2012/08/23

الكلام المباح، مجلة الأميرة، العولمة، الأب جورج صغبيني





العولمة  [1]

ان كلمة العولمة وان كانت حديثة التعبير فانها قديمة الموضوع للسعي لتحقيق وحدة شاملة بين الناس والشعوب على صعيد الإنسانية والكونية ما بين الشعوب على مستويات الوحدات الجغرافية والتاريخية والفكرية والثقافية والتجارية
وان كانت العولمة هي التكلم بلغة حديثة واحدة
فجميع البشر اليوم
مثل ما كان التكلّم بلغة واحدة قبل أسطورة بابل
يتكلم اللغة الإنكليزية
يتكلمها العربي والفرنسي والصيني والهندي
ولكنهم ليسوا في وحدة فيما بينهم

وان كانت العولمة التعامل بنقد واحد،
فالكل يتعامل بذات الدولار،
لانه النقد العالمي المتداول،
في منظمة التجارة الدولية وصندوق النقد الدولي والمصرف العالمي ومنظمة التعاون والإنماء الاقتصادي وحتى في الدول الأوروبية رغم توحيد نقدها "باليورو"
وفي كل بورصات وأسواق العالم
ولكنهم ليسوا في وحدة فيما بينهم

أما أن تكون العولمة وحدة الأديان
فإنها لا تعني الإيمان
أو العقيدة من قريب أو بعيد
لا بل ستكون العولمة
وسيلة لتقارب الأديان
الداعية إلى المحبة والسلام
على صعيد الأخلاق والقيم
وعلى صعيد التلاقي على ما يتقارب من الإيجابيات في كتبها السماوية.
ولكنهم ليسوا في وحدة فيما بينهم

وان كانت الدعوة للمشاركة في هذه العولمة
نتيجة للوحدات الإقليمية الأوروبية والعربية والفرنكوفونية والمتوسطية والقارية وغيرها من التسميات،
فإنها لا تعني امحاء الدول وضياع تاريخها والتعدي على جغرافيتها واستقلالها.
ولن يصير العالم دولة أو إمبراطورية واحدة
وان صارالناس إلى عولمات متحدة.

سيصار إلى عولمة الناطقين باللغات الإنكليزية أو الفرنسية أو الاسبانيولية أو الألمانية أو العربية
وسيصار إلى عولمات بحسب ألوان الشعوب وسحنتها السوداء والبيضاء والصفراء والشقراء
وعولمات للتعاونيات الوظائفية على الصعيد التجاري والاقتصادي وكافة الأنظمة على أنواعها
عولمات في الأجناس للإناث وللرجال حتى تتمّ المساواة ما بين الرجل والمرأة
وعولمة لمواليد الاستنساخ وعولمة المسوخ.
فها الجامعة العربية صورة مصغرة للعولمة العلمانية،
والأمم المتحدة صورة للعولمة السياسية العالمية
ومحكمة لاهاي صورة لعولمة القضاء
واتحاد الدول الأوروبية تسير نحو عولمة مائية وتجارية ومواصلاتية ومن ضمنها إسرائيل
والاتحاد السوفياتي ودول المحور سابقاً والولايات المتحدة الأميركية ودول حلف شمالي الأطلسي حالياً سارت وتسير نحو عولمة عسكرية.
ولكنهم ليسوا في وحدة فيما بينهم

فالخوف من العولمة
هو ان تكون هذه العولمة
عولمة انتشار الأمراض على أنواعها وخاصة المستعصية على العلم والطب مثل الإيدز وجنون البقر.
وعولمة الجينات والاستنساخ
وعولمة الفيروسات الإلكترونية
وعولمة ظلم وقهر الشعوب الفقيرة
وعولمة إفناء الجماعات الاتنية وإبادة الأقليات
وعولمة استعمارية وانتدابية
بوجوه جديدة وأسماء جديدة
للسيطرة والهيمنة على الموارد الأولية
وللسيطرة على الإعلام واحتكاره من طبقة سياسية واحدة.

فمع إطلالة الألف الثالث
نريد العولمة ان تكون عولمة تعاونية على صعيد الدول
من أجل تحريك عجلة التقدّم عند الشعوب المتخلفة
من اجل الانفتاح وقبول الاختلاف مع الآخرين رغم تنوّع ثقافاتهم
من أجل القضاء على الجوع في البلاد الفقيرة
من أجل توفير المسكن لكل إنسان
من أجل تأمين شيخوخة كريمة لكل مسنّ
من أجل القضاء على الأمية والجهل
من اجل الحد من الترسانات العسكرية والحروب
من أجل بيئة سليمة
من أجل عدالة اجتماعية
من أجل تأمين الرغيف والماء والدواء لبلاد العالم الثالث
حتى لا يبقى هناك عالم ثان وثالث أو رابع
ولا يعيش فيه الحيوان الداجن في أوروبا وأميركا
أفضل من الإنسان في أفريقيا،
بل عالم تمدّ فيه الدول المتحضرة يد العون للدول المتخلفة
لكي يصبح العالم كله عالم سلام وقيم
وإلا لما كان الله خلقنا أمماً وألسنة لنتعارف ونتحاب
ولو شاء ربّكم لجعلكم أمّة واحدة.

مجلة الأميرة، عدد 15، الأب جورج صغبيني





[1] -  مجلة الأميرة، عدد 15


ليست هناك تعليقات: