2014/08/14

عيد التجلّي في السادس من شهر آب بحسب السنكسار الماروني الأب جورج صغبيني

عيد التجلّي في السادس من شهر آب بحسب السنكسار الماروني


يخبرنا الانجيليون الثلاثة متى ومرقس ولوقا عن حادثة التجلي فيقول القديس متى في الفصل السابع عشر: وبعد ستة ايام مضى يسوع ببطرس ويعقوب واخيه يوحنا، فانفرد بهم على جبلٍ عالٍ وتجلّى بمرأى منهم.
واذا موسى يمثل الشريعة وايليا يمثل الأنبياء، وكان ظهورهما مع يسوع تأييداً لرسالته بصفته المسيح المنتظَر ومتمّما أقوال الأنبياء الذين سبقوه.
فقال بطرس ليسوع: "ربّ، حسن ان نكون ههنا، فإن شئت، نصبتُ ههنا ثلاث مظال: واحدة لك وواحدة لموسى وواحدة لإيليا". وبينما هو يتكلم ظلّلهم غمام نيِّر، واذا صوت من الغمام يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت، فله اسمعوا". فلما سمع التلاميذ هذا الصوت، أكبّوا بوجوههم، وقد استولى عليهم خوف شديد. فدنا يسوع ولمسهم وقال لهم: "قوموا، لا تخافوا". فرفعوا انظارهم، فلم يروا إلا يسوع وحده.
إن السيد المسيح بتجلّيه هذا اراد ان يُظهِر لتلاميذه مجده في ملكوته السماوي.
يقول القديس توما اللاهوتي: إن المخلص، بعد ان اوصى تلاميذه وجميع المؤمنين بأن لا بد لكل منهم ان يحمل كل يوم صليبه ويتبعه. اراد ان يريهم لمحة من المجد المعد لحاملي ذلك الصليب. وإن في حادث التجلي هذا ظهوراً جديداً للثالوث الأقدس. فالآب بالصوت: "هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت، فله اسمعوا" والابن هو المتجلي والروح القدس السحابة المنيرة. كل ذلك لكي يثبتهم في الايمان به، وان رأوه مصلوباً وميتاً لكي يشجعهم على احتمال العذاب والموت، رجاء الحصول على المجد في السماء الذي اظهر لهم مثاله في تجليه.
ويقول بولس الرسول: إننا "نَحنُ جَميعًا نَعكِسُ صورةَ مَجْدِ الرَّبِّ بِوُجوهٍ مَكشوفةٍ كما في مِرآة، فنَتَحوَّلُ إِلى تِلكَ الصُّورة، ونَزدادُ مَجْدًا على مَجْد" (2 قورنتس 3/ 18).
والقديس أوغسطينوس يقول: "إن يسوع سطع كالشّمس لأنّه النور الذي يضيء كل إنسان آت إلى العالم".
بركات هذا التجلي تكون معنا. آمين.

ظهر عيد التجلي في الكنيسة خلال القرن الرابع وانتشر في القرنين الخامس والسادس وأشار بطريرك القسطنطينية بروكلو إلى بعض المعلومات عن الاحتفال به في الغرب. ولكن بعد عام 1456 عمّم البابا كلستوس الثالث هذا العيد في الغرب كعلامة لانتصار المسيحيين على الأتراك.
وحادثة التجلي وردت في إنجيل متى (1: 13 – 17 ) وإنجيل مرقس (2: 9-13) وإنجيل لوقا ( 28: 9 – 36 ).
وبناء على التقاليد القديمة تمّ التجلي في جبل طابور.

جبل طابور
لفظة يونانية تعني المرتفع. يعتقد بعض الباحثين بأن طابور كلمة من اللغة أوغاريت في رأس شمرا بسوريا وهي تعني النور أو البهاء، إذ كانت تقام عبادة إله طابور أي إله النور.
وطابور هو جبل شهير في أرض الجليل، ويسمى أيضاً "جبل طابور" ويطلق العرب عليه إسم "جبل طور" كما هو الحال جبل سيناء وجبل جرزيم. وأما القديس بطرس فيشير إليه باسم "الجبل المقدس" (2 بطرس 1\18). وأما المسيحيون فيسمونه "جبل التجلي" نسبة لتجلي المسيح عليه.
يقع جبل طابور في أرض الجليل وهو أحد الجبال الرائعة المنظر بين جبال فلسطين. فأصبح في العهد القديم كنقطة محورية لما حوله (ارميا 46/18) بالرغم من أن ارتفاعه لا يبلغ إلا 570 متراً فوق سطح البحر.

أقام الكنعانيون (1300-1900) على الجبل معابدهم على الصخر الموجود تحت بلاطة كنيسة التجلي.
وجاء لأول مرة ذكر طابور في الكتاب المقدس كعلامة حدود أسباط إسرائيل في سفر (يشوع 19\22).
ونحو عام 750 ق.م. ندّد هوشع النبي بكهنة اليهود، لأنهم ضللوا الشعب بحملهم إياه على عبادة الأوثان التي كان الكنعانيون يقيمونها على جبل طابور فقال: "أسمعوا هذا أيها الكهنة، وأصغوا يا بيت إسرائيل وأنصتوا يا بيت الملك فإن عليكم أن تجروا القضاء ولكنكم كنتم فخا في المصفاة وشبكة مبسوطة على طابور" (هوشع 5\1).
ونحو 600 ق.م أوحت عظمة جبل طابور لأرميا النبي صورة نبوخذ نصر، ملك بابل الذي سيأتي ليعاقب إسرائيل: "يصل كطابور بين الجبال ومثل الكرمل المطلّ على البحر" (ارميا 46\18).
وجمال طابور أوحى إلى صاحب المزامير صورة مجد الله: "لإسمك يهلّل طابور وحرمون" (المزمور 88\13).

وفي عام 218 ق.م. حاصر أنطيوخس الثالث الكبير (223-187) السلوقي قلعة على قمة جبل طابور كانت تحت الحماية المصرية. فاستولى عليها بخدعة حربية إذ جذب الحامية المصرية من موقعها في قمة الجبل إلى السهل وهناك ذبحهم ثم حصن القلعة.
واستعادها اليهود بقيادة يوحنا هرقانوس بن سمعان المكابي (134-104ق.م.)
وعام 66 التجأ اليهود إلى الجبل هرباً من جيش فسبسيان الإمبراطور ولكن تمكن الرومان من جر اليهود إلى السهل والقضاء عليهم واحتلال الجبل عام 67 م.
وقبل نهاية القرن السادس بنى البيزنطيون عام 570 ثلاث كنائس على الجبل تذكاراً للمظال الثلاث التي طلب بطرس أن تقام هناك.
وإن الكنيسة البيزنطية كانت قائمة لما أعطى تنكريد، أمير الجليل، رهبان البنديكتان صلاحية الخدمة في الكنيسة على جبل طابور عام 1099.
وفي 1113 نهب المسلمون الأديرة وقتلوا الرهبان.
وعام 1183 لم يستطع جيش صلاح الدين أن يهدم إلاّ كنيسة إيليا التي كانت خارج الأسوار. وبعد ذلك بأربعة أعوام خربت المنطقة تماما بعد هزيمة الصليبيين في حطين عام 1187.
وبعد نحو 25 عاماً، قام الملك المعظم ابن الملك العادل، شقيق صلاح الدين والي دمشق، بتحصين الجبل وهدم ما تبقى من الكنيسة والدير وشرع ببناء قلعة عظيمة يبلغ طولها 580 م باتجاه الغرب وعرضها 250 م باتجاه الشمال والجنوب. فأثارت هذه التحصينات غضب الصليبيين فأرسلوا بإيعاز الحملة الصليبية الخامسة (1217-1221) لاسترجاع جبل طابور وهدم القلعة لكن الصليبيين فشلوا بقيادة أندراوس الثاني ملك المجر في اختراقها عام 1217 بالرغم من محاصرتهم للجبل لمدة 17 يوماً. وبهذه السنة أمر الملك العادل أن تهدم القلعة لمنع هجوم الصليبيين.
ومكنت الهدنة (1229-1239) بين فرديك الثاني ملك ألمانيا رئيس الحملة السادسة (1228-1229) وبين الملك الكامل بعودة الصليبيين إلى الجبل وأصبحت تحت إشراف جمعية فرسان القديس يوحنا ولم يتمكنوا إلا من بناء معبد صغير لم يدم طويلاً. إذ قام السلطان الظاهر بيبرس بطردهم سنة 1263 وأمر بهدمه. وأصبح الجبل لفترة من الزمن مكاناً مهجوراً. ولكن ظل رهبان الناصرة يحتفلون كل عام بعيد التجلي.
وعام 1631 منح الأمير فخر الدين الثاني أمير جبل لبنان، قمة جبل التجلي الى الآباء الفرنسيسكان ولم يتح لهم البناء بسبب وفاة الأمير عام 1635. وعام 1858 بدأوا ببناء كنيسة وبيت ضيافة للحجاج ولكنهم توقفوا عن البناء بسبب الأوبئة.
وتمكن اليونان من أن يستملكوا بناء الجهة الشمالية من قمة الجبل. وأن يبنوا عليه كنيسة إيليا النبي سنة 1911 مع دير صغير لا يزال قائما حتى اليوم.

 

ليست هناك تعليقات: