2012/08/23

الكلام المباح،مجلة الأميرة،المجمع اللبناني الحديث، الأب جورج صغبيني



المجمع اللبناني الحديث  [1]

إن المجمع الماروني الذي كان الحدث الأهم طيلة شهر من الزمن في كل وسائل الإعلام اللبنانية والاغترابية هو بحدّ ذاته حدث فريد على صعيد إنهاض الطائفة المارونية وذرّ الغبار عن وجهها على كافة الصعد الروحية منها والاجتماعية والقانونية والرهبانية والعلمانية والاقتصادية والإعلامية والسياسية...
وهذا المجمع وان تسمّى بالمجمع الماروني وليس بالمجمع اللبناني على غرار سنة 1736 فانه يحمل في طيّات مواضيعه هموم وشجون لا الطائفة المارونية في لبنان وبلاد الاغتراب وحسب بل وكل هموم الوطن اللبناني من جنوبه إلى شماله ومن بقاعه إلى ساحله مع امتداد لبنان في محيطه العربي وفي العالم.
قيل أن المجمع الماروني جاء بعد الرجاء الجديد للبنان كما كان المجمع اللبناني بعد المجمع التريدنتيني وذلك من أجل نهضة الكنيسة المارونية.
ومن منظور آخر للمجمع الماروني يحق لنا أن نقول انه جاء في زمن ليحدّد الهويّة المارونية ويجمع شمل العائلة في لبنان وفي بلدان الاغتراب تحت راية بكركي وبالطبع دون أن يكون هناك من تحدٍ لأحد لان أمور البيت يجب أن تنظم بعد نحو ثلاثمائة سنة وصيانة البيت وتجديده واجبة وإلا انهارت دعائمه.
فالمطلوب من كل فريق في لبنان أن يحذو حذو الطائفة المارونية للعمل من أجل التجديد في قلب الجماعة وفي قلب الوطن وفي بلاد الاغتراب وليس ضيراً ان يكون هناك سجالات في الرأي ضمن وحدة الكنيسة المارونية على الصعيدين: المقيم والمغترب وعلى صعيد التحاكي باللغة الأم وكل لغات العالم.
فالكنيسة المارونية إنطاكية الجذور سريانية اللغة وهي اليوم إضافة إلى ذلك لبنانية عربية عالمية.
وقبل ان تقع الطائفة المارونية في فوضى الانتماءات واللغات البابلية وتيار العولمة كان لا بد من مجمع ماروني يعيدنا إلى جذورنا فنتساوى فيه مهما كانت فروقاتنا.
كان لا بدّ من مجمع ماروني قبل ان تصبح الفوضى فينا مقوننة ومشرعنة ونصير في الأمر الواقع.
فـ "عندما يكون الموارنة بخير يكون لبنان بخير" بحسب قول شارل مالك. ولهذا واجب على الموارنة ان يقيموا هذا المجمع الماروني وإلا فهم غير أمينين وغير ملتزمين بانتمائهم لمارونيتهم وبالتالي للبنانهم.
والمجمع الماروني ليس غريباً عن اللبنانيين في طروحاته وبما فيه من مواضيع تعني الإنسان في لبنان وخارجه والأساقفة والرعايا والرهبانيات والاكليريكيين والعلمانيين والرجال والنساء والشباب والأطفال والمدارس والاستشفاء والاغتراب والهجرة والهويّة والانتماء...
والمجمع الماروني لا يعني الموارنة وحسب بل والكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية والانغليكانية والطوائف السنية والشيعية والدرزية والمحيط العربي والإقليمي والشرق أوسطي والمتوسطي والعالمي...
ان كل لبناني هو مسؤول اليوم عن الموارنة، كما الموارنة، في حمل رسالة القيم، في تاريخهم السحيق الغائر في الماضي كما في آفاق المستقبل الآتي.
وان إغلاق باب التلاقي الماروني مع الاغتراب هو خنق للتواصل مع الكنيسة الأم وكذلك فالتأقلم في الغربة يفقد الماروني جذوره اللبنانية والمارونية معاً.
وهذا ما يقال عن ارتباط الموارنة بتاريخ لبنان وبمحيطهم العربي والإقليمي، وعلاقتهم بروما وفرنسا وسائر الدول الغربية.
ان الوجه العربي الذي ألبس للبنان يوم الاستقلال كان وجهاً مشوهاً عن الوطن الكبير الذي شاءه البطريرك الحويك. واليوم يأتي المجمع الماروني ليعيد للبنان صورته الحقيقية ودوره الطليعي في العالم العربي ورسالته في محيطه.
نعم كان لا بد من مجمع ماروني ليحافظ على وديعة الإنجيل من أجل البقاء في هذا الشرق.
وكان لا بد من مجمع ماروني من أجل ان لا تتحوّل المارونية إلى مارونيات وان لا تصبح كل أسقفية بطريركية وكل زعامة مارونية جمهورية.
فالكنيسة المارونية هي واحدة في مرجعيتها. جامعة، في انتشارها، شمل الموارنة، مارونياً وسياسياً، تحت مظلة واحدة مهما افترى عليها المفترون...
ولو كانت الكنيسة المارونية كنيسة قومية انعزالية لكانت كنيسة بدون أرض وبدون جغرافية ولما كان لها مقامها المقدس في المكان ولا كان لها تاريخها عبر الزمن مثل القدس وروما ومكة والنجف...
وأما عن الهوية المارونية التي باتت غير منفصلة عن الهوية اللبنانية فنجدها في مسارها التاريخي انها هوية منفتحة على العالم العربي والدولي ولا تقبل بأن تختزل في معادلات إقليمية على حسابها وعلى حساب الوطن ولا أن تهمّش في حضورها على كافة الصعد الدينية والسياسية. وان اتهمت أحياناً بغير سلوكيتها من بعض المتجنين عليها.
ونضيف على ما جاء في البيان الختامي للدورة الأولى بان هذا المجمع لم يكن فقط نتيجة المجمع الفاتيكاني الثاني والسينودس من أجل لبنان بل وأيضاً نتيجة اتفاق الطائف حتى نكون منصفين في مقولتنا وتطلعاتنا.
فالمجمع الماروني هو حالة استثنائية في الطائفة المارونية وفي لبنان لأنه سيقرّر في بيانه الختامي النهائي بالهامات الروم مستقبل الموارنة ودستور علاقتهم ببعضهم البعض وبغيرهم من اللبنانيين وبسواهم من الدول حيث يتواجد فيها أبناء الطائفة المارونية بما لهم من مكانة في العالم ان على الصعيد الفكري والعلمي والمالي والاقتصادي وحتى السياسي...
كان للمجمع الماروني هذا ان ينعقد قبل اليوم ولكن مادام قد تمّ ولو بعد طول انتظار فانه سيكون بكل تأكيد خيراً للطائفة المارونية وللبنانيين في الوطن والمهجر... على فروقاتهم... ولكل من له صلة أو علاقة بالموارنة. ويبقى المستفيد الوحيد هو الوطن.
فالمطلوب اليوم الإفادة من المجمع الماروني ليكون لكل اللبنانيين مجامعهم على غرار هذا المجمع فنتلاقى في الوطن الواحد كما يتلاقى الموارنة من كل العالم حول مركزيتهم الروحية والسياسية في بكركي.
فبدون بكركي تصبح المارونية مارونيات.
وبدون بكركي يصبح لبنان لبنانات.
ويبتلع عصر العولمة الجميع.
ان للمجمع الماروني من الإيجابيات ما يخفى على الذين ينظرون إليه بمنظار السلبية وخاصة في عهدة بطريرك نسلمه أمر ناصيتنا لأن لنا ملء الثقة بقيادته الحكيمة لسفينة الطائفة المارونية ولكل لبنان.
فتعالوا أيها الموارنة إلى كلمة سواء في المارونية.
وتعالوا أيها اللبنانيون إلى كلمة سواء في الوطن.

أيلول 2003، مجلة الأميرة، عدد  12،  الأب جورج صغبيني  





[1] -  مجلة الأميرة، عدد 19  ،  15 أيلول 2003

ليست هناك تعليقات: