2012/06/01

رؤساء الجمهورية اللبنانية 5 الإمارة الشهابية الأب جورج صغبيني




الإمارة الشهابية من سنة 1633 حتى نظام القائمقاميتين
            الأمير بشير الثاني الكبير

سادت "لبنان الإمارة" إضطرابات أدت إلى التعاون العلني ما بين الموارنة والدروز والشيعة في عاميّة أنطلياس ضد الضرائب الظالمة التي فرضت على اللبنانيين فتوجسّت الدولة العثمانية من هذه الوحدة اللبنانية، بعد اندحار الجيوش المصرية، وعملت على تمزيقها. فقسمت السلطنة لبنان إلى قائمقاميتين: واحدة للدروز والثانية للنصارى في جبل لبنان.

عامية إنطلياس وإنتفاضة 1820


شهد لبـنان، في القـرن التاسـع عشر, ولادة أربع عاميات شعبية:
الأولى كانت موجهة ضد الأمير بشير عام 1806.

والثانية كانت ثورة الفلاحين توجهت إضافة للأمير ضد والي عكا عبدالله باشا عام 1820. حين عيّن 1819 حاكم جديد في عكا هو عبد الله باشا، الذي فرض جزية كبيرة على لبنان، فثار الفلاحون ورفضوا دفع الضرائب للأمير بشير فلم يستطع جمع المبلغ الملطلوب، ولم يستطع السيطرة على الأوضاع إلا بمساعدة الشيخ بشير جنبلاط الذي أتى لنجدته. فكانت عامية لحفد سنة 1821 بعد أن رفض أهالي منطقة جبيل دفع الضريبة الإضافية التي فرضها جباة الأمير على المناطق المسيحية، وحصل عصيان ومواجهات أدت الى مقتل عشرات الأهلي. ولم يستطع الأمير بشير عام 1822 السيطرة على الأوضاع فهرب إلى مصر واستلم الشيخ بشير جنبلاط الزمام الفعلي للأمور وبات يتصرّف وكانه حاكم البلاد. مما أثار حفيظة الأمير الشهابي منه. ولكن الأمير بشير ما أن عاد إلى تسلم الحكم حتى نكّل بآل جنبلاط وعلى رأسهم الشيخ بشير، لأن البلاد لا تتسع لبشيرين.

والعامية الثالـثة في صيف 1840
هي الأشهر، كانت على أثرها ثورة على حكم الأمير وضد عزيز مصر وابنه إبراهيم باشا الشهير. في عام 1831 لدى وقوع لبنان فتحت سيطرة محمد علي، كان الأمير بشير حليفا له حتى عام 1840 حيث اضطر لمغادرة لبنان حين قامت ثورة ضده وضد الجيوش المصرية التي تحتلّ لبنان.

والعامية الرابعة  1841
كانت الأكبر وضمت مختلف طوائف البلد, وكانت ثورة مسلحة حدثت بعد عامين وطالبت بعودة المير بشير الى الحكم بعد خلعه من قبل الباشوات.
في اكتوبر 1841 قام الإقطاعيون الدروز بإنتفاضة ضد بشير الثالث، الذي عينه الباب العالي و الموالي للموارنة. فكانت الغلبة للدروز وسيطروا على جنوب لبنان بعد المجازر التي ارتكبت بحق الموارنة،
فأرسل السلطان عساكره  إلى لبنان وعزل بشير الثالث وتحولت امارة لبنان إلى ولاية عثمانية عادية وعين عمر باشا واليا عليها. فقمع عمر باشا الدروز وأرسل ثمانية من شيوخ الدروز إلى بيروت لمحاكمتهم بتسبب المجارز. وعاد الموارنة الذين هربوا من المناطق الجنوبية بعد أحداث 1841إلى أملاكهم.
تدخلت القوى الأجنبية في لبنان مرة أخرى، وأجرى الحاكم التركي إستفتاء في صيف 1842 أظهر ان الموارنة يريدون إمارة لبنان بحاكم من إسرة الشهابيين وأعلن الدروز برغبتهم بعودة الحكم التركي المباشر، ولكن ما لبثوا ان إنتفض الدروز في اكتوبر 1842 مطالبين بإطلاق سراح الشيوخ وإستقالة عمر باشا، فسحق عمر باشا الإنتفاضة وأحرق قصر آل جنبلاط.


إستقالة البطريرك بسبب مظالم الأمير بشير












  البطريرك يوسف التيّان 1796 – 1809
قال فيه البابا بيوس السادس يوم تثبيته ومنحه الدرع المقدس: هو شاب في عمره ولكنه شيخ في فضائله.
إن البطريرك يوسف التيان كان يميل إلى حياة النسك والإنفراد وزاد في رغبته هذه معاكسة بعض الأساقفة له وقد استمالهم إليه الأمير بشير. فكتب للمجمع المقدس يعلمه برغبته هذه بتاريخ 3 تشرين الأول سنة 1807 قائلا: ... لمّا كنت تحققت أني صرت غير قادر أن أفيد طائفتي في مقامي البطريركي بل أجلب لها ضررا في الروحيات والزمنيات عزمت على الإستعفاء من البطريركية واعتزال الناس مختارا العيشة الإنفرادية للإشتغال بخلاص نفسي.
إن مضادة حكّامنا لي العنيفة جدا والشكوك الفظيعة الحاصلة في الطائفة... أستعفي عن رضى من بطريركية الطائفة المارونية ومن كلّ ولاية متعلقة بها روحية كانت أم زمنية راجيا الجواب بالإيجاب...[1]
وكان الجواب بقبول استقالته إيجابيا من المجمع المقدس بتاريخ 19 تشرين الثاني سنة 1808.
إن سبب تنازل البطريرك التيان عن البطريركية  كان على أثر خلافه مع الأمير بشير الذي كان ينحو منحى السياسة مع الجزّار ضدّ أبناء شعبه.

مجزة 1845 وإنتهاء الحكم الشهابي
بعد فشل حملة إبراهيم باشا بن محمد علي والي مصر على بلاد الشام عام 1841 بدأ تنافس حاد بين الفرنسيين والانكليز أسفرت عنه حوادث دامية بين عامي (1845-1860). ونشأت هذه الحوادث عندما عمد كل من قناصل الدول الأربع (إنكلترا وروسيا والنمسا وفرنسا) إلى اتخاذ الدين وسيلة للتدخل في شؤون السلطنة العثمانية، فقد اعتمد قنصل إنكلترا على الطائفة الدرزية، واعتمد ممثل روسيا على الطائفة الأرثوذكسية، وممثل النمسا على  الموارنة الكاثوليك منافساً بذلك الفرنسيين. أما الدولة العثمانية فقد بسطت سيطرتها المباشرة على جبل لبنان.
ونتيجة تأجيج البغضاء بين الدروز والمسيحيين قامت الاضطرابات بين الفريقين، فأقيم نظام إداري جديد  في جبل لبنان قضى على ما كان سائداً وبدلا من أن يكون حاكم الجبل أحد أمراء الإقطاع المحليين، أصبح يتولى السلطة بدلاً منه حاكم تركي يعين من السلطنة العثمانية، وتمّ تقسيم الجبل إلى قائمقاميتين، وازدادت المنافسة بين إنكلترا إلى جانب الدروز وفرنسا إلى جانب الموارنة ونشبت الاضطرابات ثانية عام 1845، فعمد وزير الخارجية العثماني  شكيب أفندي على الإبقاء على هذا النظام مع تغيير في الإدارة انتقص من قوة زعماء الإقطاع.
ولد نظام القائمقاميتين: الشمالية للمسيحيين والجنوبية للدروز وجعلت بيروت حدا فاصلا بينهما. ولكن هذا لم يوقف الاضطرابات الطائفية بين الموارنة والدروز.
تمكّن ابراهيم باشا المصري الغازي للبنان من وأد الفتنة بين المسيحيين والدروز، من أجل السيطرة على لبنان بالتعاون مع الأمير بشير الشهابي والمسيحيين من جهة  ضدّ السلطنة العثمانية والدروزمن جهة ثانية. غايته توسيع مملكته مصر حالماً بتحقيق الخلافة الإسلامية، فكان له الأمر إلى حين.
فوقع لبنان فعليا تحت سيطرة محمد علي المصري عام 1831 حتى عام 1840 حين إضطر للإنسحاب من لبنان بعد قيام الإنتفاضات المتتابعة ضدّه وضدّ الأمير بشير حليفه وتدخّل الدول الأوروبية إلى جانب السلطنة العثمانية.
عاد الدروز بعد عزل بشير الثاني فسيطروا على الجبل، ووأعلنوا معارضتهم في اكتوبر 1841 للأمير بشير الثالث المسيحي الذي عينه الباب العالي أميرا للجبل، وحصلت مجازر ومجازر مقابلة، فكانت الغلبة للدروز بمساندة العثمانيين وامتدت سيطرتهم حتى جنوب لبنان.
أرسل الحاكم العثاني جيوشه إلى لبنان لعزل الأمير بشير الثالث وتحولت امارة جبل لبنان إلى إدارة عثمانية عيّن عمر باشا واليا عليها. فقمعت الدولة الدروز المطالبين باستعادة حكم الجبل واستتب الأمن في البلاد.
أن نظام الإقطاع أدي أيضا إلي ممارسات مجحفة، كممارسة بعض الملاك تهجير الفلاحين عن بيوتهم وقراهم، وأن كل هذا العوامل تضافرت وتراكمت لتولد جيوبا من التوتر عبر عن نفسه مرات بصدامات فردية وثقت جانبا منها الصحف وسجلات السلطات السورية، وبصدامات جماعية بين الفلاحين والإقطاع عمت قري ومناطق بأكملها ابتداء من عام 1858 بانتفاضة الفلاحين في جبال لبنان بقيادة طانيوس شاهين والتي عرفت باسم عامية كسروان
في هذا الوقت كانت حركة طانيوس شاهين التي عرفت بـحركة "الجمهورية" من أجل القضاء على الإقطاع المسيحي وتدجينه في ظلّ جمهورية المساواة بين المشايخ آل الخازن والعامة من الناس وذلك على أثر خلاف حصل بين والدة البطريرك بولس مسعد ونسوة من مشايخ آل الخازن. 





[1] - العنيسي، ص: 62.

ليست هناك تعليقات: