2012/08/23

الكلام المباح، مجلة الأميرة، حقوق الإنسان، الأب جورج صغبيني



حقوق الإنسان  [1]

وان طال الكلام فالكلام اليوم مباح
مع ختام الصيام
مع ختام شهر الرحمة رمضان  
مع بدء زمن حلول ميلاد السلام
ويكمّل واحدنا ما بدأه الآخر
من فلاح وصلاح 
من صلاة وصيام وزكاة
ومن سعي لخير العمل
كما سعى الذين أرادوا ان يجعلوا هذا اليوم
يوم حقوق الإنسان
ولو استطاعوا لجعلوا كل يوم
يوما لحقوق الإنسان. 

وحقوق الإنسان من يعطيها
من يملكها حتى يوزعها بمجانية
ومن يستعطيها إلا العاجزين عن الحفاظ عليها  
وهل حقّ الظالم على المظلوم ان لا يقاوم 
وهل حق أنياب الذئب على الحملان أن لا تثغو. 

والمفاوضات
دائما تكون خسارة الضعيف أمام القوي 
ووقوع البريء  في شباك المتسلط صانع القوانين لصالحه وصاحب الحجة الأقوى
فهل نصدق أن أميركا تدافع عن حقوق المسلمين حين تجتاح العراق من أجل تحرير الكويت وتحمي العرب من العرب
وهل نصدق بأن الإنتفاضة وصلت إلى زمن شبيه بقصة الغول الذي يأكل أولاده
فيعتقل المسؤولون الفلسطينيون أولادهم
استرضاء لأعدائهم
وكأنهم أصبحوا شرطة أمن لدولة الأعداء
ونستنفر خطبنا وعظاتنا أيام الجمع والآحاد لإثارة النفوس وشحنها من أجل مصالح المتسلطين علينا
ونحن على يقين أن ليس كل من يعارض أمريكا هو إرهابيّ
ولا كلّ من يعارض بن لادن هو كافر. 

وإلا أصبحت شعائر السلام والحقوق الإنسانية فارغة من معانيها 
فيعمه الظلم في غيه. 
وتبقى الرحمة في الطبيعة على بعضها أكثر من الإنسان على ذات نوعه وجنسه. 
هل حقوقنا الإنسانية ننالها عندما نتعولم
وعندما نتعامل بالدولار
وعندما نتكلم الانكليزية
وعندما نصبح خاضعين لما أُنزل في الشرائع والقوانين الأميركية 
وعندما يصبح سفراء أمريكا هم رؤساء جمهوريات العالم.

ماذا أعطتنا جمعية حقوق الإنسان
إلاّ ازدياد عدد أراملنا وأيتامنا
وقتل خيرة شبابنا، مستقبلنا
وتهجيرا ونزوحا ومجازر إبادة
ويعودون لتعزيتنا في حزننا الذي كانوا هم سبب بلوانا فيه.
جامعة عربية وأمم متحدة 
تقدم الخيام لنا
بدل أرضنا وقصورنا  
وتقديم الأدوية لمداواة وبلسمت جراحنا 
وأما جراح كرامتنا فمن يداويها.

نحن اليوم نتكلم كلاما جميلا
ونسمع كل يوم أجمل الكلام 
من أجمل المطلين على شاشات التلفزة 
وهم كثر
وقد سلّمناهم زمام ناصيتنا
ولكن ليس من بينهم مقاوم واحد من أجلنا
وليس من بينهم شهيد
يستحق أن نقرأ في كتابه
أو نستلهم أحلامه 

وبات علينا
مع مثل هؤلاء الزعماء
أن نعتذر
كالحمل من أنياب الذئاب 

فالذين زرعوا إسرائيل في هذا الشرق
رحلوا
بعد أن حاربوا العدوّ
بسلاح وهمي
بسلاح الهزيمة
بسلاح التآمر والخيانة
وأورثونا حقّ أولادهم على أولادنا
بعد أن باعوا الشعب والأرض 

فمن يستعيد حقوق هذا الوطن 
ومن يستعيد حقوق أبناء هذه الأمة 
ومن يستعيد حقوق هذا الشرق 

أين حقوق مقدساتنا وكرامتنا 
أين حدود جغرافيتنا
وقد نزعت منا
كما البساط من تحت أقدامنا. 
هل لأن الله
حاشاه
قد كتبها
في صك ملكية
لشعب كافر مغتصب 
وكأن أصحاب القبعات الزرقاء
نزلوا من السماء
ليقيموا الحدود والفواصل بين الناس
فيصبحون حماة حرس حدود الظالم
ويرضون المظلوم
ببعض فتات فضلات بقايا الأمم
مساعدات من الخيام
ومن  أحرمة لا تقي حرّا
ولا تلظي بردا
ومن معلّبات لا تؤمن جوعا
ولا تبلل ظمأ
ومن ألعاب لا تعيد كرامة
ولا تعيد وطنا
...
وحدها
ثورة الحجارة
ثورة أطفال الحجارة
ثورة الأطفال
أقوى من قرارات زعماء الأمم المتحدة
وأقوى من مؤتمرات جامعة الدول العربية متحدة
وأقوى من كلّ جنرالات وملوك ورؤساء الدول العربية
وأقوى من كلّ الجيوش المحتلة

حقوقنا في هذا الوطن 
هي أن لا يحمل المسيحي صليبه سيفا 
ولا يجعل المسلم هلاله خنجرا 
فنعيش حينئذ في مناعة وطنية
من جرثومة مزروعة في قلب الوطن العربي
تتغلغل إلينا من خلال خلافاتنا
وتُقهَر في تقاربنا من بعضنا 

حين نزرع الحب محل البغض
وحين نزرع المسامحة والصفح محل المكابرة والإنتقام 
وحين نزرع السلام بدل الحرب 
وحين نعطي الآخر حقه نكون بذلك نلنا حقنا.  
وقناعتنا هي
بأننا شعب واحد 
في وطن واحد
وإلا بقى الكلام كلاما 

وما نفع الأعياد
إن تقاربت،
وتباعد الناس فيها
كل إلى قطيعه.

ولنعرف أن تاريخنا في هذا الشرق منذ خمسة عشر مئة سنة من تقارب في الدين ومن تقارب في الأخلاق والعيش المشترك مع ما أصابنا من هزات خارجة عن إرادتنا وكنّا فيها الوقود لها فقد ثبتنا في المحنة وبقينا معا لأنه كتب لنا وعلينا أن نعيش معا وأن نكون الأنموذج المثالي للعالم في العيش المشترك  
فما جمعه المسيح والنبي لا يفرقه  بن لادن وابن بوش
وما امتزج بتراب لبنان من دماء شهدائنا مسلمين ومسيحيين لا يمكننا إلا أن نكرمه ونقدسه ويكون صورة لوحدتنا
ولو جُعلنا في مرحلة من الزمن
أعداءً في البيت الواحد
فخوّن واحدنا الآخر
وكفّر بعضنا البعض الآخر.

فحقوقنا
لا ولن ينالها فريق منا على حساب  فريق آخر
ولا في استقواء رفيق برفيق آخر. 
وإن توكلنا على الله
فعلينا أيضا مع التوكل أن نعقل 
أن يعقل كل إنسان ذاته بالأخلاق والقيم 
ونعود إلى السماء التي أنزلت كلمة الله 
بشرا وكتابا
وكلاهما على يد جبرائيل عليه السلام. 

وقد تعلم الناس كل الناس أن مدرسة حقوق الإنسان
هي في الإنجيل والقران
وان مدرسة الفداء والاستشهاد
هي في المسيح وعلي والحسن والحسين .

فلا يستضعفنا العالم في فضيلتنا 
وإلا فنقرع الصدور ونثخن الجراح 
ونلبس الكفن 
ونسير نحو باب الجنة 
كما في عشوراء
كما في كربلاء
مثل زينة سيد الشهداء
حفيد النبي
وابن علي
مثل ابن فاطمة الزهراء
الذي مُنع عنه الماء
فأفاض عطاء بالدماء
وأصبح نبع دم
يضاف
على ينابيع العسل واللبن
في جنة السماء.

فيا بني أمّة النبي
تعالوا إلى كلمة سواء
في سينودوس إسلامي 
يجمع شمل المسلمين
ويوحّد ما فرقته صفين

ويا بني وطني
تعالوا إلى كلمة سواء
في سينودوس لبناني
يجمع شملنا مسيحيين ومسلمين

ولا تعيدوا إلينا
كربلاء 
ولا غدر عمر بن سعد
وعمرو بن سعيد
وابن زياد ويزيد

فيتحول الماء
في الفرات دماء
كما النيل
كما قانا الجنوب
في قبلة لبنان
كما جلجلة فلسطين
في انتفاضة الأقصى
وفي القدس
ونصير كلنا "توابين" ليوم الدين
ونعلم الأمريكان  كيف يحافظ على حدود الأوطان
وكيف تُعاش حقوق الإنسان.     

كانون الأول ‏2001‏  الأب جورج صغبيني





[1] -  13 كانون الأول ‏2001‏



ليست هناك تعليقات: