2012/06/19

الربيع الإسلامي وقنبلة شمشون البشرية الأب جورج صغبيني



الربيع الإسلامي وقنبلة شمشون البشرية

إن ما يجري من ثورات في العالم العربي وقد سُمِّيَ بـ"الربيع العربيّ" خطأً أو توريةً لإخفاء العنوان الحقيقي الذي هو من صناعة وتسمية وحماية الغرب لهذا الربيع الإسلامي.
فالدولة السعودية التي هي بالنسبة للمسلمين بمثابة الفاتيكان للمسيحيين وحائط المبكى لليهود كمكان ديني لا كمرجعية تعليمية، وقد سلبها الأزهر هذا الحقّ في التوجيه الديني واللاهوتي الإسلامي. إذ إن الفكر الديني ذو تأثير كبير وفاعل في المجتمعات الإسلامية بعد انطلاقة الدعوة التحررية العربية من ظلّ السلطنة العثمانية أولا لتطال دعوة التحرر العربية للمسلمين من ملزمات القرآن وخاصة في موضوع مساواة المرأة بالرجل والمطالبة المتكرّرة للغرب المتحرّر بدعوة لا بل بإلزام المرأة المسلمة بنزع الحجاب وجلابيبها حتى العري الغربي...
 فالمرأة المسلمة التي كانت تقود جملا لا تعجز اليوم عن قيادة سيارة. والمسلم الوهّابي لا يتأخر عن استعمال شاشات التلفزة والأنترنت والتي هي من صناعة الشيطان الأكبر بحسب معتقده.
والمرأة المسلمة التي تُمنع عن حقّ الإقتراع كونها لا تساوي إلا نصف رجل بحسب المقولة: وحظ الرجل حظ الأنثيين. فهذه المقولة لن تتحقق بالطبع لأنه لا يمكنك أن تجعل من كرامة الرجل المسلم نصفين إمرأتين.
من الطبيعي اللجوء إلى الخيار "الديني" لأن القرآن الكريم هو كتاب الله المنزل وهو دستور الحياة الإجتماعية والأخلاقية وحتى الإقتصادية...
لكن الخطاب الديني الغربي المعاصر والمتفلـّت من القيم، يثير قلق المسلمين العرب المتحررين قبل أن يثير تحفّظات الغرب العلماني المتحررّ من ضوابط الدين، فَفَصَلَ الدين عن الدولة ليتحكّم منفردا بمقدرات نصف العالم بعيدا عن أيّ منافس له. ساعيا لبسط سيطرته ونفوذه على النصف الآخر من هذا الكوكب النازف من ثورة الغرب الصناعية...
ويبقى الإحباط لدى المسيحيين المشرقيين من الإسلاميين المتطرفين والمتشددين، على نهج واتّباع آيات قرآنية تدعو لقتل الكفرة والمشركين والذين لا يدينون بالإسلام، في حين إن الإسلام ليس دين العنف والقتل بل فيه دعوة إجتماعية  للحوار والرحمة والإعتناء بالأيتام والإهتمام بالأرامل مثله مثل كافة الأديان في العالم. والطغيان هنا يعود لسياسة القادة المسلمين لحماية مصالحهم وتركاتهم الموروثة والتحكم برقاب الناس طيلة الحياة في مشروع  توافقوا عليه مع الغرب ليكونوا حرّاسا لينابيع الموارد الأولية المصدّرة للأخطبوط والحوت الإقتصادي الغربي، وليس لإتباع كتاب الله.
 وشرائح عديدة من المجتمع العالمي والدولي التي تدافع عن الحقوق الأساسية للبشرية. تتسبب بالقلق والإحباط، عند الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية...، ولا يقتصر على المجموعات الصغيرة، بل يطال حتى المجموعات الدولية التي لا يروقها الحكم الدينيّ الذي يعطـّل مساعيها، للسيطرة على العالم بشتى الشعارات ووسائل الدعاية، ولإعلان الحرب على الأصوليات الدينية الخارجة عن الدستور الدولي.
وغالبا ما تكون الدساتير الدولية أشدّ ظلامة واستبدادا من أكثر الأصوليات تطرّفاً.
إن كنّا نأمل أن يتحوّل الإسلام إلى دولة مدنيّة يُفْصَل فيها الزمنيّ عن الدينيّ، نكون حالمين وأشدّ الناس غباوة. فمن يقدر أن يغيّر أو يبدّل في دين الله.
فالربيع الإسلامي في الدول العربية غايته أن يفرز طابعاً دينيّاً متطرفاً لا طابعاً سياسيّاً ديموقراطياً، ليعيد الدول التي حادت عن تشريع الله، ناهجة دساتير داعية إلى الإخاء والمساواة والحريّة، إلى شرع الله، وهذه كلها في كتاب الله.
فماذا يحمل الغرب للشرق وماذا تقدّم أوروبا للعرب بديلا عن الإسلام. بالطبع إنها تقدّم الربيع الإسلامي ليبقى الشرق الإسلامي في نزف دائم يقاتل فيه المسلم أخاه المسلم بسلاح أمريكي وإسرائيلي. وتكون ضحيّة هذه الحرب العبثية القضاء على الأقليات، فتصبح التعدديّات وحدويّة كما الدين لله.
حتى الديموقراطية الغربية "الصليبية الجذور" ماذا تريد من هذا الشرق "الهلالي الأصول"، بعد أن وهنت القسطنطينية من جرّاء الجدل حول ذكورية وأنثوية الملائكة. هل تريد تحت شعارات أمميّة أن تجعل العالم كلـّه من دون دين ومن دون إيمان. تحكمه توتاليرية إقتصادية تنهب ضرع العالم المشرقي من ثرواته، ومكيافيلية أشدّ تطرّفا من الأصوليات الدينية، تسلـّط نفسها إلهاً مكان الله وتجعل قوانينها فوق الكتب السماوية.
  لا بدّ لهذه القوّة الأميركية الضاربة أوتادها في بلاد المسلمين تحت شعار حماية المسلم من أخيه المسلم، وضرب بلاد المسلمين وأحتلالها باسم محاربة  الإرهاب من أن تعي أنّ سلوكها ليس سلوكا إنسانيا بل سلوكا أكثر إرهابا من الإرهاب ممّا يتسبب بردات فعل جهادية تطال العالم ويمكن أن يتسبب بحرب مدمّرة تقضي على الشعوب الآمنة ويبقى مشروع بن لادن وبوش يقودان العالم إلى لعبة شمشونية يسقط الهيكل على رؤوس الجميع مسلمين وعربا وأمريكيين ويهوداً... في ربيع إسلامي يرتدّ على صانعيه.

11 شباط, ‎2012   الأب جورج صغبيني




ليست هناك تعليقات: