2012/05/29

جامعة الدول العربية قمم ومؤتمرات 6 الأب جورج صغبيني


عن كتاب جامعة الدول العربية قمم ومؤتمرات الأب جورج صغبيني


أول جامعة دول إسلامية
كانت مرحلة جمع المصاحف ذات أثر واضح في تاريخ القرآن الكريم، فقد أصبحت هناك نصوص عديدة للقرآن مختلفة متباينة، وتفرَّق المسلمون وتشيَّعوا للنصوص، وقد بلغ الاختلاف أشده عندما تقاتلوا وكفَّر بعضهم بعضاً، وتبادلوا التّهم المختلفة، وعلى رأسها تهمة التحريف.
وعندما رأى الخليفة عثمان بن عفان ما حدث للمسلمين، عزم على أن يوحِّد أحرف القرآن على حرفٍ واحد. فقد روى أنس بن مالك أن الناس اختلفوا في القرآن على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلّمون، فبلغ ذلك عثمان، فقال: أعندي تكذبون وتلحنون فيه؟ فمَن نأى عني كان أشدّ تكذيباً ولحناً! يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماماً .
وبعد أن جمع عثمان لجنة تتولّى كتابة المصحف، أمر بغيره من المصاحف وغلى لها زيتاً وألقاها فيه. وهذا يثير لدى الباحثين الشكّ في مصداقية النصّ الذي بين أيدينا ولكنه بات قرآنا واحداً موحِّداً بين الناس.
ومن الحقائق التاريخية التي ستظل تثير شك الباحثين في تاريخ المصحف هو كيف اختلف ابن مسعود في مصحفه عن غيره من الصحابة، فأنكر سورة الفاتحة وسورتي الفلق والناس، وكفّر من اعتبرها من كتاب الله؟! وابن مسعود هذا ممن أوصى محمد (صلعم)  بالأخذ عنهم في قراءة القرآن، وقد رُوي عنه قوله إنه يعلم ما صغُر وما كبُر في القرآن - وعندما كُلِّف زيد بجمع القرآن من دونه غضب واشتدّ حنقه على تكليف من لم يتجاوز العشرين من عمره بهذه المهمّة التي كان هو أكثر المؤهَّلين لها، فقال مستنكراً تكليف زيد بجمع القرآن: "واللهِ لقد أسلمتُ وهو مازال في صُلْب رجلٍ كافر!".
فالقرآن الكريم هو كتاب الله ودستور الأمة الإسلامية سياسيا واجتماعيا ولغويا في كل زمان ومكان . دعا الناس لطاعة الله والخضوع لسلطانه. وقرّر حقوقهم المقدرة فأخذوا بأوامره وحدّد واجباتهم فاجتنبوا نواهيه. ولقد جعل البشر سواسية مهما اختلفت أروماتهم ومشاربهم بلا تفرقة عنصرية أو لغوية أو اجتماعية.
نزل على الرسول (صلعم) بسبعة أحرف (عدد لهجات قريش) ليسهل للقبائل فهمه واستيعابه. وفي سنة 25 هجرية أيام خلافة عثمان وجد أن بعد الفتوحات الإسلامية قد تنازع أهل الشام وأهل العراق حول قراءة آيات القرآن لأنه بعدة لهجات وحدث هذا في بعض الأمصار. فكان يكفّر بعضهم بعضا. فشكل لجنة من كتبة الوحي أيام الرسول (صلعم) لجمع القرآن... فوحّد المسلمين في قرآن واحد، ليجمع به المسلمين في وحدة القرآن في كلّ أنحاء العالم. وكانت هذه أول محاولة لجمع العرب المسلمين.

جامعة الدول العربية 
تعتبر جامعة الدول العربية رمزًا لوحدة الأمة الإسلامية، فعلى الرغم من أن الدعوة إلى قيام وحدة بين شعوب العالم العربي ظلت مطلبًا عربيًا ملحّا للأمة العربية منذ الخلافة الأولى، فإن قيام شعار عربي واحد يجمع شمل العرب لم يتبلور إلا بعد امتناع المسلمين من عثمنة أو تتركة الإسلام، فهبّ العرب ضدّ موجة التتريك وتنادوا للتحرّر من مظلة السلطنة العثمانية.
تعاونوا مع الغرب لنيل حرّيتهم وسيادتهم مع بدء الحرب العالمية الأولى ضدّ السلطنة. وكرّروا موقفهم في الحرب العالمية الثانية ما بين دول أوروبا فكانوا فريقا لاعبا في تبديل كفّة الحرب لصالح أعدائهم الذين تقاسموا جبنة بلاد العرب حسب ما تقتضيه مصالحهم.
وازداد تشرذم الأمّة الإسلامية إلى توافق الحكّام مع المنتدب وإزلال شعوبهم وخيرات أرضهم لمصلحة الأجنبي ومن يعيّنهم كحكّام يقدمون له مصالحه على حساب مصالح شعوبهم وثروات بلادهم.
يرى بعض الباحثين أن فكرة إنشاء الجامعة العربية كانت بإيعاز من بريطانيا، فقد جاء على لسان وزير خارجيتها "إيدن" في 3 من جمادى الأولى 1360هـ الموافق 29 من مايو 1941م:
"لقد خطا العالم العربي خطوات واسعة في طريق الرقي، وهو يطمح الآن إلى تحقيق نوع من الوحدة يجعل منه عالمًا متماسكًا، ويرجو أن تساعده بريطانيا العظمى في بلوغ هذا الهدف، ويسرني أن أعلن باسم حكومة صاحبة الجلالة عن ترحيب بريطانيا بهذه الخطوة، وعن استعدادها لمساعدة القائمين بها".
وبعد هذا التصريح بأقل من عام تمّ إجراء عدة مباحثات بين رئيس الوزراء المصري "مصطفى باشا النحاس" ورئيس وزراء سوريا "جميل مردم"، و"بشارة الخوري" الذي كان رئيسًا للجمهورية اللبنانية في ظلّ الإنتداب الفرنسي على لبنان، وطُرحت لأول مرة فكرة إقامة جامعة عربية لتوثيق عرى التعاون بين الدول العربية.
وبدأت على إثر ذلك المشاورات مع بقية الحكومات العربية لإخراج الفكرة إلى حيز التنفيذ، ثم ما لبثت أن شُكّلت لجنة تحضيرية لمؤتمر عربي عام، اجتمعت لأول مرة في 6 من شوال 1363هـ الموافق 25 من سبتمبر 1944م، ضمّت ممثلين عن كلٍّ من مصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق، واتفق المجتمعون على إنشاء رابطة تجمع شمل البلاد العربية، وتدعم التعاون بين أعضائها، واستقر الأمر على تسمية تلك الرابطة "جامعة الدول العربية".
وفي 2 من شوال 1363هـ الموافق 7 من أكتوبر 1944م عقدت اللجنة التحضيرية اجتماعًا في "الإسكندرية" اختتم بإصدار "بروتوكول الإسكندرية" الذي سجل الاتفاق على إنشاء "جامعة الدول العربية".

بروتوكول الإسكندرية 1944  [1]
نص بروتوكول الإسكندرية الموقع عليه عام 1944 من  رؤساء الوفود العربية في اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام وأعضاؤها: 

رئيس اللجنة التحضيرية
مصطفى النحاس باشا رئيس مجلس وزراء مصر ووزير خارجيتها ورئيس الوفد المصري. 

الوفد السوري
سعد الله الجابري رئيس مجلس وزراء سوريا ورئيس الوفد السوري. وجميل مردم بك وزير الخارجية. ونجيب الأرمنازي أمين السر العام لرئاسة الجمهورية. وصبري العسلي نائب دمشق. 

الوفد الأردني
توفيق أبو الهدى باشا رئيس مجلس وزراء شرق الأردن ووزير خارجيته ورئيس الوفد الأردني. وسليمان سكر بك سكرتير مالي وزارة الخارجية. 

الوفد العراقي
"حمدي الباجه جي" رئيس مجلس وزراء العراق ورئيس الوفد العراقي. وراشد العمري وزير الخارجية . ونوري السعيد رئيس مجلس وزراء العراق سابقا. وتحسين العسكري وزير العراق المفوض بمصر. 

الوفد اللبناني
رياض الصلح بك رئيس مجلس وزراء لبنان ورئيس الوفد اللبناني. حضرة صاحب المعالي سليم تقلا بك وزير الخارجية. سعادة السيد موسى مبارك مدير غرفة حضرة صاحب الفخامة رئيس الجمهورية. 

الوفد المصري
نجيب الهلالي باشا وزير المعارف العمومية. ومحمد صبري أبو علم باشا وزير العدل. ومحمد صلاح الدين بك وكيل وزارة الخارجية.
إثباتا للصلات الوثيقة والروابط العديدة التي تربط بين البلاد العربية جمعاء، وحرصا على توطيد هذه الروابط وتدعيمها وتوجيهها إلى ما فيه خير البلاد العربية قاطبة وصلاح أحوالها وتأمين مستقبلها وتحقيق أمانيها وآمالها، واستجابة للرأي العربي العام في جميع الأقطار العربية.
قد اجتمعوا بالإسكندرية، بين يوم الاثنين 8 شوال سنة 1363 الموافق 25 سبتمبر/أيلول سنة 1944- ويوم السبت 20 شوال سنة 1363 الموافق 7 أكتوبر/تشربن الأول سنة 1944، في هيئة لجنة تحضيرية للمؤتمر العربي العام وتمّ الاتفاق بينهم على ما يأتي: 

أولا : جامعة الدول العربية
تؤلف " جامعة الدول العربية "من الدول العربية المستقلة التي تقبل الانضمام إليها. ويكون لهذه الجامعة مجلس يسمى " مجلس جامعة الدول العربية " تمثل فيه الدول المشتركة في "الجامعة" على قدم المساواة.
وتكون مهمته مراعاة تنفيذ ما تبرمه هذه الدول فيما بينها من الاتفاقات وعقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها وتنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل الممكنة وللنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها.
وتكون قرارات هذا "المجلس " ملزمة لمن يقبلها فيما عدا الأحوال التي يقع فيها خلاف بين دولتين من أعضاء الجامعة، ويلجأ فيها الطرفان إلى المجلس لفض هذا الخلاف، ففي هذه الأحوال تكون قرارات " مجلس الجامعة " نافذة ملزمة.
ولا يجوز على كل حال الالتجاء إلى القوة لفض النزاعات بين دولتين من دول الجامعة، ولكل دولة أن تعقد مع دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها اتفاقات خاصة لا تتعارض مع نصوص هذه الأحكام أو روحها.
ولا يجوز في أية حال اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أية دولة منها.
ويتوسط المجلس في الخلاف الذي يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة وبين أية دولة أخرى من دول الجامعة أوغيرها للتوفيق بينهما. 

ثانيا: التعاون في الشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها
1- تتعاون الدول العربية الممثلة في اللجنة تعاونا وثيقا في الشؤون الآتية: الشؤون الاقتصادية والمالية بما في ذلك التبادل التجاري والجمارك والعملة وأمور الزراعة والصناعة. شؤون المواصلات بما في ذلك السكك الحديدية والطرق والطيران والملاحة والبرق والبريد. شؤون الثقافة. شؤون الجنسية والجوازات والتأشيرات وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين وما إلى ذلك. الشؤون الاجتماعية. الشؤون الصحية.
2- تؤلف لجنة فرعية من الخبراء لكل طائفة من هذه الشؤون تمثل فيها الحكومات المشتركة في اللجنة التحضيرية وتكون مهمتها إعداد مشروع قواعد التعاون في الشؤون المذكورة ومداه وأداته.
3- تؤلف لجنة للتنسيق والتحرير تكون مهمتها مراقبة عمل اللجان الفرعية الأخرى وتنسيق ما يتم من أعمالها أولا فأول وصياغته في شكل مشروعات اتفاقات وعرضه على الحكومات المختلفة.
4- عندما تنتهي جميع اللجان الفرعية من أعمالها تجتمع اللجنة التحضيرية لتعرض عليها نتائج بحث هذه اللجان تمهيدا لعقد المؤتمر العربي العام.

ثالثا: تدعيم هذه الروابط في المستقبل
مع الاغتباط بهذه الخطوة المباركة ترجو اللجنة أن توفق البلاد العربية في المستقبل إلى تدعيمها بخطوات أخرى وبخاصة إذا أسفرت الأوضاع العالمية بعد الحرب القائمة عن نظم تربط بين الدول العربية بروابط أمتن وأوثق. 

رابعا: قرار خاص بلبنان
تؤيد الدول العربية الممثلة في اللجنة التحضيرية مجتمعة احترامها لاستقلال لبنان وسيادته بحدوده الحاضرة وهو ما سبق لحكومات هذه الدول أن اعترفت به بعد أن انتهج سياسة استقلالية أعلنتها حكومته في بيانها الوزاري الذي نالت عليه موافقة المجلس النيابي اللبناني بالإجماع في 7 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1943. 

خامسا: قرار خاص بفلسطين
1- ترى اللجنة أن فلسطين ركن مهم من أركان البلاد العربية وأن حقوق العرب لا يمكن المساس بها من غير إضرار بالسلم والاستقرار في العالم العربي.
كما ترى اللجنة أن التعهدات التي ارتبطت بها الدولة البريطانية والتي تقضي بوقف الهجرة اليهودية والمحافظة على الأراضي العربية والوصول إلى استقلال فلسطين هي من حقوق العرب الثابتة التي تكون المبادرة إلى تنفيذها خطوة نحو الهدف المطلوب ونحو استتباب السلم وتحقيق الاستقرار.
وتعلن اللجنة تأييدها لقضية عرب فلسطين بالعمل على تحقيق أمانيهم المشروعة وصون حقوقهم العادلة.
وتصرح اللجنة بأنها ليست أقل تألما من أحد لما أصاب اليهود في أوروبا من الويلات والآلام على يد بعض الدول الأوروبية الدكتاتورية، ولكن يجب أن لايخلط بين مسألة هؤلاء اليهود وبين الصهيونية. إذ ليس أشد ظلما وعدوانا من أن تحل مسألة يهود أوروبا بظلم آخر يقع على عرب فلسطين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم.
2- يحال الاقتراح الخاص بمساهمة الحكومات والشعوب العربية في "صندوق الأمة العربية" لإنقاذ أراضي العرب في فلسطين إلى لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية لبحثه من جميع وجوهه وعرض نتيجة البحث على اللجنة التحضيرية في اجتماعها المقبل.
وإثباتا لما تقدم وقع هذا البروتوكول بإدارة جامعة فاروق الأول بالإسكندرية في يوم السبت 20 شوال سنة 1363 الموافق 7 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1944. 

الإمضـــاءات
مصطفى النحاس، سعد الله الجابري، توفيق أبو الهدى، أحمد نجيب الهلالي، جميل مردم، سليمان سكر، محمد صبري أبو علم، نجيب الأرمنازي،  محمد صلاح الدين، صبري العسلي، حمدي الباجه جي، رياض الصلح، راشد العمري، موسى مبارك وتحسين السكري.[2]



[1] - المعرفة،   16/12/2002
[2] -  http://www.leagueofarabstates.org

ليست هناك تعليقات: