2012/05/12

حلمت ذات ليلة الأب جورج صغبيني


حلمت ذات ليلة
وليست من ألف ليلة وليلة

أن الناس
كلّ الناس
رُكّبت
على أكتافهم
أجنحة الملائكة
ولبسوا الحلل البيضَ
ولن يعودوا عبيدا

ولن يعودوا يجوعون
إلى رغيف من شعير

ولن يعودوا يعطشون
لمياه المجارير

فعندهم أنهار اللبن والعسل
منها يشربون مريئا

ولم يعودا بحاجة إلى الكهرباء
ولا إلى مولدات الكهرباء
ولا إلى دفع الفواتير
فعيونهم المغمضة
ترى قبائح الناس
وخير الناس
من دون أضواء

ولم يعودوا بحاجة
إلى حكومة تسرقهم
في دولة اسمها لبنان
ولا إلى ممثلين عليهم
في البرلمان
يستعطفونهم يوم الانتخاب
ويستعطونهم ورقة
فيها أسماء المطلوبين
ورؤساء عصابات الحروب
القاتلين
ورؤساء الطوائف
المجرمين
وما شئتَ: سمّي معي...

ولم يعودوا بحاجة
إلى الدين
وإلى رجال الدين
لأنهم عبدوا المسؤولين السياسيين
والفريسيين
وعبدوا القيصر
وصورة القيصر
ولم يعطوا ما لله
لله
وما لقيصر
لقيصر
بلأعطوا كلّ شيء لقيصر

ولم يعودوا بحاجة
إلى المدارس والجامعات
ولا إلى المعلمين والمعلمات
ولا إلى الكتب
ولا إلى القلم والممحاة
فصاروا هُمُ المعرفة
يعلـّمون الفلسفة وعلم اليقين
والحكماء عندهم مدرّسين

ولم يعودوا بحاجة
إلى الأطباء الدجّالين
الجزارين
المتاجرين بلحوم البشر
وبأعضاء البشر
وبأطفال البشر
ولا إلى المستشفيات المسالخ
ولا إلى الأدوية السموم
ولا إلى الوصفات التجريبية
ولا إلى الوفاة الإنتحارية

ولم بعودوا بحاجة
إلى هاتف وخليوي
ولا إلى وزارة تواصل واتصالات
فواحدهم على الآخر
يفهم بالإشارات

ولم يعودوا بحاجة
إلى مواصلات
وسيارات وباصات
على البنزين
أو على المازوت والفيول
أو على البطاريات
أو تشرّج من حرارة نور الشمس
ولا لطائرات
فالغيوم مركبتهم
وعلى بساط الريح
يتزلجون متنقلين

ولم يعودوا بحاجة
إلى الطرقات والإشارات
أو السقوط في الحفر
أو القفز فوق المطبّات

ولم يعودوا بحاجة
إلى سوكلين
لأنهم جعلوا من القمامة
سلسلة جبال سياحية
على شواطئ البحر
لجلب الأجانب منهم والعرب
...
وجعلوا تلويث بياض الغيوم
بمداخن المعامل
ومشاحر السجائر
وحرق دواليب المظاهرات
وعلى تقاطع الطرقات

ولم يعودوا بحاجة
إلى نقابات وجمعيات
ولا إلى إتحادات ومؤسسات
من أجل حقوق الإنسان
من أجل حقوق الأطفال
من أجل حقوق المرأة
من أجل حقوق الشيوخ والمسنين

ولم يعودوا بحاجة
لأن يميزوا الألوان
مخافة من أن يُتـّهموا
بالتمييز العنصري
أو بالإنتماء الحزبي
...
ولا إلى صليب وهلال
ولا إلى قرآن وإنجيل
ولا إلى حرام وحلال
ولا إلى مرشد ودليل
...
ولأنهم لم يعودوا لبنانيين
بل انتسبوا مثل كلّ الناس
إلى كلّ الأوطان
وإلى فصائل الحيوان
ونسوا أنهم من البشر

واستفقت من حلمي
ويا ليت الحلم يقين.

       13 آذار 2012   الأب جورج صغبيني

ليست هناك تعليقات: