم في كسروان.
سنة 1600 توفي الشيخ أبو صقر إبراهيم عن أربعة ذكور أشهرهم الشيخ أبو نادر الخازن الذي حلّ مكان أبيه إلى جانب الأمير فخرالدين. وسنة 1612 ذهب الأمير المعني إلى توسكانا وأوكل تدبير الحكم إلى أخيه يونس الذي أبقى الشيخ أبو نادر في المدبّرية وفي ولايته على كسروان، ثم فوّض إليه سنة 1615 أمر بلاد بشارة.
عاد الأمير فخرالدين سنة 1617 من إيطاليا وعلم بأمانة وخدمات الشيخ الخازني فجدد له لقب المشيخة ومنحها لذريته من بعده، كما وهبه سنة 1619 كامل مقاطعة كسروان من نهر الجعماني(**) لغاية جسر المعاملتين، فانتقل أبو نادر مع عائلته من بلونة وسكنوا عجلتون، وفي السنة التالية ولاّه على جبة بشري وكانت تضم أيضًا بلاد البترون والمرقب، أي عكار وما يجاورها في سوريا. في العام 1633 حمل كجك باشا على فخر الدين بقصد اعتقاله ففر من أمامه مع عائلته ومقربين منه، وكان إلى جانبه أبو نادر الخازن الذي لم يشأ أن يتركه في بلواه فكان رفيقه في مغارة تيرون قرب نيحا ثم في مغارة الشالوف في جزين ورفيق القيد معه في قلعة دمشق، وهناك أطلق سراح أبو نادر واقتيد فخر الدين إلى اسطمبول وواجه مصيره المحتوم خنقًا سنة 1635. ثم جرت ملاحقة مناصريه ومنهم آل الخازن الذين تشتتوا بين توسكانا والداخل إلى أن أعادهم سنة 1637 الأمير ملحم ابن الأمير يونس شقيق فخر الدين وأحلّهم أعزاء في مقاطعتهم كسروان. كانت كسروان حتى ذلك التاريخ مأهولة بالمسلمين ومعظمهم من المتاولة والتركمان، فعمد المشايخ آل الخازن إلى شراء الأراضي منهم واستقدموا الموارنة من جبة بشري وجبة المنيطرة وأحلّوهم في كسروان.
منذ توطيد العلاقة الموارنة ـ الدرزية بدأت تتبلور فكرة لبنان الحديث المبني على المصالح المشتركة وعلى القبول بالآخر مع كلّ ما في لبنان من فروقات دينية واجتماعية. وقد بقي هذا العيش المشترك مزدهراً طيلة عهد الإمارتين المعنية والشهابية إلى حين عودة السيطرة المصرية مع إبراهيم باشا من جديد على لبنان والسعي للإستيلاء على سوريا والتحرّر من المظلّة العثمانية بغية محاولة إعادة حلم الخلافة الإسلامية على يد محمد علي والي مصر. لكن الدول الأوروبية منعت عودة وحدة المسلمين تحت مظلة الخلافة فقضت على محاولة محمد علي وفكّكت فيما بعد الأمبراطورية العثمانية الإسلامية إلى دول عربية مستقلـّة.

موقعة عنجر عام 1033هـ/1623 م. [4]
 نسخة عن لوحة معركة عنجر، أهدتها فرنسا في ستينات القرن العشرين لوزارة الدفاع اللبنانية

كتب الدكتور أسامة محمد أبو نحل: "إن مصلحة السلطان العثماني سليم الأول اقتضت بعد استيلائه على دمشق الاعتراف بزعامة الأمراء اللبنانيين مثل الأمير فخر الدين المعني حاكم جبل الشوف (لبنان)، بعد اشتراكه إلى جانب العثمانيين في موقعة مرج دابق عام 922 هـ/1516 م،[5]  وجعله حاكماً على لبنان من يافا إلى طرابلس. [6]
ومهما يكن من أمر، يجب أن نضع نصب أعيننا حقيقة لا يمكن تجاهلها، مفادها أن الطائفة الدرزية في لبنان كانت تتمتع بحس سياسي يتسم بالذكاء المطلق نتيجة لتواجدها في منطقة تتقاطع فيها الانتماءات المذهبية والسياسية، فلبنان على صغر مساحته، يضم بين دفتيه العديد من المذاهب الدينية المختلفة، وكان الدروز تائهين بين الاستقلالية الدينية وانتمائهم الإسلامي.
هذا الحس السياسي، جعل من الدروزـ إن جاز التعبيرـ أساتذة في المكيافيللية (الانتهازية) على مدار تاريخهم حتى قبل ظهور ساسة البندقية بزمن طويل، [7] وفي حالة الأمير فخر الدين الأول يؤكد حيدر الشهابي صحة هذا الوصف، بأنه لم يشارك منذ الوهلة الأولى في موقعة مرج دابق، بل آثر البقاء على الحياد بين الطرفين المتحاربين (أي العثمانيين والمماليك) حتى يرى لمن ستكون الغلبة، ثم يدخل القتال إلى جانب الطرف المنتصر، [8] ليبدو في مظهر المسعف له، وبالتالي يحصل على ثمن مساعدته له.
ويقول عادل إسماعيل؛ أنه كان لدى سليم الأول من الحكمة ما جعله يوافق على أن يحكم الدروز أمراء منهم، فأعطى فخر الدين الأول إمارة الشوف التي بقيت خاضعة لنفوذ المعنيين حتى القرن السابع عشر. [9] والحقيقة أن الحكمة التي دفعت السلطان سليم ومن خلفه من سلاطين العثمانيين لجعل حكام لبنان يحكمون مناطقهم، لا يعود في المقام الأول لضعف السلطة العثمانية في توطيد نفوذها في لبنان بقدر ما يعود إلى خشيتها من التورط في المستنقع اللبناني الآسن المليء بالتناقضات المذهبية والسياسية، لذا وجد السلطان سليم نفسه في غنى عن هذا التورط الذي قد يبذل من أجله خسائر جسيمة قد تؤثر على موقف دولته في أوروبا.
ويستطرد عادل إسماعيل في القول: "بينما أعطيت بقية المقاطعات السورية واللبنانية في هذا العهد إلى حكام أجانب". [10] لكن هذا القول تعوزه الدقة فيما يخص لبنان وفلسطين باستثناء مناطق سورية الشمالية، فمن المعلوم أن وادي التيم اللبناني كانت تحكمه الأسرة الشهابية، والبقاع يحكمه آل حرفوش الشيعة، وجبل عامل كان يحكمه عدة أسر إقطاعية شيعية. وفي فلسطين كانت الأسر الإقطاعية هي من تتولى إدارة زمامها، وإن كانت مؤيدة ومحالفة للسلطة العثمانية.
ويؤكد البعض صحة هذا الطرح، بأنه لم يقع تحت سلطة الحكم العثماني المباشر سوى القليل من مدن الشام وضواحيها، حيث ظل الكثير من المناطق خاصة المناطق الجبلية تحت حكم أمرائها وشيوخها المتوارثين، الذين كانوا كالسابق يعقدون الكونفدراليات فيما بينهم، ويقومون بالحملات مع قواتهم، ويخوضون الحروب ضد بعضهم البعض، كما أن لبنان كان في بداية العهد العثماني لبلاد الشام بمثابة إمارة ذات استقلال ذاتي تحت سيطرة الأسرة المعنية. [11]
وكما الحال مع أمراء لبنان، فان النهج نفسه اتبعه السلطان سليم الأول مع الزعامات المحلية في فلسطين وهي ذات مرتكزات بدوية وإقطاعية، وقد وازنت السلطات العثمانية فيما بين هذه الزعامات واستغلتها كأدوات في الحكم، وفي تصريف الشؤون الإدارية المحلية، وكانت فلسطين تتبع إدارياً ولاية دمشق، وقسمت إلي خمسة سناجق أو ألوية هي: القدس وغزة وصفد ونابلس واللجون، إضافة إلى سنجقي عجلون والكرك مع الشوبك في شرقي الأردن. [12]
واللافت للنظر، أن العثمانيين قسّموا فلسطين وحدها على صغر مساحتها إلى خمسة سناجق، بينما بقية ولاية الشام كانت تضم على اتساعها أربعة سناجق فقط، وهذا يعود لأهمية موقع فلسطين وحيويته؛ فهي تربط دمشق بمصر والحجاز، أي أنها محور الطرق الرئيسية وعصبها، فقرب فلسطين من الطريق السلطاني الذي كانت تستخدمه قافلة الحج الشامي المتجهة من دمشق إلي الحجاز، زاد من أهميتها الأمنية بالنسبة لهذه القافلة؛ لأن عدداً من القبائل الموجودة فيها أو القريبة منها كان يهدد طريق الحج، وكانت هذه القافلة عندما تشعر بخطر تلك القبائل في طريق العودة من الحجاز، تضطر لتحويل طريقها السلطاني إلى غزة، حيث الطريق التجاري بين مصر ودمشق وهو أكثر أمناً، وهو الطريق الذي أصطلح على تسميته"بالطريق الغزاوي". [13]
ولتحقيق الأمن في فلسطين، حرص العثمانيون على الإكثار من ألويتها، نظراً لكثرة الزعماء المحليين فيها، وهم بمعظمهم من أصول بدوية وبعضهم من بقايا المماليك، وكان من شأن هذه الألوية إحكام الرقابة على هؤلاء الزعماء، أو تقريبهم من السلطة بتعيينهم حكاما عليها، ومن أشهر الزعماء المحليين الذين استقطبهم العثمانيون، طراباي (طربيه) بن قراجا، أحد زعماء نابلس الذي عيّنوه أميراً على منطقة اللجون، وكان استقطاب هؤلاء الزعماء من عوامل الاستقرار البارزة في فلسطين في بداية العهد العثماني، نظراً لخبراتهم بطبيعة المنطقة وظروف سكانها، وتمتعهم بأفضل الأساليب الإدارية الملائمة لطبيعة هؤلاء السكان. [14]
بقي أن نشير إلى مسألة غاية في الأهمية، هي أن الإقطاع في لبنان اختلف عن بقية المناطق السورية الأخرى، إذ كان في الغالب ذا طابع طائفي، حيث كان فيها أرسخ جذوراً أقوى من الإقطاع الحكومي. [15]

فخر الدين الثاني  وقيام الإمارة المعنية
سبق التنويه إلى أن السلطان سليم كان قد أقر الأمير فخر الدين الأول على حكم جبل لبنان وسماه "سلطان البر"؛ لكن الأخير حاول الاستقلال بالجبل، فقتله العثمانيون سنة 951 هـ/1544م، ودفنوا معه طموحاته، لكنهم لم يقضوا على النفوذ القبلي والطائفي للمعنيين، وخلف الأمير قرقماز والده في الحكم؛ لكنه لم يستوعب الدرس الذي مرّ به والده، وحاول بدوره أن يحقق طموحاً سياسياً إقليمياً في بعض نواحي الشام وفلسطين، فدفع هو الآخر حياته ثمناً لمغامرته عام 993هـ/1585م، في إحدى مغاور جزّين في سفوح جبل الشوف. [16]
تولى فخر الدين الثاني مقاليد الحكم في جبل لبنان عام 999 هـ/1590 م، وكان عمره وقتذاك ثمانية عشر عاما، [17] وبذلك فتحت صفحة جديدة من تاريخ لبنان الحديث، فقد اتصف فخر الدين بأنه سياسي ماهر، بارع في حبك الدسائس، كما كانت له عيون في الآستانة وفي قصور الباشوات ودور الأتباع، وبذر الشقاق في صفوف أعدائه، ولإرضاء السلطان العثماني عنه، قام بدفع أموال ضخمة لخزينة الدولة، وتقاسم معه الغنائم الحربية.  [18]
ولم يتوان فخر الدين بعد ذلك في إعادة بناء موقع أسرته في الشوف بثبات، ومن ثمّ تمكن من الحصول على قيادة لا ينازعه فيها أحد على كامل جبل لبنان والمقاطعات المجاورة، وإتباعاً لسياسته الحكيمة، فقد اتخذ من الأسرة الشهابية حكام وادي التيم حلفاء مخلصين له.
وقبل التطرق إلى كيفية تمكن فخر الدين من إقامة إمارة معنية مترامية الأطراف، نجد لزاماً علينا بسط الخريطة السياسية اللبنانية والفلسطينية بما عليها من قوى محلية متصارعة وتكتّلات متحالفة، لنعرف المدى الذي نجح من خلاله في إقامة تلك الإمارة. ففي منطقة بعلبك وسهل البقاع اللبناني، كان آل حرفوش الشيعة (1000-1282هـ= 1591ـ1865م) يتمتعون بشبه استقلال سياسي في مقاطعاتهم. ولم يقتصر نفوذ الحرافشة على البقاع، بل كثيراً ما كانوا يتدخلون في شؤون المقاطعات المجاورة لهم، [19] وفي جبل عامل بيوتات إقطاعية شيعية أيضاً كبني صعب في مقاطعة الشقيف، وبني منكر في مقاطعة الشومر، وبني علي الصغير في بلاد بشارة، حيث تمتعوا هم الآخرون بحكم ذاتي تحت قيادة شيوخهم.[20]
وفي شمال لبنان كان آل سيفا ذوو الأصل الكردي يحكمون في طرابلس، وأشهر حكامها يوسف باشا سيفا الذي عينته الدولة العثمانية والياً على طرابلس عام 987 هـ/1579 م، واشتهر بعدائه الشديد لفخر الدين الثاني، فقد كان لعدائهما الشخصي مدلول حزبي؛ فآل سيفا كانوا من اليمنية، [21] بينما آل معن من القيسية رغم أنهم كانوا في الأصل يمنيين، ويبدو أن السبب الذي دعا المعنيين للتخلي عن الحزب اليمني والتحالف مع الحزب القيسي، يعود لخلاف حصل بين فخر الدين الأول والأمير جمال الدين الإرسلاني، وكلاهما من اليمنية بسبب التنازع على حكم الشوف والغرب وغير ذلك من الأمور، فانحاز فخر الدين الأول إلى القيسية ومعه كامل أسرته ومن خلفه منها في الحكم بعده.[22]  وتمكن فخر الدين من الحصول على أول نصر له على يوسف باشا سيفا في موقعة نهر الكلب عام 1007 هـ/1598 م، غير  أنه لم ينجح في تملّك الإقليم الشمالي لأكثر من سنة؛ لأن العثمانيين كانوا يدعمون يوسف باشا دعماً معنوياً. [23]
ومهما يكن من أمر، فثمة أسباب عدة دعت فخر الدين فور توليه مقاليد السلطة للنظر إلى أبعد من إمكانياته المتاحة لديه ولأسرته منها: طموحه بإقامة لبنان على نطاق أوسع، وبالتالي قطع أخر صلة له بالدولة العثمانية.

تطور وازدهار الإمارة [24]
إن علاقته المتميزة مع المسيحيين، خاصة الموارنة منهم، جذبته إليهم ليس فقط بسبب قيانه في كنفهم في فترة فتوّته لكنه شعر بعدم ارتياح الموارنة لسياسة آل سيفا بسبب ميل هؤلاء للسلطنة العثمانية. وكان ذلك حافزاً له ليتقرّب منهم من أجل تحقيق مطامحه في التوسع.
فتجاوزات آل سيفا وانتقاصهم من حقوق أسرته بالاعتداء على ممتلكاتها وامتيازاتها.
وطموحه بتحقيق أمجاد جده فخر الدين الأول التي لم يستطع استكمالها بسبب مقتله. [25]
وإنتقما للغدر الذي لحق بوالده الأمير قرقماز من وشاية آل سيفا لدى السلطنة العثمانية. عرف الأمير المعني أن يستغلّ الضعف والترهل الذي بدأ يظهر في الدولة العثمانية بعد أن احتكر الإنكشاريون القيادة العسكرية وتم السماح لغيرهم بالانخراط في سلك الإنكشارية.[26] مما حدا بفخر الدين للاندفاع بخطى حثيثة نحو الميدان السياسي الذي شغف به، فأظهر مقدرة فائقة في تسيير دفة الحكم متبعا منهجا يرضي طموحه. فاستخدم فخر الدين الثاني وسائل: التزاوج والرشوة وإقامة التحالفات والقتال وتحريض الأهالي بالتمرد على موظفي الدولة العثمانية وآل سيفا لتحقيق طموحاته.[27]  فنجحت مخططاته واستهل حكمه على جبل لبنان حين تسلّم من السلطان العثماني سنجقي بيروت وصيدا. وبدأ طموحه السياسي يتّقد في توسيع رقعة إمارته، فساعد العثمانيين في القضاء على عدوهما الأمير منصور بن الفريخ حاكم البقاع ونابلس وصفد وعجلون بعدما خشيت السلطات العثمانية، خاصة والي دمشق مراد باشا، من ازدياد قوته ونفوذه، فتم قتله في 13 ربيع الأول 1002هـ/ 7 كانون الأول/ ديسمبر 1593م. وحمل فخر الدين على جاره ووالد زوجته، يوسف باشا سيفا، وبعد معارك عدة، أشهرها موقعة نهر الكلب عام 1007هـ/1598م، تمكن من السيطرة على شمال لبنان، ولم يلبث أن خضع له بنو حرفوش في بعلبك، وزعماء البدو في البقاع والمنطقة الجنوبية حتى الجليل، مستغلاً فترة انشغال السلطان بقتال المجريين في أوروبا والصفويين في بلاد فارس.[28]
إن العثمانيين لم يتخذوا موقفاً معاديا من فخر الدين بعد معركته مع يوسف باشا حليفهم الرئيسي في لبنان، إلا أنهم سرعان ما انقلبوا عليه بعد تحالفه مع علي باشا جانبولاد (جنبلاط) [29] أحد أفراد الأسرة الكردية الحاكمة في كِلّس والذي كان قد اغتصب السلطة في حلب عام 1015هـ/1606م، وكان علي باشا هذا مناوئاً ليوسف باشا سيفا منافس فخر الدين، لذلك عندما هُزم ابن جنبلاط من العثمانيين آثر فخر الدين إيجاد تسوية عاجلة معهم، غير أن الوقت كان قد أدركه، فالخصومة المحلية بين آل معن وآل سيفا كانت قد كلفت فخر الدين توريط نفسه في الاشتراك في تواطؤ خطير مع المتمردين على الحكم العثماني، الأمر الذي سيكلفه فيا بعد فقدان إمارته لبعض الوقت. [30]
لم يتوان فخر الدين عن تثبيت موقعه في الشوف، ومن ثمّ تمكن من الوصول إلى قيادة لا ينازعه فيها أحد على كامل جبل لبنان والمقاطعات المجاورة، لأنه إتبع سياسة حكيمة، فقد اتخذ من الأسرة الشهابية حكام وادي التيم حلفاء مخلصين له. فتمكن بذلك من إقامة إمارة معنية مترامية الأطراف. وفي منطقة بعلبك وسهل البقاع، كان آل حرفوش الشيعة (1000-1282هـ/1591ـ1865م) يتمتعون بشبه استقلال سياسي في مقاطعاتهم. ولم يقتصر نفوذ الحرافشة على البقاع، بل كثيراً ما كانوا يتدخلون في شؤون المقاطعات المجاورة لهم، وفي جبل عامل بيوتات إقطاعية شيعية أيضاً كبني صعب في مقاطعة الشقيف، وبني منكر في مقاطعة الشومر، وبني علي الصغير في بلاد بشارة، حيث تمتعوا هم الآخرون بحكم ذاتي تحت قيادة شيوخهم. وفي شمال لبنان كان آل سيفا "الكرديو الأصل" يحكمون في طرابلس، وأشهر حكامهم يوسف باشا سيفا الذي عينته الدولة العثمانية والياً على طرابلس عام 987 هـ/1579 م، الذي اشتهر بعدائه لفخر الدين الثاني، فقد كان لعدائهما الشخصي مدلول حزبي؛ فآل سيفا كانوا من اليمنية، بينما آل معن من القيسية رغم أنهم كانوا في الأصل يمنيين، ويبدو أن السبب الذي دعا المعنيين للتخلي عن الحزب اليمني والتحالف مع الحزب القيسي، يعود لخلاف حصل بين فخر الدين الأول والأمير جمال الدين الإرسلاني، وكلاهما من اليمنية بسبب التنازع على حكم الشوف والغرب، فانحاز فخر الدين الأول إلى القيسية ومعه كامل أسرته ومن خلفه منها في الحكم بعده.  
تمكّن فخر الدين من الحصول على أول نصر له على يوسف باشا سيفا في موقعة نهر الكلب عام 1007هـ/1598م، غير  أنه لم ينجح في السيطرة على الإقليم الشمالي لأكثر من سنة؛ لأن العثمانيين كانوا يدعمون يوسف باشا دعماً معنوياً وعسكريا. 
واستفاد فخر الدين من علاقته المتميزة مع المسيحيين، خاصة الموارنة منهم الذين تربى في كنفهم كما من الدروز الذين حلموا على يده أن يكون لهم إمارة مستقلة عن الدولة العثمانية تجمع شتاتهم بين لبنان وسوريا وفلسطين. فضلا عن شغفه بالسياسة لتحقيق حلمه وأمجاد جده فخر الدين الأول وأبيه قرقماز. 
سرعان ما استطاع فخر الدين الشاب أن يحكم بنفسه، فأظهر مقدرة فائقة في تسيير دفة الحكم مستلهماً السياسة التي اتبعها بعدما وجدها ترضي طموحه. فاستخدم الوسائل التقليدية لتحقيق طموحاته منها: التزاوج وإقامة التحالفات ودعوة الأهالي للتمرد على موظفي الدولة العثمانية وعلى آل سيفا أعدائه عملاء الدولة العثمانية. فكان ذلك حافزاً له يعطيه القدرة على تحقيق مطامحه في التوسع، إنطلاقا من جبل لبنان، جنوبا وشمالا وشرقا.
وبعد أن بدأ فخر الدين الثاني حكمه على جبل لبنان تسلّم من السلطان العثماني سنجقي بيروت وصيدا. وازداد طموحه السياسي في توسيع رقعة إمارته، فساعد العثمانيين في القضاء على عدوه الأمير منصور بن الفريخ حاكم البقاع ونابلس وصفد وعجلون بعدما خشيت السلطات العثمانية، خاصة والي دمشق مراد باشا، من ازدياد قوة الأمير منصور ونفوذه، فتم قتله في 13ربيع الأول 1002هـ /7كانون الأول (ديسمبر) 1593م. [31]
كما حمل فخر الدين على جاره ووالد زوجته، يوسف باشا سيفا، وبعد معارك عدة أشهرها موقعة نهر الكلب عام 1007هـ/1598م، تمكن من السيطرة على شمال لبنان، ولم يلبث أن خضع له بنو حرفوش في بعلبك، وزعماء البدو في البقاع وفي المنطقة الجنوبية حتى الجليل، مستغلاً فترة انشغال السلطان أحمد بقتال المجريين في أوروبا والصفويين في بلاد فارس. 
ورغم أن العثمانيين لم يتخذوا موقفاً من فخر الدين بعد اعتدائه على يوسف باشا حليفهم الرئيسي في لبنان، إلا أنهم سرعان ما انقلبوا عليه بعد تحالفه مع علي باشا جانبولاد (جنبلاط)   أحد أفراد الأسرة الكردية الحاكمة في كِلّس والذي كان قد اغتصب السلطة في حلب عام 1015هـ/1606م، وكان علي باشا هذا مناوئاً ليوسف باشا سيفا منافس فخر الدين، لذلك عندما هُزم إبن جنبلاط من العثمانيين آثر فخر الدين إيجاد تسوية عاجلة مع العثمانيين، غير أن الوقت كان قد أدركه، فالخصومة المحلية بين آل معن وآل سيفا كانت قد كلفت فخر الدين توريط نفسه في الاشتراك في تواطؤ خطير مع المتمردين على الحكم العثماني، الأمر الذي سيكلفه فيا بعد هربه إلى أوروبا وفقدان إمارته لبعض الوقت. 

الصراع القيسي اليمني
إن المخطط التوسعي الذي وضعه الأمير فخر الدين من خلال الصراع القيسي ـ اليمني الذي اشتعلت ناره والذي شمل مساحة واسعة من لبنان وفلسطين، لسيادة النظام القبلي فيهما.
وإن أبرز السمات التي ميّزت المجتمع في المقاطعات اللبنانية في العهد المعني، هي انقسام هذا المجتمع انقساماً حزبياً لا طائفياً، بحيث يلتقي في الحزب القيسي كما في الحزب اليمني أُسر ورجال من جميع الطوائف دون خلفيات طائفية أو حسابات مذهبية، فكان الحزب الواحد يضم أتباعاً من مذاهب مختلفة، كالسنّة والمتاولة (الشيعة) والموارنة المسيحيين والدروز [32]، وفي الوقت نفسه كان الحزب الآخر يضم أيضاً أتباعًا من المذاهب ذاتها، وخلاصة الأمر أن ولاء الفرد كان للحزب الذي ينضم إليه، وليس للمذهب الديني الذي ينتمي إليه.
أما في فلسطين ونظراً لعدم وجود اختلافات مذهبية عميقة كشأن لبنان، ونظراً لديانة معظم القبائل العربية فيها بالإسلام، خاصة المذهب السنّي، فقد كان الانقسام فيها إلى حزبين اثنين أيضاً وتحت ذات المسمى، القيسي واليمني؛ ولكن على أساس الأصول والفروع الأولى لتلك القبائل.
استطاع الأمير فخر الدين والمعنيون إلى تثبيت نفوذه في لبنان وكانت إمارة الحج الشامي تنتقل بين هؤلاء الأمراء المحليين، حسب قوتهم ورضى الدولة عنهم، ولكن فيما بعد تعرض هؤلاء الأمراء لضغط فخر الدين وقتاله لهم، بعد أن ازدادت قوته وترسّخ نفوذه، وكان ضغطه يخف عنهم عندما ينشغل بالقتال مع الولاة العثمانيين أو آل سيفا [33].
غير أن هؤلاء الحكام لم يكونوا على قدر من القوة الكافية لبسط نفوذهم على مساحات من الأرض، كما كانت سلطاتهم غير ثابتة ومعرضة للتغيير والتبديل من جهة سياسة الباب العالي، وبما أن جبل لبنان وجنوبه كان يرضخ لنفوذ الأسرة المعنية التي تميّزت بطموحها السياسي الإقليمي على زمن فخر الدين الثاني؛ فإنه من الطبيعي أن تتعرض فلسطين لتجاذب القوى المحلية والإقليمية، وأن تترك الأسرة المعنية آثارها السياسية على مساحات واسعة من أراضيها، وبخاصة في المناطق الساحلية والشمالية [34].
ويعزو البعض السبب الذي دعا المعنيين بزعامة فخر الدين للاهتمام بمنطقة شمال فلسطين، إلى وجود عدد من الروابط الاجتماعية والقبلية والطائفية بين المعنيين وبعض الأسر الدرزية الفلسطينية التي تقطن صفد وبعض نواحي الجليل، حيث كان لهذه الروابط دورها وأثرها الخاص في صياغة الطموح المعني في فلسطين؛ وبالتالي في تشكيل طبيعة العلاقة السياسية التي ربطت بينهم.
إن زعامة المعنيين في لبنان الشمالي لمنطقته الدرزية حماها من الموارنة الذين سلـمهم تنظيم وإدارة إمارته وحماها من الجنوب من أبناء دينه الموحدين وأتمن بالبحر من الغرف ففتح جبهاته العسكرية ناحية البقاع ليتوسع شمالا وجنوبا بحسب ضعف الأمراء جيرانه وإغراءته التي يقدمها للدولة العثمانية.
رسّخ فخر الدين موقعه السياسي وعمد إلى تكوين جيشٍ خاصٍ من السكّبان [35] المرتزقة، إضافة إلى أتباعه من الدروز والموارنة، وحصّن القلاع في منطقته، وأجرى اتصالات مع آل مديتشي Midici حكّام دوقية توسكانا Tuscany في فلورنسا [36] الإيطالية للحصول منهم على مساعدات عسكرية، إضافة إلى تنشيط التبادل التجاري بين إمارته معهم، خاصة تجارة الحرير، التي كانت مزدهرة في منطقة الشوف [37].
كان هدف سياسة فخر الدين توسيع نفوذه إلى ما وراء جبل لبنان ليشمل حوران في سوريا ونابلس وعجلون في فلسطين وشرقي نهر الأردن، وكانت هذه المناطق شأنها شأن لبنان نفسه تسكنها أقوام متمردة وعليها ولاة عثمانيون ضعاف  [38].
نجح فخر الدين في استرضاء الباب العالي وانتزع ببراعته وحنكته السياسية فرماناً سلطانياً عام 1012هـ/1603م يقضي بتوليه على كل لبنان، وعلى الأجزاء الشمالية من فلسطين وتملكه على بلاد صفد، في مقابل تعهده للباب العالي بتقديم المستحقات المالية المترتبة عليه، بالإضافة إلى وعده للسلطان العثماني بمقاسمته في كل ما يحصل عليه من أموالٍ وغنائمٍ في حروبه المقبلة [39].
تبدلت الأحوال وتوترت العلاقات بين فخر الدين والدولة العثمانية بعد صلحها مع النمسا عام 1015هـ/1606م، وقضائها على تمرد علي باشا جنبلاط ـ الذي كان متحالفاً مع فخر الدين ـ في شمال سوريا، فكلّفت ولاة دمشق بالتصدي له خوفاً من استشراء نفوذه، وتهديده للطرق الرئيسية، وخشية الدولة من طعنه لها في الخلف في أثناء انشغالها في حروب الصفويين [40].
وما أن مدّ فخر الدين نفوذه على سناجق صيدا وبيروت وغزير. عيّن الباب العالي أحمد باشا الحافظ والياً على دمشق عام 1018هـ/1609م ، الذي جعل كل همّه مقاومة فخر الدين، وقد بدأ أحمد باشا عهده بإثارة الأمراء المحليين المعادين لفخر الدين ضده [41]. وعمد أحمد باشا الحافظ إلى تشجيع آل سيفا حكّام طرابلس وأثار الاضطرابات على فخر الدين في منطقتي البقاع وعجلون الخاضعتين لسيطرته ونفوذه، وحاول القضاء على حلفاء فخر الدين، الأمير يونس الحرفوش حاكم بعلبك والأمير أحمد الشهابي حاكم وادي التيم، لكنه فشل في مسعاه بعدما أرسل فخر الدين النجدة لهما.
وجرّد الأمير فخر الدين حملة عسكرية جعل قيادتها لولده الأمير علي ذو الخمسة عشر عاما ً، فتمكن من إلحاق الهزيمة بفرّوخ وعرب السرديّة في المزيريب بأرض حوران في غرة ربيع الثاني 1022هـ /1613م، ونجح الأمير علي وأعوانه من دخول عين جالوت في بلاد عجلون، فأعاد الأمير حمدان بن قانصوه إلى عمله السابق في سنجقية عجلون. 
فأصدرت السلطات العثمانية الأوامر لأحمد باشا الحافظ بالزحف على فخر الدين، وانضم إليه الأمراء المحليون كالأمير فرّوخ، والأمير أحمد بن طراباي، وآل سيفا، ومدّه السلطان بقواتٍ من حلب والأناضول، كما أُرسلت مجموعة من السفن الحربية إلى الساحل اللبناني.
ولما رأى فخر الدين أن لا طاقة له بالتصدّي لقوة والي الشام، ورأى شدة حصاره لقلعة الشقيف في جنوب لبنان المحصنة، وإلى إرساله قوات أخرى ضد معقل فخر الدين في الشوف، إضافة إلى تيقّن الأخير من عجز حلفائه وعدم اكتراثهم به وبمصيره، عند ذاك اضطر إلى التوجه إلى صيدا، ومنها سافر بحراً إلى ليغورن  Leghorn  أحد مرافئ دوقية توسكانا الإيطالية في غرة شعبان 1022هـ /أيلول (سبتمبر) 1613م، حيث ظل فيها مدة خمسة أعوام عند أصدقائه آل مديتشي. فخلفه ابنه الأمير علي في إمارة الشوف بمساعدة عمه الأمير يونس المعني، وبهذا التصرف أنقذ فخر الدين الإمارة المعنية من الانهيار لتبقى تحت تصرف عائلته. 
ولّت الدولة العثمانية "بستانجي حسن باشا" على صفد، بالإضافة إلى صيدا وبيروت وغزير في جمادى الأول 1023هـ/1614م، كما حاولت الدولة في العام نفسه إجراء تنظيم إداري جديد في ولاية دمشق، فاقتطعت ناحيتي صيدا وبيروت ولواء صفد وشكّلت منهم ولاية جديدة عُرفت باسم "ولاية صيدا"، لكن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح، فصرفت الدولة العثمانية النظر عنها وأعادت الولاية الجديدة إلى ما كانت عليه في السابق من حيث تبعيتها لولاية دمشق. 
إن ابتعاد فخر الدين المؤقت عن الساحة اللبنانية لم يؤدِ إلى انتصار أعدائه، فقد واصل الأمير علي بن فخر الدين سياسة والده التوسعية لاستعادة ما تم فقدانه، وانتهز فرصة تعيين والٍ جديد على دمشق نشانجي أحمد باشا عام 1027هـ/1617م، فطلب منه سنجقية صفد كما كانت قبل سفر والده إلى أوروبا، فصدر فرماناً سلطانياً بتقرير سنجق صفد وصيدا وبيروت وغزير للأمير علي [42].
وخلال الفترة التي أمضاها فخر الدين في أوروبا، كان الوضع في الدولة العثمانية قد بدأ يتغيّر لصالحه، فعدوه اللدود نصوح باشا عُزل عن الصدارة العظمى، وأحمد باشا الحافظ والي دمشق ترك منصبه، والدولة نفسها منهمكة في حروبها مع الصفويين، وبوساطة مستشاره والأمير يونس الحرفوش أمير البقاع حصل من الدولة العثمانية على عفو، وعاد إلى لبنان عام 1027هـ /1618م  [43].
 بدأ فخر الدين إثر عودته من أوروبا بتوطيد سلطته من جديد، فاهتم بتطوير اقتصاديات بلاده، خاصة في مجال الزراعة، واستخدم عائدات الجمارك في بيروت وصيدا لتمويل جيشه [44]، وعمد بعض مناوئيه إلى استرضائه، فأرسلوا له الهدايا كالأمير أحمد بن طراباي(طربيه)، والأمير أحمد بن حمدان بن قانصوه، والأمير أحمد بن الحرفوش، ويوسف باشا سيفا، وقد قبل فخر الدين جميع الهدايا المقدمة له من الأمراء عدا هدية يوسف باشا التي ردّها عليه  [45]، تعبيراً عما يكّن في صدره من عداوة له.
ويؤخذ على فخر الدين أنه بدأ العمل بنشاطٍ وهمّةٍ لتحقيق أهدافه القديمة متبعاً الأسلوب القديم الذي كان قد اتبعه من قبل [46]، ففي غرة رجب 1028هـ/1618م عزل العثمانيون الأمير أحمد بن حمدان بن قانصوه عن سنجق عجلون، كما عزلوا الشيخ عمرو عن مشيخة حوران، وولوا مكانهما ابن قلاوون وهو من أصل تركي والشيخ رشيد، واضطر الأميران المعزولان لطلب النجدة من فخر الدين لإعادتهما إلى منصبيهما السابق، فنجح في استصدار فرمان من الباب العالي بهذا الشأن في شوال من العام نفسه [47].
ويبدو أن الأمير أحمد بن طراباي (طربيه) قد شعر في تلك الأثناء بأن موازين القوى آخذة في التغيير لصالح فخر الدين، فبعد نجاح الأخير في مسعاه السابق بإعادة أعوانه إلى مناصبهم، انتهز فرصة وجود فخر الدين في تل الهريج بالقرب من صفد، وأرسل إليه ابنه الأمير طراباي (طربيه) ومعه هدية قبلها فخر الدين، فازدادت بينهما أواصر الأُلفة والمودة  [48].
وفي عام 1030هـ/1620م وفي أثناء وجود الأمير فرّوخ أمير الحج الشامي في الآستانة بدعوة من السلطان عثمان الثاني، كلّفه السلطان المذكور ببناء قلعة في الطريق الذي تسلكه قافلة الحج يُسمى "المُعظّم"، ورصد لذلك المشروع خمسين ألف غرش، وانتهز فرّوخ باشا تلك المناسبة والتمس من السلطان تعيين الأمير بشير عم الأمير أحمد بن قانصوه حاكماً على سنجق عجلون لكونه أحد مرافقيه وحلفائه، ليساعده في بناء القلعة، وتعيين الشيخ رشيد لمشيخة حوران، فتم له ذلك.
أضحت قوة فخر الدين طاغية لدرجة أن والي دمشق في العام التالي التمس منه تقديم إعانة مالية لقافلة الحج والخروج لملاقاتها في طريق عودتها، كما منحه سنجقية عجلون باسم ابنه الأمير حسين  [49].
وتلاحقت الأحداث وبدأت الأمور تتجه نحو أزمة جديدة، فالعداوات القديمة بين فخر الدين والأمير يونس الحرفوش زعيم البقاع اندلعت من جديد، وكان الأمير يونس في وضعٍ سيئ، وتمكن فخر الدين من الاستيلاء على بلدة قب الياس الاستراتيجية التي من خلالها بسط تحكمه على الطريق الرئيسي المهم الذي يربط دمشق ببيروت، علماً بأن الأمير يونس هذا كان حليفاً لفخر الدين من قبل وساعده في العودة إلى لبنان بعد توسطه لدى الباب العالي، ولكنها السياسة بكل تقلباتها.
أدى ازدياد قوة فخر الدين إلى تنبيه مصطفى باشا والي دمشق الذي عمل على التحالف مع الأمير يونس الحرفوش ويوسف باشا سيفا للإطاحة بغريمهم، ومهما يكن من أمر، فقد نجح فخر الدين في بادئ الأمر عن طريق إغداق الرشاوى الباهظة على حاشية الباب العالي في الآستانة، لعدم تدخّل الحكومة المركزية، كما تمكن كذلك من تثبيت ملكية صفد ونابلس وعجلون.[50]
غير أن سياسة الباب العالي المعتدلة تجاه فخر الدين لم تستمر طويلاً لصالحه فقد أعاد الأخير صلاته بحكومة توسكانا وسمح لتجارها بالنزول في موانئه، وأعاد جيش السكّبان الذي بلغ مائة ألف من شعوبٍ شتى، عندئذ منح الباب العالي الإذن لوالي دمشق وحلفائه بمهاجمة فخر الدين لتحجيم دوره، فدارت معركة شهيرة في تاريخ لبنان الحديث، هي موقعة عنجر عام 1033هـ/1623م هُزم خلالها مصطفى باشا وتم أسره، أما حلفاؤه فقد دُحروا وتشتت فلولهم تماماً، ثم أُطلق سراح الباشا ـ بوساطة وفدٍ من علماء دمشق ـ الذي اضطر فيما بعد للاعتراف بسلطة فخر الدين وممتلكاته، وبذلك بلغ نفوذه الذروة.[51]
كانت موقعة عنجر علامة فارقة في تاريخ فخر الدين الثاني، فآل سيفا قبِلوا أخيراً الخضوع المطلق لسلطته وتقديم المال إليه بعد استيلائه على عكار وهدم قلعتها، ومدّ نفوذه شمالاً حتى حدود إنطاكية  [52].
وبحلول عام 1034هـ/1624م استتب الأمر لفخر الدين وهذا الأمر جعل العثمانيين في موقفٍ صعب لا قِبل لهم بمواجهته بسبب انشغالهم آنذاك بمحاربة الصفويين، لذلك اضطر السلطان مراد الرابع للاعتراف بسلطة فخر الدين ومنحه فرماناً ولاه بموجبه على بلاد عربستان [53] من حدود حلب إلى القدس، كما منحه لقب سلطان البرـ الذي حمله جدّه فخر الدين الأول من قبل ـ شريطة أن يقوم بتقديم مال الميري لخزينة الدولة، وأن يحافظ على الأمن في منطقته  [54].
إن الترتيبات الدفاعية التي قام بها فخر الدين، واستمرار اتصالاته مع الأوروبيين. تلك الأمور مجتمعة دعت السلطان مراد الرابع إلى توجيه أمرٍ لأحمد باشا كوجك عام 1043هـ/1633م بالتوجه لقتال فخر الدين على رأس جيشٍ كبير من جنود الأناضول ومصر، كما أرسل أسطولاً بحرياً لمهاجمة المرافئ والحصون الساحلية، مما أدى لهزيمة فخر الدين واختبائه في قلعة نيحا بضعة أشهر ثم انتقاله إلى كهفٍ حصين قرب جزّين، حتى تمكن العثمانيون أخيراً من إلقاء القبض عليه وإرساله إلى الآستانة أسيراً، ثم إعدامه فيها في 13 نيسان (أبريل) 1635م/1045هـ [55].
أدّى القضاء على فخر الدين وحركته لإقامة كيان مستقل عن الدولة العثمانية إلى حدوث فوضى شاملة في لبنان وفلسطين؛ ففي لبنان تجددت العداوات القديمة بين الأُسر الإقطاعية التي كانت تخضع لسلطة المعنيين [56]، كما عمد العثمانيون إلى فصل صيدا عن دمشق، وجعلوا منها ولاية مستقلة عام 1071هـ/1660م لمراقبة شؤون لبنان، وتم فصل بيروت كذلك وألحقوها بدمشق، ولم يظهر في البيت المعني شخصية قوية من طراز فخر الدين الثاني تواصل سياسته  [57].
بقي أن نشير إلى الوجه الحضاري الذي خلفه فخر الدين، فقد اهتم بتشجيع التجارة مع أوروبا، ولهذا الغرض ابتنى في عكا حصناً وخاناً لإقامة التجار الأجانب بعد أن اتخذ عدداً من التجار الفرنسيين والإنكليز والهولنديين من عكا مركزاً لتجارة القطن. وقد أشار حيدر الشهابي في حوادث سنة 1032هـ/1622م إلى وصول مركبين تجاريين فرنسيين إلي عكا لشحن القطن [58]، كما كانت فرنسا تستورد في السنوات التي بها جفاف كميات كبيرة من القمح والأرز من عكا وحيفا، حيث شوهدت في ميناء عكا 32 مركباً حمولة أصغرها 150 طناً، وحمولة أكبرها 600 طن، قدمت لشحن القمح [59]، كما سمح فخر الدين لمجموعة من التجار الفرنسيين باستيطان عكا في الفترة ما بين 1034ـ1043هـ /1624ـ1633م [60].
وفي صفد شيّد فخر الدين مغارة الحمام سنة 1022هـ/1613م، وسُميت قلعة إبن معن، كما أنجز سور تل الهريج بالقرب من صفد،[61] أما يافا فلم تشهد في عهد فخر الدين سِوى أثراً عمرانياً وحيداً هو القلعة وعمل على ترميم أسوارها.[62]
وتحسنت أحوال المسيحيين في الناصرة زمن فخر الدين نتيجة لسياسة التسامح الديني التي انتهجها. ففي عام 1030هـ/1620م، سمح للرهبان الفرنسيسكان بترميم كنيستهم القديمة المعروفة بالسانتا، وبناء ديرٍ بالقرب منها. ولكن في عام 1040هـ/1630م، قبيل القضاء على فخر الدين، بدأت أحوال المسيحيين في الناصرة بالتدهور نتيجة لاستيلاء آل طراباي (طربيه) على جزءٍ كبير من الجليل، حيث شرعوا في مضايقة المسيحيين المؤيدين لفخر الدين.[63]
إن حلم فخر الدين المعني الثاني بإقامة إمارة يكون هو زعيمها، لم تكن وليدة الصدفة أو نتاج التراكمات السياسية التي جعلت من بلاد الشام عامة ولبنان وفلسطين خاصة مرتعاً للكثير من الحكّام المحليين الذين كان كلٌ منهم يحكم منطقة بعينها، لكن هذا الطموح كان بالدرجة الأولى يعود لخططٍ طموحة من جانب أسلافه، كجده فخر الدين المعني الأول ثم والده قرقماز، ورغم أن أسلافه فشلوا مبكراً في تحقيق أي من أهدافهم، إلا أن فخر الدين الثاني تمكن من تحقيق كل النجاح في لبنان، وقضى على منافسيه الأقوياء، وحقق بعض النجاحات المؤقتة في فلسطين، لكنه لم يستطع فرض كامل سلطته عليها.
وشخصية فخر الدين الثاني لم تكن تصرفاتها تنم عن اتجاه مغامر كما يحلو للبعض وصفه بذلك، ولكنها تصرفات رجل طموح شابت أفعاله الكثير من الأطماع لبناء مجدٍ ذاتي يخلده في المدونات التاريخية، ورجل بمثل تلك المواصفات يصعب عليه المقامرة بمستقبله ومشروعه السياسي التوسعي في خضم مغامرة قد تنجح وغالباً ما ستفشل، وما يحُسب لفخر الدين أنه كان متأنياً في اتخاذ القرارات فحقق الكثير من النجاحات.
ومما يجدر ذكره أن موقعة عنجر عام 1033هـ/1623م كانت علامة فارقة في تاريخ فخر الدين، مما اضطر الدولة العثمانية للاعتراف بسلطته بعد أربعة وثلاثين عاماً من صراعه الطويل مع ممثليها، ومنحته فرماناً يكون بموجبه حاكماً على بلاد عربستان من حدود حلب إلى القدس، كما منحته لقب سلطان البر وهو اللقب نفسه الذي منحته من قبل لجده فخر الدين الأول.
وكانت نتائج معركة عين داره نهاية الحكم الدرزي اليمني  ليبدأ بعده الحكم الدرزي- الماروني.





[1] -  الإغتيالات في لبنان، الأب جورج صغبيني،، دار دلال- 2006.
[2] - الأمير حيدر الشهابي: ج3، ص807. وسويد، ياسين: التاريخ العسكري للمقاطعات اللبنانية في عهد الإمارتين. جزءان، ج1، والمؤسسة العربية للدراسات، بيروت1985، ص: 153.
[3] - تشارلز تشرشل، جبل لبنان، ص:61.
[4] -  أسامة محمد أبو نحل، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الأزهرـ غزة،  1423هـ /2003م عن: كتاب تاريخ الأمير فخر الدين المعني الثاني لأحمد بن محمد الخالدي الصفدي. وتاريخ حيدر الشهابي.
[5] - تاريخ الأمير حيدر الشهابي. علق على حواشيه: د.مارون رعد، دار نظير عبود، بيروت 1993، ج3، ص738.
[6] - تشارلز تشرشل، جبل لبنان 1842-1852. ترجمة: فندي الشعار، دار المروج، بيروت 1985،  ص56..
[7] - فيليب حتي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين. ترجمة: د.كمال اليازجي، دار الثقافة، بيروت1959، ج 2، ص279.
[8] - الأمير حيدر الشهابي، ج3، ص738.
[9] - Ismail,Adel,Histoire du Liban du xvII siècle a nos jours, vol.1,Le Liban au temps de Fakhr-eddin II (1590-1633), Paris1955,p.54
[10] - المرجع السابق، جزء 1، ص: 54.
[11] - قسطنطين بازيلي، سورية وفلسطين تحت الحكم العثماني. ترجمة: طارق معصراني، دار التقدم، موسكو1989، ص28. ولوتسكي، فلاديمير: تاريخ الأقطار العربية الحديث. ترجمة: د.عفيفة البستاني، مراجعة: يوري روشين، ط8، دار الفارابي، بيروت 1985، ص14.
[12] الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني-الدراسات الخاصة، المجلد الثاني، الدراسات التاريخية، ط1، بيروت 1990، ص698-699.
[13] - الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، ط1، دمشق 1984، ج3، ص:112-113.
[14] - الموسوعة الفلسطينية. ج3، ط1، دمشق 1984، ص: 700-702.
[15] - أحمد عزت عبد الكريم، "التقسيم الإداري لسورية في العهد العثماني". حوليات كلية الآداب، جامعة عين شمس، مايو 1951، مجلد1، ص:134، 173-175. وبولياك: الإقطاعية في مصر وسورية وفلسطين ولبنان. ترجمة: عاطف كرم ، بيروت1948، ص137-146.
[16] - الأمير حيدر الشهابي، ص:806. ومنصور طنوس الحتّوني، نبذة تاريخية في المقاطعة الكسروانية. بدون بيانات نشر، بدون تاريخ، ص:60-61.
[17] - ياسين سويد، التاريخ العسكري للمقاطعات اللبنانية في عهد الإمارتين. المؤسسة العربية للدراسات، بيروت1985، ج1،ص153.
[18] - لوتسكي، ص35-36.
[19] - عيسى اسكندر المعلوف،  "الأمراء الحرفشيون". مجلة العرفان، مجلد9 (من ربيع الأول إلى ذي الحجة 1342هـ )، ص291-297.
[20] - إبراهيم العورة،  تاريخ ولاية سليمان باشا العادل. نشره وعلق عليه: قسطنطين الباشا    المخلصي، صيدا 1936، ص:111.
[21] - Lammens (S.J.), La Syrie précis Historique, vol.II, Beyrouth 1921, pp.71-72
[22] - كمال الصليبي، تاريخ لبنان الحديث. ط2، دار النهار للنشر، بيروت 1969، ص34-35. عيسى اسكندر المعلوف، تاريخ الأمير فخر الدين المعني الثاني. ط2، منشورات المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1966، ص56.
[23] - الحتّوني، ص63.
[24] - حتي: تاريخ سورية، ج2، ص327.
[25] - تشرشل، ص61.
[26] - عبد الكريم رافق،  العرب والعثمانيون 1516-1916. ط1، دمشق 1974، ص148.
[27] - حتي: تاريخ سورية، ج2، ص327. وتشرشل، ص61.
[28] - حتي، ص327. ويوسف الدبس، تاريخ سورية. راجعه ودققه: د.مارون رعد، دار نظير عبود، بيروت، بدون تاريخ، ج7، ص152.
[29] - تقطن هذه الأسرة الكردية الأصل الآن في لبنان بعدما تم القضاء على ثورة علي باشا جنبلاط ومقتله. وقد تحولت إلى العقيدة الدرزية بعدما كان أفرادها مسلمون سُنَّة.
[30] - الغزّي ، ورقة 211أ-211ب. و حتي، ص327.
[31] - المحبي: ج4، ص426-428. والغزّي، نجم الدين محمد بن بدر الدين: لطف السحر وقطف الثمر من تراجم أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادي عشر، أو ذيل الكواكب السائرة بمناقب أعيان المائة العاشرة، مخطوط موجود في مكتبة الأسد بدمشق، رقم 3406، ورقة 212أ -212ب. والأنصاري، شرف الدين بن موسى: نزهة الخاطر وبهجة الناظر. مخطوط في مكتبة الأسد بدمشق، رقم 7814، ورقة 117ب-119ب. والنمر، إحسان: تاريخ جبل نابلس والبلقاء. ج1، ط2، نابلس1395هـ (1975م)، ص32-33.  
[32] - سويد، ص: 77. ورافق، ص: 151.
[33] - رافق، ص: 154.
[34] - رياض محمود الأسطل، تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر. ط2، غزة 2000، ص39.
[35] - السكَّبان أو السكمان: لفظة من أصل فارسي بمعنى (سكّ) الكلب و(بان) الحافظ والصاحب، والسكَّبان هو المتولّي أمر كلاب الصيد. فالسكبانية في الدولة العثمانية بعد عام 1350م كانوا مستقلين عن الإنكشارية، ويرافقون السلطان في الحرب والصيد.
[36] - في النصف الأول من القرن الخامس عشر تمكنت أسرة من التجار وأصحاب البنوك تُدعى أسرة مديتشي Midici من الاستيلاء على الحكم عندما تمكن أحد رؤسائها ويُسمى كوزيمو دي مديتشي في عام 1434م أن يقوم بثورة ضد الحاكم ويؤسس جمهورية توالى على حكمها رؤساء من تلك الأسرة. راجع: فائق وحمدان طهبوب، محمد سعيد: تاريخ العالم الحديث والمعاصر. ط2، منشورات جامعة القدس المفتوحة، عمان 1998، ص100. والنمر: المرجع السابق، ج1، ص33.
[37] - Ismail, op.cit, pp.77-78.
[38] - Holt, op.cit, p.116.
[39] - الشهابي، حيدر: المرجع السابق، ص812. وبروكلمان، كارل: تاريخ الشعوب الإسلامية. ترجمة: نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، ط13، دار العلم للملايين، بيروت 1998، ص513.
[40] - رافق: العرب، ص163.
[41] - رافق: المرجع السابق، ص163. والمقاري، محمد بن جمعة: المرجع السابق، ص29.
[42] - الشهابي: ص823-851.
[43] - رافق: العرب، ص164.  يذكر إحسان النمر أن الصدر الأعظم محمد باشا الخازندار الذي خلف نصوح باشا، كان مرتشياً من حكومة توسكانا، فكان له دور في إصدار عفو عن فخر الدين وغيره من الثائرين على الدولة العثمانية. (جبل نابلس، ج1، ص39).  ويبدو أن فخر الدين قد قام في عام 1615م بزيارة قصيرة للبنان ثم عاد بعدها إلى أوروبا. وفترة الخمس سنوات التي قضاها الأمير في أوروبا زار خلالها ليغهورن وفلورنسا حيث أعدّ له البلاط الفلورنسي استقبالاً حافلاً، ونابولي وبالرمو ومسينا ومالطة وغيرها من المدن. وقد أثار ظهور فخر الدين أمير الدروز فضول أوروبا التي كانت لا تزال تجهل أية معلومات عنهم. كما شاعت في الغرب أسطورة تزعم أن اسم الدروز نفسه مشتقاً من اسم كونت صليبي يُدعى دي دريه Dreux ، أي أن الدروز هم أعقاب الصليبيين الذين تاهوا في جبال لبنان. ويبدو أن فخر الدين كان يؤكد هذه الأسطورة التي جعلته محط الأنظار والاهتمام الشديد في الغرب.   وبالإضافة إلى ما سبق؛ فإن فخر الدين رغم أنه أُصيب بخيبة أمل في فشل مساعيه للعودة من أوروبا مصحوباً بحملة من الدول الأوروبية والبابا لمساعدته في حرب العثمانيين، غير أنه استفاد من الغرب كثيراً حيث تشرّب فيها من الأفكار ما قوّى اعتقاده بصحة المبادئ التي عمل في السابق بوحيها، بدلاً من أن يِضعفه بشأنها ويحوله عنها. حتي: تاريخ سورية، ج2، ص329.
[44] - رافق: العرب، ص164.
[45] - الخالدي: ص69-70.
[46] - .117: Holt, p
[47] - الخالدي: ص84-87. والشهابي: ص863-864.
[48] - الخالدي: ص87.
[49] - الخالدي: ص117-120.
[50] - Holt, op.cit, pp.117-118.
[51] - النمر: المرجع السابق، ج1، ص39- 40.
[52] - رافق: العرب،  ص: 165. وتشرشل ، ص: 77.
[53] - بلاد عربستان: هي المنطقة التي تقع من حدود حلب شمال سورية إلى حدود القدس، أي المناطق القبلية الواقعة خارج نطاق المقاطعات والمدن التي يديرها الولاة العثمانيين.     Holt, p.118.
[54] - الخالدي: ص242. والحتّوني: ص76.
[55] - المحبي: ج1، ص385-388 وج 3، ص267-268. والمقاري ، محمد بن جمعة: المرجع السابق ، ص32. والمعلوف: المرجع السابق، ص188-243، 247، 302. ومجهول المؤلف: نزهة الزمان، ورقة 23ب. وتشرشل: جبل لبنان، ص89-90. وحتي: المرجع السابق، ص332-333. و   Holt, pp.118-119.   
[56] - حتي، فيليب: مختصر تاريخ لبنان. ترجمة: فؤاد جرجس نصار،  ط1، دار الثقافة، بيروت1968، ص188.
[57] - محمد أنيس، الدولة العثمانية والشرق العربي (1514-1914). القاهرة 1977، ص156. والبخيت: من تاريخ حيفا، ص100. و Lammens, op.Cit, p.60.
[58] - الشهابي: ص822. وغنايم، زهير: لواء عكا في عهد التنظيمات العثمانية 1281-1337هـ/1864-1918م. ط 1، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1999، ص20.
[59] - ليلى الصباغ، الجاليات الأوروبية في بلاد الشام في القرنين السادس عشر والسابع عشر. ج1، بيروت 1409هـ (1989م)، ص291.
[60] - الكردي، فايز: عكا بين الماضي والحاضر. دار البشير، عكا 1972، ص66.
[61] - الخالدي: ص87. والعابدي: المرجع السابق، ص66.
[62] - الموسوعة الفلسطينية، ج4، ص611-612.
[63] - منصور أسعد: تاريخ الناصرة. القاهرة 1924 ، ص45-46. والمعلوف، عيسى اسكندر: دواني القطوف في تاريخ آل المعلوف، زحلة 1908، ص129.

ليست هناك تعليقات: