2014/08/25

التواطؤ مع الشرّ الأب جورج صغبيني


التواطؤ مع الشرّ 

 


لم يحكم الله على قايين بالإعدام حين قتل قايين أخاه هابيل بل تركه حيّا ورسم على جبهته إشارة القاتل فتباهى قايين بها، وها أتباعه اليوم يقتلون على شاشات التلفزة ويذبحون الناس ويشوّهون بجثثهم ويقطعون الرؤوس من دون رادع يردعهم.


ومع بداية الثورات العربية برعاية المستعمرين الغربيين والرجعيين العرب، وأمام المشاهد المروعة الإستعراضية، التي تطالعنا بها وسائل الإعلام عن الشنق والذبح والصلب والإعدامات رميا بالرصاص وبقر البطون وتقطيع الجثث.


جرائم تجري أحيانا في الساحات العامة، في المدن في أجواء إحتفالية يتخللها التهريج والتصفيق والتهليل والتكبير... والغريب في الأمر أن هذه الجرائم يتباهى بها فاعلوها ويتعامى عنها «المتحضرون» في الغرب و«المؤمنون» في الشرق! رغم انها بحسب المفاهيم المعاصرة، هي جرائم ناتجة عن تصرفات فيها من التوحش والإنحطاط الأخلاقي لا تراها عند الحيوان.


وأغرب الغرائب أن هذه الوحوش البشرية تصنع أشرطة مصورة عن الجرائم التي ترتكبها وتنشرها عبر الوسائل الإعلامية وكأنها تريد أن تسوق رسالة مفادها، نحن إسلاميون متوحشون مجرمون. هكذا كان الإسلام في أصوله وجذوره. فمن ليسوا مثلنا هم منافقون كفرة، نعمل على تطهير بلادنا منهم.


والعجيب أن هذه الظاهرة المتمثلة بما يسمى «الدولة الإسلامية»، تقدم خدماتها مجّاناً من خلال إلغاء وجود خصومها من المذاهب والطوائف الأخرى، لتيارات سياسية بعيدا عن خياريّ الهجرة أوالذمية.


ويفاخر اعلام «الدولة الإسلامية» بأشرطة مصورة عن توحش القائمين على هذه الدولة، حتى حظيت جماعات مؤيدة لـ«الدولة الإسلامية» بتغطية سياسية ومذهبية رغم الجرائم التي ارتكبتها، وتشير الأحداث على وجود تعاون وتنسيق بين داعش من جهة وأطراف سياسية في لبنان من جهة ثانية. ومن المعلوم أن «داعش» تلقت الدعم بشكل أو بآخر من جميع الذين يشاركون في الحرب على بلاد العرب، وتصدّر الإسلاميون «الوهابيون» التحرك من خلال توجيهات دول الغرب ومموّليهم أمراء الخليج.


وبعد ما جرى في لبنان لا شك في أن لجماعات قايين جهات سياسية لبنانية تدعمها وتقدم لها التغطية والرعاية الرسمية والشعبية والمذهبية على حساب الوطن. ومن البديهي أن أمورا كثيرة ما تزال طيّ الكتمان في هذه المسألة ولا يتجرأ أحد على البوح بها من عارفيها.


ومجمل القول أن الأفرقاء اللبنانيين جميعهم دون استثناء، متواطئون ومنغمسون في هذه الحرب سياسيا وعسكريا... ومعظمهم يقاتل في صف قايين والآخرون يموتون أبرياء في صفّ هابيل.

ليست هناك تعليقات: