2014/07/10

لمن نشكي أمرنا في سرقة كرسي رئاسة الجمهورية الأب جورج صغبيني


لمن نشكي أمرنا في سرقة كرسي رئاسة الجمهورية

يُحكى أن السيد حسين العاملي، مُزارع قروي عاش في بدايات القرن العشرين، زمن سيادة زعامة الاقطاع السياسي البكَوي، في جبل عامل المعروف بحدوده اليوم بجنوب لبنان، تلك الزعامة التي عاثت في الارض الفساد، مدعومة بزعامة دينية تمثلت بعائلات علمية "حسب ما يوصّفون انفسهم".

والعائلات العلمية هذه هي عبارة عن رجال دين ظاهرا، وبواطنهم ذئاب فتكت بالبنيّة الاجتماعية والثقافية والدينية لأهل جبل عامل هذا، وتربوا على ثقافة البيك وعاداته، لكي يستلموا من بعده سلطة الاقطاع، ولكن باسم الدين. وهكذا حصل، وتشهد على تاريخهم سيرهم وممارساتهم البكوية، والطبقة الاجتماعية التي يحرصون على تميّزهم من خلالها، تارة باسم الشأنية الدينية " هذا المصطلح المبتدع من رجال الدين والمخالف لبديهيات النص الديني الذي ساوى بين الناس بالحقوق والواجبات، ومخالف لسيرة الصالحين من السلف الصالح "، وتارة أخرى باسم الارث العائلي المشيّد من دموع الفقراء، وأنين الثكالى، وتأوهات الفلاحين الذين أستسلموا لليأس، واستعباد النساء وجرارهن التي أكلت من لحم رؤوسهن، وهن ينقلن الماء من "عين الضيعة" الى دار البيك، لينعم البيك بنظافة ونضارة، ويتوضأ صديقه الشيخ الذي اذا بدأ بالوضوء انقطعت الماء عن أهل القرية. اذ أن عملية الوضوء المعقدة التي يمارسها الشيخ تختصر ماهيّة العلاقة بين المسلم والدين، حيث يدلك هذا كيف تحوّل الدين الى طقس شكلي فارغ من المضامين الانسانية، وقد تجد أحيانا أن انقطاع الماء عن أهل القرية لا يساوي شيئا عند بعض المتدينين لأن الوضوء بالنسبة اليه، وحسب البنية الفكرية التي بُني فكره الديني عليها، يساوي الدنيا وما فيها .

كان للسيد حسين بقرة يتيمة، هذا ما روته لي جدتي المرحومة، يعتمد في ما يعتمد عليه في المعاش,على شيء من حليبها ولبنها، لعله يسدّ شيئا من ضروريات الحياة، والتي من الصعب الحصول عليها في ظل سلطة الاستبداد، ولشدة حرصه عليها، كان يأمر ولده المسكين علي بأن يسرح بها في كل صباح ويرعاها حتى المساء، واذا ما سئم من رعيها، فليغرس الودّ ويطوّل الحبل لها، لكي ترعى ما تشاء في حاكورة الضيعة، ويسلّم أمرها الى الناطور الموكل بمراقبة بساتين البيك، والناطور هو مختار الضيعة . ففعل الولد ما أمره والده بدقة، فكان يسرح بها ويرعاها، واذا ما عافها وملّ منها "طوّل لها"، أي ثبّت طرف الحبل في الودّ المغروس في الارض، وترك الحبل على طوله كي تستطيع البقرة الرعي بحرية .

فعل ذلك لأيام معدودات، وكان في كل يوم يسلّم أمرها الى مختار الضيعة، حتى غروب الشمس، فعند الغروب يذهب وياتي بها الى دار أبيه، وذات يوم، وقبل أن يسلمها الى المختار، التقى بشيخ الضيعة، فاستحسن الولد أن يسلّم أمر البقرة للشيخ، باعتباره أوثق وأضمن من المختار، فعل ما استحسنه ومن دون مشاورة والده, الذي يحمل مخزونا من التجارب الحياتية من خلال معاشرته للمشايخ المتحلقين حول البيك وزعامته، متوجهين للناس بالموعظة الهادفة الى استرضاء الزعيم المتمثل بالبيك الذي غالبا ما يكون أُميّا قد ورث الزعامة عن أُميّ آخر .

فعندما حلّ الغروب، ذهب الولد كالعادة ليسترجع بقرة العائلة اليتيمة، فلم يجدها، واذ بها قد سُرقت.

عاد علي الى بيت والده يائسا، بعد محاولات عدّة في البحث عنها، وخائفا لأنه خالف وصيّة أبيه، عندما سلّمها للشيخ. دخل السيد الوالد الى الدار، كي يحتلب البقرة، فلم يجدها، فنادى ولده سائلا مستفهما، أين رزقنا يا بُنَي ...؟ فقال الولد: لقد سُرقت بقرتنا يا أبي، فقال الوالد : ولمن سلّمت أمرها يا بُنَي ؟ قال :لقد سلّمتها لشيخ الضيعة .

فبُهت الوالد المسكين، وقال : يا بُنَي كنت قد أوصيتك بتسليمها للمختار، فان سُرِقَتْ شكوتُ أمري للشيخ، أمّا الآن فلمن أشتكي...؟

عن موقع http://jabalamelah.blogspot.com/2013_12_01

ليست هناك تعليقات: