2012/05/26

قِصَّة ُرَغِيْفْ دَيْر مَار اليَاسْ المْطُوشِيْ قـُــبْرُصْ الأب جورج صغبيني




الأب جورج صغبيني

         
قِصَّة ُرَغِيْفْ

دَيْر مَار اليَاسْ المْطُوشِيْ قـُــبْرُصْ
1735- 1995




لبـنان  1995




الأب جورج صغبيني






  
قِصَّةُ رَغِيْفْ
دَيْر مَار اليَاسْ المْطُوشِيْ
 قـُــبْرُصْ
1735- 1995





لبـنان  1995








إهداء

     إلى الراهبين اللبنانيين المؤسِّسين العشقوتي والمصوِّر اللذين أقاما في قبرص يوم  لم يكن فيها لا أُسقف ولا خوارنة لخدمة الموارنة الذين كانوا كخراف لا راعي لها.
     إلى جميع الذين سعوا لقيام دير مار الياس المطوشي وفي مقدمتهم الأب العام مخايل اسكندر الإهدني صاحب القرار الذي بعد رئاسته العامة مضى بنفسه ليقيم في  قبرص ويسهر على قيام الدير والمدارس التي سعى لفتحها لأبناء الطائفة.
إلى الرهبان الذين لاقوا السجس والاضطهاد والعذاب من الأتراك والأروام  والرومان ومن بني أمتهم.
إلى الرهبان الذين عاشوا زمن إيليّا المطلوب حياً أو ميتاً من عدالة ظلم آحاب والمضطهد من جماعة كهنوت إيزابيل.
إلى الرهبان الذين فضَّلوا البقاء مع أولادهم في الفقر والعوز يوم قسمة الرهبانية بدلاً من اختبارهم رفاهية العيش وحلل الأرجوان والألقاب القدسية ومجالسة العرش البابوي.
إلى موارنة قبرص نبتة مارون الخلقيدونية التي زُرعت بين أشواك الجزيرة في ما  بين صخور الجبال والأرض القاحلة فتحوّلت على يدهم جنّات لبن وعسل تجري من تحتها الأنهار.
إلى موارنة قبرص الذين كانوا يُغْنون الرهبانية اللبنانية  التي زرعتهم في الجزيرة كأنصاب الأرز في لبنان.
إلى كلّ من كتب ودافع وساعد واستمات من أجل وجود وبقاء الموارنة في جزيرة قبرص...
أُقدِّم كتابي.                            
     الأب جورج صغبيني






 مقدّمة     

محاولة وجيزة في مجال وضع تاريخ لتـواجد الطائفة المارونية في قبرص. كما وإنَّه لا يمكن من خلال الكلام عن تاريخ وجود الرهبانية اللبنانية في هذه الجزيرة، إلاّ أن نذكر الموارنة، منذ أن حطّوا أوّل ترحالهم في قبرص. لكي نعرف،  من خلال هذا التواجد، سبب إلتزام الرهبانية اللبنانية المارونية بأبنائها منذ نشأتها ومجيئها الى الجزيرة لتجعل  لها مقاماً فيما بينهم حين لم يكن في الجزيرة من كاهن أو أسقف يخدمهم ويرعاهم وحين لم يكن قد مضى على تأسيس الرهبانية أكثر من أربعين سنة في لبنان وكأن  جزيرة قبرص بالنسبة إلى الرهبانية اللبنانية هي إحدى القرى اللبنانية.
وإذ لا يمكن فصل تاريخ الموارنة عن تاريخ الرهبان والأديار كما ألمح إلى ذلك ديونيسيوس التلمحري عندما روى حادثاً جرى في دير مار مارون عام 547 إذ يقول: "وظل الموارنة كما هم الآن ينتخبون بطريركاً ويرسمون أساقفة من جمهور ديرهم"[1]. فإنّه كذلك لا يمكن أيضا فصل تاريخ الموارنة في قبرص عن تاريخ الموارنة في لبنان لإرتباطهم أوّلاً: بمركز البطريركية المارونية مرجعيتهم الروحية. وثانياً: لإنتمائهم الطبيعي الى جغرافية هجروها بفعل الإضطهاد والإذلال آملينأن يجدوا حيث يمَّموا وجوههم، ألأفضل. فإذا بهم يشعرون وكأنهم منذورين ليكونوا أبداً مطلوبين من عدالة هذا الدهر وكأنّ مضطَّهِديهم يقدِّمونهم لآلهتهم قرباناً بقتلهم الموارنة.
فموارنة قبرص الراحلون من منطقة آفامية ومن جبال لبنان والمستقرُّون في جبال الجزيرة كانوا دائما أُضحية خلافات الآخرين ففيما بينهم رغم كون الموارنة مسالمين وليسوا أعداء لأحد، ولكنَّهم بسبب جور الحكام عليهم غير مطمئنِّين على مصيرهم.
هؤلاء الموارنة هم قلقون على مرقد العنزة الذي لهم في قبرص قلقهم على لبنان أرضأ جدادهم ووطنهم الأم.
هؤلاء الموارنة قلقون في كل مَّرةٍ تفغر الجحيم فاها لتبتلع منهم ما لا يشبع  شرهها أو ما لا يملأ جوفها وما لا يفنيهم.
هؤلاء الموارنة الذين حملوا عقيدتهم الخلقيدونية من أنطاكية شعار تعايش الروح والجسد ساعين ليتعايشوا كما عقيدتهم مع الآخرين في سلام مهما كان هؤلاء الآخرون.
تعايشوا مع اللاتين دون أن يصبحوا رومانيين.
تعايشوا مع الإسلام فحافظوا على العماد وقبلوا بالختان كأمرٍ واقع فتسمَّوا "لينومباشيين".
تعايشوا مع الأرثوذكسيين دون أن يصبحوا يونانيين.
تعايشوا مع الفرنجة دون أن يصبحوا صلبيين.
تعايشوا مع العثمانيين فلم يتترَّكوا.
تعايشوا مع الإنكليز فلم يتنكَّروا  لفرنسا.
وتعايشوا مع الطبيعة القاسية الجائرة فلم يكفروا بها، بل أحبوها وأعطوها من عرق جبينهم ودماء أجسادهم فبادلتهم من خيراتها كفافهم.
هؤلاء الموارنة القبارصة تركهم رعاتهم في قبرص تنهشهم الضواري نحواً من مئة وستين سنة إلى أن سمعت الرهبانية صوت استغاثـتهم فحنَّ منها القلب عليهم وأخذت على عاتقها أن تكون فيما بينهم مهما كانت الصعاب منذ ما قبل عام 1735 لتسهر عليهم وتردّ الضّال وتعتني بالضعيف وتقيم في ما بينهم لتحتضنهم فتطعم الجائع من زادها الوضيع وتقتسم معهم الرغيف.
أليست قبرص هي النصف الآخر للرغيف "لبنان" بالنسبة إلى الرهبانية ؟
هذه الرهبانية التي أَبَتْ إلاّ أن تحقّق وصية أبيها الروحي البطريرك إسطفان  الدويهي في أن تُقيم في قبرص ديراً ومدرسةً ورعايا.
هذه الرهبانية في يوبيلها المئوي الثالث ما هو دورها الآن في  قبرص؟ وما هي رسالتها في هذه الجزيرة؟
هذه الرهبانية المهجّرة اليوم في قبرص كشعبها، والمعوزة أيضاً. تنتظر كشفيع ديرها النبي إيليّا أن يحمل لها غرابٌ ما كفافها اليومي.
هذه الرهبانية هل هي اليوم في استراحة من مسؤولياتها التاريخية أو أنّه عاد إليها زمن التجربة...؟
                                   
                                            المؤلف                      


[1]- المنارة، عدد خاص بالابرشيات، سنة 1992 ، ص13، عن (Chroniqe de Michel le Syrien, Trad.  Chabot 1910,  T. IV, P:467)

ليست هناك تعليقات: