2012/05/11

المطران يوحنا فؤاد الحاج الأب جورج صغبيني كاريتاس لبنان


الذاكرة في ذكرى رحيلك
 الصورة يوم تسلّم الأب جورج صغبيني رئيسا لكاريتاس حمانا من المونسنيور أنطوان أبي يونس 
على يد رئيس كاريتاس لبنان الأب فؤاد الحاج 


بتاريخ يوم الخميس  5/5/2005 ودّعنا وغادرنا المثلـّث الرحمات صاحب السيادة المطران يوحنا فؤاد الحاج في ريعان عطاءاته بعد أن جعل من أبرشية طرابلس المارونية خلية عمل روحية واجتماعية وعمرانية بشرا وحجرا...
منذ تسلمه كرسي المطرانية في طرابلس، جمع إلى قلبه أبناء المدينة ذات الغالبية المسلمة التي استقبلته أكثر حفاوة من أبناء أبرشيته وكأنها تنتظر منه تعزيز واقع العيش الواحد الذي كانت أحبّ الكلمات على قلبه الذي اتسع للجميع دون النظر إلى طائفة أو مذهب كيف لا وهو رئيس كاريتاس العالم وأبو الفقراء ليس في أبرشية طرابلس فقط بل وفي كل لبنان والعالم...
 هذا الأسقف الذي جعل رسالة العيش المشترك  قاعدة قناعاته بنى عليها حضارة المحبّة التي آمن بها وعاشها في بلدته زحله وهو إبن البقاع إبن السهل المترامي الأطراف الجامع في رحابه كلّ الناس...
سرعان ما طبع المطران الحاج تلك القيم في قلوب كافة العاملين معه في مطرانية طرابلس من كهنة وعلمانيين واضعا  كل إمكاناته الإجتماعية والمادية لمساعدة من يطرق بابه لا بل ومفتـّشا عنهم في حنايا رعايا أبرشيته.
لقد خسرنا بغيابه لا أسقفا وزعيما بل أباً للكهنة وراعيا لخراف الطائفة المارونية ومرشدا للمسؤولين السياسيين والمدنيين وخادما للقيم ورجل حوار ورجل عمران ونهضة دينية واجتماعية ووطنية فأحبه الناس...
رحل المطران يوحنا فؤاد الحاج، عن عمر 66 عاما، أمضاها في الخدمة والعطاء والمحبة، فودّعته طرابلس أباً بالحزن والأسى والدموع كما استقبلته أسقفا راعيا بالحفاوة والفرح.
 المطران الحاج هو فؤاد إبن توفيق الحاج، من مواليد عاصمة البقاع زحله في 13 نيسان 1939، سيم كاهنا بتاريخ 17/3/1968، اتخذ اسم يوحنا يوم سيامته الأسقفية في أول حزيران 1997.
حائز على عدد من الشهادات الجامعية في اختصاصات مختلفة:
إجازة في الفلسفة من جامعة القديس يوسف في بيروت عام 1964،
إجازة في اللاهوت من الجامعة نفسها عام 1968،
ماجستير في التربية من جامعة نيويورك بافلو في أميركا عام 1974،
دكتوراه في الادارة من الجامعة نفسها عام 1978،
دكتوراه في الحقوق الكنسية من جامعة لاتران الحبرية في روما عام 1980.
وهو يتقن اللغات: العربية، الفرنسية، الانكليزية، الايطالية، والاسبانية، ويتكلم اللاتينية، واليونانية، والسريانية.
انتخب رئيسا لكاريتاس لبنان من سنة 1991 إلى سنة 1997،ورئيسا لكاريتاس  الدولية بتاريخ 17/6/1999 وجدّد له للمرّة الثانية حتى تاريخ وفاته.
"لقد كان مُرضياً لله فأحبه... وقد بلغ الكمال في أيام قليلة، فكان مستوفياً سنين كثيرة". هذا ما قال البطريرك مار نصرالله بطرس صفير في يوم دفنه.
"كان المطران يوحنا فؤاد الحاج رجل إدارة وعمران، رجل ثقافة وانفتاح رجل ايمان وصلاة، وايمانه هو الذي حثـّّه على القيام بما قام به في أبرشيته من أعمال رعى معها كل الناس، دونما استثناء، أو تفرقة بين غني وفقير، مسيحي أو مسلم. وبعد فكلنا عيال الله، وكان يعرف أنّ أقربنا اليه تعالى أنفعنا لعياله".
"تسلّم مقدرات أبرشية طرابلس المارونية طوال ثماني سنوات. فرمّم خلالها ما تهدم، وبني ما تداعى، ونظـّم ما كان من فوضى. فاستنهض همم أبناء الرعايا لترميم عدد من الكنائس، وبناء قاعات استقبال في جانب الكثير منها. وطوّر عدداً غير يسير من المدارس التي أنشئت في الأبرشية، وهي توفر العلم والتربية لما لا يقل عن ألفي تلميذ من مختلف المذاهب والاديان وأسس معهد مار يوحنا العالي للتربية والتكنولوجيا في كرمسدة ومكتب الخدمات الاجتماعية لتوفير أسباب العمل للعاطلين عنه. وفعّل دور رابطة كاريتاس لمساعدة من هم بحاجة الى مساعدة، وتابع ترميم دار المطرانية في كرم سدّه، واستصلح قسماً كبيراً من أراضي المطرانية، ومهّد السبيل لحسن استثمارها، وايجاد مجال لتصدير إنتاجها. ورعى بعناية كبرى ميتم مار انطونيوس في كفرفو. وبذل قصارى جهده لإنشاء علاقات صداقة، وتعاون مع أبرشيات فرنسية، فسحت في المجال لتبادل الزيارات بين أبناء رعايا هذه الأبرشيات. وان ما أتاح له ان يقوم بذلك كله تضلّعه بمبادئ الإدارة الصحيحة، وهو الذي تمكّن من حيازة شهادة ملفتة في الإدارة من جامعة نيويورك، وشغل منصب أستاذ مساعد في هذه المادة في تلك الجامعة، الى جانب ما أحرز من شهادات أخرى في الفلسفة واللاهوت والتربية والحقوق الكنسية".
كان أهلاً ومستحقـّاً أن ينتخبه مجمع البطاركة والأساقفة في لبنان رئيساً لرابطة كاريتاس لبنان لمرتين مدتهما ست سنوات، فما أوصد بابه أمام استغاثة محتاج، ولا أصمّ أذنيه عن سماع نداء منكوب فكانت كاريتاس لبنان في ايامه في أوج عطاءاتها. وما لبث أن عيّن عضواً في منظمة "القلب الواحد" الرومانية، ثم رئيساً لمنظمة كاريتاس العالمية على دورتين متتاليتين، واختيرأسقفا على أبرشية طرابلس المارونية فنظّيم أبرشيته، ونفخ في أبنائها روح الايمان، ومحبة الخدمة المجانية. وأنشأ لجاناً راعوية، ومجالس أبرشية شملت كل هيئات المجتمع كالعيلة، والشبيبة، والمرأة، والتعليم الديني، والدعوات الاكليريكية والثقافة، والاعلام... ونهض باستثمار الممتلكات الكنسية وترميم وبناء الكنائس، وسيامة الكهنة. وصرف اهتمامه الى العناية بالمدرسة الاكليركية. وعني بالحوار المسكوني والعلاقات المسيحية- الإسلامية، وعمل ما بوسعه لتفعيله في أبرشيته فعاشه من خلال علاقاته مع جميع الناس، على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، ووثـّق بين جميع أبناء طرابلس من مسيحيين ومسلمين عرى الصداقة والمودة. فقدّروه واحترموه كرئيس أساقفة وشيخ مشايخ طرابلس فأحلـّوه المقام الأول بينهم كمرجعيّة روحيّة ومدنيّة لهم.
ألمّ به المرض، فصبر عليه واحتمله وحده بإيمانه، وإن سمع كلمات التعزية من زائريه، مستعيناً بما لدى الطب من علاج، ولكن مرضه لم يكن رحيماً، وأحسّ بأنه سيصرعه، فلم يجزع، بل تقبّل بإيمان، وصفاء ذهن ورباطة جأش ما كتبه الله له من مصير والبسمة لم تفارق شفتيه. 
رحل المطران الحاج الملتزم بالانسان المتألم وعلى قبره لا وسام الاستحقاق الوطني برتبة كومندور تقديراً لعطاءاته في لبنان والعالم بل وسام دمعة الحزن على فقده ووسام المحبّة في قلوب الناس كل الناس الذين أحبوه من خلال أبوّته للفقراء والمعوزين من مسيحيين ومسلمين وقد جار عليهم الزمن وسياسيو هذا الوطن، وكذلك المنكوبين لا في لبنان بل وفي فلسطين والعراق وبنغلادش وأفغانستان... فزارهم وفتتح لهم باب قلبه من خلال كاريتاس العالمية التي كان لها رئيسا  فخفـّف عنهم ما أصابهم به الدهر من جور ومظالم...
رحل المطران يوحنا فؤاد الحاج، ولا تزال له في برواز ذاكرة الرهبان والراهبات وكهنة الرعايا والمؤمنين والذين قصدوه في حاجة، صورة الإنسان صاحب البسمة والفاتح قلبه وذراعيه مع كلمات أهلاً أهلاً أهلاً ، حتى في أقسى مراحل مرضه.
عوّضنا الله بأمثاله وليكن ذكره مؤبّدا.
                                           الأب جورج صغبيني
                                          


ليست هناك تعليقات: