2012/05/29

كتاب جَامِعَة ُالدُوَل ِالعَرَبـِيَّة ْ قِمَمٌ وَمُؤْتَمَرَاتْ الأب جورج صغبيني




الأب جورج صغبيني




جَامِعَة ُالدُوَل ِالعَرَبـِيَّة ْ
قِمَمٌ وَمُؤْتَمَرَاتْ
1945ـ 2005

لبنان 2005





تمهيد

لفظة جامعة هي مصدر لفعل جَمَعَ
وجمعها جامعات
وجَمَعَ يعني لمّ الشمل وضمّه في رزمة واحدة
ويعني جمع الصفّ أي رصّ الصفوف
ويعني أيضاً الوحدة والتعاون والتعاضد
وهذا كله ضدّ الفرقة والتباعد والخلاف
والعرب مطبوعون أصلا على التناحر
يتباهون بأحناكهم لا بعقولهم.
وبعد
فماذا نقول
وقد قالوا كلّ ما يقال
ولم يتركوا لنا قولا نقوله فيهم
وقد اختصر رسول الله (صلعم) كلّ المقولة بقوله:
... الأعراب أشدّ كفرا ونفاقا...[1] وممّن حولكم من الأعراب منافقون...[2] وسيقول لك المخلـَّـفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا. يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. [3]
وقد أصدقه العرب قوله ولم يكذّبوه.
فكان أن صدق فيهم قول الله العليّ العظيم.


[1] - (سورة التوبة آية 97)
[2] - (سورة التوبة آية 101)
[3] - (سورة الفتح آية 11)

                                            المؤلف



عرب الجاهلية

يشير سفر التكوين، العهد القديم، إلى أمة إسماعيل حيث جاء فيه: وقال إبراهيم ليت إسماعيل يعيش أمامك.  فقال الله:"... أما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً، إثني عشر رئيسا يلد، وأجعله أمّة كبيرة...". ومن هذه البشارة نجد أن الله قد وعد نبيه إبراهيم الخليل بأن إبنه إسماعيل الإبن البكر من أَمَتِهِ هاجر سيكون أُمَّة كبيرة في أرض مكة التي هاجر إليها مع أمه هاجر.
ولقد بيّنت سيرة الخليل أنهم لما بلغوا بئر سبع بفلسطين صلي على إبنه إسماعيل , وأمته من العرب. ولقد إستجاب الله لإبراهيم عندما دعا ربه قائلا:" لقد أسكنت من ذريتي بأرض غير ذي زرع عند بيتك المحرم…"
إن بلدة إبراهيم أور العراقية وقصته مع أهلها وهجرته وذريته منها يشوبها التحريف. لكن ما نعرفه نصا قرآنيا أن الذبيح كان إسماعيل إبنه الأكبر وقد فداه الله بذبح عظيم. لكن اليهود اعتبروا أن الذبيح كان إسحق.
 فإسماعيل الإبن البكر وأصل العرب الذين هم بنو إسماعيل بن الخليل عاشوا بأجزاء من شمال الجزيرة العربية وفلسطين ومكة والحجاز.
وكان الإسماعيليون رعاة وأهل تجارة وكانوا يسعون وراء الماء والكلأ على مثال جدّهم إبراهيم. وكانت القبائل الرعوية في الجزيرة ترحل بقطعانها وراء الماء والكلأ.  ولم يكونوا يسكنون المدن أو القرى. فكانوا يضربون خيامهم حولها.
كانت الجزيرة العربية مقسمة إلي ثلاثة أقاليم رئيسية وهي:
- الإقليم الأول: البتراء وهي الأردن حاليا.
- الإقليم الثاني: الصحراء العربية الكبرى إلى بادية الشام وأعالي الفرات في العراق حتى الخليج العربي.
- الإقليم الثالث: شبه الجزيرة العربية حيث الحجاز وبلاد اليمن على البحر الأحمر وعلي المحيط الهندي.
والمؤرخون يصنفون العرب إلى ثلاث طبقات:
- العرب البائدة: وهم الذين طمست آثارهم ولم يسجل لهم التاريخ إلا صفحات مشوهة .وأشهر قبائلهم : عاد ، ثمود، طسم ، جديس .
- العرب العاربة: وهم عرب الجنوب ويرجع أصلهم إلى قحطان ومن أشهر قبائلهم : طيء، الأوس والخزرج ، الغساسنة ، المناذرة .
- العرب المستعربة: ويرجع أصلهم إلى عدنان ثم إلى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام. ومن أشهر قبائلهم : قريش ، تميم ، هوازن ، ثقيف ، عبس وذبيان ، بكر وتغلب.
وكان العرب سكان شبه الجزيرة العربية قبائل انتشرت في العصر الجاهلي. وكانت كلّ قبيلة تتمتع بالحكم الذاتي والإستقلال التام. وكانت غير موحّدة في كيان ديني أو لغوي...
جاء الإسلام ليجمع هذه القبائل معا في أمة واحدة. وكانت مكة أرض مبعث الدعوة الإسلامية التي حلّت مكان القبلية التي تهاوت واندمجت في الأخوّة الإسلامية.
لم يكن للعرب في الجاهلية تاريخ أو ثقافة أو دين سوى عبادتهم للأصنام... وإن أرضهم لم تكن خصبة لتغنيهم عن جوع أو تسد أرماقهم. وكانوا يعتمدون على المطر ليصيبوا منه الكلأ. فيرعون عليه إبلهم وقطعان أغنامهم، أو يعيشون على الغزو ليغتنموا من العدوّ إبله ومواشيه وما يسبونه من نساء جواريا ومن أطفال عبيدا.
وكانت ثرواتهم لا تتعدي أعداد أغنامهم وإبلهم. وكانت السيادة والمكانة تقيّم بعدد عير الشخص في القافلة التجارية.
وكانت توجد أحلاف لحماية هذه القوافل من قراصنة الصحراء أثناء مرورها بمضارب القبائل التي تغير عليها وتسبي نساءها وتنهب ما تحمله.
لهذا ظهرت بين القبائل التي كانت تمرّ بها القوافل الحروب والمشاحنات. وكانت الغلبة للأقوى. فقامت الحروب والثأر بين قبائل الجزيرة. وكانت هذه الحروب مدعاة لفخرها أو معايرتها. وكان الشعراء في كل قبيلة ينشدون مفاخر قبائلهم. وهذا ما جعلهم يحظون بالمكانة والرفعة ويختلقون الإنتصارات. وكانت أشعارهم يحفطها العرب ويرونها في منتدياتهم.
والعرب قبل الإسلام كانوا لا يعرفون سوى أعرافهم وتقاليدهم التي ألفوها. فلكل قبيلة شيخها المطاع والمهاب، وكان يتبع أعرافا تسيّره وتدبّر شؤون قبيلته. وكانت الأحلاف بين العرب إمّا لردّ عدوان أو للمسالمة أو للحفاظ على الجيرة. إلا أن هذه العهود كانت كثيراً ما تنتهك.
وهذه القبائل العربية في الجاهلية كانت تمارس السطو والسبي حتى دخل عليهم الرسول (صلعم) وهم متنازعون. فاحتكموا إليه. ففرد ثوبه ووضع فوقه الحجر الأسود. وطلب منهم مجتمعين حمله. ولما دنا إلى مكانه حمله الرسول (صلعم) ووضعه فيه. وارتضوا هذا الحكم ولم يعارضوه، لما كان لمحمد (صلعم) فيهم من مكانة. فأقروه وقبلوه. لأن الرسول (صلعم) كان فيهم أرجح عقلا وأكثرهم منطقا وصدقا. فلم ينشقوا عن حكمه. ولم يعارضه فيه معارض.
فمحمد (صلعم) لم يكن فيهم أيسرهم مالا أو أكثرهم نفوذا, بل ظهرت عليه بوادر القيادة وقوة الإقناع. فاشتهر بينهم بالأمانة والصدق ورجاحة العقل وقوة الشخصية. مما أهّله لأن يكون فيهم شخصا متميزا بينهم. [1]
فأول وحدة عربية ظهرت كانت مع التوحيد الديني في الإسلام الذي صهر العصبيات القبلية في بوتقة لغة واحدة وكتاب واحد ودين واحد.
وتبعها معاهدات ومصالحات، مع غير المؤمنين بدين الله، في الحروب التي جرت بين النبي (صلعم) وبين أعداء الدين الإسلامي، منها:
كانت أول خطوة خطاها رسول الإسلام في المدينة أنه آخى بين المهاجرين والأنصار، واختار كل أنصاري أحد المهاجرين ليكون أخا له يأكل معه مما يأكل ويشرب مما يشرب ويقتسم معه ماله في أروع صور التكافل الاجتماعي التي أذابت عصبيات الجاهلية، وأسقطت فوارق اللون والقبلية والطبقية. ‏واستطاع النبي (صلعم) بفضلها إيجاد وحدة إسلامية شاملة‏ وبهذه الحكمة وبهذا التدبير أرسى رسول الإسلام قواعد مجتمع جديد، يسوده العدل والإلفة والمحبة وينعم فيه الجميع بالأمن. وكان النبي (صلعم) يتعهدهم بالتعليم والتربية، والحث على مكارم الأخلاق، ويؤدبهم بآداب الودّ والإخاء والمجد والشرف والعبادة والطاعة‏.


[1] -  مقال لأحمد محمد عوف في مجلة "منبر الإسلام نت"

ليست هناك تعليقات: