2012/05/01

كلمة بركة راعي أبرشيّة بعلبك – دير الأحمر المارونيّة المطران سمعان عطاالله في مقدمة كتاب أنطش سيّدة المعونات في بعلبك للأب جورج صغبيني




راعي أبرشيّة  بعلبك –  دير الأحمر المارونيّة
المطران سمعان عطاالله
 

  Archevêque de Baalbek – Deir El Ahmar
 
  Simon Atallah
 


بروتوكول 89/2006
دير الأحمر في 30/10/2006

ما من أحد يستطيع أن يفهم أيَّ شيء ولا أن يكون فاعلاً فيه إن لم يعد الى أحداث التاريخ والى الوجوه التاريخيّة وظروف الزمان والمكان والى الفكر الذي وراءه أو في رأس الفاعلين فيه وفي تاريخ الشعوب.
          في تموز الماضي 2006، هبّت حرب على لبنان ظلماً وبشكلٍ حاقد وبإرادة، مصمّمة على توجيه الأذى اللعين الى وطن، عُرف بأنه حامل رسالة تاريخيّة عريقة؛ أن مسبّبي هذه الحرب  صبّوا حمم صواريخٍ مدمّرة على  مدينة بعلبك، طبعاً بشكلٍ مدروس جداً، ولكن ورغم ذلك فإنها، بأزيزها وضجّتها والرعيد دمّرت مناعة الآثارات القائمة، وحفرت حفراً عميقة تمحو تلك الآثارات الدفينة التي تحفظها الطبيعة باحترام. في هذه الحرب المشؤومة، وأنا أنظر الى بعلبك، مقهوراً وثائراً، كنت أقول أين هي الدول حامية الآثارات والتراثات والتاريخ؟ أين هي المؤسسات الدوليّة التي تأخذ على ذاتها حماية التراثات والحضارات وتردع بقوانينها وعملها القوى الشيطانيّة المعادية الهمجيّة وتثنيها عن مسّها بأي أذية؟!
          في مثل هذه الأجواء أطلّ عليًّ راهب ملتحٍ، طويل القامة، ووضع بين يديّ صفحات، ملأها بنتاج فكره حول تاريخ حضور رهباني على عتبة هياكل بعلبك، ذروة فنّ الأمبراطوريّة الرومانيّة وحضارتها المعماريّة، التي ما زالت حتى اليوم، تطلع من حناياها رائحة بخور، أحرقته كهنة باعال أمام آلهتهم الخرساء. ان عظمتها تحدّثك عن بطولات القادة الرومان في حروبهم مع مناوئيهم من سائر قادة الشعوب غير الخاضعة لسلطانهم الروماني المستكبر.
          في وجه مجموعة الهياكل الرومانيّة في هليوبوليس، مدينة الشمس, رفع رهبان، أتوا من الجبل اللبناني الأخضر، مداميك دير صغير، ألقوا عليه لقب الأنطش، ليعبدوا ، في كنيسته، المكرّسةِ على اسم سيّدة المعونات، الله الحي، الناطق بالأنبياء والمبشّر، بواسطة رسل ابنه الأوحد المتجسّد، بإنجيل الخلاص لجميع أبناء البشر.
          والأب جورج الصغبيني، ابن بلدة الطيبة، من جارات بعلبك الخالدة، الحارسةِ أبوابَها والمذكّرة بِطبيعتها الجغرافيّة بجبل سيناء وما يحمل من رموز، وابن رهبنة، ارتبط تاريخها بتاريخ الجبل الأشم لبنان، وأعطت من أبنائها قديسين، رفعتهم الكنيسة على مذابحها، إن الأب جورج هذا أحبّ أن يسلّط الضوء على هويّة هذا الأنطش، وأن يحدّثنا بالكلمة والصورة، عن الحضور الرهباني الفاعل الذي ذكرت، وعن خدمة الرهبان في الحقول الروحيّة والرعويّة والإنمائيّة.
          
أنطش سيّدة المعونات في بعلبك،تاريخ صُنع، على مدى أكثر من قرن ونصف، من التعبّد والزهد والكرازة والأنجلة والرعاية والشهادة. تاريخ، يضع الأب جورح الصغبيني، الراهب اللبناني "الطيّب"، عناوينه أمام أعيننا للتثمين والعبرة؛ تاريخ يكوّن دليلاً واضحاً لدراساتٍ معمّقة، تكشف لنا عن أهداف هذا الحضور الرهباني ودوره في النيابة الأسقفيّة، التي أؤتمن عليها على مدى عقود، بخاصة على طول المنطقة الشرقيّة للأبرشيّة وعلى اتساع السهل، أهراء روما قديماً. فالسنين الطويلة  قي حوار بين الأديان والثقافات وخبرة العيش معاً، تذكّرنا بالحوارات التي كانت تتمّ بين فقهاء الدين الإسلامي ولاهوتيّي الحياة المسبحيّة، وتكوّن اليوم قاعدة صالحة لحوار الحياة الواعي والمسؤول والواعد من أجل شهادة أكثر فاعليّة اليوم وأقوى تجلّياً للأخوّة الشاملة والإحترام المتبادل لبناء السلام المنشود.
          فالشكر للأب العزيز جورح الصغبيني على الجهود التي بذلها من أجل وضع هذه المعطيات التي ذكرت في متناول محبّي المعرفة وحاملي مسؤوليّة الرسالة الكنسيّة في هذه المنطقة الحبيبة، الغنيّة بالتاريخ المجيد وبالمواقع الآثاريّة العديدة وبالتراثات الإنسانيّة الفنيّة والحضاريّة والرسوليّة. كافأه الله على تعبه وجازاه بتعزية رؤية من يأخذ هذه المعطيات بجدّية ويكشف عن أسرارها وأبعادها المطموسة تحت تراب هذه المنطقة ووراء رموزها الناطقة والتي نراها في المعالم غير المحصاة في بعلبك بالذات أو في مناطقنا، كما وفي المخطوطات، المحفوظة منها والمطمورة في أمكنة لا بدّ وأن يُكشف عنها. الى ذلك فهناك التاريخ الإنساني، وهو الأهم، الذي دوّنته حياة الرهبان الذين تعاقبوا على الأنطش المذكور، وسجّلته خبراتهم الحياتيّة اليوميّة، لا سيّما وان الحوار في بلادنا مبني، أساساً، على حوار الحياة، الذي كان وما يزال وسيبقى رصيدنا الأغنى والأفعل للتفاعل والسير معاً نحو الحقيقة الواحدة. أو لسنا شهوداً أولاً وآخراً على ارادة الله الخلاصيّة الشاملة والنابعة من محبّته غير المحدودة زماناً ومكاناً؟

لك محبّتي، ابت جورج، مع الدعاء.
  سمعان  
راعي أبرشيّة بعلبك – دير الأحمر المارونيّة

ليست هناك تعليقات: