2012/08/23

الكلام المباح،مجلة الأميرة،عيد بأية حال عدت...، الأب جورج صغبيني



عيد بأية حال عدت...  [1]

عُمْرُ "أبي النواس" يومٌ وغدُ،
 أمّا الماضي فقد محته الغيبوبة من الذاكرة.
فاليوم خمر وغدا أمر قول مأثور للذي كان يرتع خمرةً  ويصلّي قمرةً لينسى لا غده الآتي، لأنه كان يعرفه أنه أسوأ من يومه الذي هو فيه وأفضل منهما الأمس الذي عبر، بل ليعيش يومه البائس عاملا الجهد على إنهائه باحتساء الخمر حتى لا يعي حاضره وواقعه الأليم الذي يرتع فيه.
ونحن لسنا بهذا التشاؤم من السنة الجديدة بل نحن أصحاب الرجاء والأمل بمستقبل ناهض للوطن وللإنسان ولكن وإن كنّا كالمريض الذي يأمل الشفاء بأعجوبة  من مرضه المستعصي فإن الألم المتغلغل في خلايا جسدنا  لا يمنعنا من قول الآه.
سنة جديدة تحمل لنا ما تحمل، من دون تنجيم المنجمين، من مخلفات سؤ إدارة المسؤولين عنّا في هذا الوطن وفي كلّ أوطان البشر.
تحمل للإنسان في هذا العصر المتحضّر قادة ومسؤلين امتهنوا ظلم شعوبهم فبات شعارنا يكفي كلّ يوم شرّه.
سنة مضت فأصبحت في ذاكرة النسيان باع فيها البعض أملاكه وعياله وحتى ضميره وأخلاقه وباع البعض الآخر من أتمنوهم على حياتهم كما باع بائع ما بثلاثين من الفضّة صدّام حسين للأميركيين وكما سيبيع بعضهم سواه من الرؤساء لا بل من الدول كما بيعت فلسطين وكما ستباع الصحراء العربية قطعة قطعة كما تُقضم حلوى جحا أو جبنة القطـّين عند قاضي القرود،  ويُشرب بترول العرب رشفة رشفة كما خمرة أبي نواس.
سنة مضت بعنا فيها أياما من عمرنا لأصحاب السلطان وللشيطان مستسلمين لرغائبهم صاغرين ولم نبتع فيها حصّة لأهل الخير لأن أهل الصوفية ليس لهم أي رصيد في مصارف هذا العالم سوى كفاف يومهم.
وما همّ هؤلاء الزاهدين في الدنيا من سنة جديدة ومن سنة عتيقة أو من سنة آتية ومن سنة غابرة والعمر كلّه بالنسبة إليهم هو كلحظة في عين الله.
سنة تأتي نستقبلها بالرقص واللهو والغناء والحفلات كمن يرقص في يوم دفنه وليس فينا من يجلس فيتأمل.
إن صخب العالم يضجّ  في آذاننا وباطننا ويشوّه فينا فضيلة السماع فهربت منّا السكينة وهَجَرَنَا الهدوء.
سنة تأتي فنهلّل لها دون أن نتلمّس ملامح ماض لن يعود "أيا ليت الشباب يعود يوما..."،  مع فرح بالمستقبل الآتي على أمل أن يكون هذا المستقبل أفضل لأولادنا ممّا كان لنا نحن الذين بات المستقبل خلفنا وقد عاصرنا أسوأ العهود ظلما واسترقاقا وإقطاعية حديثة وذلاّ.
سنة جديدة نتناسى فيها، أو نخاف أن نقوم بجردة حساب على القيم والأخلاق والانتماء للوطن همّنا أن نكسب فيها أرباحا من مال الظلم حتى على حساب الوطن أو على حساب أخينا الإنسان المظلوم.
وليس من يسأل وليس من يحاسب وليس من يردع حتى بات كلّ شيء مباحا من دون كلام.
فالظالم يزداد في عتوّه والمظلوم يزداد في قهره.
سنة جديدة وكلٌّ يغنّي نشيد طائفته، في هذا الوطن.
ويبقى الفقير يزداد فقرا
والمريض يدنف على الموت،
والمظلوم قابع في ظلمة السجون
والبريء مضطهد ومطلوب من عدالة هذا العالم
والناس تباع بثلاثين من الفضّة
والمسؤولون في هذا الوطن اللبناني
وهذا الوطن العربي
في غفلة عن مستقبلهم المدلّل عليه  في سوق النخاسة.
وليس لنا إلاّ أن نردّد مع المتنبي لملوكنا ورؤسائنا وأصحاب السلطة في دولنا وحكوماتنا في لبناننا وفي وطننا العربي الكبير.
عيدٌ بأيّ حال عدت يا عيدُ...

مجلة الأميرة، عدد 21،  الأب جورج صغبيني  




[1] -  مجلة الأميرة، عدد 21.

ليست هناك تعليقات: