2012/08/23

الكلام المباح،مجلة الأميرة،سارس والفضيلة المعدية،الأب جورج صغبيني



سارس والفضيلة المعدية  [1]

بعد التطوّر السريع الذي جعل العالم لاهثاً في سباقه من خلال الاختبارات العلميّة وتطوّر الجينات التي تتوالد على يد العلم أسرع  من زمن مخاض حتى باتت العجنة خارج سيطرة الفاخوري ولو ان الأمر مدبّر من بعض اللاهين في مجالات الأبحاث العلمية لأصبحت سياسة العالم ألعوبة بأيدهم.
 والظاهر ان أساليب الحروب تبدّلت في الألف الثالث
فالآلات المدمّرة والطائرات الخفية والغواصات "الجو برمائية"... والقنابل الذريّة تبدّلت إلى أسلحة جرثومية في أنبوب أو من غبار ذرات تتسرّب من مفاعل نووي أو أن حفنة من رماد جمرة خبيثة في ظرف بريدي ترعب الدول الأكثر تقدّما وعلما وتكنولوجية وحصانة فتقضي على شعوب وأمم وحضارات ودول.
وبعد ان عجز العلم الحديث والمتقدّم والمتطوّر عن منع مرض سرطاني من التفشي والانتشار وحصره في مكان حجر صحي محدود يظهر لنا ان العلماء باتوا رجال إحصاء يتحفوننا بأنواع الأمراض وعدد الضحايا المتزايد دون ان يكون هناك من علاج فعّال يوقف تفشّي مثل هذه الأمراض.
وتعدّدت أنواع وأسباب الموت وبقي الموت واحداً يحصد بمنجله كل يوم العشرات والمئات من الضحايا أطفالا ونساء وشيوخا وشبانا.
وكأنه لم يكف العالم ما فيه من مخلفات أمراض التلوّث البيئي والمفاعيل النووية والمخازن البشرية من الإيدز والجمرة الخبيثة وغيرها من الأمراض غير المدركة بعد والتي لم نجد لها اسماً وهي في مرحلة النشوء والتطوّر كما في أفلام الرعب حتى وصلنا إلى السارس ومن يدري ما الذي يأتي بعد السارس؟
فمن يهدم سور الصين مثلاً غير مرض ينتقل عبر الهواء ويجعل من مليار إنسان لا بل من كل سكان الأرض يعيشون كما في قمقم زجاجي يلبسون ثياب رجال الفضاء ويملأون خزاناتهم من محطات الأوكسيجين كما السيارات من محطات الوقود.
صورة هزلية كاركاتورية مضحكة لمستقبل البشر، الذين انعدمت فيهم الأخلاقية والنظرة إلى القيم، في عصر شاعت فيه الأمراض وأدخلت الرعب في القلوب والنفوس، حاصدة المزيد من الأرواح في مختلف أرجاء العالم، وكأنه أصبح لكل دولة تخصّص في تصدير نوع من أنواع الموت المجاني على الناس.
ان عالم الشرّ يصارع عالم الخير ويجتاح الكثير من حصونه باسم العلم والتطوّر والمدنية ولم يعد هناك من وقاية إلا مناعة الوعي عند الشعوب لتقف، ضدّ مسبّبي انتشار مثل هذه الأمراض وهذه الحروب الجرثومية المستقبلية، في مظاهرة رافضة تلوّث هذا الكوكب الذي لا ملجأ ولا بديل للإنسان عنه.
ونتساءل: ألم يعد هناك من فضيلة معدية يقاوم الناس بواسطتها مثل هذه الأمراض الفتاكة المستشرية؟؟؟


تموز 2003، مجلة الأميرة، عدد  12،  الأب جورج صغبيني  




[1] -  مجلة الأميرة عدد 18، 15 تموز 2003

ليست هناك تعليقات: