2012/08/23

الكلام المباح، مجلة الأميرة، من مثل الله، الأب جورج صغبيني




من مثل الله [1]

أتريدوني أصولياً قرآنياً
أتريدوني أصولياً إنجيلياً
أتريدوني أصولياً توراتياً
لأقتل باسم الله
فانزع عني ثوب الرحمة
وألبس جلد الذئب
على جسدي الحمل.
أذلّ الناسَ
كلّ الناسِ
وأحبس من فخذي نسبي
وأبيد من لا يقول مقولتي
وأذبح من لا يشبه صورتي
وأقتل من لا يتكلّم لغتي
وأفني من لا يتلوّن بسحنتي
وامحق من لا يؤمن بما أؤمن.
أتريدوني قايينا  نمروداً
أو فرعوناً  نيرونياً
فما بالنا
أحببنا الشوك
على عطر الورود
وأحببنا سفك الدماء
على مداوات الجراح
وأحببنا السيف
أكثر من منجل الحصاد
وأحببنا المدفع
أكثر من المحراث
واستنهضت فينا الأنياب
وظهرت، في ملامسنا الناعمة، المخالب
ولبسنا صورة الشيطان.
حاملين الموت لكل من نلتقي
وتخصّصنا بفنون العذابات
وبتنا أبناء دار الحرب
وأصبحنا كلنا ضالين.
نزندق الدين
ونجغرف الوطن
وننعي الإنسانية
بشعارات فارغة
وقد فتحنا فاه جهنّم علينا
وحسبنا انها تشبع من أعدائنا
فإذا بنا نحن لها طعاماً كسوانا...

فلا تحسبنَ أن الإسلام أصولية
أو المسيحية أصولية
أو اليهودية أصولية
بقدر ما هي العلمانية أصولية
والعولمة أصولية
والعنصرية أصولية
وكل ما يتسبّب بقتل الآخر
هو أصولية
وكل ما يتسبب بالإساءة إلى الآخر
هو أصولية
وبتنا لا نحسن الحوار ولا التفاهم فيما بيننا
لأننا نتكلم بكل لغات العالم
ولا نتكلم لغة المحبة
ولا نتكلم لغة المسامحة
ولا نتكلم لغة الغفران...
نعم
أنا أصولي حين يكون لي ديني ولكم دينكم
وأنا أصولي حين تكون لي لغتي ولكم لغتكم
وأنا أصولي حين يكون لي كتابي ولكم كتابكم
وأنا أصولي حين يكون لي الهي ولكم إلهكم
وانا أصولي حين يكون لي وطني ولكم وطنكم
وأنا أصولي حين يكون كل شيء لي ولا شيء لكم...

فيا أيها الإنسان الذي من تراب
والى التراب تعود
اعلم أن الله الواحد الذي لا اله إلا هو
قد خلقك على صورتي ومثاله
وتجسّد فينا منذ الخلق
نشوءًا كان
أم نطفة
أم كن فكنا
أم من جبلة يديه
فنحن مائتون وهو باقٍ سبحانه وتعالى
فإنّا لله وإنّا إليه راجعون
فلنخف ونتعقل
فنحن نميت ولا نحيي ميتا
وهو وحده  الذي يحي ويميت
ونحن لا بدّ مائتون
وهو وحده الحيّ الباقي.
فمن مثل الله؟!

تشرين الثاني 2002، مجلة الأميرة، عدد  12،  الأب جورج صغبيني  




[1] -  الأميرة عدد14،  15 تشرين الثاني 2002

ليست هناك تعليقات: