2012/08/23

الكلام المباح،مجلة الأميرة،رحلة الموت الى العيد،الأب جورج صغبيني



رحلة الموت الى العيد  [1] 

كلنا يهيء لهذه الرحلة منذ ولادته
ما بين القماط والكفن
ما بين أول شهقة وآخر زفرة
ما بين أول انفتاح وآخر إغماضة للعيون
ما بين أول صرخة للحياة وآخر آهة عليها
ما بين أول تمسّك بها وآخر انحلال منها.
كل انسان على هذه الأرض هو عابر فيها
مسـافر كما في زمن الصوم
في بحر هذا العالم إلى ميناء الأمان
وهديه منارة الرجاء
لا مقرّ له
وان بنى القصور والدور
وإن انتسب الى مكان بهوية.
يهيء جواز سفره
ويوصي على مركب رحلته
ويكتب ورقة نعيه في وصيته.
ومن الناس من هم غافلون عن أمر آخرتهم
فيحسبون أنهم يعيشون خالدين
فيغفلهم الموت سائلاً هذا الذي أعددته لمن يكون ؟
ان المسافرين عن هذا العالم فارغي الوفاض حافيي القدمين في رحلةالعودة الى التراب والعودة الى روح الله التي نفحها في الجبلة الاولى فكانت حياة البشر.
هذان العنصران
التراب والروح يعودان الى عنصريهما الأولين اللذين يتألف منهما الانسان.
فإن كان الموت عبوراً
في معتقد الأديان والبشر
وليس نهاية نباتية أو بهيمية كما يعتقد البعض الآخر
فإن قيمة الإنسان
هي في عقله الذي يجعله أسمى من كل المخلوقات
وان نقص عن الملائكة قليلاً.
فالروح حين تولد
تحلّ في الجسد الذي هو بمثابة ثوب لها
في رحلة الخلق.
وفيها تتكون سلوكية الانسان
منذ حلوله وحتى رحيله
ويزداد الموت بقدر ازدياد الولادات
وتتعدّد الأسباب والموت واحد.
وان كان لا يستطيع أحد من الناس
ان يولد بدلاً من سواه
وان كان لا يستطيع أحد من الناس
أن يموت بدلاً من سواه
فإنه يمكن لكثيرين أن يموتوا معاً.
وهذا ما حصل لشعوب وأمم وحضارات نقرأ عنها في صفحات التاريخ من جراء العوامل الطبيعية والفيضانات والزلازل وبسبب عمل يد الانسان من إبادات جماعية وقنابل ذريّة وغرق مراكب وسقوط طائرات في العصر الحديث.
وإن كانت طائرة كوتونو النعش الجماعي لعشرات من الناس، واحداث العراق، وكل يوم في فلسطين إحتفالات أعراس لا يرافق ضحاياها الا الدموع والحداد والصلوات.
فإن الذين رجاؤهم في هذه الدنيا
وفي عدالة حكام الأرض
هو كمن لا رجاء لهم.
هؤلاء الآتون الى وطنهم
وليس للانسان هنا مدينة ثابتة. 
آتون الى العيد
والأرض وادي البكاء والوجع وكلّّ لقمة بعرق الجبين.
آتون الى عيالهم
وكلنا عيال الله نجتمع في جنّته ونعيمه.
آتون من الغربة
وكلنا غرباء عن هذه الدنيا ولوعشنا فيها.
وكلنا نيسر نحو العيد الكبير للقاء الله ومن سبقنا
وسبيلنا اليهم هو الموت ولا شيء سواه.
هذا الموت الذي يعيش في خلايانا
ونتذرّع بالذرائع يعزّي واحدنا الآخر بأقوال مأثورة في يوم الوداع
وفي اليوم التالي ننسى الذين رحلوا.
وننسى موعد رحيلنا
ونغفل عن أن الموت لا ينسى
بل يغتذي من جسدنا الى حين يأتي علينا.
وان اعتبرنا أن كل بلوى دون الموت عافية
فإنه باب الآخرة
وهو حقيقة لا يريد أن يعرفها الجـهـّال.
فكلّ امرىء
وإن طالت سلامته
يوماً
فعلى آلة حدباء محمول.


آذار 2000، مجلة الأميرة، عدد  12،  الأب جورج صغبيني  





[1] -  مجلة الأميرة، عدد 22،  15 آذار 2004

ليست هناك تعليقات: