2012/08/23

الكلام المباح، مجلة الأميرة، تحرير العراق، الأب جورج صغبيني





تحرير العراق  [1]

ان الأيام الغابرة التي شحن فيها الأميركيون والإنكليز أذهان الناس بتحرير العالم من بن لادن ومن الإرهاب وبتحرير الشعب العراقي من صدام حسين ومن نظامه كانت كذبة كبيرة صدقها بعض البسطاء واستفاد منها بعض الأمراء.
وان كان تحقيق مخطّط أميركا على حساب حلم العراق لا بل على حساب حلم كل الشعوب العربية التي ما زالت دماء شهداء تحرير البلاد من الاستعمار لم تجفّ لتعود هذه الدول الطاغية مستخفة بكل آراء ومواقف دول العالم ومجلس الأمن وكرامات الشعوب لتعود إلى عهد الاسترقاق.
وان كانت مدعاة تحرير العراق من حكم صدام حسين على يد أمريكا التي بحجّة انها تغار على الأنظمة الديموقراطية وهي أسوأ ديكتاتورية شاهدها العالم في تاريخه حيث يصار إلى وضع حكام عربا هم مندوبون سامون أو حكاماً ملوكا أو أمراء يأتمرون بأمر أمريكا لتنفيذ مخطّط قيام دولة إسرائيل الكبرى.
نعود بالذاكرة مع من عاد من العائدين بذاكرته إلى فلسطين حيث ثبت الإنكليز أقدام إسرائيل في فلسطين لقيام دولتهم من النيل إلى الفرات واليوم يثبت الأميركيون  قيام هذه الدولة من الفرات إلى النيل.
اننا مع كلّ من هو ضدّ أميركا ومع الشعب العراقي الذي لا يبيع نفسه للمساعدات الغذائية التي لا تغنينا عن جوع وان حليب الناقة العراقية لأفضل من "الهوت دوغ" و"الهمبرغر"الأميركي.
ولا يبيع نفسه للمساعدات الطبية التي لا تبلسم مجروحاً في كرامته...
ولا يبيع نفسه لوسادة الأميركية ولو كانت حريراً بدلاً من شظف العيش في صحراء العراق وطن الحضارة الأشورية والبابلية ووطن حمورابي ولسنا هنا في باب التفاخر على أطلال الماضي بقدر ما نبكي على مستقبل العرب.
فإذا كان العرب ضد صدام فهذا لا يبرّر ان يكونوا مع أمريكا وبالتالي مع إسرائيل.
وإذا كنا معنيين أو غير معنيين من قريب أو من بعيد بالحرب الطاحنة على العراق فبالطبع وممّا لا شكّ فيه سيكون تحرير كافة الدول العربية من أنظمتها المعادية لإسرائيل.
وان العرب الغافلون عن المخطّط البعيد المدى والذي سيعيد الاستعمار بوجه جديد وبتعبير منمّق على كافة المساحة الجغرافية الذي وضعها سايكس- بيكو منذ نحو مئة عام.
فالذي يؤلمنا ممّا شاهدناه على شاشات التلفزة من مؤتمرات القمم العربية والإسلامية التي لم تنقذ طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً من أطفال ونساء وشيوخ العرب الذين أصابتهم القاذفات الأميركية والإنكليزية في أجسادهم وكرامتهم في حين ان بعض القادة وشعوب العرب يهلّلون بل ويشمتون لا ما أصاب صدام حسين بالذات بل والعراقيين خاصة وكل العرب عامة.
فلو كانت الحروب بين رجل مقابل رجل لكانت الخسارة اقل كلفة على الأبرياء. ولكن الظالمين القابعين خلف المتاريس البشرية يبقون أحياء يرزقون في حين ان المظلومين هم هم دائماً الضحايا في كل الأوطان وفي كل الأزمنة. وان عبادتنا أحياناً لحكامنا أكثر من أوطاننا يسبّب لنا مثل ما نحن فيه من اجتياح لبلادنا وامتهان واغتصاب لكرامتنا.
ولكن ماذا يعني اجتياح أمريكا للعراق أكثر من نهب ثرواتنا ونفطنا وعرق جبيننا فضلاً عن تولية ناصيتنا ومصيرنا ليد مجنون فاق هتلر نازية ولمن ينفذون إرادته.
وان ما أصاب العراق ليس بشيء من المقدار الآتي على كل العرب...
والمستقبل خير شاهد على ما سنصل إليه...

أيار 2003 ، مجلة الأميرة، عدد  12،  الأب جورج صغبيني  





[1] -  عدد 17 ، 15 أيار 2003.

ليست هناك تعليقات: