2012/05/11

عظة الأب جورج صغبيني يوم الجمعة الحزينة كنيسة السيدة بقاعكفرا


عظة الأب جورج صغبيني
رئيس دير مار شربل بقاعكفرا
في كنيسة السيدة يوم الجمعة 2 نيسان 1999

حضرة الخوري يوسف خادم الرعية المحترم
أخواتي الراهبات
أيها الإخوة المؤمنون

في مثل هذا اليوم يوم الجمعة 
عُلّق على خشبة الذي علّق الأرض بالسماء وهو ربنا يسوع المسيح الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس.
صلبه اليهود والرومان
ولا يزال منذ ألفي سنة يصلب
لا يوم الجمعة وحسب بل وكل يوم
فمن ينزله عن خشبة الصليب هذه.
وإن أعلن بعض فلاسفة هذا العصر  موت الله واكتفوا مع أتباعهم بالأرض على أنّهم من تراب وإلى التراب يعودون.
فإنّنا نحن  المسيحيين الذين آمنا بيسوع الإله ـ الإنسان نؤمن بأنّنا من روح الله خرجنا وإلى روح الله نعود.
نعود كما يسوع المسيح الذي بعد تجسّده وحياته معنا على الأرض وآلامه وصلبه وموته، نعود بالقيامة معه عن يمين الآب في مجد السماء.
وإذ نحتفل اليوم بدفنته المباركة على أمل القيامة فإننا نحتفل قبل يوم الدينونة بقيامتنا معه من بين الأموات.لأنّنا نؤمن بأن يسوع المسيح المائت من أجلنا ومن أجل خلاصنا هو القائم من الموت. ولو لم يقم المسيح لكان إيماننا باطلا كما يعبّر عن ذلك بولس الرسول.
هذا الإله الذي سيق كالحمل إلى الذبح ولم يفتح فاه، صُلب من أجل خلاص الناس الذين ولدوا منذ معصية أبوينا الأولين وحتى اليوم والذين سيولدون وحتى نهاية العالم.
المسيح الذي علّق في مثل هذا اليوم على خشبة الصليب وضرب بالعاهات على حسب قول النبي قد جمع في جسده كلّ أوجاع الناس والبشرية.
بسبب خطايانا أحصي مع الخطأة والخارجين على القانون.
خذله مَن هم مِن حوله لأنّهم أرادوه أن يكون كما يريدونه وليس بحسب مشيئة وإرادة الآب السماوي.
فالمسيح ينادي جميع البشر وينادينا  خاصة نحن المؤمنين به بالصلاة التي ننشدها في رتبة السجدة وزياح الصليب قائلا:
يا شعبي وصحبي أين عهد الأَيمان…
أهذا جزائي؟
ما بين لصّين صلبتموني عريان
وإلى متى تصلبونني كلّ يوم؟
بالأبرياء الذين تظلمون وتسجنون و تقتلون…
نحن شعب على شَبَهِ العذراء الأم الحزينة على فقد وحيدها.
وكلماتها هي كلمات كل أمّ ثكلى فقدت إبنها من جَرَّاء أحكام الظلم والجَور في هذا العالم  وخاصة في هذا الوطن.
ألم تمرّ أمهاتنا بمثل ما جاز في قلب العذراء من سيوف الحزن والوجع.
كم من أمّ صرخت مثل صرخت العذراء:
آه يا ولداه
كيف تحيا والدتك يا ولداه بعد موتك
اسمح لي أن أموت قبلك ولا أنظر أحوالك…
فيا أم يسوع التي أشركتينا بآلام ابنك فادينا
اشركتي عيالنا المسيحية
أشركتي وطننا
فاصبحنا بدون استحقاق منّا  وبنعمة من إبنك الوحيد المجّانية شركاء في الفداء وأصبح كلّ يوم هو يوم جمعة .
يوم حزن وحداد.
يوم عدم قبول  التعزية كنسوة الرامة اللواتي يبكين أولادهنّ
يوم مناحة على الحق المصلوب.
يوم مشاركة المظلومين والمقهورين والمحرومين المرميّين في اقبية السجون المظلمة وفي التيه والعوز والضيق والفاقة…
أليس البعض منّا كبيلاطس يغسل يديه من دماء الأبرياء
ألسنا في عصر العشرين نعود لنحكم على المسيح جَورا وبهتانا ونكرّر صلبه بسبب تصّلبنا في خطايانا وسيرنا في مصالحنا وأهوائنا وشهواتنا…
ألسنا كلصّ الشمال نردّد: نفسك خلّص  وخلّصنا معك، أمام كلّ صعوبة ومحنة، ولا نقبل ما نُبتلى به من تجارب فنصبر عليها مثل أيوب البار  حين يختبر الله محبتنا له فيخزى بنا الشيطان عدوّنا.
ألسنا كبطرس ننكره أمام الناس حياء وخوفا على مصالحنا مع غير المؤمنين.
ألسنا كيوحنا نهرب عراة ونترك ثيابنا وقرانا في يد أعدائنا تائهين مشرّدين كالأيائل في الغابات بدل الوقوف بإيمان وثبات في المحنة والتجارب.
ألسنا كاليهود كّللوه بالشوك ملكا لأنه خرج عن تعاليم موسى وعلى شريعة السبت.. نكلّله كل يوم بالشوك ونطعنه بحراب الخروج عن تعاليمه ونسير خلف إغراءات العالم الذي صداقته هي عداوة لله ومن أجل تحقيق مكاسبنا  ومصالحنا وأرباحنا على حساب دم المسيح.
ألسنا نتقاسم كالرومان ثيابه بل نتقاسمه بحسب سياساتنا وحزبياتنا وانتماءاتنا باسم الدين والكنيسة والوطن؟
وهل المسيح تجزّأ وأصبح قسما منه لبطرس وقسما آخر لبطرس وقسما لأفلو.
هذا الشعب المسيحي في لبنان الحامل صليب شعوب الشرق هو أنتم المجتمعون اليوم في كنيسة عماد مار شربل إذ أُوكل إليكم على مثال مار شربل أن تحملوا رسالة القيم والفضائل والأخلاق من هذه المنطقة منبت ومشتل القديسين والأبطال الشهداء.
وهذه الأمّة المارونية المشتّتة كالخراف التي لا راعي لها لأنّهم تبعوا لهو الأجراء وعلف أصحاب المزارع فباتوا على أبواب المسالخ السياسية وتركوا المراعي الخصيبة من على مذبح الرب في كنيستهم وبات كل صوت نغم يغريهم وكل مذاق علف دسم يشهيهم خارج حظيرتهم مأواهم من أنياب الذئاب المفترسة.
أين العذارى تبكي وقد بتنا جميعا غرقى بسواد الحداد والدموع وقد ضاق علينا ثوب الحريّة بعد أن كان فضفاضا حتى بانت عورتنا.
وفتحنا أبوابنا على مصراعيها فصعقنا صقيع الأمم بعد أن استبدلنا ثوب إيماننا بكنيستنا وثوب انتمائنا لوطننا بالعري الذي لببسه آدم وحوّاء، ومثلهما بعنا الجنّة بأرض الشوك والقطرب وألم المخاض وعرق الجبين.
أليس فينا قيرواني يحمل عن الإنسان المعذّب والمتألّم والمريض والجاهل والطفل اليتيم والشيخ المهجور والمشرّد والإنسان المهجّر من بيته وبلدته ووطنه صليب كل هذه العذابات.
أليس فينا فيرونيكا واحدة تمسح عرق التعب والسهر عن الجباه المعفّرة بالإستشهاد على جبهات حدود القيم لتبقى ذكراهم مطبوعة في ذاكرتنا.
أليس فينا راميّ واحد ينزلنا عن صليب الحرمان والكفر والذميّة واللاأخلاقية ويحسن دفنتنا، وكأننا مطلوبون أحياء أو أمواتا من عدالة هذا العالم.
أيها المصلوب
الآتي من السماء إلى أرضنا
المائت عنّا ومن أجل خلاصنا
يا من علّمتنا أن بعد الألم المجد
وأن بعد الموت قيامة وحياة
أي شكر نؤدّيه لك إلا أن نعلن إيماننا أنك حقّا إبن الله.
ونستعدّ كل يوم أن نشاركك آلامك ونمات من أجلك
حتى نستحق أن نشاركك مجدك
آمين.

ليست هناك تعليقات: