2014/05/19

الأب ميشال الحايك يردّ على بيار أبي صعب الأخبار الأب جورج صغبيني


الأب ميشال الحايك يردّ على بيار أبي صعب

غبطة البطريرك... لا تشهد بالزور
البطريرك الراعي يتحضر لزيارة الكيان الصهيوني السذاجة ممنوعة في السياسة. وزيارة بطرك الموارنة اللبناني إلى «اسرائيل»، في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ المنطقة العربيّة، والصراع مع العدوّ، لا يمكن أن تكون محض «دينيّة» و«رعويّة».
حتّى لو أرادها الصرح البطريركي كذلك، بكل صدق، فهذا غير ممكن. زيارة «برفقة» بابا الفاتيكان، أو «لاستقباله» (استقباله في الارض التي لم تعد لنا؟)، لا نجد كلمات لتوصيفها سوى بالخطأ الفظيع الذي سيحفظه كتاب التاريخ بالأحمر القاني. بل ستكون «خطوة انتحاريّة» قد يصعب تداركها مستقبلاً.
بيار أبي صعب/ جريدة الأخبار

إن تلك المبادرة، المفاجئة من شخصيّة وطنيّة مثل الكاردينال بشارة الراعي، أيّاً كانت التزاماته الروحيّة وواجباته الكنسيّة، قد تكون لها عواقب خطيرة على الوحدة الوطنيّة، وانعكاسات سلبيّة، ليس فقط على فئة من صميم الشعب اللبناني حملت مشعل الوطنيّة والعروبة والتنوير والنهضة والمقاومة منذ قرون، بل أيضاً على مسيحيي الشرق بشكل عام. نظراً للمنصب الروحي الأرفع الذي يتحلّى به الكاردينال الراعي في المشرق العربي، ولموقع مسيحيي لبنان المحوري، من الصراعات الدائرة في المنطقة.
يتعرّض «مسيحيّو الشرق» اليوم لكل أشكال الضغوط والابتزازات والمذابح. كل العذر على استعمال هذا التصنيف الاستعماري الذي غذّته أزمنة الانحطاط والمذهبيّة. يراد للمسيحيين اليوم، بعد أن تمّ فرزهم، أن يكونوا كبش فداء. يراد لهم أن يكونوا رأس الحربة في مخطط تفتيتي وتطبيعي جديد تخوضه اسرائيل بمساعدة حلفائها ورعاتها، لكسر عزلتها الحضاريّة والسياسيّة، وتجاوز عجزها العسكري أمام ارادة الشعوب. ولا يمكن للزيارة البطريركيّة، إلا أن تدرج في هذا السياق! يعرف غبطة البطريرك حتماً الحملات التي تخاض لتوريط مسيحيي فلسطين بالانخراط في جيش العدو، وتساهم فيها أقليّة بينها رجال دين مثل جبرائيل ندّاف.
سمع غبطته بلا شك بقوانين التمييز الطائفي بين الفلسطينيين ـــ مسيحيين ومسلمين ـــ التي باشرت بتطبيقها سلطات الاحتلال، بغية تفتيت الوحدة الوطنية، والمضي في عزل المسيحيين، وتدجين من لا يزال، داخل الخط الأخضر، يقاوم الاقتلاع وطمس الهويّة واغتصاب الحقوق. ولعلّ غبطته يربط بين المكر الدموي الاستيطاني لسياسات اسرائيل، وبين انفلات الهمجيّات التكفيريّة التي أخرجها الربيع العربي المجهض من مجارير التاريخ، وغذتها تيوقراطيّات النفط بمباركة الغرب حامي إسرائيل، لتلتهم آخر أمل للعرب بالتقدّم والحريّة. وكان أبناء الطوائف المسيحيّة أيضاً في طليعة ضحاياها.
الراعي من القيادات الروحيّة الأساسيّة في لبنان. وفي بلد يتداخل فيه الديني والسياسي بهذا الشكل، لا يمكن اعتباره مجرّد رجل دين يحجّ إلى بيت المقدس. إنّه يمثّل موقفاً وطنيّاً، ومصالح جماعة أساسيّة في الوطن، وخطاباً سياسيّاً يُلزم الكثيرين داخل طائفته وخارجها.
وحين يمضي بشارة الراعي إلى «إسرائيل»، بمعرفة سلطات الاحتلال وموافقتها، يرتكب سابقة خطيرة لم يسبقه إليها أي من نزلاء بكركي منذ الاستقلال: إنّه يؤنسن العدوّ، ويكسر المحظور فاتحاً الباب أمام كل المؤمنين التواقين إلى زيارة الأماكن المقدسة. متى تبدأ الرحلات المنظمة بحماية تساهال، وبرعاية الشركات الاسرائيليّة التي تحاول تسريب منتجاتها ومصنوعاتها إلى لبنان منذ سنوات؟ ماذا لو استعدنا ذكريات كاوية تعود إلى زمن ليس بالبعيد، كان فيها بعض اللبنانيين يتدرّبون في اسرائيل ويتحالفون معها «لحماية المسيحيين»؟ من قال إن تلك الجراح في الوجدان الوطني التأمت؟ وهل من الحكمة أن يخاطر زعيم روحي في تأجيجها؟ لا شكّ في أن الراعي سيلتقي هناك جنود لحد، خراف رعيّته الضالة الذين تعاملوا مع الاحتلال. هل يذكّرنا هذا الدرس شيئاً؟ البحث عن حل انساني ووطني لمأساة افراد لبنانيين غررت بهم اسرائيل قبل أن تتركهم يتخثرون في قاع ضميرها النتن، لا يتطلّب الذهاب للانحناء أمام قتلتنا منذ ٦٦ عاماً.
البطريرك الراعي مع البابا فرنسيس كيف بوسعنا أن نعزل الزيارة عن واقع لبناني تحاول اسرائيل اختراقه؟ كيف سنناقش السينمائي اللبناني الذي يصرّ على أنّه فعل عين الصواب حين أقام أشهراً في تل أبيب لتصوير فيلمه «الوطني»؟ سيقول لنا: «ألم تروا غبطة البطريرك؟ هو ذهب باسم الدين، وأنا باسم الفن… كلانا لا دخل له في السياسة»! كلّه سياسة يا أبونا، وباسم السياسة ندعوك الى العودة عن قرارك. سيسمح لك البابا فرانسيس بذلك، فهو لا يريد أن يحمّل شعبك أوزاراً إضافيّة! للحبر الأعظم مهمّاته الرسوليّة، وأجندته السياسيّة في اسرائيل. فهو سيلتقي بيريز ونتنياهو، ويقف عند حائط المبكى، ويزور قبر بن غوريون. وانت من الرموز الكبرى في بلد حطّمت مقاومته غطرسة اسرائيل. فلا تساعد ذلك الوحش السبارطي على طعن المقاومة عبر شخصك السامي. هل تدخل القدس فيما المطران إيلاريون كبوجي منفيّ عنها، ممنوع من دخولها؟ أنت ذاهب إلى «اسرائيل» لا إلى فلسطين. ومتى؟ يوم ٢٥ أيّار/ مايو، ذكرى التحرير الجنوب اللبناني. يا للمصادفة التاريخيّة العجيبة.
غبطة الكاردينال. نستعطفك ألا تتركنا وحدنا. ألا تنتحر بنا. ألا تشهد بالزور، ولو بشكل غير مباشر، لصالح قاتل أبنائك. الرعيّة التي انتظرت بطركها عقوداً في فلسطين، بوسعها أن تنتظر بعض الوقت الاضافي ريثما تدقّ ساعة التحرير. عندها سنذهب معاً ونصلّي في القدس المحرّرة. وسنقتفي في جبل الزيتون أثر عيسى الناصري الذي مات ليشهد للحق.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه.
عن جريدة الأخبار 06-05-2014

الأب ميشال الحايك وكأنه تنبأ في المستقبل !!
حفظ المسيحي في هذا الشرق لمقصد أسمى من القوميات البائسة والوطنيات الضيقة، تجسده تأنسه هو لا تقوقع بل صراع، صراع روحي يواجه كل ردة تحركها العرقيات والقوميات، يقول لا لهذا، عليه أن يجابه الوحدويات مجمعية كانت أم اعتزالية التي تعزل الإنسان وتقضي على التعدد والشمول، ولا بد له أن يحلم في مقاصده الشمولية النابعة من إنجيله، من يقينه الإنجيلي لا بد له من حلم، حلم بيوم يجيء، يوم المعجزة العظيمة، يوم الفصح، أي يوم العبور الى الإنسان الجديد القادم، يوم يكون لبنان الكبير وفلسطين الجديدة وإسرائيل الحقيقية. يكون واحداً هذا اللبنان من ثالوث موحد، موحد الذات، مثلث الصفات، حول القدس عاصمة الحقيقة والمحبة فيعلق المسلمون سيوفهم في الشجر كما ورد في الأحاديث، وتصبح الرماح أسكة للحراثة كما يقول النبي في التوراة ويتكىء جميع المدعوين الى وليمة الإخاء كما يقول الإنجيل.
وبما أن هذه البشائر لا تدعو بعد الى التفاؤل فلدى المسيحي إذاً بعد مواجهات ومجابهات قبل أن ينهض الشرق الى مستوى ما نعلنه بالإيمان الآن، نعلنه بالقصد والعمل من إخوّة ومودة بين الحضارات والأديان والأعراق هنا. وإذا كان من إنسحاب أو اغتراب لأن البشائر لم تتحقق وطال عهد تحقيقها، وإذا كان من انسحاب أو اغتراب فهو الى طليعة هذه المستقبلات لا الى مناخات الإعتزال الموبوءة طمعاً بالطمأنينة المسوّسة وحفاظاً على موارث ماضية، المهم عندنا هو الحفاظ على هذا المستقبل، على هذا المسيح الآتي.
تخبر السيرة النبويّة عن الملاك الذي كلف بشرح الصدر النبوي ليلة الإسراء قبل العروج الى القدس، قبِل المعراج الى السماء ولا يزال الشرق في حاجة الى من يشرح صدره ويستخرج منه كل علقة سوداء ليستطيع أن يسري ليلاً أو نهاراً في معراج جديد لا صوب العيوب بل صوب الحضور في قلب التاريخ.
ولكن أيوجد ملاك، هل من ملاك، هل تكون المسيحية هذا الملاك، ما هو نصيبنا؟ يوجد هناك شياطين الهلاك، حتم على المسيحي الصادق اليوم أن يعيش عمره ثلاثة أعمار، يحضر في أمسه ليتعلم منه ويعلم غيره، ليتعلم من الماضي أمثولة الإبداع والجسارة، ويحضر في حاضر الشرق العربي اليوم ليقاسي معه أسبوع آلامه، ويحضر في المستقبل ليعرف المسيح، ليسبق كالمسيح أصحابه الى موعد القيامة. إذهبوا فهناك سبقكم المعلم ونحن إثره راحلون.
الأب ميشال الحايك.
عنFadi Chamaty أيار 6 مايو 2014

الأب ميشال حايك توفي في 1 أيلول 2005 عن 77 عاماً،

هناك تعليق واحد:

fadi chamaty يقول...

كلام رائع. الله يقدسك ابونا