2012/05/23

بسكنتا عن كتاب كنيسة ومدرسة مار يوسف بسكنتا الأب جورج صغبيني






لمحة موجزة عن بسكنتا
قبل البدء بالحديث،عن تاريخ دير مار يوسف، في بلدة بسكنتا، لا بد من القاء نظرة موجزة،على محيط الدير والبلدة، جغرافيا وتاريخيا ...    

جغرافية بسكنتا                                                         
تقع بلدة بسكنتا على السفح الغربي، من سلسلة جبال لبنان الغربية، لقمَّة صنين.  
يحدّها من الشرق    : قمّة جبل صنين  
من الغرب            : طريق عام بكفيا القليعات  
من الشمال           : قمّة باكيش-فقرا              
من الجنوب          : وادي الجماجم                        
تبلغ مساحة بسكنتا، نحواً من 52 كلم2.                        
تعلو ساحة البلدة،عن سطح البحر،1200 متر.                                                                    
تشتهر بسكنتا صيفاً بمقاهيها ونبع صنين الذي يروي معظم جنائن البلدة المشجَّرة بالتفاح الكرزوالخضار الموسمية وسائر أنواع الفاكهة.                        
كما وتشتهر شتاءً بقمّة باكيش للتزلج.                        

إسم بسكنتا                                                     
ورد في كتاب تاريخ بسكنتا واسرها[1] :"إنّ لفظة بسكنتا تعني، بالسريانية، بيت العدل أو القضاء أو الحكم. وقد عمّرها الموارنة، حوالي عام 679، وجعلوها مقراً لأمرائهم المردة، وعاصمة للبلاد التي سُمِّيت كسروان، نسبة إلى كسرى الأول أحد أمراء المردة".       
إلاّ ان اسم بسكنتا يمكن أن يشير الى غير ما ورد، في كتاب تاريخ بسكنتا، وفي غيره من الشروحات، التي تقول: إن لفظة بسكنتا، تعني بيت السكن، أو بيت السكينة والهدوء.                           
فالأصّح لغوياً هو، ان لفظة بسكنتا مشتقة من كلمتين: (بيت كينوتُ) السريانيتين. وكلمة كينوتُ السريانية، تعني البرارة، المشتقة من لفظة ( كينو)، وجمعها (كينوتُ) أي البار، وجمعها الأبرار. فتكون لفظة بسكنتا تعني بيت الأبرار، الذين هم المردة الموارنة، الذين بنوها وجعلوها مقراً وعاصمة لهم.                                 

تاريخ بسكنتا          
يعود تاريخ بسكنتا إلى ما قبل عام 3000ق.م، أي منذ العهود الفينيقية. وقد تكون الأطلال والآثار، التي هي على مشارف البلدة وقممها، لمعابد فينيقية. تحوّلت فيما بعد، إلى قلاع وحصون وقصور، في العهود اليونانية (232ق.م  64 ب.م)، والعهود الرومانية (64-638)، وقد استقلّ بها الموارنة، حوالي عام 679، مع تاريخ إقامة ، يوحنا مارون أول بطريرك ماروني، لأوّل كرسيّ بطريركي في لبنان.           
إنَّ أوّل من سكن بسكنتا من الأمراء المردة الموارنة، كان الأمير يوسف الذي حكم مدينة جبيل وجبل لبنان. وعُرِف بيوسف الملك، الذي جازت عساكره، سواحل البحر إلى البقاع، حتى وصلت بلاد الخليفة معاوية (670-679 ). وبعد أن ظفر الملك يوسف بحروبه، عاد إلى بلاده، وسكن بسكنتا.            
وقال الدكتور كرنيليوس فنديك (Ven Duck Cornilius)[2]: "إنَّ الملك يوسف، غزا قوما اعترضوا الثوار في طريقهم إلى القدس، وعاد بغنيمة وافرة، وسكن في بسكنتا حيث مات بشيخوخة فاضلة. وخلفه الأميريوحنا، الذي غدر به، بوستينيانوس ملك الروم، بالإتفاق مع خليفة المسلمين عبد الملك بن مروان (682-750)، واغتالاه في قب الياس.                                              
وقيل ان الموارنة عمَّروا أولاً بسكنتا، في وادي اولون (وادي الجمام)، في الجيل السابع، عام 679. ثم عمّروا اهدن بعد ذلك.[3]
فالمتعارف عليه هو أن الموارنة المردة، سكنوا بسكنتا، منذ عام 679، وجعلها أومراؤهم مقراً لهم، وعرفت بالعاصية، حتى  عام 1307، تاريخ سقوطها، في عهد الشراكسة،على يد نائب دمشق قرقوش الإفرام، في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون (1293-1340)، عاشر المماليك البحريين، الذي أمر بأن ينزل، تركمان الكورة، في كسروان، لرد غارات الفرنجة الصليبيين. فسكن التركمان ميروبا وحراجل وفاريا وبسكنتا. وهكذا تمّ خراب كسروان. فالتجأ، سكانها الموارنة، إلى شمال لبنان.  
سكن المتاولة، في بسكنتا، في محلّة ساقية باب الجعيلة والحصين، في وسط البلدة، حول خراب كنيسة السيدة التي جعلوها زريبة لمواشيهم... واستقروا، في البلدة، من عام 1307 حتى 1664 تاريخ طردهم منها، في عهد الأمراء العسافيين.
ومع بدء عهد السلطنة العثمانية سنة  1516، نعمت بسكنتا، كسائر قرى الجبل اللبناني، بنوع من الهدؤ والاستقرار والأمن خاصة في ظلّ حكم الأمراء المعنيين.            
مع الإمارة المعنية (1516-1697)، وخاصة في عهد الأمبر المعني الثاني الكبير، اتجه الموارنة من شمال لبنان وحوران وبغداد وحلب، نحو جبل لبنان. وكانت بسكنتا من جملة القرى، التي عاد إليها الموارنة والروم الأرثوذكس. وابتاعوا الأرزاق، التي كانت لأجدادهم، من المتاولة حتى أجلوهم عنها.     
تزايد عدد المسيحيين الآتين إلى بسكنتا، في العهد الشهابي (1697-1841). واقتطعت بلدة بسكنتا، للأمراء اللمعييّن من جملة منطقة المتن، بعد معركة عين دارا (1711)، التي حازوا على أثرها بلقب أمراء. وفي أيامهم، وهم نصارى، ازداد عدد العائلات المسيحية، من الطوائف المارونية، والارثوذكسية، والكاثولكية. وفي أيام هؤلاء الأمراء وبمساعدتهم وتشجيعهم، تمَّ تجديد بناء كنيسة السيدة سنة 1712، بعد استقلالهم ببلدة بسكنتا، اقطاعية لهم. وجعلوا الكنيسة بثلاث هياكل، واحد للموارنة، وثان للروم الارثوذكس، وثالث للروم الكاثوليك. إذ أنَّ سياستهم كانت تقضي، بتوحيد المسيحيين، من أجل تثبيت حكمهم وامارتهم متبعين مبدأ وَحِّدْ تَسُدْ.        
وأُتبِعَت بسكنتا ، لقائمقامية النصارى، في ظل نظام القائمقاميتين (1841-1860). وبقيت كذلك، مع نظام المديريات، إلى أن أُلغي هذا النظام سنة 1861.      
ومع عام 1861، وضع البروتوكول اللبناني، عُيِّن للبنان متصرّف مسيحي يعاونه مجلس ادارة وقائمقامون ومديرون. وكان نصيب بسكنتا، أن جُعِلت قاعدة لمديرية عُرفت بمديرية بسكنتا، ومشيخة شيخ صلحها ماروني، يعاونه مختاران من الروم الارثوذكس ومختار واحد من الكاثوليك. إلى أن اُلغيت المتصرفية، باعلان الحكم العرفي، على يد جمال باشا السفاح التركي، مع الحرب العالمية الأولى، التي فيها غزا الجراد بلدة بسكنتا، كما سائر قرى جبل لبنان التي حاصرها العثمانيون، من السهل والبحر. وكأنهم تحالفوا، مع الجراد للقضاء، على جبل لبنان وسكانه المسيحيين.
وفي 16آذار 1917 وردت أوامر من المجلس العرفيّ بتنزيل أجراس الكنائس وجمع الحديد لحاجة الحرب[4].
وضعت الحرب العالمية أوزارها، بانتصار الحلفاء، واعلان الهدنة في 11 تشرين الثاني 1918. وكان لبنان، من نصيب فرنسا، في العهد الانتدابي. وفي 22 تشرين الثاني 1943، نال لبنان استقلاله.  
ومع بدء الأحداث، بتاريخ 13 نيسان 1975، صمدت بلدة بسكنتا، بوجه الغرباء والفلسطينيين واليسار الذين وصلوا، إلى نبع صنين، عام 1978. فردَّهم، أبناء بسكنتا، على أعقابهم. وصمدت البلدة، موحّدة، بكل أحزابها ومذاهبها وطوائفها، في وجه العدو الغريب، لتكون رمزاً للوطن الواحد.       
وبهذا تكون بسكنتا، قد حافظت على مساحة 52 كلم2 من مساحة لبنان. وبقي على كل بلدة لبنانية، أن تحافظ على ما لها من مساحة لبنان.                      
ونكتفي بهذه اللمعة السريعة ، عن بلدة بسكنتا المعاصرة لتاريخ المردة .مؤكدين أن هذه البلدة كانت ،منذ القديم ولا تزال حتى اليوم ، معقلاً وحصناً للهدؤ والسكينة وبيتاً للأبرار .رغم ما يعصف فيها أحياناً ، من الأحداث الخارجة عن إرادة أبنائها أحفاد المردة. لكنّها سرعان ما تعود إلى أصالتها التي نشأت عليها.  
وعسى المستقبل يحمل، لأبناء بلدة بسكنتا، أماني الأجداد. وأن ينبّه الأحفاد للحفاظ على ما ورثوه، من جغرافية الوطن. مستمرين، في كتابة صفحات المجد، في سجل تاريخ لبنان.    

عن كتاب كنيسة ومدرسة مار يوسف بسكنتا- 1995
الأب جورج صغبيني


[1] - تاريخ بسكنتا واسرها، المونسنيور بطرس حبيقه-المطبعة الكاثولكية بيروت 1946 ص 18
[2] - المرجع السابق عن فنديك كورنيليوس (1818-1895)، مستشرق هولندي الأصل، أميريكي المنشأ. من أعضاء الارسالية الأميريكية في بيروت.   
[3] - تاريخ بسكنتا ص 13.
[4] - تاريخ بسكنتا ص 23.

ليست هناك تعليقات: